أعلن المؤتمر الدولي لـجمع التبرعات الإنسانية لجنوب السودان الذي اختتم أعماله اليوم في العاصمة النرويجية أوسلو، عن جمع 600 مليون دولار كمساعدات إنسانية للمحتاجين في جنوب السودان، وستستخدم هذه الأموال لمحاربة المجاعة في جنوب السودان عبر توفير الغذاء والمياه الصالحة للشرب وإقامة مأوى وتنظيم فعاليات لتعليم وحماية الأطفال.
وإن كان خبر نجاح المجتمع الدولي في توفير هذا المبلغ بهذه السرعة مثيرًا للسعادة – كما قال وزير الخارجية النرويجية – فإنه يدعو لطرح تساؤلات عما حققته جنوب السودان من انفصالها عن الجمهورية السودانية، وعن مآل المطالب والذرائع التي رفعت قبل الانفصال من قبيل إنهاء الاقتتال الداخلي وتحقيق التنمية وإنهاء التهميش الذي يعاني منه سكان الجنوب.
مليون جائع:
قبل أسبوعين، وجه الأمين العام للأمم المتحدة “بان كي مون” نداءً ملحًا لإنقاذ جنوب السودان، قال فيه إن “مليون شخص يواجهون خطر المجاعة بسبب المعارك وموسم الأمطار”، مضيفًا: “إذا لم نتحرك فورًا فإن مليون شخص قد يعانون من المجاعة في غضون أشهر.. ملايين السودانيين الجنوبيين جائعين اليوم، ونحن نلحظ مستويات عالية جدًا من سوء التغذية في صفوف مئات آلاف النازحين من جراء النزاع، وخاصة النساء والأطفال”.
آلاف المشردين والقتلى:
حسب منظمة “وورلد فيجن” للمساعدات، خلف الصراع المسلح في الدولة الأحدث في العالم آلاف القتلى وأكثر من 700 ألف نازح منذ اتخذ الصراع على السلطة بين الرئيس سلفا كير ونائبه سابقًا ريك مشار اتجاه العنف منتصف كانون أول/ ديسمبر الماضي، وفر 123 ألفًا و400 شخص إلى الدول المجاورة، مثل أوغندا وكينيا والسودان وإثيوبيا.
جرائم ضد الإنسانية:
مطلع هذا الشهر، ذكرت منظمة العفو الدولية أن حكومة جنوب السودان والمتمردين الذين يقاتلونها يرتكبون فظائع مروعة بدوافع عرقية، يرقى بعضها إلى درجة جرائم الحرب وجرائم ضد الإنسانية. وقال التقرير إن القوات الموالية للرئيس سلفا كير وزعيم المتمردين ريك مشار والميليشيات المتحالفة معهما “استهدفوا بشكل ممنهج المدنيين في قرى ومنازل وكنائس ومساجد ومستشفيات ومجمعات الأمم المتحدة.
وأفاد التقرير بأنه “في بعض تلك الأماكن، عثر باحثو منظمة العفو الدولية على هياكل عظمية وجثث متحللة تنهشها الكلاب”، كما كشف الباحثون أيضًا عن عشرات المقابر الجماعية، بما في ذلك خمس في بلدة بور تحتوي على 530 جثة، وقال “ميشيل كاجاري” نائب مدير منظمة العفو الدولية لشؤون أفريقيا: “يتم اغتصاب الأطفال والنساء الحوامل ويتم قتل كبار السن والعجزة على أسرتهم بالمستشفيات”، وذكرت المنظمة أن هناك حالات لنساء يتم اغتصابهن من جانب تسعة أو عشرة رجال بينما يتم تعذيب أخريات حتى الموت.
تفتت الجيش:
أعلن جيش جنوب السودان في 19شباط/ فبراير2014 أنه فقد الاتصال بقواته في ملكال عاصمة ولاية أعالي النيل النفطية (شمال- شرق) بسبب شن المتمردين بقيادة نائب الرئيس السابق ريك مشار هجومًا واسع النطاق على القوات التابعة للجيش النظامي هناك.
مع العلم أن المتمردين اعتمدوا بشكل كبير على المليشيات ذات الانتماءات العرقية مثل ميليشيا الجيش الأبيض المتكونة من نحو 25 ألف مقاتل معروفين بوحشيتهم، والمرهوبة في جنوب السودان بسبب شدة مقاتليها المنتمين في معظمهم إلى قبيلة النوير، حيث يعرف الجيش الأبيض بهذا الاسم نسبة إلى الرماد الناتج عن حرق روث الأبقار والذي يغطون به أجسادهم لحمايتها من الحشرات، ويتسلحون بالبنادق والمناجل والعصي.
وتدور في جنوب السودان مواجهات بين القوات الحكومية بزعامة الرئيس سلفاكير ميارديت، ومسلحين مناوئين له تابعين لريك مشار نائب سلفاكير المقال، وذلك على خلفية اتهام سلفاكير، مشار بالتخطيط لانقلاب عسكري لإسقاطه، وقيام الحكومة باعتقال عدد من الشخصيات التي قالت إنها “متورطة في عملية الانقلاب” في منتصف ديسمبر/ كانون الأول الماضي.
ورغم المساعدات التي جمعت لإنقاذ جنوب السودان ورغم اتفاق المصالحة الذي عُقد مؤخرًا بين الحليفين السابقين في الحرب ضد دولة السودان للمطالبة للإنشقاق عنها، والعدوين الجديدين بسبب الصراع على السلطة، فإن مستقبل دولة جنوب السودان يبقى محفوفًا بالمخاطر نظرًا لعمق الجراح الناتجة عن أشهر الصراع وعدم وجود أي ضمانات واقعية لعدم اندلاع الحرب مجددًا.