ترجمة حفصة جودة
تعد الاعتذارات البرعم الجديد للعلاقات، حيث يرى الباحثون أنها جيدة لنا، فهي مثل تناول عشاء من الخضراوات بعد وجبة غداء من البرجر والبطاطس المقلية، حيث يمكنها تخفيف الآثار السيئة لتلك الوجبة، لكن هناك مرارة صغيرة تجعل الاعتذار أمرًا صعبًا حتى إننا نختار القيام بشيء آخر بدلًا منه.
عندما بدأت عالمة النفس كارينا شومان في دراسة الاعتذارات لاحظت شيئًا غريبًا: لم يبحث علماء النفس كثيرًا في أسباب صعوبة الاعتذار، فمعظم الدراسات كانت تركز على الضحية وكيف يساعد الاعتذار على المسامحة والتعافي.
تقول شومان – الأستاذ المساعد بجامعة بيتسبرج -: “لم يكن هناك الكثير من الأبحاث بشأن المذنب، لم يكن هناك تجاهل تام، لكن البحث في أسباب اعتذار شخص ما من عدمه هو أمر بدأ دراسته حديثًا”، يتعلق الأمر بالوقت، فإذا تمكن الناس من فهم ما يجعل الاعتذار لائقًا لقدموا الكثير منه، فالاعتذار يجلب التعافي والغفران وقوة العلاقات.
المذنب المحتمل
هناك عدة أسباب تمنع الناس من الاعتذار، أولها “فجوة الأهمية” بين وصف الطرفين للجريمة، فمقارنة بالضحايا، عادة ما يتجه المذنبون لتبرير خطأهم ووصفه بأنه غير متعمد، أو التقليل من شأن آثاره السيئة والأذى الذي تسبب به، كما أن الاعتقاد بأن الخطأ بسيط ونادر كأن تقول “لكنني أتذكر يوم ميلادك كل عام”، أو أنه خطأ الضحية كأن تقول “لو أنك منحتني المزيد من الحرية لم أكن سأشعر بالحاجة للخداع”، يقلل من الدافعية العاطفية والمعرفية لتقديم اعتذار.
السبب الآخر أن المذنب لا يهتم ببساطة، فالاعتذار وسيلة لإعادة التواصل مع الضحية وإصلاح العلاقة من خلال الندم والتعاطف، لذا إذا لم تكن مهتمًا بذلك فلن يكون هناك ما يدفعك للاعتذار، قد يحدث أن يجعلك رئيسك في العمل تعمل لوقت متأخر في الليل أو في إجازات نهاية الأسبوع أو في العطلات دون أن يقدم الشكر أو الأسف، والسبب في ذلك أنه لا يهتم بخططك للعشاء أو إجازاتك مع أسرتك.
لذا هناك نرجسية في الأمر، فغياب التعاطف وعدم القدرة على الاعتراف بالأخطاء الشخصية من الصفات التي تجعل الشخص النرجسي أقل قدرة على الاعتذار، كما أن الأشخاص الذين لا يستطيعون رؤية وجهات نظر الآخرين أو يؤمنون بثبات الشخصية وعدم المرونة، هم أقل قدرة على الاعتذار.
هناك سبب أخير تراه شومان، وهو أن الاعتذار يشكل الجحيم لصورة المرء عن نفسه كشخص مهذب ومهتم وحساس وعلى خلق.
نظرة طويلة وقاسية في المرآة
إذا كان الخطأ لا ينعكس بشكل كبير على إحساسنا بذواتنا فسيكون من السهل الاعتذار عنه، فمثلاً لا يملك الكثير منا التحكم في جسده كراقصة الباليه وهو أمر لا يؤثر في ذاتنا، لذا عندما نصطدم بأحدهم فإننا نبادر بالاعتذار في الحال، حيث تقول شومان: “إذا لم يهدد الخطأ شخصيتك أو أخلاقك أو صورتك عن نفسك فلن تجد صعوبة في الاعتذار”.
لكن الفشل في مساعدة أحد أفراد الأسرة أو إهانة صديق أو مخالفة التوقعات وغيرهم من الأفعال التي تؤثر في إحساسك بذاتك أو مما تتمناه، أو كما تقول شومان: “يهدد صورتك عن ذاتك خاصة كشخص أخلاقي أو شريك جيد، فإن الاعتذار يصبح موقفًا صعبًا”، ويتطلب ذلك منك الانتباه للجوانب السلبية في سلوكك وأن تضعها نصب عينيك بحيث ترى أن هذا هو ما أنت عليه ويجب أن تتوقف عن خداع نفسك.
