ترجمة وتحرير: نون بوست
بينما كان المتمردون يتقدمون نحو العاصمة السورية، كان رجال الرئيس بعيدين عن الاستعداد للقتال، وعلى مدار أكثر من أسبوع، كانوا يشاهدون المدن تسقط واحدة تلو الأخرى في أيدي الثوار.
وبحلول يوم السبت؛ أصبح المتمردون يهددون حمص، التي كانت تشكل الجدار الناري اإستراتيجي لحكومة بشار الأسد. وقال إياد أحمد، جندي في الثانية والعشرين من عمره، والذي كان يتقاضى ما يعادل حوالي دولارين شهريًّا وكان متمركزاً على أطراف المدينة: “لم نكن نريد القتال”.
غير أنه لم يكن أمامه خيار آخر؛ ففي الساعة العاشرة مساءً يوم 7 كانون الأول/ ديسمبر، أمر القائد أحمد وزملاءه بالانسحاب، وقال: “ألقيت سلاحي وهربت”، وخلع زيه العسكري في الشارع.
وفي تلك الليلة، سقطت دمشق، العاصمة، في أيدي المتمردين.
جاء انهيار حكومة الأسد أسرع مما كانت المعارضة تحلم به، حيث انهارت أعمدة قوة الدولة مع أول دفعة حقيقية من قوة معارضة مصممة ومنظمة جيداً بعد سنوات من الجمود.
كانت الظروف التي أدت إلى سقوط النظام السوري مزيجاً من الصدفة وإعادة اصطفاف عالمي أوسع. فقد تخلى حلفاء الأسد الرئيسيون — روسيا وإيران — عنه، مشغولين بمشاكلهم الخاصة ومحبطين من عدم قدرة الرئيس على حشد قواته للقتال. في المقابل، قاد خصومه، بقيادة هيئة تحرير الشام، وهي فصيل إسلامي متمرد قوي، مع جماعات أخرى مدعومة من تركيا، هجوماً موحداً وقوياً بشكل غير مسبوق.
كانت قبضة الأسد على السلطة أضعف مما كان يعتقد الجميع، حتى هو نفسه.
يعتمد هذا السرد للثورة السورية على أكثر من اثني عشر مقابلة مع مقاتلين وقادة من المعارضة، ومسؤولين غربيين وأتراك، وشخصيات من المعارضة السورية ودبلوماسيين إقليميين، بالإضافة إلى أفراد من عائلة الأسد ومقربين منه. تحدث بعضهم بشرط عدم الكشف عن هويتهم لمناقشة قضايا حساسة أو خوفاً على سلامتهم.
أثارت الإطاحة المفاجئة بالأسد مشاهد من الفرح في جميع أنحاء سوريا، إلى جانب بحث مؤلم عن عشرات الآلاف الذين قتلهم أو أخفاهم نظامه. كما أُثيرت مخاوف بشأن الحكام الجدد الذين انتقلوا من ساحات القتال إلى القصور التي أُخليت على عجل.
وعلى المستوى الجيوسياسي أحدثت هذه الأحداث اضطرابات في الشرق الأوسط، مما دفع إيران وروسيا إلى مواجهة فقدان حليف إستراتيجي، بينما استغلت قوى أخرى مثل تركيا وإسرائيل الفوضى في سوريا لتحقيق مكاسب.
بالنسبة لضحايا الأسد، جاء هذا التحول متأخراً للغاية، بعد ربع قرن من توليه السلطة خلفاً لوالده، وما يقرب من 14 عاماً منذ بداية الثورة ضد حكمه؛ حيث كانت انتفاضة عام 2011 قد هددت بإسقاط واحدة من أكثر الحكومات قمعاً في المنطقة، لكن الاحتجاجات السلمية قوبلت بوحشية، مما أشعل حرباً أهلية دامية. ورغم استمرار الصراع وتمزق سوريا، بدا الأسد أكثر استقراراً، لكن الأرض كانت تتغير تحت قدميه.
