أفرزت انتخابات البرلمان الأوروبي، مفاجآت كبيرة، بدأت من تقدم دعاة حماية البيئة إلى صعود أحزاب اليمين المتطرف في أكبر دول الاتحاد (فرنسا وإيطاليا وبريطانيا)، مرورًا بتراجع الأحزاب التقليدية، ما يوحي بأن الاتحاد الأوروبي في طريقه إلى تغييرات كبرى من شأنها أن تضع خريطة سياسية جديدة في الاتحاد.
أنصار البيئة يحققون المفاجأة
مثل دعاة حماية البيئة أحد أبرز مفاجآت هذه الانتخابات، فقد تقدموا في دول عديدة، ففي ألمانيا، حل حزب الخضر المعارض ثانيًا خلف التحالف المسيحي، ومتقدمًا للمرة الأولى على الحزب الاشتراكي الديمقراطي، وفق نتائج أولية نشرت البارحة.
ووفق هذه النتائج، فقد حصل حزب الخضر على نحو 21% من الأصوات في ألمانيا، وعلى إثر ذلك كتب حزب الخضر على موقعه في تويتر: “شكرًا لهذه النتيجة المدوية ولكل صوت ولكل الساعات التي لا تحصى ولا تعد التي عمل فيها المساعدات والمساعدون في الانتخابات من أجل (هذه النتيجة).
حققت أحزاب اليمين المتطرف الشعبوية المشككة في الاتحاد الأوروبي، نتائج مهمة في العديد من الدول الأوروبية
أما في فرنسا، فقد حقق الخضر نتيجة اعتبرت مفاجأة بحصولهم على المركز الثالث بنسبة بلغت 13% من الأصوات في فرنسا، ليكون هذا الحزب بذلك أول قوة يسارية في فرنسا بعد رفضه التحالف مع أحزاب اليسار بما فيها حزب “فرنسا الأبية” المحسوب على أقصى اليسار لانتزاع الريادة منه.
وفي إيرلندا، حقق حزب الخضر هناك المرتبة الثانية بنسبة 15% من مجموع الأصوات في البلاد، وعلقت سكا كيلير رئيسة لائحة أنصار البيئة في البرلمان الأوروبي بعد إعلان النتائج “لقد حققنا انتصارًا كبيرًا”.
تؤكد هذه النتائج وعي الأوروبيين الكبير بحجم التحدي البيئي الذي يواجه العالم، وسعيهم إلى إيجاد حلول كفيلة لمعالجة هذه المشاكل التي من شأن تواصلها أن تعرض الكرة الأرضية لمخاطر كبرى، ويأمل المدافعون عن البيئة في أن يصبحوا محورًا لا يمكن تجاوزه في المشهد السياسي الأوروبي.
#ElectionsUE19 : résultats provisoires mis à jour pour les 28 pays & projection du prochain Parlement européen 2019-2024
Mise à jour du 27 mai à 10h40 https://t.co/ccYiODnro7#EuropeanElectionResults pic.twitter.com/ZDWhLN7Z6S
— Parlement européen (@PE_FRANCE) May 27, 2019
دعي 427 مليون ناخب أوروبي إلى التصويت طيلة 4 أيام، لانتخاب 751 نائبًا في البرلمان الأوروبي لولاية مدتها خمس سنوات، يلعبون خلالها دورًا حاسمًا في صياغة القوانين الأوروبية، ويمثل البرلمان الأوروبي مع مجلس الاتحاد الأوروبي الذي يتشكل من وزراء حكومات الدول الأعضاء، السلطة التشريعية للاتحاد.
#ElectionsUE19 : L’estimation de la participation dans l’UE est à 50,82% : c'est la participation la plus élevée de ces vingt dernières années.
Les chiffres par pays : https://t.co/RKnlkAkmIj#EuropeanElectionResults pic.twitter.com/UyFFh4kRjf
— Parlement européen (@PE_FRANCE) May 27, 2019
وعرفت هذه الانتخابات مشاركة واسعة، حيث أعلن البرلمان الأوروبي أن نسبة المشاركة هي “الأكبر في عشرين عامًا” وتقدر بـ51% بالنسبة إلى الدول الـ27 الأعضاء في الاتحاد من دون المملكة المتحدة، وأوضح المتحدث باسم البرلمان جوم داش أنه مع احتساب المملكة المتحدة، فإن هذه النسبة يمكن أن تتراوح بين 49 و52%.