يضعنا الاعتذار في مواجهة حقيقة أن هناك ما يجب أن نعتذر عنه ويجلب ذلك شعورًا بالذنب والعار، ورغم أننا نشعر بأننا أفضل بعد الاعتذار وأكثر نزاهة، فإن الاعتذار قد يقوض من إحساسنا بأن المعتذر شخص جيد، فالاعتذار يكشف السلوك المخزي للشخص أمام الجميع أو أمام الضحية على الأقل.
لهذا السبب يشعر المذنبون أن الاعتذار يهدد صورتهم الشخصية لذا يترددون في تقديمه، ويصبح عدم الاعتذار وسيلة فعالة للحد من التهديد لصورة المرء كشخص مهذب، ويفسر ذلك لماذا يخشى الأشخاص ذوو الشخصيات الهشة الاعتذار، فهم لا يملكون الكثير ليقدمونه.
وجدت دراسة أجريت في 2012 أن الأشخاص الذين يفشلون في الاعتذار لديهم ارتفاع في حب الذات وزيادة في الشعور بالتحكم في الآخرين والسيطرة عليهم، مقارنة بهؤلاء الذين يجيدون الاعتذار، والسبب في ذلك أنهم يرون أن الاعتذار يمنح الضحية الفرصة لتضخيم الخطأ ويقوض من “سلامة القيمة” وهي ثقة المرء في نفسه كشخص جيد وثقته في سلامة معتقداته.
فرصة المضي قدمًا
هذه القائمة الطويلة من حواجز الاعتذار التي اكتشفتها شومان في ورقة بحثية عام 2018 يجب أن لا تستخدم كذريعة أو عذر لليأس، لكنها تشكل دافعًا ليصبح الاعتذار أسهل، فعلى سبيل المثال عندما يركز الناس على قيمتهم الجوهرية فإنهم يصبحون أكثر قدرة على الاعتذار بصدق.
في إحدى دراسات شومان طلبت هي وزملاؤها من المشاركين كتابة أسباب ارتفاع أهمية القيمة الشخصية، هذا التمرين البسيط يعزز الصورة الذاتية كشخص أخلاقي بتأكيد الالتزام بقيمة ثمينة، عند المقارنة مع الأشخاص الذين لم يقوموا بهذا التمرين، فقد قدم المشاركون الذين قاموا بالتمرين اعتذارات صادقة عن الأخطاء التي تذكروها عندما كتبوا ما سيقولونه للأشخاص الذين تسببوا في أذى لهم.
لكن هذه الدراسة كانت اصطناعية وليست في العالم الحقيقي، فالمشاركون كانوا يعلمون أنهم في تجربة نفسية مما قد يؤثر على سلوكهم، لذا يجب النظر إلى تلك النتائج بعين الشك، لكن من خلال فهم الحواجز التي تمنع من الاعتذار – مثل عدم الاكتراث بآلام الآخرين أو ضعف العلاقة أو تجنب تهديد الصورة الذاتية – فبإمكاننا اكتشاف ما الذي يمنعنا من الاعتذار في موقف معين، ومن هنا يصبح لدينا الفرصة لتغيير مسارنا والبدء في رحلة التعافي.
كيف تقدم اعتذارًا لائقًا؟
يتضمن الاعتذار الجيد 3 عناصر مهمة:
تحمل مسؤولية الخطأ وعدم التلميح إلى وجود قوى خارجية تسببت في ذلك أو أن الضحية السبب في ارتكاب الجاني لهذا الخطأ.
قل: أنا آسف لم أساعدك في الانتقال عندما قلت أنني سأفعل ذلك.
ولا تقل: لقد كنت تطلب مني الكثير لذا لم أتمكن من القيام بذلك.
الاعتذار مطلق، فإذا كان الاعتذار يتضمن كلمة “لكن” فإنه اعتذار فاشل، يمكنك لاحقًا – بعد تعافي الجرح – أن تتحدث عن أي شروط أو تحفظات لها علاقة بمستقبل التفاعل مع الضحية.
قل: لقد خنت ثقتك ولم أكن مراعيًا لمشاعرك.
ولا تقل: أنا آسف لأنني جعلتك تشعر بالهجر، لكنني لم أدرك كم كان العمل كبيرًا وكان لدي الكثير من الأعمال هذا اليوم.
يجب أن تقدم تعويضًا، كأن تعرض على هذا الشخص المساعدة أو القيام بجهد مخلص لتجنب وقوع هذا الخطأ في المستقبل.
قل: أعلم أنني كفرت عن هذا الذنب، لكن هل يمكنني مساعدتك في إفراغ الأمتعة والتنظيف؟ إذا لم يكن متاحًا تأكد أنني سأكون بجانبك في المرة القادمة وسأفعل ما بوسعي لأكون متاحًا، وإذا لم يكن مناسبًا سأخبرك بذلك مسبقًا.
ولا تقل: هل يمكننا أن نتواصل بشكل جيد في المرة القادمة؟
المصدر: مايندفول