وقال عمر أوزكيزيلجيك، خبير سوري مقيم في تركيا ويعمل لدى المجلس الأطلسي: “كل شيء ساهم في هذا”، مشيراً إلى الأحداث التي دفعت المعارضة إلى التحرك، مثل انشغال روسيا بأوكرانيا، وحرب إسرائيل في لبنان، وحالة الفراغ السياسي في الولايات المتحدة قبل تولي الرئيس المنتخب دونالد ترامب السلطة. وأضاف: “الفرصة التي أُتيحت تم استغلالها”.
حتى لحظة هروبه، كان الأسد يطمئن أقاربه بأن العاصمة آمنة، وقال لهم، وفقاً لأحد أفراد العائلة: “دمشق قوية، دمشق محصنة”. حتى المعارضة نفسها صُدمت بنجاحها: فقد كان الهدف المتواضع للهجوم هو استعادة حلب، وفقاً لأحد أعضاء هيئة تحرير الشام. ولكن عندما سقطت المدينة بسهولة، وجهوا أنظارهم جنوبًا، وأصبح المستحيل فجأة ممكنًا.
في ساحة معركة هادئة بين حلب وحماة الأسبوع الماضي، قال عبد القادر رمضان، وهو مقاتل يبلغ من العمر 20 عاماً، إن القوات الحكومية التي واجهوها تفرقت سريعاً بعد أن هاجمتهم المعارضة بالطائرات المُسيرة. وأظهرت السواتر الترابية التي حفروها حديثاً — وهي خط دفاع للقوات الحكومية — أنها بالكاد استُخدمت. وقال رمضان: “في النهاية، كان إيماننا قوياً، وإيمانهم كان ضعيفاً”.
الخطة
قبل خمس سنوات، كانت المعارضة هي التي تعاني من الفوضى. ففي عام 2020؛ أدت حملة حكومية شرسة في محافظة إدلب، التي كانت تحت سيطرة المعارضة، إلى مقتل مئات المدنيين وتشريد نصف مليون شخص، وانتزاع السيطرة على مناطق إستراتيجية بما في ذلك طريق سريع رئيسي. وقد أتاح وقف إطلاق النار الذي توسطت فيه روسيا وتركيا، الداعمتان للمعارضة والفصائل المتمردة، في أيار/ مايو 2020، الوقت لهيئة تحرير الشام لإعادة تنظيم صفوفها.
كان زعيم الهيئة أحمد الشرع، الجهادي المخضرم الذي قاتل القوات الأمريكية في العراق، والذي كان يعرف حتى وقت قريب باسمه الحركي “أبو محمد الجولاني”، قد أسس جبهة النصرة، فرع القاعدة السابق وسلف هيئة تحرير الشام. كانت الجبهة قد اشتهرت بقتالها العنيف ضد الحكومة السورية، وكذلك ضد فصائل المعارضة الأخرى، فضلاً عن ارتكابها فظائع.
ومنذ أن قطع ارتباطه بالقاعدة قبل نحو عقد من الزمن، ركز الشرع وهيئة تحرير الشام على بناء حكم في إدلب، في محاولة لإعادة تشكيل صورتها والتخلص من تصنيفها كمنظمة إرهابية عالمية، وكذلك لترسيخ سيطرتها المحلية. ومن خلال تأسيس إدارة وتشغيل محاكم وتقديم الخدمات، سعى التنظيم لكسب ثقة السكان المحليين وتنويع مصادر إيراداته في معقلها الاستراتيجي في الشمال.
وبحسب المحللين تدفقت الأموال إلى الهيئة من خلال سيطرتها على معبر حدودي مهم مع تركيا، وجمع الضرائب، وتبرعات رجال الأعمال، بالإضافة إلى احتكار سوق الوقود، مما وفر التمويل اللازم للمعركة المقبلة. ورغم ذلك، أثارت بعض الإجراءات مثل الضرائب المفروضة على المزارعين احتجاجات في المنطقة.
