ترجمة وتحرير: نون بوست
كيف تجعل وسائل التواصل الاجتماعي الهروب من الماضي أمرًا مستحيلًا.
تخيل أنك أجريت مقابلة من أجل وظيفة أحلامك، وسارت الأمور على ما يرام، وبلغت المرحلة النهائية، وكنت على وشك أن تصبح موظّفا رسميا. ولكن في اللحظة الأخيرة، ينهار كلّ شيء لأن مديرك المستقبلي قد ألقى نظرة سريعة على حسابك على فيسبوك ولاحظ بعض الصور المحرجة من سنوات الدراسة الجامعية، فقرر أنك لم تكن مناسبًا تمامًا لهذا المنصب. هذا هو السيناريو الذي تحذر منه أستاذة الدراسات الثقافية والإعلامية في المدرسة الجديدة، كيت إيتشهورن في كتابها الجديد بعنوان “نهاية النسيان”.
تجادل إيتشهورن بأنه في هذا العالم الرقمي الجديد، أصبح كل شيء موثقا وموسوما، ويمكن لأي شيء أن يظهر في أي لحظة. نحن نفقد القدرة على النسيان، وبذلك نفقد القدرة على إبعاد أنفسنا عن ماضينا. كيف يغير هذا الواقع حياتنا؟ هل يعطل قدرتنا على تجربة هويات جديدة أو أفكار جديدة؟ وما معنى أن يغفر أحدنا للآخر على خطايا ماضينا في عصر لا يحذف منه شيء حقًا ولا يمحى؟
يرى بعض الناس أن هناك كمّا كبيرا من المعلومات اليوم لدرجة أننا بتنا ننسى أكثر من أي وقت مضى
فيما يلي نص معدّل قليل من محادثتي مع إيتشهورن.
شون إيلينج
كيف تجعل التكنولوجيا الرقمية ومواقع التواصل الاجتماعي على وجه الخصوص النسيان أمرا صعبا؟
كيت إيتشهورن
يرى بعض الناس أن هناك كمّا كبيرا من المعلومات اليوم لدرجة أننا بتنا ننسى أكثر من أي وقت مضى، بينما يعتقد البعض الآخر أنه نظرًا لاتصال كل شيء بالإنترنت فإنه لا داعي للتذكر. لعلّ هذا الأمر صحيح، لكننا نفقد شيئًا آخر في الوقت ذاته، وهو قدرتنا على التحكم بالمعلومات التي نحملها معنا خلال تقدّمنا نحو المستقبل.
بالنسبة للمطبوعات، يمكنك اختيار ما إذا كنت تريد الاحتفاظ بجميع صورك المحرجة من المدرسة الثانوية وجميع كتبك المدرسية الثانوية أم لا. والأهم من ذلك، أنه بإمكانك اختيار من ستشارك معه هذه المستندات في حاضرك في حال احتفظت بها. وشخصيا، ليس لدي أي صور من تلك المرحلة من حياتي، وإذا تواجدت، فإن استرجاعها سيتطلب الكثير من الجهد، وأشك في أن أي شخص سوف يقبل خوض هذا الأمر، وأنا سعيدة بهذا الوضع.
بفضل القدرة على رقمنة الأشياء مثل الكتب المدرسية القديمة المطبوعة وتقنيّة التعرف التلقائي على الوجه، أصبحت الصور القديمة تظهر أيضا خلال عمليات البحث على الإنترنت
في المقابل، وفي ظلّ التصوير الرقمي، أصبح لدينا صور أكثر من أي وقت مضى، وتتنقّل هذه الصور بين منصات التواصل الاجتماعي ليخرج الأمر عن سيطرتنا أكثر فأكثر. وفي حال كنتُ مراهقة في العقد الأول من القرن العشرين، بدلاً من الثمانينيات، لما شهدت تداول أي صور لي وما الذي قد يظهره البحث في أي وقت. ولكن هذا لا يعني أن أولئك الذين بلغوا سن الرشد في زمن المطبوعات ليسوا في خطر أيضًا.
بفضل القدرة على رقمنة الأشياء مثل الكتب المدرسية القديمة المطبوعة وتقنيّة التعرف التلقائي على الوجه، أصبحت الصور القديمة تظهر أيضا خلال عمليات البحث على الإنترنت. فما الذي تغيّر؟ لقد تم تعزيز قدرة الماضي على مقاطعة الحاضر على مدار العقد المنقضي بفضل التكنولوجيا. وقد بدأنا للتو في مواجهة عواقب ذلك.
