ترجمة حفصة جودة
مع استمرار الغارات الجوية التي تشنها قوات الحكومة السورية لضرب آخر معاقل المعارضة في سوريا، يبدو أن الصحفيين المحليين والدوليين أصبحوا تحت خط النار عن عمد، فقد أصيب مصطفى دهنن – أحد مراسلي قناة محلية في إدلب – مع مجموعة من زملائه بصاروخ يوم الجمعة في أثناء محاولتهم توثيق تأثير الغارات الجوية للقوات الروسية والسورية.
يقول دهنون: “لقد وضعت يدي على كتفي فشعرت بالنزيف، ثم بدأت بالصراخ بحثًا عن زملائي وطلبًا للإسعاف”، كان دهنون قد نجا من جراح الشظايا التي يعتقد أنها لطائرات استطلاع روسية استهدفتهم عمدًا.
في شمال سوريا، أصبح السكان المحليون قادرين على التعرف على الطائرات وفقًا لأصواتهم ونوع الصواريخ المستخدمة ومدى الضرر الذي تسببه، لقد أصبح استهداف الصحفيين موضوعًا متكررًا في سوريا خلال سنوات الحرب الثمانية.
وفي يوم الخميس الماضي قال طاقم سكاي نيوز إنهم تعرضوا للاستهداف عمدًا والهجوم بواسطة قوات الحكومة السورية وذلك من خلال طائرات عسكرية من دون طيار لتحديد موقعهم، وكان الصحفي الأمريكي بلال عبد الكريم قد أصيب في أثناء وجوده معهم في هذا الوقت.
يقول أليكس كروفرد مراسل سكاي نيوز: “كان واضحًا أن طاقم سكاي نيوز هم مجموعة من الصحفيين، لكن قوات النظام السوري حددت موقعنا من خلال الطائرات من دون طيار وشنت سلسلة من الهجمات”، وأكد عبد الكريم الذي يدير شبكة “On the Ground News” وعمل سابقًا مع “BBC” و”Channel 4 News” و”CNN” أن الطاقم تعرض للاستهداف عمدًا من قوات الحكومة السورية.
اجتماع رابطة الإعلاميين في الغوطة الشرقية
يقول كريم: “كنا معًا عندما وقع الهجوم، أستطيع الجزم أن الهجوم كان مستهدفًا لأن القوات السورية لم تكن متسامحة أبدًا مع الصحفيين”، جاء الهجوم في أعقاب إصابة الصحفي أيهم محمد البيوش يوم 18 من مايو نتيجة لغارة جوية أخرى شنتها القوات السورية على مدينة معرة النعمان جنوب إدلب.
ووفقًا للشبكة السورية لنشطاء حقوق الإنسان، فقد قتل نحو 695 صحفيًا في سوريا منذ مارس 2011 حتى مايو 2019، بينما تعرض 1136 آخرين للاعتقال من مختلف فصائل الصراع، ففي بداية 2012 قتلت ماري كولفين المراسلة لصحيفة التايمز والصحفي الفرنسي ريمي أوتليك جرّاء قصف للقوات السورية في بابا عمرو قرب مدينة حمص، وفي مطلع هذا العام أصدرت محكمة أمريكية قرارًا بمسؤولية الرئيس السوري بشار الأسد عن وفاتهم وألزمته بدفع تعويض 300 مليون دولار.
الضرب على الحدود
تمكنت الحكومة السورية بمساعدة حلفائها من استعادة السيطرة على معظم البلاد، ودفعت بباقي المعارضة إلى محافظة إدلب وضواحيها التي يقطنها نحو 3 ملايين مدني، كانت الحكومة قد وصفت الصحفيين والعاملين في مجال الإعلام الذي يتعاملون من المعارضة السورية بأنهم “إرهابيين” وقد واجه الكثير منهم الاعتقال والتعذيب والمحاكمات غير العادلة.
وفقًا لتقرير مراسلون بلا حدود، تحتل سوريا المركز 174 من بين 180 دولة في حرية الصحافة لعام 2019، وبحسب الأمم المتحدة فقد تسب هجوم القوات السورية الحكومية خلال الشهرين الماضيين على إدلب في مقتل 105 مدنيين ونزوح نحو 200 ألف مدني، وكذلك تدمير 18 مستشفى.