وقال موسى الأسعد، أحد أعضاء هيئة تحرير الشام، إن التنظيم كان يخطط بهدوء لهجوم مضاد منذ ما لا يقل عن أربع سنوات بهدف “تغيير ميزان القوى على الأرض”. ووفقاً لآرون واي زيلين، الباحث الذي درس التنظيم لسنوات، ركزت الهيئة على “القطاع العسكري”؛ حيث أنشأت الهيئة كلية عسكرية في عام 2021، وعملت على “دمج جميع الفصائل المتمردة المرتبطة بها — عبر الاندماجات أو الاستحواذات القسرية، أو أي شيء بينهما”، كما قال زيلين. واعتمد الشرع على “الاحترام” الذي اكتسبه على مر السنين من قادة الهيئة وفصائل المعارضة الأخرى، بحسب زيلين.
وتحت قيادة موحدة، تصرفت المجموعات العسكرية بانضباط أكبر، وأصبحت الوحدات العسكرية متخصصة، حيث ركزت على المدفعية والطائرات المُسيرة، على سبيل المثال. وخلال السنوات الأخيرة، نفذت المعارضة غارات ضد قوات النظام أسفرت عن مقتل جنود والاستيلاء على أسلحة، وقال زيلين: “جزء من ذلك كان تدريباً للهجوم الكبير”.
وأوضح الأسعد أن الاستعدادات كانت “على جميع المستويات”، مشيراً إلى أنه تم إنتاج الأسلحة وتوحيد الفصائل المتمردة. وفي وقت لاحق من هذا العام، قدمت هيئة تحرير الشام خطة الهجوم إلى تركيا، وفقاً للأسعد. وأضاف أن أنقرة وافقت على الخطة من حيث المبدأ، لكنها لم تعطِ الضوء الأخضر لتنفيذها.
كان الرئيس التركي رجب طيب أردوغان يسعى لتحقيق توازن بين المصالح المتعددة لحكومته في سوريا، بما في ذلك إعادة ملايين اللاجئين السوريين الذين كانوا يواجهون تزايداً في العداء داخل تركيا. وفي حزيران/ يونيو، أثار إمكانية استعادة العلاقات الدبلوماسية مع الأسد، وهي العلاقات التي قُطعت عقب انتفاضة 2011 السورية، وقال مسؤول تركي: “لم تكن خطوة بسيطة”، لكن هذا الانفتاح لم يسفر عن أي نتائج.
بحلول تشرين الأول/ أكتوبر، أصبح الهجوم المخطط له سراً مكشوفاً. وقال محمود الأحمد، مسعف ميداني يبلغ من العمر 21 عاماً في هيئة تحرير الشام، إن العديد من مقاتلي المعارضة أُبلغوا عن الهجوم لأول مرة في ذلك الشهر، وكانوا متحمسين له. وأضاف: “أردنا تحرير الأرض والوصول إلى دمشق”.
قال الأسعد إن هيئة تحرير الشام كانت تخطط لبدء العملية “في اليوم الأول من غزو إسرائيل للبنان”، حيث كان يعتقد التنظيم أن حزب الله، المجموعة المسلحة اللبنانية التي تدعم الأسد، سيقوم “بسحب مقاتليه من الجبهات في شمال سوريا”.
غير أنه عندما بدأت إسرائيل بنقل قواتها إلى جنوب لبنان في بداية تشرين الأول/ أكتوبر، أشار الأسعد إلى أن مقاتلي حزب الله ظلوا في سوريا لمدة أسبوع على الأقل. استمرت التحضيرات للهجوم، لكنها بقيت في الظل بسبب الحرب المستعرة على الحدود.
وفي 11 تشرين الأول/ أكتوبر، كان هناك عنوان بارز في صحيفة تركية مؤيدة للحكومة يقول “البراميل موجهة نحو حلب”. وقال عمر أوزكيزيلجيك، من المجلس الأطلسي، إن الهجوم أصبح “معروفاً على نطاق واسع في سوريا” لدرجة أن حكومة الأسد وحلفاءها الروس “زادت بشكل كبير من حملتهم الجوية” في إدلب.
أضاف الأسعد أن تركيا “حاولت منع المعركة وهددت هيئة تحرير الشام”، مستخدمة نفوذها الكبير، بما في ذلك قدرتها على إغلاق المعابر الحدودية مع شمال سوريا، التي تعد شريان حياة للمدنيين ومصدر دخل رئيسي للهيئة.
