في المجمع السكني للحرس الجمهوري في جديدة الشيباني، شمال غرب دمشق، كان السكان يحزمون حقائبهم، وكانت الشاحنات المحملة بالأثاث، حتى آخر فراش، تتدفق إلى أسفل التل. وكانت قوات النخبة التابعة للنظام السوري القديم تعود إلى قراها، خاصة تلك الموجودة في معاقل الطائفة العلوية في الساحل والتي ينتمي إليها آل الأسد.
لقد تعهد حكام سوريا الجدد بأن من تلطخت أيديهم بالدماء هم فقط من سيتم اعتقالهم ومحاكمتهم، لكن الكثيرين لا يخاطرون بذلك.
الأهم من ذلك كله؛ اختفى أقرب مساعدي بشار الأسد. ويأتي على رأس قائمة المطلوبين في سوريا شقيقه الأصغر، ماهر، القائد العسكري الفعلي الذي قاد أول حملة قمع للاحتجاجات في المراحل الأولى من الانتفاضة. وهو مقرب من إيران ويُعتقد أنه استمر في الضغط على الأسد طوال فترة الحرب لعدم تقديم تنازلات.
وكان أيضًا من أبرز الشخصيات الفاسدة في النظام؛ حيث كان يقوم بسحب الأموال من خزائن الدولة إلى حسابات عائلية، ولاحقًا كان يشرف على أكثر الصناعات ربحًا في سوريا، وهي صناعة المخدرات، وبالأخص الأمفيتامين الكابتاغون.
وقال حسن عيد، البالغ من العمر 32 سنة، وهو أحد السوريين الذين توجهوا إلى منازل ماهر الأسد الفخمة شمال دمشق بعد سقوط النظام: “ماهر مثل شبح ضخم ومخيف”. وكان حسين يعبث ببعض علب ساعات أوميغا الفارغة؛ حيث أضاف: “اسمه مثل قصة رعب. فقد كان مثل مصاص دماء كبير، إلا أنه كان يمتص الدولارات”.
وبقي ماهر في دمشق بينما حققت قوات المعارضة التابعة لهيئة تحرير الشام اختراقًا غير متوقع من إدلب واتجهت نحو الجنوب. ووفقًا لروايات غير مؤكدة؛ كان آخر ظهور له في مشادة صاخبة مع شقيقه في مطار المزة العسكري.
كان ماهر يخطط للدفاع الأخير في مدينة حمص، التي تبتعد ساعتين عن شمال دمشق، وفي صباح 7 ديسمبر/ كانون الأول، قام بإطلاع شقيقه على ما كان يجري في المكان.
عندما لم يتمكن من الوصول إلى الرئيس مرة أخرى بعد الظهر، تتبع أثره إلى المطار، حيث كان بشار على وشك الصعود إلى طائرة ستنقله إلى قاعدة حميميم الجوية الروسية، ومنها توجه إلى موسكو. وعندما أدرك الجيش أن الرئيس قد تخلى عنهم، انهار آخر معقل للمقاومة.
ونفت العراق التقارير التي تحدثت عن فرار ماهر إلى بغداد، رغم أنها تدرس ما يجب القيام به حيال عدة آلاف من الجنود التابعين للنظام الذين عبروا الحدود طلبًا للجوء.
وتقول الروايات الأكثر مصداقية أن ماهر، مثل شقيقه، قد شق طريقه إلى موسكو، حيث استثمرت عائلة الأسد عشرات الملايين من الدولارات في العقارات.
كان ماهر وزوجته منال قد اعتادا على الحياة الراقية حتى في الوقت الذي كانت فيه سوريا تُعاني من الفقر بسبب الحرب والفساد والعقوبات.
وفي منزلهم الصيفي على قمة الجبل، كان اللصوص قد ذهبوا بالفعل وغادروا، تاركين وراءهم فوضى ومجموعة غريبة من بقايا الطعام.
في مكتب ماهر؛ كان هناك قرص فيديو رقمي لجينيفر لوبيز على المكتب بجانب ملصق ممزق لبشار وعلبة من حبوب “فيتو أندرو”، وهو “مكمل غذائي قوي وطبيعي 100%، لتحسين الصحة الجنسية والرغبة الجنسية”، والذي وفقًا للعبوة “يطلق العنان للحصان الذي بداخلك”.
وفي الطابق السفلي؛ كان هناك درج مخفي خلف باب معدني مغلق يؤدي من مرآبه إلى غرف ومخازن تحت الأرض. وكان هناك مصعد كهربائي مزود بأزرار فضية، ومقعد من الجلد المبطن وزر إيقاف أحمر للطوارئ، ينقل أولئك الذين لا يرغبون أن يكلفوا أنفسهم عناء المشي.