شون إيلينج
ما الذي قد يحدث لنا عندما لا نستطيع أن ننسى، أو عندما يتعذر علينا الهروب من الماضي؟
كيت إيتشهورن
من المهم أن نأخذ بعين الاعتبار أنني لست أخصائية نفسانيّة ولست باحثة في مجال الكم. وبصفتي باحثة في الدراسات الثقافية والإعلامية، فإنني أتعامل مع هذا السؤال بشكل توضيحي أكثر، لكن لننظر إلى تنمية الطفولة كمثال.
أود القول إن مرحلة النمو تنطوي في أغلبها على إعادة اختراع نفسك عديد المرات، مما يتطلب أن تكون قادرًا على نسيان من كنت عليه قبل ستة أشهر، وقبل ثلاث سنوات، وقبل 10 سنوات
في الواقع، يعاني معظمنا من بعض الأحداث المحرجة التي وقعت خلال نشأتنا، كما يمكننا تذكر المراحل التي كانت محرجة حقا وغالبًا ما تكون هذه المواقف مضحكة، ولكنها لا تديننا بشكل خاص. فعلى سبيل المثال، ربما كنت تملك قصة شعر سيئة في المدرسة الثانوية المبكرة ولا تفضل أن يطلع زملاؤك الحاليون على هذه الصور، لكن الكثير من الناس لديهم مخاوف أكثر خطورة من ذلك.
فلنأخذ مثال شباب مجتمع الإل جي بي تي المعروف بمجتمع المثليين، الذين لا يزالون مجبرين في العديد من المجتمعات على مغادرة المنزل وقطع صلتهم تماما مع الماضي ليخرجوا عن صمتهم. ما أقصده هو أن هناك شعورا بالتحرّر حول قدرتك على نسيان الماضي وإعادة اختراع هويّتك في الوقت الحاضر. وأود القول إن مرحلة النمو تنطوي في أغلبها على إعادة اختراع نفسك عديد المرات، مما يتطلب أن تكون قادرًا على نسيان من كنت عليه قبل ستة أشهر، وقبل ثلاث سنوات، وقبل 10 سنوات. لذا فالنسيان هو في نهاية المطاف شكل من أشكال الحرية، وهذا هو المهم بالنسبة لي.
شون إيلينج
امتلاك الحرية لخوض التجارب وتجربة هويّات جديدة هو جزء من الفرحة التي نختبرها خلال نشأتنا. ولكن إذا بقيت كل حادثة وكل خطأ مترسّخا مثل الحجر ليلاحقنا مثل الظل الرقمي، فما الفائدة من امتلاك هذه الحرية؟
كيت إيتشهورن
يتكهن البعض بأن الناس قد يشرعون في اعتماد الرقابة الذاتية في سن أصغر بكثير نتيجة لهذا التغيير. ومن الصعب التأكّد على وجه اليقين، ولكن بما أنني أكملت هذا الكتاب منذ سنتين، فأعتقد أننا بدأنا نرى كيف يمكن أن يتبلور هذا الوضع في المستقبل.
صحيح أننا يجب أن نعامل الشخصيات العامة على مستوى أعلى من المواطنين العاديين، ولكن لا تتأثّر الشخصيات العامة فقط بهذا التحول
من بين الأمثلة الجيدة على ذلك، نذكر يوم تنصيب ألكساندريا أوكاسيو-كورتيز. لم يكن من المستغرب أن شخصا ما قد بحث على الإنترنت بقصد إيجاد شيء محرج يقوّض مصداقيتها. وما وجدوه حينها كان مقطع فيديو، كانت ترقص خلاله مع أصدقائها في الكلية. لم يكن الفيديو ضارا تمامًا، كما أنها تعاملت مع هذا الموقف على أفضل وجه، لكن هذا الحادث يمهّد للمزيد من المشكلات في المستقبل. فضلا عن ذلك، سنرى المعلومات الرقمية تُستخدم ضد الأشخاص في كثير من الأحيان، وسوف يؤثر هذا التحوّل سلبا على بعض الناس أكثر من غيرهم.
شون إيلينج
من بين الأمثلة الأخرى التي تتبادر إلى الذهن، حاكم فرجينيا رالف نورثهام الذي يزعم أنه كان لديه صور قديمة له ووجه ملوّن بالأسود منذ سنة 1984، والتي كشفت في وقت مبكر من هذه السنة. وعلى الرغم من أن هذه الحالات استثنائية بمختلف الطرق، إلا أنها قد تقدم لمحة عن المستقبل.