ونفى مسؤول تركي أي تهديدات تتعلق بالمعابر الحدودية وقلل من شأن فكرة أن تركيا شجعت الهجوم، مشيراً إلى أنها كانت تحاول “حتى اللحظة الأخيرة الحفاظ على منطقة خفض التصعيد في إدلب”.
وقال محمد شاهين، نائب تركي عن حزب العدالة والتنمية الحاكم: “سيكون من السذاجة جداً توقع أن دولة متورطة بهذا العمق لا تتابع ما يحدث في سوريا”، في إشارة إلى اللاجئين، والعمليات العسكرية التركية عبر الحدود ضد المقاتلين الأكراد، ووجود القوات التركية في سوريا.
وجاءت نقطة التحول بعد اجتماع في 11 تشرين الثاني/ نوفمبر في أستانا، كازاخستان، بين إيران وتركيا وروسيا. وفي تحذير وجهته تركيا إلى الحكومة السورية وحليفها الروسي، أوضحت أن الوضع الراهن في سوريا — دون أي تقدم نحو حل سياسي بعد أكثر من 13 عاماً من الحرب الأهلية — أصبح غير قابل للاستمرار، وفقاً للمسؤول التركي.
وأضاف المسؤول التركي أن تركيا “حذرت النظام وداعميه أنه إذا استمروا في مهاجمة المدنيين والبنية التحتية المدنية في إدلب، فعليهم توقع رد فعل قوي من المعارضة”. وقال الأسعد إن تركيا أعطت الضوء الأخضر للمعارضة السورية للمضي قدماً بعد اجتماع أستانا.
في تلك الأثناء، كانت المعارضة تراقب الوضع في لبنان. وفي 26 تشرين الثاني/ نوفمبر، توصل حزب الله وإسرائيل إلى اتفاق لوقف إطلاق النار.
قال الأسعد إن هيئة تحرير الشام قررت التحرك فجر اليوم التالي، قلقين من أن “مقاتلي حزب الله قد يعودون إلى سوريا وينضمون إلى النظام في معاركه”.
انهيار الدعم الأجنبي
اعتمد بشار الأسد على الحلفاء الأجانب منذ بداية الحرب الأهلية. فمنذ عام 2012، أرسل حزب الله مقاتلين إلى سوريا، لينضم إليهم في السنوات التالية ميليشيات شيعية من العراق وأفغانستان ودول أخرى، مما أضفى على الصراع طابع الحرب بالوكالة العالمية. في المقابل، تدفقت المساعدات إلى الجماعات المتمردة من دول الخليج العربي والولايات المتحدة، بينما انضم جهاديون أجانب إلى جبهة النصرة وغيرها من الجماعات السنية المسلحة.
وعندما بدأت المعارضة في تحدي الأسد بجدية، تدخلت روسيا باستخدام قوتها الجوية الهائلة، مما ساعد الحكومة على استعادة حلب وأراضٍ أخرى فقدتها. ومع الهجوم الجديد للمتمردين الشهر الماضي، أكدت موسكو استمرار دعمها لسوريا. بحلول اليوم الثاني من الهجوم، كانت الطائرات الروسية تقصف مواقع المعارضة، مدعية أنها قتلت “ما لا يقل عن 400 مقاتل”. وبعد أن اخترق المتمردون حلب، ندد الكرملين بالهجوم، واصفاً إياه باعتداء على السيادة السورية، معرباً عن أمله في أن “تستعيد السلطات السورية النظام في المنطقة وتعيد الاستقرار الدستوري”.
غير أنه في الكواليس؛ كانت روسيا على اتصال مع تركيا للحصول على معلومات حول خطط هيئة تحرير الشام مع تحرك مقاتليها جنوباً، وفقاً لمسؤول أمني غربي. وأضاف المسؤول أن الأتراك استغلوا هذه المحادثات لتوضيح نقطتين رئيسيتين: أولاً، أن دعم الأسد قد يصبح بلا جدوى على المدى الطويل، وثانياً أن قصف هيئة تحرير الشام لن يؤدي إلا إلى زيادة معارضة قادة سوريا المستقبليين لموسكو.
