على وقع العقوبات الأمريكية التي تضرب طهران والتصريحات المتصاعدة من إدارة الرئيس دونالد ترامب، يتهاوى الاقتصاد الإيراني بمناحيه كافة، مخلفًا آثارًا ملحوظة على سيرة الحياة الاقتصادية والاجتماعية في البلاد التي تدخل بعدة حروب في المنطقة بدءًا من اليمن وليس انتهاءً بسوريا.
وفي شهر مايو من العام الماضي، انسحب ترامب من الاتفاق النووي مع طهران وقوله “العالم لن يستطيع الحيلولة دون امتلاك إيران للسلاح النووي من خلال الاتفاق”، مشيرًا إلى أن الاتفاق لم يحد من نشاطات إيران في دعم الإرهاب.
وبعد الانسحاب من الاتفاق استأنفت واشنطن عقوباتها المعلقة منذ عهد الرئيس باراك أوباما على إيران، وهددت أمريكا كل الدول التي تتعامل مع طهران بعقوبات مع إعفاء بعض الدول وإعطائها مهلة ستة أشهر لإنهاء تعاملاتها وانتهت المدة بداية مايو 2019.
ومع بدء تضييق الخناق على طهران، تعمل الحكومة الإيرانية على إيجاد منافذ للعمل من خلالها وخرق العقوبات، خاصة بعد أن قال ترامب إنه يريد تصفير الصادرات النفطية الإيرانية، فلجأت الأخيرة إلى العراق بشكل أساسي، فوصلت قيمة صادرات طهران إليه ما يقدر بأكثر من 8 مليارات دولار، وهو ما أكده الرئيس الإيراني حسن روحاني بقوله: “العراق هو المحطة الرئيسية للصادرات الإيرانية في العالم”.
من جهتها قالت قناة فوكس نيوز الأمريكية إن صورًا من الأقمار الصناعية تشير إلى أن طهران تبني معبرًا على الحدود السورية العراقية، الأمر الذي يفتح طريقًا آمنًا من إيران وصولاً إلى لبنان، وبحسب فوكس نيوز فإن المعبر ما زال مغلقًا حتى الآن، مع وجود قاعدة عسكرية للجيش العراقي بالقرب منه.
صور جوية للمعبر المفترض
وفي هذا الصدد يقول الكاتب العراقي نظير كندوري لـ”نون بوست”: “المعبر الجديد الذي تقوم إيران بإنشائه، محاولة جديدة منها للالتفاف على العقوبات المفروضة عليها من الأمريكان، وتم إنشاء المعبر الجديد في منطقة تسيطر عليها المليشيات الموالية لها من الجانبين السوري والعراقي بالإضافة إلى وجود بعض الوحدات التابعة للجيش على الجانب العراقي، وهي بذلك تتحاشى المعبر الرئيسي بين البلدين في منطقة التنف التي يوجد بها قوات أمريكية”.
ويشير الكندوري إلى أن إنشاء المعبر يدل بشكل واضح على وقوف الحكومة العراقية إلى جانب إيران في تحديها للعقوبات الأمريكية، مما يجعل العراق بمواجهة صريحة للولايات المتحدة وما سينتج عنها من أزمات اقتصادية محتملة تتسبب بها واشنطن لبغداد هو في غنى عنها حاليًّا، وأضاف الكاتب العراقي أن الإصرار العراقي في الوقوف إلى جانب إيران في المشكلة الحاليّة، هي مغامرة بمصير الشعب الذي يعاني بالأصل من صعوبات اقتصادية، فكيف الحال إذا تعرض لمضايقات اقتصادية أمريكية بسبب موقفه المساند لإيران؟
وقدّمت واشنطن للمسؤولين العراقيين قائمة بأسماء شركات ومصارف إيرانية قالت إنها تحتال على العقوبات الأمريكية عبر العراق، ملوحةً بإمكانية شمول العراق بعقوبات قاسية إذا استمر بتوفير ملاذات آمنة للنشاطات المصرفية الإيرانية وغض النظر عن مصارف وشركات تجارية إيرانية بواجهات عراقية، كما هدد وزير الخارجية الأمريكي مايك بومبيو من مغبة أي هجوم تتعرض له المصالح الأمريكية في العراق.
صور جوية للمعبر المفترض
وبهذا الصدد يقول الكندوري إن تصريحات وزير الخارجية العراقي عبد الحكيم خلال لقائه وزير الخارجية الإيراني محمد جواد ظريف، التي قال فيها إن بغداد ترفض العقوبات الأمريكية ضد طهران وتقف إلى جانب الأخيرة، تدلل على أن حكومة عبد المهدي لا تسير في طريق النأي بالنفس عن الصراع كما تدعي، بل حسمت أمرها بالوقوف مع إيران، مشيرًا إلى أن الحكومة مسؤولة عن كل العواقب التي سيجنيها الشعب العراقي جراء هذه المواقف اللامسؤولة من الحكومة العراقية.
عام 2018 اتفقت طهران ودمشق على مشروع مد سكة حديدية تربط بين البلدين ويشارك العراق فيها، وتمتد من مدينة شلمجه جنوب إيران إلى ميناء البصرة العراقي ومن ثم إلى الأراضي السورية، ويتردد الكثير من المسؤولين الإيرانيين إلى دمشق لبحث التعاون في مجال إنشاء ميناء بحري في الحميدية بطرطوس السورية وعمل المرافئ والسفن والتسهيلات لزيادة حركة النقل والتبادل التجاري.
واجتمع رؤساء أركان العراق وسوريا وإيران شهر مارس المنصرم، في دمشق لتنسيق ملف الحدود بين العراق وسوريا، وإعادة فتح المعابر بين البلدين “القائم والوليد”، وتوقيع اتفاق لإعادة تثبيت الدعائم إلى جانب مناقشة ملف النقل البري بين إيران وسوريا عبر العراق.
اجتماع رؤساء أركان إيران والعراق وسوريا بدمشق
وقالت صحيفة التايمز البريطانية في تقرير نشرته مارس الماضي: “إيران تستعد للسيطرة الكاملة على ميناء سوريا التجاري الرئيسي، بغية تأمين طريق تجاري من طهران إلى البحر المتوسط ووضع قدمها على أبواب إسرائيل”، مضيفةً أن المحادثات بدأت لنقل ميناء الحاويات في اللاذقية التي تبعد 150 ميلاً شمال غربي دمشق إلى الإدارة الإيرانية، واعتبر التقرير أن الميناء سيمثل الرابط المتوسطي على طريق تجاري بين إيران، عبر العراق.
وأردفت “هذا من شأنه أن يتيح لطهران الوصول من دون عوائق إلى المنشأة التي تضم 23 مستودعًا، وكانت تحتوي على 3 ملايين طن من الشحنات قبل عام من بدء الحرب في سوريا”، ويعتبر الممر البري “الجائزة الكبرى” لإيران، كما وصفته وكالة “أسوشيتد برس” الأمريكية، إذ يضمن لإيران طريق إمداد لنقل الأسلحة الإيرانية إلى حليفها حزب الله، كما سيسهل حركة الميليشيات التي تدعمها، إضافة إلى فوائده الاقتصادية والسياسية.