في مثل هذه الأيام من كل عام تتحول شوارع مصر وميادينها إلى أسواق متنقلة، كل يتسابق لشراء مستلزمات العيد من ملابس ومأكولات، لكن الوضع لم يعد كما كان في السابق، فالشوارع تفقد بريقها والمحال التجارية تشتكي تراجع حركة البيع والشراء، ويكتفي المواطن بالمشاهدة من مقاعد المتفرجين.
” لأول مرة منذ أكثر من 15 عاما هي مدة زواجي لم أستطع شراء ملابس العيد لأطفالي.. للأسف الأسعار في متناول رجال الأعمال فقط”.. بهذه الكلمات لخص شريف عبدالكريم، حال كثير من المصريين في هذه الأيام، فالقفزات الجنونية التي قفزتها أسعار الملابس المصرية فاقت كافة التوقعات.
شريف الذي يبلغ من العمر 45 عاما ويعمل موظف أمن في إحدى الشركات الخاصة يواصل حديثه: بحثت في أكثر من عشرة محال عن أسعار تناسب إمكانياتي فلم أجد إلا أحد التجار يبيع ملابس مستوردة من الصين أرخص بكثير من الملابس المصرية أو المستوردة الأخرى” وتابع: يبدوا أن هذا هو الحل الوحيد أمامي حتى لا أغتال فرحة أبنائي بالعيد.
قفزة في الأسعار
منذ قرار تعويم العملة المحلية (الجنيه) في 2016 أخذت الأسعار منحا أخر، إذ زادت خلال الأعوام الثلاثة الأخيرة بنسب تتجاوز الـ 200% وفق ما ذكرته العديد من المصادر، الأمر الذي انعكس بالفعل على المواطنين خاصة في ظل ثبات الرواتب والأجور وإن شهدت زيادة في بعضها إلا أنها طفيفة لا تتناسب مطلقا مع زيادة الأسعار.|
أحمد شوقي.. تاجر مصري، يقول إن كلفة استيراد الملابس زادت بصورة جنونية منذ 2016 وحتى اليوم، لافتا إلى أن الدولار الجمركي قبل التعويم كان 6 جنيهات تقريبًا، أما الأن فيتأرجع بين 16و17 ما يعني زيادة قدرها 250% ما ينعكس بالطبع على أسعار الملابس المستوردة.
التاجر المصري لـ “نون بوست” أشار إلى أن هذا الارتفاع في قيمة الدولار أمام الجنيه أثر بشكل سلبي على طلبات المستوردين التي انخفضت بشكل ملحوظ، فالقيمة التي كانت تُشترى بـ 100 ألف جنيها مثلا في السابق تُشترى اليوم بـ 200 ألف، وعليه يتضاعف سعر المنتج نفسه في الأسواق، ومن ثم لجأ الكثيرون إلى تخفيض حجم المستورد في ظل انخفاض الطلبات بالتبعية.
حجم الواردات الصينية إلى مصر بلغ ٨.٧ مليار دولار بزيادة بلغت ٢٨ بالمائة، فيما بلغ حجم الصادرات المصرية إلى الصين ١.٣ مليار دولار بزيادة بلغت ٣٨ بالمائة
فيما ذهب عامر موسى، صاحب إحدى المحال التجارية بوسط البلد (القاهرة) إلى أن موسم البيع في العيد كان يبدأ منذ شهر رجب وحتى نهاية رمضان، لافتا إلى أن الوضع الأن يختلف بشكل كبير، فالموسم وحتى منتصف رمضان لم يحقق الحد الأدنى منه، وهو ما تسبب في خسارة كبيرة تكبدتها معظم المحال.
موسى لـ “نون بوست” أشار إلى أن معدل مبيعاته اليومية في السنوات الماضية قبل التعويم كان يتجاوز الـ 20 ألف جنيه يوميًا، أما اليوم فالمعدل لا يتخطى 8 ألاف جنيها على حد قوله، موضحا أن كثير من المواطنين يصدمون حين يقرأون الأسعار المكتوبة على الملابس، والغالبية منهم يغادرون المحال دون شراء.