وزارة الخارجية الروسية لم ترد على طلب التعليق. ومع ذلك، بدا وزير الخارجية التركي، هاكان فيدان، وكأنه يؤكد هذه التحذيرات في مقابلة مع قناة “إن تي في” التركية في وقت سابق من هذا الشهر، حيث قال: “قلنا للروس ألا يقصفوا المدنيين، وألا يتسببوا في مزيد من المجازر والنزوح”. وأضاف: “أوضحنا لهم بجلاء: الشخص الذي كانوا يستثمرون فيه ليس الشخص المناسب للاستثمار فيه. الأوضاع في المنطقة تغيرت بشكل جذري”.
قبل يومين من فرار الأسد، بدا أن بعض حلفائه العرب لا يزالون يعتقدون أنه قادر على البقاء في السلطة. وقال المسؤول التركي إنهم تواصلوا مع تركيا بقلق، حيث اقترح بعضهم تقديم تنازلات من قبل الأسد للمتمردين لوقف تقدمهم. ومع حلول اليوم التالي، أدركوا أن الأسد “كان منتهياً”، مما دفعهم إلى تأجيل اجتماع لجامعة الدول العربية كان من المقرر عقده لمناقشة الوضع.
ومع ذلك، استمر الشعور بالإنكار، فقبل ساعات من فرار الأسد من سوريا، غادر رئيس الوزراء القطري عشاءً احتفالياً مبكراً لحضور اجتماع مع وزراء خارجية روسيا وإيران وتركيا والسعودية والأردن ومصر والعراق. وقال دبلوماسي إقليمي مطلع على المناقشات: “ركز الحديث في ذلك الاجتماع، الذي كان على هامش مؤتمر في الدوحة، على كيفية تجنب إراقة الدماء، ولم يتطرق أحد للحديث عن رحيل الأسد”.
بعد الاجتماع، صدر بيان مشترك يركز على “ضرورة وقف العمليات العسكرية تمهيداً لإطلاق عملية سياسية شاملة”.
في الوقت نفسه، حاولت إيران، الداعم الأجنبي الرئيسي الآخر للأسد، إنقاذه. وقال اللواء حسين سلامي، القائد العام للحرس الثوري الإيراني، إن الاستخبارات الإيرانية كانت على علم بهجوم مخطط له قبل شهور من تنفيذه، لكن الحكومة السورية رفضت اتخاذ أي إجراءات بناءً على هذه المعلومات. وأضاف في تصريحات نُشرت الأسبوع الماضي في وسائل الإعلام الإيرانية الرسمية: “تمكنا من تحديد محور الهجوم باستخدام تقنيات استخباراتية، وأبلغنا المستويات السياسية والعسكرية في سوريا”. لكنه أشار إلى أن الأسد وداعميه افتقروا إلى “الإرادة” اللازمة “للحرب والصمود”.
وبحلول الوقت الذي حاولت فيه إيران إرسال تعزيزات إلى سوريا، قال سلامي: “كانت جميع طرق النقل مغلقة”. بعد سقوط حماة بيد قوات المعارضة، غيرت إيران مسارها وقررت أنه لم يعد من الممكن دعم الرئيس، وفقاً لدبلوماسيين إقليميين.
قد تكون إيران قد شعرت بضغط أكبر لإنقاذ الأسد، خاصة بعدما غضب منها بمحاولته تقليص النفوذ الإيراني في بلاده، في مسعى لاسترضاء دول الخليج التي وعدت بمحاولة رفع العقوبات الأمريكية عن سوريا، وفقاً لأحد أفراد عائلة الأسد. وعندما طلب الأسد أخيراً من طهران زيادة الدعم العسكري، كان الأوان قد فات، بحسب المصدر ذاته.
في 6 كانون الأول/ ديسمبر، أصدرت طهران أمراً بإجلاء قواتها ودبلوماسييها من سوريا خوفاً من انهيار دمشق بسرعة وترك الموظفين الإيرانيين “محاصرين”، وفقاً لدبلوماسي.
توقعت كل من روسيا وسوريا وإيران أن يأمر أردوغان بوقف الهجوم بعد أن استولى المتمردون على حلب، للسماح بالمفاوضات، وفقاً لأحد أفراد عائلة الأسد ومسؤول دبلوماسي روسي. لكن لم يكن هناك أي توقف، وقال المسؤول: “فاجأهم أردوغان”.