كيت إيتشهورن
أعتقد أن ما شهدناه من خلال التصريح الذي قدّمه كل من نورثهام وبريت كافانو في الخريف الماضي سيتكرّر كثيرًا. ففي الواقع، نشأ كل من نورثهام وكافانو في زمن المطبوعات، لكنني لا أعتقد أنه من قبيل الصدفة أن التركيز أصبح مسلّطا فجأة على الكتب السنوية المطبوعة للمدارس الثانوية الخاصّة بهاتين الشخصيتين السياسيتين. ونحن نشهد مؤخّرا رقمنة العديد من هذه الكتب السنوية، إذ أصبح الناس مدركين بشكل متزايد أنه من المهم إلقاء نظرة على الماضي، لا سيما فيما يتعلق بالشخصيات العامة.
صحيح أننا يجب أن نعامل الشخصيات العامة على مستوى أعلى من المواطنين العاديين، ولكن لا تتأثّر الشخصيات العامة فقط بهذا التحول
ما أعتقد أنه مهم في هذه الأمثلة السياسية الثلاثة هو أنه في حالة ألكساندريا أوكاسيو-كورتيز، لقد كانت ترقص فقط مع أصدقائها على السطح، بينما زُعم أن نورثهام ظهر بوجه ملوّن بالأسود وأن كافانو أدلى بتصريحات بذيئة حول أحد نظرائه. وبالنسبة لي، يشير هذا إلى أن الأشياء التي تجعل الماضي يعود لمعاقبتنا في الحاضر مختلفة تمامًا من فرد إلى آخر.
شون إيلينج
تعدّ هذه النقطة مخيفة حقا، فقدرة بعض الجهات ذات النية السيئة على تحوير صور أو تعليقات أو مقاطع فيديو خارج سياقها واستخدامها لإلحاق الأذى بالناس أمر غير عادي. ومن جهة أخرى، يستحق أشخاص مثل نورثهام وكافانو التعرّض للتدقيق المفصّل، لكن من السهل أن نلاحظ كيف يمكن أن يخرج هذا الأمر عن السيطرة. وكما أشرتِ، لا يتأثر الجميع بماضيهم بنفس الطريقة، فبالنسبة للشخصيات العامة،فإن المخاطر واضحة بما فيه الكفاية، ولكن كيف ينبغي للشخص العادي الذي لا يعيش ولا يعمل في هذا المجال العام أن يفكر فيما يتعلّق بهذه المشكلة؟
كيت إيتشهورن
صحيح أننا يجب أن نعامل الشخصيات العامة على مستوى أعلى من المواطنين العاديين، ولكن لا تتأثّر الشخصيات العامة فقط بهذا التحول. نحن نعلم أن القائمين على مهمة الانخراط في الكلية يراجعون الملفات الشخصية للمتقدمين عبر الإنترنت وحتى أنهم يجرون الأبحاث على وسائل التواصل الاجتماعي الخاصة بهم للتحقق من بعض الحقائق والمعلومات التي قد تكون مجرّمة، وتعتمد وكالات التوظيف النظام ذاته أيضا.
في معظم البلدان، توجد قواعد صارمة للغاية بشأن عدم بث أسماء المذنبين الشباب، لكن ليس في الولايات المتحدة، لهذا السبب بالذات. والأساس المنطقي هو أن الشباب يجب أن يكونوا قادرين على ارتكاب الأخطاء، حتى لو كانت أخطاء فادحة، مع إمكانيّة مواصلة حياتهم في الوقت ذاته
علاوة على ذلك، هناك بالفعل أشخاص يتقاضون الأموال من بعض الآباء مقابل تنظيف البصمة الرقمية لابنهم المراهق. فعلى سبيل المثال، بات عدد متزايد من شركات المشورة الجامعية يقدم خدماته في مجال التطهير الرقمي، ومن المرجّح أن تنمو هذه الصناعة في المستقبل. وبالتالي، يتمتع الأشخاص الذين لديهم القدرة الماليّة على التخلّص من البصمة الرقمية لأطفالهم بأفضليّة مميزة. كما أعتقد إلى حد ما أن المساعدة على النسيان على الإنترنت، ستصبح مصدر ربح مالي مثل كل شيء آخر.
شون إيلينج
من هذا المنطلق، يثير كتابك أسئلة يجب علينا، كمجتمع، أن نجيب عليها: ما مدى العدل في الحكم على شخص ما بسبب الأخطاء التي ارتكبها في الماضي؟ وما الأشياء التي يمكننا أن نغفرها؟ وأين يقع الحدّ الفاصل؟
كيت إيتشهورن
خلال ستينيات القرن الماضي، نشر عالم النفس إريك إريكسون العديد من الكتب التي جادل فيها بأنه في معظم المجتمعات يُمنح الشباب ما يسميه “الحظر الاختياري النفسي الاجتماعي”. وجادل أيضا بأن معظم الناس يدركون أن المراهقين يجب أن يكون لديهم حظر اختياري على العواقب وليس على التجربة.
