لم تكن أزمة شركة هواوي سوى حلقة واحدة من الحرب الإلكترونية التي تلوح ملامحها في الأفق بين الولايات المتحدة والصين، تلك الحرب التي من المتوقع أن تخيم ظلالها على أرجاء شتى من العالم، في مقدمتها القارة الإفريقية، السوق الواعدة لصناعة التكنولوجيا بشتى أنواعها.
البداية تعود إلى عام تقريبًا، حيث الهجوم العنيف الذي شنته إدارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب على الشركة ونشاطها داخل بلاده، هذا الهجوم الذي حمل صورًا متعددة تمحور معظمها في إعلان حالة طوارئ وطنية تجاه تهديدات الاتصالات والتكنولوجيا، الأمر الذي دفع الكثير من الشركات إلى تعليق العمل مع العملاق الصيني.
الرد الصيني لم يتأخر كثيرًا لا سيما حيال شركة آبل الأمريكية، إلا أن قرار شركة جوجل بشأن حجب برامج نظام تشغيلها “أندرويد” عن هواوي كان وفق البعض إعلانًا صريحًا لما يشبه بحرب تكنولوجية باردة بين الجانبين، قد تجبر الدول الإفريقية في المستقبل على الاختيار بين التكنولوجيا الأمريكية والصينية، فإلى أي الفريقين يميل أبناء القارة السمراء؟
بداية لن تخسر الصين
رغم الهزة التي تعرضت لها هواوي في أعقاب القرارات الأمريكية بحقها، فإن ذلك لا يعني انهيارًا من المتوقع أن يلحق بها كما ذهب البعض في الأيام الأولى لتلك الحرب، إذ طالما أكدت الشركة أن لديها خططًا إستراتيجية بديلة تستطيع من خلالها عبور مثل هذه العقبات والأزمات التي تواجهها.
وفي نظرة سريعة على إيرادات الشركة في الربع الأول من العام الحاليّ نجد أنها حققت قفزة كبيرة بزيادة 39% إلى 179.7 مليار يوان (26.81 مليار دولار) وذلك في أول نتائج فصلية على الإطلاق تعلنها الشركة، إذ شحنت نحو 59 مليون هاتف ذكي في الربع الأول.
وفي الوقت الذي قررت فيه واشنطن تخفيف القيود التجارية لضمان عدم عمل الشركة والشبكات، يقول رن تشنغ في مؤسس شركة هواوي، إن هذا القرار ليس له تأثير كبير لأن الشركة الصينية اتخذت استعدادتها، موضحًا أن الجيل الخامس من منتجات هواوي لن يتأثر وتوقع ألا يتمكن أحد من اللحاق بتكنولوجيا الجيل الخامس للشركة في العامين أو الأعوام الثلاث القادمة.
بعض الناس، مثل سوق جنوب إفريقيا التي تمثل فيها شركة هواوي قوى رئيسية، يشعرون بقلق من احتمال حرمانهم من نظام جوجل، لكن هواوي يمكن أن تستخدم الوضع الحاليّ لتغيير اللعبة
وفي الجانب الآخر هناك من يذهب إلى أنه وفي حال تعرضت الشركة لخسائر محدودة في المبيعات بسبب الحملة الأمريكية فإن هذا لا يؤثر في منظومة المنتجات الصينية، وهو ما تبرهنه الإحصاءات الصادرة عن مؤسسة الأبحاث التسويقية “آي دي سي” خلال الربع الأول من 2019، عن مبيعات الهواتف الذكية عالميًا.