في 6 كانون الأول/ ديسمبر، قال الزعيم التركي: “فليستمر هذا الزحف في سوريا”.
في خطاب سنوي له يوم الخميس، أشار الرئيس الروسي فلاديمير بوتين إلى أن القوات السورية والإيرانية المتحالفة قد فرت من حلب وأماكن أخرى، باستثناء بعض الحالات النادرة، “دون قتال”. وأضاف أن إيران، التي طلبت سابقاً مساعدة روسيا في نقل مقاتليها إلى سوريا، طلبت الآن المساعدة في انسحابهم: “لقد نقلنا 4000 مقاتل إيراني إلى طهران”.
حاولت إيران، التي فقدت حليفها الأهم في الشرق الأوسط ومسارات إمدادها إلى حزب الله في لبنان، أن تحفظ ماء وجهها، وقال سلامي: “أقول لكم جميعاً بفخر إن آخر من غادر خط المقاومة في سوريا كانوا أبناء الحرس الثوري الإيراني”، لكنه أضاف: “يجب أن تتغير الإستراتيجيات وفقاً للظروف”.
المعركة
بينما انطلق المتمردون من مختلف أنحاء سوريا، “اتفقوا على خطة عملية”، وفقاً لما ذكره مسؤول أمريكي سابق، والذي أضاف: “أرسلوا جميع مقاتليهم”.
تضمنت التحالفات التي قادتها هيئة تحرير الشام، مع 14 لواءً تابعاً لها، “كل” الجماعات المتمردة، كما أوضح أوزكيزيلجيك، بما في ذلك المقاتلون المدعومون من تركيا الذين تم تنظيمهم تحت لواء الجيش الوطني السوري.
وأفاد المسلحون أنهم واجهوا مقاومة محدودة أثناء تقدمهم من الشمال، وكانت أشد المعارك في الخط الدفاعي الأول خارج حلب. وقال القائد في هيئة تحرير الشام أبو عبد الرحمن، باستخدام اسمه الحركي: “خسرنا أفضل مقاتلينا في المرحلة الأولى”.
وأضاف: “لكن بعد اجتياز الخط الأول، بدأت قوات النظام في التراجع”، معبراً عن مفاجأته بسرعة التقدم. وقال: “سقطت جميع المناطق الأخرى بسرعة وسهولة. فقط هربت قوات النظام”.
مع سيطرة المتمردين على مدينة حلب والمناطق المحيطة بها، أفاد الأسعد أنهم بدأوا في “تنسيق عالِ” مع أفراد من جيش الأسد لتحفيزهم على الانشقاق. وقد شمل ذلك استخدام طائرات مسيرة محلية الصنع لإلقاء منشورات فوق الوحدات الحكومية، حيث كانت تحتوي على أرقام هواتف يمكن للجنود استخدامها للتواصل مع المتمردين للإعلان عن استسلامهم.
الضربات الجوية الروسية — على الأقل تلك التي تستهدف المتمردين — بدا أنها تتراجع بعد استعادة حلب، وفقاً لما ذكره أبو زياد، وهو مقاتل تم نشره الأسبوع الماضي بالقرب من قاعدة حميميم الجوية الروسية في اللاذقية، وقال: “بعد استعادة حلب، استمررنا بسلاسة”.
كانت هناك مقاومة من قوات الأسد في جبل زين العابدين، الواقع خارج حماة، وهو موقع لمزار شيعي مهم. وعند زيارة مراسلي واشنطن بوست الأسبوع الماضي، كانت المنطقة مليئة بالمركبات العسكرية المدمرة، والمواقع العسكرية المهجورة، وبقايا الانسحاب. وقال مقاتلو المتمردين الذين زاروا المنطقة هذا الأسبوع إنهم عثروا على 40 إلى 50 جثة في المكان، كما كانت هناك جثث لشباب آخرين في زي عسكري لا تزال ملقاة في مكان مقتلهم.
