ترجمة وتحرير: نون بوست
وصلت عايدة عباسي وهي تتنفس بصعوبة لأنها متعبة للغاية ومنحنية الظهر على عربتها المليئة بأكياس الخيش الرمادية القذرة. وتبلغ هذه المرأة من العمر 70 سنة وتعتبر من قدماء جامعي الخردة في حي التضامن، وهو حي شعبي في تونس الكبرى، وهي تنظف مقالب القمامة في هذه المنطقة منذ 14 سنة. يوميا، بعد استيقاظها في الصباح الباكر، تجوب عايدة الممرات منذ الساعة الخامسة صباحًا “قبل وصول جامعي النفايات التابعين للبلدية” بحثًا عن زجاجات بلاستيكية مستعملة تبيعها فيما بعد مقابل بضعة دنانير (ستة دنانير في اليوم الواحد، أي ما يعادل 1.80 يورو).
ليس لدى هذه الأرملة موارد أخرى غير البحث في مصب القمامة لتلبية حاجيات عائلتها. وتشتكي عايدة عباسي، التي فقدت أسنانها وترتدي معطفًا مجعدًا وحذاء بلاستيكيا، من حياتها البائسة. وقد صرحت قائلة: “أتمكن من إطعامهم بصعوبة، لكن لا بأس نحن نواصل الحياة”. وفي صباح هذا اليوم، قدمت السيدة العجوز لتسليم ما جمعته إلى جمعية “البرباشة” (جامعي الخردة) التي تقع في زقاق حي التضامن، حيث تصطف المعامل والمستودعات. وتحتوي هذه الحظيرة على آلة طحن تقسم الزجاجات والعلب البلاستيكية إلى شرائح يتم صهرها في مكان آخر في مصانع إعادة التدوير، وهي الخطوة الأولى في عملية المعالجة.
تغيير حياة “البرباشة”
على غرار السيدة عباسي، يأتي جزء كبير من برباشة حي التضامن إلى هنا من أجل بيع محصولهم الخام الذي يزِنونه باستعمال ميزان كهربائي قبل أن يختفي داخل آلة التقطيع ذات الدوي الحاد. وعلى الأرضية الإسمنتية العارية، يتم تشكيل أكوام مكونة من زجاجات مياه معدنية، وزجاجات مشروبات غازية، وعلب، وأثاث بلاستيكي…
إن البرباش هو شخصية حضرية أساسية مألوفة على الرغم من أنها محتقرة
غيرت هذه الوحدة الصناعية الصغيرة، التي تديرها الجمعية بدعم نشط من منظمة “إنترناشيونال أليرت” الدولية غير الحكومية، حياة البرباشة في هذه الضاحية المحرومة في العاصمة التونسية، وهي إحدى طرق العاصمة حيث يتجمّع سكان فروا من سوء التنمية في المناطق الداخلية في البلاد. ويعرف النسيج النقابي المحلي الحالة المزرية لحي التضامن، خاصة مع انتشار التمدن الفوضوي، ونقص الخدمات العامة، والبعد عن مناطق العمل، ناهيك عن أن هذه المنطقة مأوى فئة شابة مضطربة جاهزة للتمرد.
حسب مديرة مكتب منظمة “إنترناشيونال أليرت” في تونس، ألفة لملوم، الذي يدفع إيجار المستودع بالإضافة إلى رواتب الموظفين الأربعة للجمعية، فإن “فكرة المشروع تتمثل في تنظيم فئة مهنية، وهي البرباشة، التي تعد من بين الفئات الأكثر هشاشة وضعفا وتهميشا في تونس”. ولا يتمتع جامعو الخردة في تونس المحرومون من أي اعتراف إداري بأي حماية. ويقع هؤلاء ضحايا لاستغلال وسطاء صناعة إعادة التدوير كما أنهم غير مؤهلين للحصول على الحقوق الاجتماعية والتغطية الطبية والتقاعد، الممنوحة للمهن ذات الوضع القانوني. ويعد هذا الأمر مفارقة قاسية خاصة وأن هذا التغييب القانوني يتناقض مع التواجد الواقعي لهذه الظاهرة بشكل متزايد في شوارع المدن الكبرى في تونس.
