اللوبي الإيراني في الولايات المتحدة الأمريكية

629655_567

يعتبر بعض الخبراء أن نائب وزير الخارجية الإيراني الأسبق صادق خرازي الذي أقام في الولايات المتحدة بين عامي 1989- 1996، مصمم اللوبي الإيراني في الولايات المتحدة الأمريكية، حيث أخذ يربط بين مؤسسات غير حكومية ومنظمات سياسية ومدنية وشركات تجارية لها مصالح اقتصادية مشتركة مع النظام الإيراني، وتؤكد عدة مصادر أن نشاط هذا اللوبي تعاظم ووصل إلى أوجه في عهد الرئيس الإيراني محمد خاتمي، ثم تراجع نشاطه في عهد أحمدي نجاد، لكن مع وصول روحاني للسلطة منذ يونيو 2013 زاد نشاطه، وتكثفت تحركاته في أوساط الجالية الإيرانية في الولايات المتحدة، وذلك بهدف استغلال الحماس القومي لديهم وتجنيدهم للعمل لصالح سياسات النظام الإيراني وأهدافه.

واليوم يعيش عدد كبير من الإيرانيين حول لوس أنجلوس، لذلك أطلق عليها البعض طهران أنجلوس أو إيران أنجلوس، كما تضم كلاً من “بيفرلي هيلز” و”إرفاين” أكبر الجاليات الإيرانية الأمريكية، وهو ما يفسر كيف وصل جيمي – جامشيد – دلشاد وهو إيراني أمريكي كعمدة لبيفرلي هيلز في عام 2007، ثم أعيد انتخابه في 2010.

ويتكون اللوبي الإيراني من مجموعتين: الأولى تعمل في أجهزة الإعلام الأمريكية ومنظمات بحثية، ويتركز نشاط هذه المجموعة أيضًا على الكونغرس الأمريكي، ولها درجات مختلفة من الارتباط بطهران، أما المجموعة الثانية فهي مرتبطة “بصناعة النفط”، واستطاعت خلق مصالح مؤثرة إلى درجة أصبح لها “منافع مالية لها أولوية على المصالح الوطنية الأمريكية”.

وبرز دور المجلس الوطني الأمريكي الإيراني (إن آي إي سي) الذي أسسه الباحث الأمريكي الإيراني الأصل “تريتا بارسي”، في تسويق أن حل أزمات الشرق الأوسط السياسية لا يكمن في حل القضية الفلسطينية فقط، بل يعتمد بشكل أكبر على “إيجاد التوافق بين طهران وتل أبيب”، وفي استضافة شخصيات رسمية أمريكية لتقريب وجهات النظر بين أمريكا وإيران، كما امتد الوجود الإيراني إلى الساحة السياسية والعلمية بالولايات المتحدة؛ فهناك أقسام للدراسات الإيرانية في الجامعات الأمريكية، كما أصبح هناك تقليد بأن يوجه البيت الأبيض تهنئة سنوية للشعب الإيراني بمناسبة عيد النيروز.

كشف تقرير نشرته مجلةTablet Magazine  تفاصيل حقيقة اللوبي الإيراني في أمريكا، والدور الهادئ الذي يقوم به من أجل التأثير في المجتمع الأمريكي ومراكز صنع القرار في البيت الأبيض

ويرجع الوجود الإيراني بالولايات المتحدة إلى زمن الشاه محمد رضا بهلوي، ويعتقد أنه بعد ثورة الخميني بإيران، تم تنظيمه على شكل اللوبي الصهيوني (إيباك) ليقوم بعدة مهام منها:

1- الحماية والدفاع عن المصالح الإيرانية.

2- إقناع الإدارات الأمريكية وأصحاب القرار في الكونغرس، بضرورة بقاء نظام الجمهورية الإسلامية، والتسوية معه بشأن تقسيم النفوذ في الشرق الأوسط، وصيانة المصالح الأمريكية، وتسويق هذه الصفقة الكبرى على أنها تخدم المصالح الإستراتيجية الأمريكية في المنطقة من خلال دعم القوى الشيعية في المنطقة والسعي إلى تمكينها من السلطة.

3- طرح فكرة أن التطرف الذي يستهدف الغرب وأمريكا هو تطرف سُنّي وهابي.

4- من أبرز مهام هذا اللوبي تنظيم حملات للترويج للمفاوضات الأمريكية الإيرانية والدفاع عن الاتفاق النووي والدعوة لإسقاط العقوبات بشكل غير مشروط عن إيران.