ينبغي أن يحظى جميع الشباب بوقت في حياتهم يستطيعون خلاله خوض التجارب وحتى ارتكاب الأخطاء وألا يواجهوا نفس العواقب التي يواجهها البالغون
في معظم البلدان، توجد قواعد صارمة للغاية بشأن عدم بث أسماء المذنبين الشباب، لكن ليس في الولايات المتحدة، لهذا السبب بالذات. والأساس المنطقي هو أن الشباب يجب أن يكونوا قادرين على ارتكاب الأخطاء، حتى لو كانت أخطاء فادحة، مع إمكانيّة مواصلة حياتهم في الوقت ذاته.
أود أن أجادل أيضا بأن هذا الحظر الاختياري على العواقب وليس على التجارب لم يؤثر أبدًا على الجميع بالقدر ذاته. في المقابل، لا يحظى العديد من الشباب الأمريكيين من أصل أفريقي بهذا الحظر على العواقب بذات الدرجة التي يتمتع بها نظراؤهم البيض. ومع ذلك، أعتقد أن معظم الناس سيوافقون على أنه من الناحية المثالية، ينبغي أن يحظى جميع الشباب بوقت في حياتهم يستطيعون خلاله خوض التجارب وحتى ارتكاب الأخطاء وألا يواجهوا نفس العواقب التي يواجهها البالغون. وفي إطار هذا المجال الرقمي، يصبح تحقيق هذا الهدف أكثر صعوبة.
شون إيلينج
أفكر كثيرًا فيما يعنيه الانتباه حتى أتمكن من العيش في الوقت الحاضر. هل نهاية النسيان هي أيضًا نهاية التواجد في حياتنا؟
كيت إيتشهورن
سؤال جيد وأظن أنك قد تكون على حق. استخدمت الفيسبوك لفترة وجيزة بين سنة2009 و2011، حيث كان وسيلة جيدة مكنتني من التواصل مع أصدقائي القدامى إثر انتقالي. لكنني سرعان ما وجدت نفسي أعود باستمرار إلى الماضي ولست أتحدث عن الماضي القريب فقط.
يمكن أن يقدم أولياء الأمور إرشادات، ولكن لا يسعهم أن يضمنوا مدى تقيد أطفالهم بها عندما يبحرون على شبكة الإنترنت
في غضون بضعة أشهر، أصبح الأشخاص الذين لم أتواصل معهم منذ 20 سنة “أصدقائي” مرة أخرى وبشكل مفاجئ. لقد وجدت نفسي أعيش بشكل متزايد في الماضي عوضا عن الحاضر، وهذا ما دفعني إلى إلغاء حسابي على الفيسبوك. اكتشفت أن معايشة الماضي إلى ذلك الحد كانت أمرا مقلقا بالنسبة لي.
أتلقى العديد من الشكاوى المماثلة حول منصات مثل فيسبوك. قد ننجذب إلى الماضي، ولكن قلة من الناس يرغبون في التعايش معه بشكل يومي. فقد يكون مصدر إلهاء بسيط وقد يمنعنا في أسوأ الحالات من أن نكون حاضرين بشكل كامل في حياتنا الحالية وعلاقاتنا الاجتماعية وحتى المشاركة فيها.
شون إيلينج
ما هي النصيحة التي قد تقدمينها للآباء والشباب، خاصة أولئك الذين يكافحون للتعامل مع هذا العهد الرقمي الجديد؟
كيت إيتشهورن
يمكن أن يقدم أولياء الأمور إرشادات، ولكن لا يسعهم أن يضمنوا مدى تقيد أطفالهم بها عندما يبحرون على شبكة الإنترنت. أعيش مع اثنين من المراهقين، وعلى الرغم من أنني ألفت كتابًا حول هذا الموضوع لتوي، إلا أنه لا يمكنني الجزم بأنهما يتقيدان بالنصائح أو التحذيرات التي أقدمها دائما!
إن هذه المشكلة توازي في خطورتها مشاركة الأهل لصور أطفالهم من خلال مواقع التواصل الاجتماعي. ويبدو أن هذه الممارسة التي يسميها البعض “مشاركة الأولياء”، ستعود لتطاردهم في المستقبل. وفي غضون 10 سنوات أخرى، سنرى عددًا متزايدًا من النزاعات القانونية التي ستنشأ بين الأطفال البالغين وأولياء أمورهم الذين شاركوا صورهم أثناء فترة الطفولة بكثرة. وسيكون حق هؤلاء الأطفال الذين كبروا لتوهم في نسيان الماضي وجعل الآخرين ينسونه أيضا على المحك.
المصدر: فوكس