الإحصاءات كشفت أن سامسونج جاءت في المركز الأول بحصة سوقية 23.1% من خلال بيع 71.9 مليون هاتف، تلتها هواوي الصينية بـ19% من خلال بيع 59.1 مليون وحدة، فيما جاءت آبل الأمريكية في المركز الثالث بحصة سوقية 11.7% وبيع 36.4 مليون وحدة، أعقبها شاومي الصينية بنسبة 8% ونحو 25 مليون وحدة، و7.5% لفيفو وبيع 23.2 مليون وحدة، وجاءت أوبو في المركز الخامس مكرر بنسبة 7.4% وبيع 23.1 مليون، فيما استحوذت باقي الشركات على حصة 23.2% من خلال بيع 72.1 مليون وحدة.
الأرقام تكشف أن المراكز الثلاث الأولى بعد العمالقة (سامسونج وهواوي وآبل) كانت من نصيب الشركات الصينية (شاومي وأوبو وفينو)، ما يعني أن الخريطة الصينية التكنولوجية لن تتأثر كثيرًا حال تعرضت هواوي لأي هزة، خاصة أن تلك الشركات تمتلك الميزة التنافسية التي تمتلكها كل الشركات الصينية وهي انخفاض السعر.
الإستراتيجية الصينية تعتمد في المقام الأول على محورين أساسيين، الأول: السعر المخفض، الثاني: فتح أسواق جديدة، ومن ثم كانت إفريقيا واحدة من أبرز المحطات التي نجحت التكنولوجيا الصينية في اختراقها بشكل كبير، مقارنة بغيرها من الشركات العالمية الأخرى.
هجوم أمريكي شديد ضد شركة هواوي
إفريقيا.. سوق التكنولوجيا الصينية
يتواصل معظم الأفارقة على الإنترنت اليوم مستخدمين هواتف ذكية صينية الصنع على الأرجح، تدعمها شبكات صينية الصنع، نُفذ نصفها على الأقل بمعرفة شركة هواوي، عملاق الصناعة التكنولوجية في الصين، وفق ما صرح به خبراء لـ”بي بي سي“، لافتين إلى سيطرة التكنولوجيا الصينية على الساحة الإفريقية.
إريك أولاندر، من مشروع “تشاينا أفريقا” ومقره جنوب إفريقيا يقول: “أسست هواوي الكثير من البنية التحتية لتكنولوجيا المعلومات الحاليّة في إفريقيا، وإذا نجحت الولايات المتحدة في عرقلة الشركة، فسوف تكون تبعات الخطوة مؤلمة للغاية بالنسبة لقطاع التكنولوجيا المتنامي في إفريقيا الذي يعتمد حاليًّا على شركة تقع على مفترق الطرق مع واشنطن”.
المنافسة بين الصين وأمريكا تكنولوجيًا داخل القارة ستكون بالطبع لصالح التنين الصيني الذي نجح خلال السنوات الأخيرة في فرض حضوره، ليس على المستوى التكنولوجي فحسب، بل على المستوى الاقتصادي بأكمله
فيما أشار كوباس فان ستادين باحث بارز في الشؤون الصينية الإفريقية في معهد جنوب إفريقيا للشؤون الدولية، إلى أن الشركة الصينية صنعت معظم شبكات الإنترنت الجيل الرابع في إفريقيا، مضيفًا: “أصبح توسيع نطاق وجود شركة هواوي في القارة ممكنًا من خلال كونها أول شركة تستغل إمكانات اقتصاد تكنولوجيا المعلومات في إفريقيا، وتتمتع بالموارد اللازمة لدعم مشروعاتها”.
كما أوضح أن “بعض الناس، مثل سوق جنوب إفريقيا التي تمثل فيها شركة هواوي قوى رئيسية، يشعرون بقلق من احتمال حرمانهم من نظام جوجل، لكن هواوي يمكن أن تستخدم الوضع الحاليّ لتغيير اللعبة”، متابعًا “قليل من الشركات الأمريكية تعرف كيف تعمل في السوق الإفريقية، لتصنع منتجات ذات صلة بالمستهلكين في القارة، ويمكن لشركة هواوي أن تستخدم الوضع الحاليّ لتغيير الحسابات وتطوير برمجيات بلغات تخدم بالفعل السوق الإفريقية”.
