ترجمة حفصة جودة
كانت لجين الهذلول تحب دائمًا طرح الأسئلة، يقول شقيقها وليد: “كلما كانت تكبر في العمر كانت تشير دائمًا إلى النفاق المحيط بالقيادة في المملكة، وكانت تحاول فهم سبب منع المرأة من القيادة، لم تتوقف لجين عن التساؤل”.
لكن في أبريل العام الماضي تم توقيف لجين في أثناء قيادتها السيارة بالإمارات العربية المتحدة ثم ترحيلها إلى السعودية، ليبدأ حكام المملكة في سلسلة من الجهود الوحشية لإسكاتها.
تقول لجين إنهم احتجزوها لمدة 3 أيام ثم أطلقوا سراحها ليعتقلوها مرة أخرى من منزل أسرتها بالرياض، كانت معصوبة العينين وألقوا بها في صندوق السيارة ليأخذوها إلى مقر احتجاز كانت تسميه “قصر الإرهاب” وهناك عذبوها وهددوها بالاغتصاب والموت، وهي الآن معتقلة لأكثر من عام.
تم إلقاء القبض على لجين مع 10 سيدات أخريات في حملة استهدفت الناشطات اللاتي قمن بحملة من أجل المطالبة بالحق في قيادة المرأة للسيارة، ومن بين المعتقلات الناشطة المخضرمة عزيزة اليوسف والمدونة إيمان النفجان، وأطلق نشطاء حقوق الإنسان على هذا العام “عام العار السعودي”، فقد استهدفت الاعتقالات رجال دين وصحفيين وكتاب أيضًا.
تعرضت 11 امرأة للمحاكمة بتهمة التنسيق لتقويض الأمن والاستقرار والسلام الاجتماعي في المملكة مع اتهامات بالتواصل مع صحفيين ودبلوماسين أجانب، وقد تم إطلاق سراح 7 من الناشطات مطلع هذا العام، لكن عائلة لجين لا تتوقع إطلاق سراحها، ويقول المراقبون إن لجين تعاني من سوء المعاملة في السجن نتيجة لدورها الريادي في الحركة النسوية، فنشاطها صفعة في وجه رواية المملكة التي تقول إن التغيير للنساء يأتي من الأعلى، ومع استمرار المحاكمة، لا أحد يعلم تمامًا كم ستطول فترة اعتقالها.
منظمة العفو الدولية تحتفل بيوم المرأة أمام السفارة السعودية في باريس وتطالب بإطلاق سراح الناشطات
تقول هالة الدوسري الناشطة البارزة في مجال حقوق الإنسان والباحثة في مركز حقوق الإنسان والعدالة العالمية في جامعة نيويورك، إن النساء يتعرضن للمحاكمة كأداة ردع، حيث تتم معاملتهن كمثال للأخريات اللاتي قد يفكرن في العمل مثلهن.
ووفقًا لمنظمة العفو الدولية فقد تم احتجاز النساء لمدة شهر دون أي اتصال مع العالم الخارجي مع تعريضهن للصعق بالكهرباء بالإضافة إلى التعذيب النفسي والجسدي، يقول وليد شقيق لجين المقيم في كندا لتجنب المنع من السفر المفروض على عائلتهم في السعودية: “بعد شهر من اعتقالها اتصلت لجين بوالدي من فندق في جدة، وعندما سألوها عن القضية لم تتمكن من الرد، يبدو أن أحدهم كان يملي عليها ما تقوله”.
تقول الدوسري إن لجين كانت مميزة، فقد تعرضت لتعذيب شديد في فترة الاحتجاز، وكأن الدولة تدرك مدى تأثيرها وكيف أنها تمثل اتجاهًا واسعًا للمجتمع الذي يرتبط بها حقًا وبتطلعاتها.
زار سعود القحطاني المستشار السابق لولي العهد محمد بن سلمان لجين في المعتقل للإشراف على تعذيبها وفي إحدى الجلسات قال لها سأقتلك وأقطعك إلى أجزاء وألقي بك في الصرف الصحي، لكنني سأغتصبك قبل ذلك.
لكن لجين ما زالت قلقة بشأن مصير النساء في الخارج أكثر من قلقها على نفسها، يقول وليد: “رغم أنها كانت في السجن ولم تشهد السماح للنساء بقيادة السيارة إلا أنها كانت تسألني دائمًا عن شعور النساء وإذا ما كنّ يستمتعن بحقهن في القيادة، كانت تفكر فيهن أكثر مما تفكر في نفسها، ولم تستسلم أبدًا، فقد كانت تؤمن بالحقوق الأساسية، إنها موجودة لتفكر في الآخرين وهذه شخصيتها”.