فرنسا وإيطاليا وجهة جديدة لليمين الشعبوي والمتطرف
كما كان متوقعًا من قبل، حققت أحزاب اليمين المتطرف الشعبوية المشككة في الاتحاد الأوروبي، نتائج مهمة في العديد من الدول الأوروبية، إلا أن أبرزها كان في فرنسا وإيطاليا ليمثلا معًا وجهة جديدة لليمين الشعبوي والمتطرف في القارة العجوز.
وتتوزع كتلة اليمين المتطرف على تحالف “أوروبا الأمم والحرية” الذي يضم حزب التجمع الوطني الفرنسي بزعامة مارين لوبان، وحزب الرابطة بزعامة سالفيني، وتحالف “أوروبا من أجل الحرية والديمقراطية المباشرة” الذي يضم “حركة خمس نجوم” الشعبوية (وهي شريك لحزب الرابطة بالحكومة الإيطالية) وحزب “بريكست” البريطاني المنادي بالخروج من الاتحاد الأوروبي بزعامة نايجل فراج.
النتائج في فرنسا حملت تقدم اليمين المتطرف الشعبوي بزعامة مارين لوبن على حزب الرئيس إيمانويل ماكرون، وحسب نتائج أولية فإن حزب التجمع الوطني اليميني المتطرف (بزعامة لوبن) نال 24% من الأصوات متقدمًا على حزب ماكرون الذي نال 22%.
? « Les Français ont placé la liste du RN conduite par @J_Bardella en tête des élections #Européennes2019.
J'y vois #LaVictoireDuPeuple qui, avec fierté et dignité, a repris ce soir le pouvoir.
Un grand mouvement pour l'alternance est né. » pic.twitter.com/i7tXnKLoMB
— Marine Le Pen (@MLP_officiel) May 26, 2019
واعتبرت لوبان هذه النتائج “نصرًا للشعب الذي رأى بفخر واعتزاز من أجل استعادة السلطة.. نحن نستقبل هذه النتائج بكل فرح لأن التصويت من أجل هذه القائمة هو من أجل فرنسا والشعب”، وأضافت “شعبنا يعيش منذ عدة أشهر في غموض، نحن بديل أول، إنها انتكاسة للحزب الحاكم الذي وضع كل ثقله في هذه الانتخابات”.
وفي إيطاليا، حل حزب الرابطة اليميني المتطرف بقيادة ماتيو سالفيني المعروف بمناهضته الشديدة للتجربة الوحدوية الأوروبية، في المرتبة الأولى بحصوله على نحو 32%، أما حركة 5 نجوم فقد جاءت في المرتبة الثالثة بنسبة تقارب 17% من مجموع الأصوات في إيطاليا، الأمر الذي يجعل اليمين المتطرف القوة الأولى في إيطاليا.
أما في بريطانيا، فقد تصدر حزب “بريكست” المناهض للاتحاد الأوروبي، نتائج انتخابات البرلمان الأوروبي، بفوزه بـ31 من الأصوات في البلاد، بينما حل ثانيًا حزب الديمقراطيين الأحرار المؤيد للبقاء في الاتحاد الأوروبي، وتراجع حزب المحافظين الحاكم إلى المركز الخامس بعد فشله في إخراج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي.
Una sola parola: GRAZIE Italia! ?? pic.twitter.com/PEmaNvCpNJ
— Matteo Salvini (@matteosalvinimi) May 26, 2019
وتشكل حزب “بريكست” في شهر فبراير/شباط الماضي، ويحظى هذا الحزب بدعم النائب الأوروبي نايجل فاراج المعروف بموقفه الداعم بشدة لخروج المملكة المتحدة من الاتحاد الأوروبي، كما كان أبرز الناشطين خلال الاستفتاء بشأن بريكسيت عام 2016.
وفي ألمانيا حصل حزب “البديل من أجل ألمانيا” اليميني الشعبوي، المناهض للاتحاد الأوروبي، على ما نسبته 10.8%، أي بزيادة أكثر من 3% عن الانتخابات السابقة لكنها أقل مما حصلوا عليه في الانتخابات التشريعية في ألمانيا.