تمويل اللوبي الإيراني

كشف تقرير نشرته مجلة Tablet Magazine تفاصيل حقيقة اللوبي الإيراني في أمريكا والدور الهادئ الذي يقوم به من أجل التأثير في المجتمع الأمريكي ومراكز صنع القرار في البيت الأبيض، وبحسب التقرير فإن الغالبية العظمى من تمويل هذا اللوبي يأتي من دعم المجتمع المحلي، بينما يأتي جزء من المؤسسات مثل صندوق بلاوشيرز التي أنفق ملايين الدولارات للتأثير على سياسة الولايات المتحدة تجاه إيران، وفقًا لمايكل روبين مؤلف كتاب عن الدعم الإيراني لهذا اللوبي.

ويشير التقرير إلى الفارق الكبير بين اللوبي المؤيد لـ”إسرائيل” ونظيره المؤيد لإيران، حيث الأول يصرف شيكات تصله في العلن من “إسرائيل”، بينما الثاني لا يفعل هذا عن إيران خشية الرأي العام الأمريكي الذي لا يحب إيران، ويقول التقرير: “اللوبي الإيراني يستخدم مزيجًا من الضغط والتبرعات والدعاية، والباب الخلفي عبر العلاقات الشخصية مع كبار صناع السياسات، بما يؤدي إلى تغيير جذري في السياسة الخارجية الأمريكية، بينما اللوبي الصهيوني يتحرك بطريقة صدامية ويغلب مصالح
“إسرائيل” على أمريكا”.

أبرز مؤسسات اللوبي الإيراني في الولايات المتحدة الأمريكية

1- المجلس القومي للإيرانيين في أمريكا (NIAC): أقوى مؤسسات اللوبي الإيراني في الولايات المتحدة، يرؤسه الإيراني الأمريكي أمير أحمدي، وينشط المجلس في الدفاع عن سياسات إيران.

2- مؤسسة “بيناد علوي”: أقدم المؤسسات الإيرانية في أمريكا، حيث أسسها شاه إيران عام 1973 في نيويورك تحت اسم “بيناد بهلوي”، ثم تغير اسمها بعد الثورة الخمينية إلى “بيناد مستضعفان” عام 1981، ثم إلى “بيناد علوي” عام 1992، ومن أبرز نشاطات هذه المؤسسة:

– منح الأموال إلى الجامعات الأمريكية بما في ذلك جامعة كولومبيا وجامعة روتجرز، لتمويل مراكز الدراسات الفارسية والشرق أوسطية.

– تشجيع الجامعات في أمريكا الشمالية على تقديم دورات في اللغة الفارسية، والدراسات الإيرانية والثقافة الإسلامية مع التركيز على الدراسات الشيعية.

يمكن القول إن اللوبي الإيراني مارس أدوارًا عديدة منذ تسعينيات القرن الماضي وحتى اليوم

– دعم المدارس الفارسية في جميع أنحاء الولايات المتحدة التي تربط بين الأمريكيين من أصل إيراني وتراثهم الفارسي.

– دعم المراكز الإسلامية التي يتم تأسيسها واستخدامها من المجتمعات الإسلامية المحلية في جميع أنحاء الولايات المتحدة.

– إنشاء برنامج لتوزيع الكتب لأولئك الذين لا يستطيعون شراء هذه الكتب بأنفسهم.

–  توفير الأموال لدعم مشاريع الإغاثة في حالات الكوارث.

– توفير الأموال لدعم الفنون الإسلامية والفارسية.

– توفير الأموال لدعم مشاريع البحوث العلمية في الدراسات الإيرانية والإسلامية/الشيعية.

أبرز الشخصيات الإيرانية النافذة في اللوبي الإيراني بالولايات المتحدة الأمريكية

1- أمير أحمدي: رئيس المجلس الوطني الإيراني الأمريكي (NIAC)، ويعد ممثل اللوبي الإيراني ومن أبرز الفاعلين في إتمام الاتفاق النووي الإيراني مع مجموعة (5+1).

2- سحر نوروزيان: مستشارة سابقة للأمن القومي الأمريكي، ومسؤولة عن الملف الإيراني في مجلس الأمن القومي الأمريكي، كما عملت لدى المجلس القومي للإيرانيين في أمريكا “ناياك”، وشخصيًا كان لنوروزيان دور مهم في إنجاح التوصل إلى الاتفاق النووي.

3- فريال جواشيري: الكاتبة الخاصة للرئيس الأمريكي السابق باراك أوباما، وعملت كمساعدة له منذ كان عضوًا في الكونغرس الأمريكي، ومساعد خاص لأوباما في 2014، وقد التحقت عام 2007 بالحملة الانتخابية لأوباما، في قطاع التخطيط، وتبوأت العديد من المناصب في مجلس الأمن القومي الأمريكي بمنصب مساعد مستشار الأمن القومي، بالإضافة إلى العديد من المناصب الأخرى داخل المجلس.

