استفاق السودانيون اليوم الثلاثاء على وقع إضراب عام، يمتد إلى الغد، دعت له قوى الحرية والتغيير في البلاد لزيادة لضغط على المجلس العسكري، في ظل عدم وجود أي تقدم في ملف التفاوض معه بشأن آليات حكم البلاد في المرحلة القادمة.
استجابة واسعة للإضراب
استجابت عشرات النقابات في القطاعين الخاص والحكومي، على غرار قطاعات النقل (المطارات والسكك الحديدية …) والبنوك والكهرباء والمستشفيات والصيدليات وشركات الاتصالات وقطاع النفط، لدعوة الإضراب العام، وفق ما رصده “نون بوست”، وتناقل العديد من العاملين في هذه القطاعات صورًا ومقاطع فيديو على مواقع التواصل الاجتماعي تثبت بدء سريان الإضراب في أماكن عملهم.
ونقل العديد من السودانيين لـ”نون بوست”، استجابة محلات تجارية عديدة لدعوة الإضراب العام، رغم اقتراب عيد الفطر المبارك، حيث تكثر الحركية الاقتصادية في السودان في هذه الأيام على غرار باقي الدول الإسلامية.
تشدد قوى المعارضة السودانية، على أهمية الإضراب العام في هذه المرحلة، باعتباره خطوة تدريجية أولى تتبعها خطوات أخرى
يصف سوداني، يدعى علي عيد أحمد ركابي لنون بوست الأجواء في الخرطوم صباح اليوم قائلاً: “جميع المحلات مغلقة، لا توجد حركة في الطرقات كما أن وسائل النقل البرية متوقفة من وإلى الولايات.. شبه توقف تام في السودان وهذا إن دل إنما يدل على نجاح الإضراب بصورة عامة”.
ويشمل الإضراب، القضاة أيضًا، حيث أعلنت اللجنة التمهيدية لنادي القضاة في السودان الدخول في الإضراب، وأكدت في بيان أن الإضراب سيتم من داخل المحاكم بحضور القضاة إلى مواقعهم والانصراف منها في المواعيد الرسمية دون ممارسة أي أعمال قضائية أو إدارية.
وفي مطار الخرطوم، بدا الإضراب واضحًا، مما أثر في حركة الطيران، وقال تجمع الطيارين السودانيين في بيان نشره تجمع المهنيين السودانيين، عبر صفحته الرسمية على فيسبوك: “مع ساعات الصباح الأولى، نؤكد لكم أن جميع الطيارين السودانيين في كل شركات الطيران ملتزمون تمامًا بالإضراب المعلن الذي بدأ الساعة 12 منتصف الليل بالتوقيت المحلي”.
في غضون ذلك، نشرت صفحات المعارضة السودانية لقطات مصورة من بعض المرافق العامة التي شُلت تمامًا بسبب الإضراب، بينما ردد بعض المشاركين فيه هتافات تطالب بدولة مدنية ديمقراطية وتتحدى المجلس العسكري الذي يتولى أعضاؤه تسيير شؤون الحكم منذ الإطاحة بعمر البشير.
وكانت تنظيمات مهنية، دعت إلى المشاركة في الإضراب العام المتواصل لمدة يومين، بحسب بيانات للجنة أطباء السودان وشبكة الصحفيين ونادي القضاة وتجمعات للصيادلة والمهندسين وأساتذة الجامعات والمحامين.
مطالب عالقة
“هذا الإضراب، جاء نتيجة رفض المجلس العسكري تسليم السلطة للمدنيين أو حتى قبول شراكة تضمن إقامة حكومة مدنية مستقلة،” يقول الصحفي السوداني خالد أحمد: “المجلس العسكري يريد أن تكون لديه الأغلبية والرئاسة على المجلس السيادي وهذا الأمر سيجعل الحكومة المدنية الانتقالية تحت إدارة المجلس العسكري وهذا الأمر مرفوض وضد أهداف الثورة التي قامت في السودان وسقط فيها عشرات الشهداء”.
ويتابع أحمد في حديثه لنون بوست “في إطار النضال المدني السلمي جاء قرار الإضراب السياسي للضغط على المجلس العسكري لتسليم السلطة لحكومة مدنية بكل صلاحياتها وعودة الجيش لثكناته وممارسة دوره في حماية حدود البلاد”.
وكان تجمع المهنيين السودانيين (أحد المكونات الرئيسية “قوى إعلان الحرية والتغيير”)، قد دعا الجمعة الماضية لإضراب عام، معتبرُا في بيان أنه وسيلة من وسائل المقاومة السلمية لتشكيل ضغط شعبي من أجل إنجاز أهداف الثورة، وأولها تسليم مقاليد الحكم إلى سلطة مدنية انتقالية، وفقًا لـ”إعلان الحرية والتغيير” الذي توافقت عليه جماهير الشعب السوداني.
ودعا التجمع، الموظفين والعاملين في مؤسسات القطاع الحكومي ومؤسسات القطاع الخاص، للوجود في أماكن العمل خلال يومي الإضراب والامتناع عن أداء العمل مع الخروج في نهاية الدوام للانضمام إلى المواكب والاعتصامات.
يطالب السودانيون بتسليم السلطة للمدنيين
تتمثل المطالب العالقة، وفق خالد أحمد، في “نسب التمثيل في مجلس السيادة وهو سيكون أعلى سلطة في البلاد حيث يريد العسكر أغلبية ورئاسة المجلس وهذا مرفوض من القوى المدنية وجاء هذا الإضراب للضغط حتى يقبل العسكر تمثيلاً محدودًا في مجلس السيادة”.