تُعد المنطقة “خط الدفاع الأول” للجبال التي تضم مئات الآلاف من العلويين، الطائفة التي ينتمي إليها الأسد وعائلته، وفقاً لما ذكره أحد أفراد العائلة. وقال المصدر نفسه إن بعض الضباط هناك رفضوا تعليمات وضع السلاح، مما أدى إلى حالة من الارتباك في الجيش بشأن الأوامر بالتخلي عن الأرض دون قتال.
غير أن الجبل سقط، وسقطت مدينة حماة بعد فترة قصيرة، وكان ذلك اختراقًا إستراتيجيًّا ورمزيًّا للمتمردين في مدينة شهدت مذبحة ارتكبها والد الأسد، حافظ الأسد، عام 1982 لقمع تمرد إسلامي.
استمر المتمردون في تقدمهم نحو الجنوب، باتجاه حمص، ثالث أكبر مدينة في سوريا، وهي بوابة إلى العاصمة والساحل.
بينما تقدم المتمردون — بقيادة إسلاميين متشددين كان النظام السوري قد وصفهم طويلاً بـ “الإرهابيين” — سعى هؤلاء لتهدئة المخاوف العامة بشأن نواياهم. ففي أماكن مثل حلب، تم وضع المقاتلين المحليين في مقدمة القوة المهاجمة.
وقال أحمد الدالاتي، نائب قائد حركة أحرار الشام، وهي فصيل إسلامي شارك في الهجوم: “الثوار هم أبناء سوريا الذين يعرفهم أهلنا في حلب. النظام شردهم من منازلهم، واليوم عادوا إليهم منتصرين.”
وقام المتمردون بالتواصل مع الزعماء القبليين والدينيين في مختلف أنحاء البلاد، بما في ذلك الشيخ عيسى بهلول، وهو زعيم علوي. وقال الأسد لبهلول في مكالمة هاتفية في يوم فرار الأسد، حسب تسجيل: “موقعكم محمي وكذلك جماعتكم. أرسل تحياتي إلى جميع إخواننا. نحن معكم. هذه الطائفة المسكينة، التي عانت أكثر من غيرها خلال الأربعين عاماً الماضية”، فرد بهلول قائلاً: “نعم”.
كان المتمردون يعلمون أن الجيش السوري كان “مرهقاً”، لكنهم لم يتوقعوا سرعة انهياره، وفقاً لما ذكره الدالاتي. وتوفر الوثائق التي استولى عليها المتمردون بعد سقوط الأسد لمحة عن المأساة التي حلت بالقوات الحكومية، فكانت هناك ملفات سميكة موسومة بـ “شهداء الجيش” موضوعة على الرف في مكتب رئيس الأركان في دمشق، الذي أصبح الآن في أيدي متمردي هيئة تحرير الشام. تُظهر سجلات السجون، التي راجعتها واشنطن بوست، أن سجون الأسد كانت مليئة بالمنشقين العسكريين.
قال أبو عبد الرحمن: “عندما وصلنا إلى حمص، فوجئنا بأن النظام قد فر وترك دمشق.”
في دمشق، كانت قوات الأسد في حالة فوضى، فقال ضابط شرطة يبلغ من العمر 22 عاماً وكان يعمل في إحدى ضواحي دمشق إن الأوامر صدرت له ولزملائه للتمسك بمواقعهم، ولكن بعد ذلك جاءت أوامر جديدة: بالفرار. لم ينتظر الضباط التعليمات، بل تخلصوا من زيهم العسكري وارتدوا ملابس مدنية، وقال الضابط: “كنا بالفعل في بيوتنا، وكان واضحاً ما سيحدث”.
في النهاية، كانت قوات المتمردين القادمة من الجنوب هي التي دخلت المدينة أولاً.
النهاية
من غير الواضح بالضبط متى أدرك الأسد أن حكمه قد انتهى، فقبل 48 ساعة فقط من سقوط دمشق، كان كبار المسؤولين في العاصمة وأفراد من الدائرة المقربة للرئيس يتصرفون وكأنهم لا يرون أي تهديد لعرش الأسد.