عزوف في حركة البيع والشراء بسبب ارتفاع الأسعار
المنتجات الصينية هي البديل
عزفت الصين على وتر الارتفاع الجنوني لأسعار السلع في مصر لتحقق الانتشار الأكبر مقارنة بالمنتجات الأخرى، فلم تترك الشركات الصينية سلعة أو خدمة إلا وكان لها حضور في منازل المصريين، أو كما يقولون ” من الإبره للصاروخ” في ظل ما تتمتع به تلك المنتجات من جودة متوسطة وأسعار معقولة في متناول محدودي ومتوسطي الدخل.
لم يجد المصريون أمامهم سوى البديل الصيني للخروج من شبح ارتفاع أسعار السلع المصرية، فمن الصعب أن يمر العيد دون شراء ملابس جديدة لكن وفي ظل تلك القفزات الجنونية في الأسعار لم يعد هناك سوى المنتجات الصينية بديلا يحقق الهدف ويلبي طموح الأطفال في ارتداء الجديد.
ورغم تواضع خامات المنتجات الصينية نسبيًا إلا أنها باتت البديل الوحيد الآن أمام الملايين من محدودي الدخل
أشرف محمود، رب أسرة لخمسة أطفال، يقول: ذهبت لشراء ملابس لأبنائي من إحدى المحال في الجيزة فوجدت أن كلفة شراء طاقم واحد لكل طفل تتجاوز 2000 جنيها، رغم أنها ملابس متوسطة المستوى” وتابع: عدت يومها إلى البيت والدموع لم تفارق أبنائي”
وأضاف لـ “نون بوست” أن أحد الجيران أبلغه عن عن أحد التجار يبيع الملابس الصينية في شارع قريب منه في منطقة الهرم، وعلى الفوز ذهب إليه واشترى منه ملابس العيد بمبلغ لم يتجاوز 1000 جنيه، وتابع: وفرت النصف تقريبًا، فلم يكن أمامي حل أخر، فراتبي لم يتجاوز 2500 جنيها في الشهر.
القفزات الجنونية في الأسعار دفعت المواطنين للملابس المستوردة رخيصة الثمن
الأمر ذاته أكدته نجلاء سامي، ربة منزل، تقول إن سعر الفستان لابنتها التي لم تتجاوز الأعوام الخمسة تجاوز 600 جنيها فضلا عن حذاء بلغ 250 جنيها هذا بخلاف بعض الاكسسوارات الأخرى ليصل المبلغ الإجمالي 1000 جنيه لطفلة واحدة فقط، معربة عن صدمتها من الأسعار هذا العام.
نجلاء أضافت لـ “نون بوست” : كنت أتوقع أن المبالغة في أسعار الملابس ليست سوى افتراءات على الفيس بوك وفقط، لكن حين نزلت للشارع فوجئت بما أهو أصعب من ذلك، وتابعت: والله الناس بتكلم نفسها في الشارع، أكثر من مرة وجدت أباء وأمهات ينسحبون من المحال بهدوء حين يعرفون الأسعار.
ورغم تواضع خامات المنتجات الصينية نسبيًا إلا أنها باتت البديل الوحيد الآن أمام الملايين من محدودي الدخل ممن لا يستطيعون الوفاء بالتزامات العيد حيال أبنائهم في ظل الأسعار المعمول بها في المنتجات المصرية، هكذا أكد العديد من أولياء الأمور في أحاديثهم لـ “نون بوست”.
يذكر أن حجم التبادل التجاري بين مصر والصين بلغ ١٠ مليارات دولار أمريكي في 2018، بزيادة بلغت ٢٩.٣ بالمائة عن نفس الفترة من العام الماضي حسبما أكد هان بيينج المستشار التجاري الصيني بالقاهرة إلذي أشار إلى أن حجم الواردات الصينية إلى مصر بلغ ٨.٧ مليار دولار بزيادة بلغت ٢٨ بالمائة، فيما بلغ حجم الصادرات المصرية إلى الصين ١.٣ مليار دولار بزيادة بلغت ٣٨ بالمائة.