من جهته يقول الناشط ضمن صفوف المحتجين السودانيين عمار النوراني، إن الشعب يطالب فضلاً عن تسليم السلطة للمدنيين، بمحاسبة رؤوس النظام السابق الذي ما زال يمارس أعماله في الخفاء واسترجاع ما تم نهبه من ممتلكات الدولة.
ويعكس الإضراب العام الذي تشهده البلاد رغبات الشعب السوداني واستياءه من النظام الحاليّ، وفق عمار النوراني، ويقول النوراني في تصريح لنون بوست: “الإضراب وسيلة سلمية اختارها الشعب الذي عانى 30 عامًا من ظلم وقهر العسكر، للضغط على نظام لم تتقدم البلاد خلال حكمه شبرًا واحدًا”.
وتجري مفاوضات بين المجلس العسكري الانتقالي وقوى الاحتجاج بشأن إدارة الفترة الانتقالية للسودان، وعلقت المفاوضات ثلاث مرات كان آخرها الأسبوع الماضي، وحتى الآن لم يحدد أي موعد جديد لاستئنافها.
عصيان شامل على الأبواب
تشدد قوى المعارضة السودانية على أهمية الإضراب العام في هذه المرحلة، باعتباره خطوة تدريجية أولى تتبعها خطوات تستكمل “النضال” لتحقيق مطالب الشعب، مهددين بإمكانية الوصول إلى العصيان المدني الشامل في حال “تعنت العسكر”.
“إذا واصل المجلس العسكري في عدم استجابته ستتم الدعوة للعصيان المدني الشامل”، يقول الصحفي السوداني خالد أحمد، ويرى أن العصيان سيكون أحد الحلول التي من الممكن اللجوء إليها في ظل عدم رغبة العسكر في الاستجابة لمطالب الجماهير السودانية المعتصمة في الساحات.
للحد من نجاح الإضراب، حذر عسكر السودان الماسك بزمام الأمور، من التداعيات السلبية لهذا التوجه على اقتصاد البلاد الذي يعاني أصلاً من أزمات متعددة
جدير بالذكر أن المحتجين يريدون رئيسًا مدنيًا للمجلس السيادي، الأمر الذي يرفضه المجلس العسكري، كما يطالبون بأن يكون الأعضاء 8 مدنيين و3 عسكريين، بينما يريد المجلس العسكري 7 عسكريين و4 مدنيين.
ويرى عمار النوراني أن “العصيان المدني الشامل هو سلاح الدمار الشامل الذي سيقضي على النظام الفاسد”، و”سيمكن هذا الشعب العظيم من النهوض بالسودان من جديد، لما له من قدرات كبيرة على العمل والإبداع”.
وفي وقت سابق، تعهد القيادي في قوى الحرية والتغيير وجدي صالح بالدخول في إضراب شامل وعصيان مدني مفتوح في حال عدم التوصل إلى اتفاق نهائي مع المجلس العسكري، وأضاف صالح خلال مؤتمر صحفي عقدته قوى الحرية والتغيير مساء أمس الإثنين أن المجلس العسكري يعتبر نفسه الضامن للثورة، في حين أن الضامن هو الشعب السوداني والقانون، مشيرًا إلى عدم وجود مشكلة بين قوى الحرية والتغيير والمجلس العسكري أو أشخاص هذا المجلس.
تداعيات محدودة على اقتصاد البلاد
للحد من نجاح الإضراب، حذر عسكر السودان الماسك بزمام الأمور، من التداعيات السلبية لهذا التوجه على اقتصاد البلاد الذي يعاني أصلاً من أزمات متعددة، إلا أن العديد من السودانيين قللوا من الآثار السلبية لهذا الإضراب على الاقتصاد.
يقول خالد أحمد في هذا الشأن: “إذا كان للإضراب أي آثار اقتصادية فهي محدودة خاصة أن البلد في حالة شلل تام منذ الاحتجاجات والثورة، والمجلس العسكري هو الذي يعرقل العودة للمسار المدني وتشكيل حكومة انتقالية مدنية تبدأ في إصلاحيات سياسية واقتصادية، حيث تعهد المجتمع الدولي بتقديم مساعدات اقتصادية عقب تسليم السلطة للمدنيين”.
يعاني اقتصاد السودان من مشاكل كبيرة
بدوره يقول علي عيد أحمد ركابي لـ”نون بوست” “ليس هناك مردود أو مخاطر اقتصادية كبيرة كما يحذر المجلس العسكري، لأن الاقتصاد بطبعه متردٍ، بل إن هذا الإضراب سيساهم في إصلاح الاقتصاد كونه سيشل حركة العسكري ويجبره على تسليم السلطة وثنيه عن مخططه للاستيلاء عليها، وهو ما سينعكس إيجابًا على البلاد”.
تأتي هذه التطورات في وقت لم تشهد فيه المفاوضات بين العسكر وقوى الحرية والتغيير أي تقدم يذكر، وكانت قيادة الجيش السوداني قد عزلت في 11 من أبريل/نيسان الماضي، عمر البشير من الرئاسة، بعد 30 عامًا في الحكم، استجابة لرغبة الشعب الذي خرج إلى الشوارع أواخر العام الماضي، تنديدًا بتردي الأوضاع الاقتصادية، وفق قولهم.