وقال أحد الأفراد، الذي وصل إلى المدينة في 6 كانون الأول/ ديسمبر وكان يعمل بانتظام كحلقة وصل بين الأسد والحكومات الغربية والعربية: “سقطت حلب، وكانت حمص على وشك السقوط، لكن كان هناك ثقة مطلقة بأن لا شيء سيحدث في دمشق”، وأضاف ذلك الشخص أنه تحدث في الأيام التي سبقت انهيار الحكومة السورية، مع أعضاء من الدائرة المقربة للأسد، بما في ذلك أحد أفراد أسرته المباشرين، الذين كانوا جزءاً من وفد عائلي تجمع في موسكو في 2 كانون الأول/ ديسمبر لحضور حفل تخرج أحد أبناء الأسد من مدرسة روسية، وقال الشخص: “كان كل شيء كالمعتاد. كان الجميع يظن أن هناك نوعاً من الاتفاق الإستراتيجي بين تركيا وروسيا”، وأضاف: “كان الناس لا يزالون واثقين أن الروس والإيرانيين سيقدمون لهم الدعم”.
حتى في دمشق، قال الفرد إن رد فعله كان “كل شيء هادئ هنا”.
وبينما كانت الجدران تضيق، استمر الأسد في طمأنة أفراد أسرته المقربين أن نظامه سيصمد، وفقاً لقريب له، بما في ذلك اثنان من بناته البالغات اللتين كانتا معه في منزله الكبير المكون من أربعة طوابق في حي المالكي بالعاصمة، وكانت حقائب الأسد قد تم تعبئتها بالفعل، وقال القريب عن محادثة الأسد مع ابنتيه: “لم يخبرهم حتى”.
كان ماهر الأسد، شقيق الرئيس الأصغر وقائد الفرقة الرابعة المدرعة التابعة للجيش السوري، المكلفة بحماية العاصمة، غاضباً عندما اكتشف أن رئيس الأركان قد أصدر أوامر للجيش بالانسحاب، وفقاً لما ذكره القريب وأحد أفراد العائلة. مكان ماهر غير معروف حتى الآن. كان ماهر يعتقد أن الانسحابات السابقة كانت تُجرى للتحضير لمعركة العاصمة، وفقاً للعائلة، لكنه سمع بعد ذلك أن الجنود قد تلقوا أوامر بوضع الأسلحة. وقال القريب: “كانت أول ردة فعل له: لا تطيعوا الأوامر”، وأضاف: “وكان الرد: لقد فات الأوان، لقد فعلنا ذلك بالفعل”. وتم العثور على نائب قائد الفرقة الرابعة لماهر مقتولاً في مكتبه عندما وصل المتمردون، في علامة على الاضطراب داخل صفوف الجيش بسبب الانسحابات.
لم يُظهر الأسد أي مؤشر للعديد من موظفيه وأفراد عائلته أنه كان يفر، مما تركهم بلا وقت لتنظيم طرق الهروب، فقد كانت بنات بشار مع حارسه الشخصي عندما اكتشفن أنه قد غادر. وقال القريب: “كان الحارس هو الذي تمكن من إيجاد طريقة لإخراجهما من البلاد بشكل سري”.
لم يكن العديد من موظفي الرئيس يعلمون أيضاً أنه كان يهرب، فقد كان رئيس أمن القصر، وهو جنرال كان الأسد قد أبقاه خارج التقاعد، غير مدرك لرحيل الرئيس حتى بعد حدوثه، حيث اكتشف ذلك فقط عندما وصل الجنود وأخبروه أنهم يضعون أسلحتهم. قال الجنرال: “لم أتلق أمراً بالانسحاب، ولن أترك الرئيس وحده”، بحسب القريب الأول، لكن الأسد كان قد غادر بالفعل.
كان الجنرال لا يزال في العقار عندما وصلت قوات المتمردين من الجنوب إلى دمشق، وتم أخذه للاستجواب. ولا يزال أفراد عائلته لا يعرفون مكانه. كانت زوجة الأسد وأطفاله في موسكو بالفعل، حيث كانوا يعيشون لعدة أشهر، وفقاً للأقارب. وقال القريب الثاني: “الجميع يشعر أنه خانهم”.
المصدر: واشنطن بوست