بعد أيام قليلة من قيادته لحزب المؤتمر الوطني الإفريقي الحاكم إلى الفوز في الانتخابات التي جرت في وقت سابق من مايو الحاليّ، كشف رئيس جنوب إفريقيا سيريل رامافوزا الأربعاء النقاب عن ملامح تشكيل حكومته الجديدة، وسط حالة من التفاؤل بشأن قدرتها على الخروج بالبلاد من عنق الزجاجة.
عدد من التغييرات الواضحة التي طرأت على التشكيلة الجديدة سواء من حيث الشكل أم المضمون، تأتي من “أجل مزيد من التماسك وتنسيق أفضل وكفاءة مطورة” حسبما وصف رامافوزا الذي يسعى إلى تطهير بلاده من العديد من أوجه الفساد التي شهدتها ولاية الرئيس المطاح به العام الماضي جاكوب زوما.
السمة الأبرز في الحكومة المعلن تشكيلها أمس أن نصفها من النساء في سابقة هي الأولى من نوعها، ليس في تاريخ جنوب إفريقيا فحسب بل في تاريخ كل دول القارة السمراء، وهو ما يضع المرأة هناك في تحدٍ جديدٍ حيال مسؤوليات جسام خلال المرحلة المقبلة، هذا بخلاف تخفيض عدد الوزراء من 36 إلى 28 وزيرًا.
تقليل النفقات
الدافع الأول لتقليل عدد الوزراء في الحكومة الجديدة وفق ما ذهب إليه الرئيس الجنوب الإفريقي يتمثل في تقليل النفقات في ظل ما تشهده البلاد من أوضاع اقتصادية متردية، وهو ما يتناقض مع نهج الرئيس السابق الذي رفع عدد المناصب الوزارية في محاولة لتعزيز شبكة نفوذه، قبل أن يطاح به بعدما لاحقته قضايا فساد.
وقال رامافوزا البالغ 66 عامًا في خطاب تليفزيوني: “من أجل مزيد من التماسك وتنسيق أفضل وكفاءة مطوّرة، فإننا نخفّض عدد الوزراء من 36 إلى 28 وزيراً”.
رامافوزا البالغ من العمر 66 عامًا في خطاب تليفزيوني له قال: “حزب المؤتمر الوطني الإفريقي أعيد انتخابه بتفويض لإنهاء الاستيلاء على الدولة”، وهو المصطلح المستخدم لوصف فساد الحكومة في ظل زوما، مضيفًا “كل جنوب إفريقيا تدرك تمامًا الصعوبات الاقتصادية الكبيرة التي تواجهها بلادنا”.
وتابع “لذلك من الضروري (…) أن نعطي أولوية لإعادة تنشيط اقتصادنا مع ممارسة أقصى درجات الحذر في استخدام الأموال العامة”، لافتًا إلى أنه “لأول مرة في تاريخ بلادنا نصف الوزراء من النساء”، إلا أنه أبقى على وزير المالية تيتو مباوني، وكذلك نائب الرئيس المثير للجدل ديفيد مابوزا، ما أثار الكثير من التساؤلات.
South African President Cyril Ramphosa sworn-in on Saturday has already named his cabinet.
Hope Daddy Bubu @MBuhari won't take another six months again o? Please he should release the list immediately he returns from Saudi Arabia.#NoTimeToWaste pic.twitter.com/aVnBOF2lVg
— Sumner Shagari Sambo (@Sumner_Sambo) May 29, 2019
تحسن طفيف في الاقتصاد
تعاني جنوب إفريقيا من حزمة من الأزمات على رأسها الاقتصاد الذي شهد خلال السنوات الأخيرة تراجعًا كبيرًا على المستويات كافة أدى إلى تأزم الوضع المعيشي في ظل ارتفاع واضح في معدلات التضخم والبطالة وقفزات هائلة في أسعار السلع والخدمات.
كثير من عوامل هذا التراجع الذي شهدته البلاد خلال الآونة الأخيرة تعود إلى سياسات الرئيس السابق الفاسدة التي ألقت بظلالها على كل أرجاء الدولة، وهي ذاتها التي أطاحت به من كرسي الرئاسة العام الماضي، بعدما ثبت تورطه في قضايا فساد عدة، الأمر الذي دفع الرئيس الحاليّ إلى تكثيف العمل لإنقاذ ما يمكن إنقاذه.
تشكل المرأة نحو 3.6% من الرؤساء التنفيذيين للشركات في جنوب إفريقيا إلى جانب 5.5% من رؤساء الشركات، و21.4% من المديرين التنفيذيين، وفق إحصاءات رسمية عام 2014
وبالفعل بدأت إرهاصات الإصلاح تلوح في الأفق مع العام الأول لـ”رامافوزا” وفق ما كشفه البنك المركزي الذي قال إن النمو الاقتصادي في البلاد ربما يسجل معدلاً أسرع من المتوقع، إذا تم تنفيذ الإصلاحات الهيكلية الصحيحة، مضيفًا في تقرير السياسة النقدية الذي يصدر كل ستة أشهر، أن هذا اﻷمر يعني أن الاقتصاد من شأنه التوسع بوتيرة أسرع من 2% حتى عام 2020، بحسب توقعات البنك فى مارس الماضي، وهو معدل لم يتم تجاوزه منذ عام 2013، كما أن النمو الاقتصادي البالغ 1.3% خلال العام الماضي، الذي تفوق على التوقعات، لا يمثل أداءً جيدًا.