رغم عدم وجود مقارنة بين الطبيعة التأثيرية للوبي الإيراني مقارنة مع الإسرائيلي، يحسب له نفوذه داخل الإدارة الأمريكية

4- رامين طلوعي: عُين عام 2014 كنائب وزير الخزانة الأمريكي للشؤون الدولية، وقد لعب دورًا كبيرًا في تخفيف العقوبات ضد إيران والالتفاف عليها، واستمر نشاطه حتى عام 2008، وهو من أبرز من عمل على رفع العقوبات عن إيران، وتوقيع الاتفاق النووي معها.

5- فاليري جارت: أقرب المستشارات إلى رئيس الولايات المتحدة السابق باراك أوباما، وأكثر الشخصيات تأثيرًا عليه، تُوصَف بأنها كاتمة أسراره وصاحبة الكلمة الأخيرة قبل أعلى مستوى سياسي في الولايات المتحدة، وتشير بعض المصادر الصحفية بدورها الفاعل والمباشر في القرارات التي اتخذتها الإدارة الأمريكية في ملف إيران النووي.

6- سيروس أميرمكري: مساعد وزير الخزانة الأمريكي السابق في شؤون المؤسسات المالية.

ترى الدكتورة فاطمة الصمادي أن هناك الكثير من الأساطير عن حجم اللوبي الإيراني في أمريكا، كما أن هناك حقائق بشأنه، ومن بين تلك الأساطير القول إن من رجال الأعمال الإيرانيين من يأتمر بأمر الحكومة الإيرانية، والحقيقة أن فكرة اللوبي تقوم على الدخول إلى المجتمع الأمريكي وإحداث حالة من الانفتاح حيال إيران، وتعتبر الصمادي أن من أحدث التغيير الحقيقي في توجهات الولايات المتحدة تجاه إيران هم مجموعة من الأكاديميين الإيرانيين هناك، مشيرة إلى وجود تقاطعات بين اللوبي والنظام في إيران، ولا يمكن القول إن هذا اللوبي متغلغل بالكامل في المجتمع الأمريكي، وأنه خلال عهد الرئيس الإيراني الراحل أحمدي نجاد كان ينظر إلى هذا اللوبي بأنه بالغ التأثير في أمريكا، ولذلك عقد نجاد العديد من اللقاءات مع بعض رموزه.

مع تصاعد الحملة العسكرية التي تقودها الولايات المتحدة الأمريكية ضد إيران، تحدثت الكثير من المصادر الاستخبارية بأن اللوبي الإيراني أعاد نشاطه المكثف داخل أروقة الكونغرس والإدارة الأمريكية

بالمجمل يمكن القول إن اللوبي الإيراني مارس أدوارًا عديدة منذ تسعينيات القرن الماضي وحتى اليوم، فقد كانت مهمته الأساسية القيام بدور الإطفائي الذي يسعى إلى أخماد أي شرارة حرب يسعى إلى إشعالها اللوبي الإسرائيلي في الإدارة الامريكية ضد إيران، وعلى الرغم من عدم وجود مقارنة بين الطبيعة التأثيرية للوبي الإيراني مقارنة مع الإسرائيلي، يحسب له نفوذه داخل الإدارة الأمريكية.

فرغم الخلاف المعلن “الصوري” بين اللوبي الإيراني في أمريكا والنظام السياسي في طهران، فإنه ينظر إلى أي سياسة صدامية ممكن أن تعتمدها الولايات المتحدة بالضد من إيران، تستهدف الشعب الإيراني وليس النظام، ولهذا فإنه يسعى إلى أن يكون التغيير الذي يمكن أن يصيب هذا النظام، يأتي عبر الوسائل السلمية بعيدًا عن استخدام الآلة العسكرية.

وهو ما يفعله اليوم في واشنطن، فمع تصاعد الحملة العسكرية التي تقودها الولايات المتحدة الأمريكية ضد إيران، تحدثت الكثير من المصادر الاستخبارية بأن اللوبي الإيراني أعاد نشاطه المكثف داخل أروقة الكونغرس والإدارة الأمريكية، بغية التأثير على خيارات الرئيس ترامب التصعيدية ضد النظام، بل أشارت هذه التقارير بأن النظام في إيران أوكل مهمة المفاوضات السرية بشأن الشروط الـ12 التي أعلنتها الإدارة الأمريكية كشرط لرفع العقوبات عن إيران، للوبي الإيراني بغية الوصول إلى تفاهمات أولية قبل العودة إلى طاولة المحادثات مرة أخرى.