خسرت المعارضة نحو 100 كيلومتر مربع من الأراضي، وأصبح اتفاق سوتشي – الذي وقعه الرئيسين التركي والروسي أواخر 2018 لمنع هجوم دموي على إدلب – على شفا الانهيار، ومع احتمالية وقوع هجوم حكومي كبير في المنطقة، يحاول العديد من الصحفيين الفرار من إدلب إلى تركيا، لكنه أمر أصبح في غاية الصعوبة.
تحاط الحدود التركية السورية بجدار وقوات حرس الحدود التركية، وأي محاولة للعبور تعد خطيرة للغاية وقد تسبب الوفاة، ورغم أن تركيا تستضيف نحو 4 ملايين نازح سوري، فإن الضغوط المحلية دفعت الحكومة للحد من تلك التدفقات، وبينما يحظى بعض الصحفيين السوريين بفرصة العمل مع شركات إعلامية في تركيا مما يجعل عبورهم للحدود قانونيّ، إلا أن هذا الخيار ليس متاحًا للجميع.
أبو اليسر براء ومازن الشامي وعدد من الصحفيين في اجتماع رابطة إعلاميي الغوطة الشرقية
تعرض الصحفي مازن الأطرش – المعروف بمازن الشامي – للاعتقال يوم الجمعة من حرس الحدود التركي في أثناء محاولته عبور الحدود بشكل غير قانوني، كما تعرض للضرب مع ولديه أمام أسرته.
يقول مازن: “عندما أخبرتهم أنني صحفي بدأ حرس الحدود في تعذيبي وضربي”، كان الأطرش قد نزح أولاً من مدينة حمص وسط سوريا بعد عام 2012 إلى الغوطة الشرقية في ضواحي دمشق، ثم منها إلى إدلب في بداية 2018.
يضيف مازن: “إنني مريض، وقد حاولت التواصل مع جميع المنظمات الإعلامية والحكومة السورية المؤقتة لمساعدتي على الخروج، لقد بعت معداتي واقترضت المال من أصدقائي للهرب بشكل غير قانوني والخروج بأمان من أجل العلاج لكنني فشلت”.
حماية الصحفيين
هناك منظمتان محليتان في شمال سوريا للدفاع عن الصحفيين وهما اتحاد الإعلام السوري ورابطة الإعلاميين في الغوطة الشرقية التي يعد الأطرش عضوًا إداريًا فيها، وكانت الرابطة قد أصدرت بيانًا تندد فيه بضرب الأطرش وتطالب المنظمات الدولية بالقدوم ومساعدة الصحفيين السوريين، دعا البيان مراسلون بلا حدود والمعارضة السياسية في تركيا إلى العثور على طريقة لضمان أمن وسلامة أعضاء الرابطة الذين عملوا لمدة 9 سنوات وسط الحصار والقصف والهجوم والنزوح.
تأسست الرابطة عام 2014 من خلال جهود محلية لتوحيد العمل الإعلامي الاحترافي، ويقول أبو اليسر براء مدير الرابطة: “نحن ننظم دورات تدريبية لـ140 عضوًا ونقدم لهم المساعدة والمشورة”، وأضاف أن الرابطة ساعدت الصحفيين على الهروب من شمال سوريا إلى تركيا، لكن هذا الخيار أصبح محدودًا الآن.
يقول براء: “لقد تعرض العديد من الصحفيين إلى الاعتقال في شمال سوريا، لكن المساعدة الوحيدة التي نستطيع تقديمها لهم هي مناشدة السلطات المعنية أو من خلال وسائل الإعلام ووسائل التواصل الاجتماعي لإطلاق سراحهم”.
يكافح الصحفيون في سوريا كذلك لمواجهة الفصائل المتشددة، بما في ذلك المناطق الواقعة تحت سيطرة الجيش السوري الحر المدعوم من تركيا، وفي المناطق الواقعة تحت سيطرة هيئة تحرير الشام التي كانت سابقًا فرعًا للقاعدة في سوريا، في أواخر العام الماضي تعرض الصحفي والناشط حمود جنيد ورائد فارس مدير “راديو فريش” لسلسة من التهديدات قبل أن تقتلهم هيئة تحرير الشام.
المصدر: ميدل إيست آي