وكالة “بلومبيرج” في تقرير لها قالت: “الرئيس الجنوب إفريقي الجديد الذي حل مكان زوما، عزز عملة البلاد على أمل إجراء إصلاحات هيكلية في أكثر الاقتصادات الصناعية تقدمًا في إفريقيا، كما أنه تعهد بالتخلص من الفساد، لتُظهر بذلك مؤشرات الثقة رغبة الأعمال والمستثمرين في البدء في رؤية إصلاحات حقيقية في البلاد”.
المركزي كشف زيادة واضحة في قيمة العملة المحلية (الراند) بنسبة 9% منذ انتخاب رامافوزا في ديسمبر الماضي كزعيم للمؤتمر الوطني الإفريقي، مما ساعد على خفض ضغوط الأسعار، كما سجل التضخم تباطؤًا إلى أدنى مستوياته منذ ثلاثة أعوام تقريبًا ليصل إلى 4% في فبراير الماضي، متوقعًا أن يظل ضمن النطاق المستهدف بين 3 و6% حتى نهاية عام 2020 على الأقل، ومستقرًا عند أكثر من 5%.
رئيس جنوب إفريقيا سيريل رامافوزا
المرأة.. كلمة السر
تحتفل جنوب إفريقيا في أغسطس من كل عام بـ”شهر المرأة” تقديرًا للآلاف النساء اللائي نظمن مسيرات إلى مباني الاتحاد (مقر الحكومة والرئاسة) في بريتوريا عام 1956، احتجاجًا على تمديد “قوانين الاجتياز” للنساء، تلك القوانين سيئة السمعة التي شرعها المستعمر البريطاني آنذاك لفصل السكان والحد من حركة الأفارقة السود بشدة وإدارة تطوير المدن وتوزيع العمالة المهاجرة.
المسيرة إن لم تغير وحدها تلك القوانين، فإنها شكلت نقطة تحول كبيرة في دور المرأة الثوري في النضال من أجل الحرية في جنوب إفريقيا، ومنذ ذلك العهد بدأ ينظر للمرأة نظرة أخرى غير تلك التي كانت في السابق، التي كانت مستوحاة من بعض المعتقدات الدينية والمجتمعية التي تنظر للمرأة نظرة دونية.
تشكل المرأة نحو 3.6% من الرؤساء التنفيذيين للشركات في جنوب إفريقيا إلى جانب 5.5% من رؤساء الشركات، و21.4% من المديرين التنفيذيين، وفق إحصاءات رسمية عام 2014، وهي النسبة التي لم ترض الكثير من المعنيات بحقوق المرأة في إفريقيا، ما دفعهم للمطالبة بمزيد من الحقوق تحقيقًا للمساواة المنشودة مع الرجل.
تواجه المرأة الجنوب إفريقية تحديًا جديدًا في محاولة لترسيخ مكانتها وتأكيد أهمية دورها في إدارة المرحلة المقبلة وتجاوز المنعطف الاقتصادي الصعب الذي تحياه بلادها
شيرين ميلز من مركز “تشوارانانغ” الحقوقي القانوني (منظمة غير هادفة للربح) في تعليق سابق لها على نسبة مشاركة المرأة في الحكومات السابقة قالت: “لقد أدت الحكومة بشكل جيد فيما يتعلق بإشراك المرأة في المناصب القيادية، وهذا يدل على الالتزام”، مضيفة أنه رغم ذلك، لا تزال الحكومة بحاجة إلى بذل المزيد من الجهد لضمان التمثيل المتساوي للنساء.
ميلز اعتبرت في تصريحاتها لوكالة “الاناضول” أنه ليس من العدل أن يكون هناك اثنان فقط من النساء يخدمان كرؤساء مجالس وزراء (رؤساء حكومات المقاطعات)، من أصل إجمالي 9 رؤساء وزراء، واصفة وجود عدد قليل من القيادات النسائية في المناصب الإدارية العليا في القطاع الخاص بأنه “صادم”.
بدورها، تعتقد بريشس نتومبي وهي طالبة في جامعة جوهانسبرغ أن جنوب إفريقيا أفضل حالاً فيما يتعلق بحقوق المرأة والتمثيل مقارنة بالعديد من البلدان الأخرى، قائلة:”أنا فخورة ببلادي، ومعظم أصدقائي من البلدان الإفريقية الأخرى يقولون إنهم لا يتمتعون بالكثير من الحريات بقدر ما نحظى به هنا”.
تواجه المرأة الجنوب إفريقية تحديًا جديدًا في محاولة ترسيخ مكانتها وتأكيد أهمية دورها في إدارة المرحلة المقبلة وتجاوز المنعطف الاقتصادي الصعب الذي تحياه بلادها، خطوة لاقت ترحيبًا من كل المنظمات الحقوقية، داخل الدولة وخارجها، إلا أن التجربة وما تفرزه من نتائج هي المحك الحقيقي للتقييم، وهو ما يترقبه الشارع هناك.