في المخازن كانت توجد صناديق فارغة لعلامات تجارية فاخرة، مثل صناديق ساعات لونجين، ورولكس، وكارتييه. وكانت هناك زجاجات فودكا محطمة، وفي أماكن أخرى كان هناك عبوات فارغة لمسدسات. وقد تم نهب معظم المحتويات بالفعل من قبل السوريين الذين وصلوا في البداية مع فرار النظام.
ودفع غيث كمال الدين، 19 سنة، وأصدقاؤه عربة إلى الحائط ثم وضعوا صندوقًا خشبيًا مكسورًا فوقها. وصعد غيث إلى الأعلى ورفع رأسه من خلال الفتحة التي كانت توجد فيها فتحة التهوية. وكانت الغرفة المجاورة فارغة. وقال: “لقد جئنا للزيارة. إنها أشبه بمتحف الآن”.
في الطرف البعيد، كان هناك فتحة، وعندما تم فتحها قادت مباشرة إلى جانب التل، مع تدفق أشعة الشمس بشكل مفاجئ عند فتحها. ومن الخارج؛ كان واضحًا أن الفتحة تقع فوق مدخل أكبر، يكفي مرور شاحنة من خلاله، وكان هناك طريق متعرج نزولًا إلى الوادي في الأسفل.
وعلى بعد عشرة أميال في الضاحية الراقية في يعفور، الشهيرة بإسطبلات الخيول والمنازل التي تبلغ قيمتها ملايين الدولارات، كان هناك مصعد درج آخر يؤدي إلى مزيد من الغرف تحت مسكن ماهر، زوجة ماهر. ومرة أخرى؛ كان هناك نفق آخر يتجه نحو سفح الجبل وفتحة للهروب.
وكان الاختلاف هنا هو أن صناديق المسدسات والساعات الفارغة استُبدلت بصناديق لملابس النساء، أما الملابس نفسها فقد اختفت، فلم يتبقَ منها سوى مئات الصور العائلية، لمنال وأطفال الزوجين الثلاثة.
وكانت منال الجدعان من عائلة مسلمة سنية راقية، مثل عائلة أسماء زوجة بشار الأسد. وقد ظهر ذلك في الصور: نادي المهر، والتجمعات العائلية والرحلات إلى عالم البحار، حيث كان الأطفال يركبون الدلافين. وشاركت الابنتان شام وبشرى في مسابقات قفز الحواجز الوطنية، وغالبًا ما كانتا تفوزان بجميع الجوائز، ولم يكن هناك سوى صورة واحدة لماهر نفسه.
كان “السياح” الذين عاش الكثير منهم في فقر على مدى العقد الماضي أو أكثر، ينظرون بفضول. وقال أحد الرجال: “لو كانوا قد غادروا في سنة 2012 أو حتى سنة 2015، لكانوا قد رحلوا بكرامة. لكن بهذا الشكل… لا كرامة على الإطلاق“.
ويأتي في سجل دفتر في منزل حارس البوابة كل مرة منال وأطفالها ويغادرون من المنزل. وكان آخر تسجيل تم في 29 نوفمبر/ تشرين الثاني في الساعة التاسعة مساءً، وربما تكون عائلات القادة قد توجهت إلى موسكو قبل ذلك، عندما اتضح حجم الأزمة التي تواجهها البلاد.
وكان ماهر، الأخ الأصغر، وباسل، الأكبر، يُعتبران دائمًا “الرجال الأقوياء” في عائلة الأسد. أما بشار فكان المثقف العصبي – على الأقل نسبيًا – الذي ورث مملكة والده حافظ فقط عندما توفي باسل، الذي كان لاعبًا، بعد أن اصطدمت سيارته بالقرب من دمشق في سنة 1994.
وكان ماهر يقود الفرقة الرابعة في الجيش، التي قادت المحاولة الأولى لقمع الانتفاضة في سنة 2011 بالقوة، ويُعتقد أنه كان متورطًا بشكل مباشر في هجمات النظام بالأسلحة الكيميائية لاحقًا.
لقد أصدرت فرنسا بالفعل مذكرة توقيف بحقّه، وتعمل الآن مجموعة من المحققين السوريين والغربيين على إعداد خطط للملاحقات القضائية الدولية. وإذا غادر ماهر الحضن الآمن والمحدود لروسيا، فإنه من المحتمل أن يواجه خيار المحكمة الدولية أو أي نظام قضائي قد يضعه حكام سوريا الجدد، وقد يفضل البقاء حيث هو.
المصدر: ذا تايمز