وهو نفس ما ذهب إليه بوب كوليمور المدير التنفيذي لشركة “سافاري كوم” التكنولوجية العملاقة في كينيا، حين أشار إلى أن هواوي كانت “شريكة كبرى لعدة سنوات”، مضيفًا “نرغب في التمسك بالشركاء قدر استطاعتنا، لكن يمكن أن توجد بعض الصعوبات العملية إذا كان الحظر على شركات أمريكية تعمل مع هواوي لأنه قطاع أعمال مترابط”.
حضور صيني مكثف داخل إفريقيا
الإنترنت بين الصين وأمريكا
الحرب الباردة الدائرة الآن بين القوتين الكبيرتين ربما تدفع إفريقيا إلى المفاضلة بين الإنترنت الأمريكي والإنترنت الصيني حال وصول مسار المفاوضات بينهما إلى طريق مسدود، وهو الخيار الذي ربما يكون صعبًا على الأفارقة بنسبة كبيرة لا سيما في الوقت الراهن حالة تشديد واشنطن عقوباتها وخناقها على التكنولوجيا الصينية.
الصحفي الغامبي كابيرو سانيا، رئيس تحرير صحيفة “أهل غامبيا” أشار إلى سيطرة المنتجات الصينية على السوق الإفريقية، لافتًا في تصريحاته لـ”نون بوست” أن معظم الهواتف المستخدمة في غالبية دول إفريقيا صينية الصنع، مرجعًا ذلك إلى أسعارها المنخفضة وسهولة استخدامها وتوافر المعروض منها.
يجب ألا تختار الدول الإفريقية جانبًا، سيكون من المثير للاهتمام في الواقع أن تتمكن هذه الدول خلال هذه الحرب التكنولوجية الباردة من تشكيل حركة عدم انحياز تهتم بمصالحها
سانيا أضاف أن المنافسة بين الصين وأمريكا تكنولوجيا داخل القارة ستكون بالطبع لصالح التنين الصيني الذي نجح خلال السنوات الأخيرة في فرض حضوره، ليس على المستوى التكنولوجي فحسب، بل على المستوى الاقتصادي بأكمله، فكان الأكثر حضورًا في القمم والمؤتمرات الداعمة لدول إفريقيا وهو ما تبرهنه حجم الاستثمارات والقروض الممنوحة للعديد من حكومات دول القارة.
الأمر ذاته أكد عليه فان دستاين للشبكة الإنجليزية حين أضاف أن معظم الأفارقة يستخدمون الإنترنت حاليّا والفضل في ذلك يعود إلى استخدام هواتف صينية رخيصة الثمن، والكثير يهتم بالسعر ومقارنته بمميزات الهاتف، مثل تزويد الهاتف بشريحتين للاتصال وعمر بطارية طويل، أكثر من الاهتمام بنظام التشغيل.
أما إغنيو غاغلياردون، صاحب دراسة “إفريقيا الصينية ومستقبل الإنترنت” فيذهب إلى أنه “يجب ألا تختار الدول الإفريقية جانبًا، سيكون من المثير للاهتمام في الواقع أن تتمكن هذه الدول خلال هذه الحرب التكنولوجية الباردة من تشكيل حركة عدم انحياز تهتم بمصالحها”، معتقدًا أن الصين، في سعيها لحماية أعمالها، يمكنها الاستفادة من علاقتها مع الحكومات الإفريقية لوضع بروتوكولات تمنح شركاتها مميزات مقارنة بالغرب.
فيما قالت فازلين فرانزمان من معهد “موجا” للأبحاث في جنوب إفريقيا: “طفرة الإنترنت والتكنولوجيا الحاليّة (في إفريقيا) ترجع إلى حد كبير إلى استثمار شركات التكنولوجيا الصينية، مشددة على أن إفريقيا اختارت بالفعل و”اختيارها هو الصين” على حد قولها.