عزيزة اليوسف تقود السيارة على الطريق السريع في الرياض كجزء من حملة تحدي حظر قيادة النساء
تقول روزا خان صديقة لجين التي التقت بها في جامعة فانكوفر في كولومبيا البريطانية: “كانت لجين شخصية صريحة دائمًا ولها ضحكة مؤثرة تلفت انتباه الجميع، كانت واثقة من نفسها وذات دراية واسعة بكثير من الأمور، لم تكن تخشى التعبير عن رأيها وكان أمرًا مدهشًا أن يكون لدي صديقة مثلها”.
تشترك عروبة جمال مع خان في حملة “أصدقاء لجين” للمطالبة بإطلاق سراحها، وتقول خان إن لجين كانت تقود في كل مكان في أثناء وجودها في كندا، ورغم أن قيادة السيارة تعد ضرورة أساسية للجميع فإنها بالنسبة لامرأة قادمة من السعودية رفاهية شديدة.
كانت لجين حاضرة دائمًا على الإنترنت مما عزز من سمعتها كناقدة للقيود على المرأة السعودية فيما يتعلق بوصاية الذكر التي تمنع المرأة من السفر أو القيام بأي نشاط مستقل دون إذن الذكر، وتقول خان إن لجين كانت وطنية أيضًا فلم تنتقد ثقافتها أو الحكومة بأي شكل، كانت الثقافة السعودية جزء منها وكل ما كانت ترغب به بعض التحسينات الثانوية التي ستقودهم إلى العالم الحديث.
يقول وليد إن شقيقته لم تكن راضية عن القيام بحملة من أجل النساء السعوديات عن بُعد، احتلت لجين عناوين الصحف عام 2013 عندما سجل والدها مقطع فيديو لها وهي تقود السيارة من المطار إلى منزلهم كجزء من حملتها للسماح للمرأة بقيادة السيارة، وبعد عام في أثناء وجودها بالإمارات تم اعتقالها بعد قيادة سيارتها على الحدود السعودية وقضت 73 يومًا خلف القضبان.
الممثل الأمريكي أليك بالدوين وزوجته هيلاريا يحملان لافتات لدعم الناشطات السعوديات المعتقلات
تقول الدوسري التي التقت بلجين في مؤتمر بالولايات المتحدة إنها تأثرت بها كثيرًا وشعرت بأنها شخصية أيقونية يجب دعمها، فهي مثال مذهل لشخص يمتلك كل الإمكانات ليعيش حياة مزدهرة لكنه يخاطر بحياته من أجل الناس، وترى الدوسري أن لجين أثارت مخاوف القوى الحاكمة لأنها تملك صوتًا قويًا لا تملكه الدولة.
تنتظر عائلة لجين مكالمتها الأسبوعية كل أحد لتعلم أنها نجت من الحبس الانفرادي بعد الإفراج عن زميلاتها، ويخشى أنصارها من تعرضها للتعذيب مرة أخرى دون أن تتحدث حتى لا تشعر عائلتها بالقلق، يقول وليد: “لقد تعرضت لصدمة ولا تفكر بشكل صحيح حتى إنها قالت: لقد لوثوا سمعتي لذا من الأفضل أن أبقى في السجن لأنه ما فعلوه لي كان مروعًا”.
لكن سمعة لجين لم يصبها الضرر، فقد حصلت مع إيمان النفجان ونوف عبد العزيز على جائزة نادي القلم الأمريكي لحرية الكتابة في مارس هذا العام، وفي أبريل كان اسمها من بين أكثر 100 شخصية مؤثرة لعام 2019 في مجلة التايمز.
لقد حققت سمعة لجين الدولية طموح والدتها، فقد حكت خان كيف أخبرتها لجين عن والدتها عندما رأت صورة امرأة ذكية وسيدة أعمال على غلاف مجلة، فجمعت لجين وشقيقاتها وأخبرتهن أن يصبحن مثل هذه المرأة، وأن يعلمن ما ينبغي عليهن فعله وأن يكون طريقهن واضحًا وألا يخافن من تحمل المسؤولية وأن يفعلن ما بوسعهن لتحقيق ذلك.
المصدر: الغارديان