حوالي 15 ألف شخص
إن البرباش هو شخصية حضرية أساسية مألوفة على الرغم من أنها محتقرة، وعادة ما يكون مظهره غير أنيق وعابر ويبدو منحنيا على عربته أو يستعمل عربة بعجلتين تسحب عربة أخرى تتراكم عليها أكياس ممتلئة بالنفايات. وتتزايد الأهمية العددية للمجموعة، التي تقدر في الوقت الحالي بحوالي 15 ألف شخص، نتيجة لظاهرة مزدوجة تتمحور حول استمرار ارتفاع نسب البطالة (15 بالمئة من السكان النشطين) على خلفية تراجع المقدرة الشرائية، وهو ما أجبر الأسر الأكثر حرمانًا على العثور على مصادر دخل جديدة، فضلا عن انفجار النفايات البلاستيكية بسبب عادات استهلاكية جديدة تعمل على توسيع سوق إعادة التدوير.
إذا كانت وحدة المعالجة الصناعية التابعة لحي التضامن التي تستضيفها الجمعية مبتكرة، فهي تقدم أسعارًا مناسبة إلى حد ما؛ 850 مليم تونسي لكل كيلوغرام من البلاستيك
يكثر عدد النساء اللاتي يمتهنّ هذا النشاط خاصة الأرامل منهن، على غرار عايدة عباسي، واللاتي ليس لديهن حل آخر سوى هذه المهنة. أن تكوني جامعة خردة ليس بالأمر الهين. وتقول طرنجة عطية، وهي برباشة سابقة أصبحت موظفة في الجمعية اليوم: “لقد تعرضت للاعتداء في الشارع في الصباح الباكر”. إن حوالي 40 بالمئة من جامعي الخردة النشطين في الجمعية من النساء.
نقابة شبه رسمية
إذا كانت وحدة المعالجة الصناعية التابعة لحي التضامن التي تستضيفها الجمعية مبتكرة، فهي تقدم أسعارًا مناسبة إلى حد ما؛ 850 مليم تونسي لكل كيلوغرام من البلاستيك، أي مئتي مليم أكثر من متوسط سعر السوق. بالإضافة إلى ذلك، تكون الطريقة المعتمدة في الوزن شفافة وذات مصداقية بمنأى عن الانتهاكات المنتشرة على نطاق واسع في أماكن أخرى. وأشار رئيس الجمعية محمد فقراوي إلى أن “هناك الكثير من الغش بين صفوف المشترين الآخرين على حساب البرباشة، سواء فيما يتعلق بالوزن الأقل أو المدفوعات المتأخرة”. وتقترح هذه الجمعية وسائل حماية مثل الأحذية، والعباءات، والقفازات، واللقاحات ضد الكزاز، لأعضائها المعرضين لمخاطر صحية متعددة عند ملامسة النفايات.
إلى حد الآن، لم يتم اعتماد مشروع قانون الاقتصاد الاجتماعي والتضامني، الذي أُعلن عنه وسط ضجة هائلة من قبل مجلس ممثلي الشعب (أي البرلمان التونسي)
في هذا السياق، أوردت السيدة لملوم: “نحن نريد أن نثبت أن هناك بديلًا اجتماعيًا وتضامنيًا عن الاستغلال الذي يعاني منه البرباشة”. إن التجربة تجري ببطء مع وجود جمعية البرباشة التي فرضت نفسها، بحكم الواقع، كنقابة شبه رسمية من أجل هيكلة تعاونية تعتبر مجزأة حتى الآن وتتسم بالفردية. وأضافت لملوم أن “هذه التجربة لا تخلق فرص عمل فقط، بل تعزز الحقوق الاجتماعية وتساعد على تحسين الوضع البيئي أيضا”.
مع ذلك، ستظل هذه المكاسب هشة ما دام الإطار التشريعي والتنظيمي غير موجود. وإلى حد الآن، لم يتم اعتماد مشروع قانون الاقتصاد الاجتماعي والتضامني، الذي أُعلن عنه وسط ضجة هائلة من قبل مجلس ممثلي الشعب (أي البرلمان التونسي). ولا تزال السلطات السياسية الوطنية والمحلية إما مترددة أو متعنتة للغاية في مواجهة التطورات المستمرة. فضلا عن ذلك، مازلت المسيرة الطويلة لجامعي الخردة في تونس من أجل الاعتراف بهم في مهدها.
المصدر: لوموند