وفي النمسا، حصل حزب الحرية اليميني الشعبوي على 17.5%، وهي نسبة أقل من تلك التي كان قد حصل عليها في انتخابات 2014، وذلك نتيجة فضيحة الفيديو التي أطاحت بزعيم الحزب ونائب المستشار هاينتس-كريستيان شتراخه، وأدت إلى انهيار الائتلاف الحاكم هناك.
بقي الحزب الشعبي الأوروبي والاشتراكيون الديمقراطيون القوتين الرئيسيتين في البرلمان لكنهما فقدتا قدرتهما على تشكيل أغلبية بمفردهما
ودعا التجمع الوطني الذي تقوده لوبان، على إثر إعلان هذه النتائج، إلى تشكيل مجموعة قوية في البرلمان الأوروبي تضم الأحزاب القومية والشعبوية المشككين في جدوى الوحدة الأوروبية، رغم كونهم قوى غير متجانسة أثبتت فشلها في الاتحاد سابقًا.
من الصعب أن تتقارب الأحزاب اليمينية الشعبوية المتطرفة وتتحد للاختلافات الكبيرة بينها، وحتى وإن تم ذلك، فلن تشغل أكثر من 172 مقعدًا وهو رقم بعيد عن الأغلبية المحددة في البرلمان بـ376 مقعدًا، وهو ما يضعف وزنها في البرلمان الأوروبي.
ورغم صعوبة تقاربها، فإن الأحزاب اليمينية المتطرفة حققت نتائج مهمة من شأنها أن تدعم مكانتها في الخريطة السياسية في دول الاتحاد الأوروبي، ما يعزز المخاوف من إمكانية سيطرتها على حكومات دول الاتحاد وتطبيق توجهاتها المناهضة للوحدة، وبالتالي تفكك هذا الاتحاد القاري.
صراع على منصب رئاسة المفوضية
هذا الفوز لليمين المتطرف لم يمكنهم من اكتساح البرلمان، فقد فازوا بثلث المقاعد فقط، ما يعني احتواء المشككين في الاتحاد الأوروبي وسياسة الوحدة المتبعة، وحسب تقديرات، بقي الحزب الشعبي الأوروبي (يمين مؤيد لأوروبا) القوة الأولى في البرلمان لكنه يشغل حاليًّا 179 مقعدًا مقابل 216 قبل الانتخابات.
وطالب قادة هذه الكتلة معتمدين على فوزهم، بأن يترأس زعيمهم الألماني مانفريد فيبر، المفوضية الأوروبية التي تعتبر الأداة التنفيذية للاتحاد، خلفًا ليونكر جان كلود يونكر الذي ينتمي هو أيضًا إلى الحزب الشعبي الأوروبي، وهو ما رفضه الاشتراكيون الديمقراطيون القوة الثانية في البرلمان بعد الانتخابات (150 مقعدًا مقابل 185 في الدورة السابقة).
ووفقًا للمعاهدة الأوروبية فإن مهمة ترشيح مسؤول للمنصب الأول في بروكسل يقع على عاتق المجلس الأوروبي، أي قادة الدول الـ28 الأعضاء في الاتحاد الذين يُعارض العديد منهم النظام البرلماني، وسيلتقي القادة مساء الثلاثاء لإطلاق عملية اختيار المرشحين للمناصب الكبرى.
خسارة كبرى لمشروع ماكرون وميركل الأوروبي
بقي الحزب الشعبي الأوروبي والاشتراكيون الديمقراطيون القوتين الرئيسيتين في البرلمان لكنهما فقدتا قدرتهما على تشكيل أغلبية بمفردهما، ما يحتم عليهما إجراء مفاوضات مع الليبراليين بما فيهم حزب الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون الذين حصلوا على 107 مقاعد مقابل 69 في البرلمان السابق، أو دعاة حماية البيئة الذين ارتفع عدد مقاعدهم من 52 إلى 70.
هذه النتائج، تؤكد الصعوبات الكبيرة التي تمر بها الأحزاب التقليدية في القارة الأوروبية، خاصة في فرنسا وألمانيا وبريطانيا فضلاً عن إيطاليا، ما يوحي بتحولات كبرى في الخريطة السياسية للقارة في المستقبل القريب.