ترجمة وتحرير: نون بوست
لقد نجحت أخيرا في تحقيق هدفك. لقد حصلت على ترقية، أو زيادة في الراتب، أو أنهيت مشروعا ما أو حصلت على منصب جديد في عملك. إن هذا الأمر كفيل بأن يبعثك فيك شعورا بالسعادة والفخر لما حققته!
منذ أكثر من سنة، كنت أقود سيارتي في طريق العودة إلى البيت وكانت النوافذ مغلقة وصوت الراديو مرتفعا، بعد أن أنهيت تصوير المشاهد الأخيرة من المسلسل الوثائقي لصالح شركة نتفليكس بعنوان “الرجل البريء”. كنت أشعر بفخر شديد لمشاركتي في هذا العمل، حيث أنني أجريت تحقيقا في الإدانات الجائرة بخصوص جريمتي قتل حدثتا في مدينة صغيرة في أوكلاهوما خلال ثمانينيات القرن الماضي. لقد كان هذا عملا في غاية الأهمية، وسررت بأنني كنت جزءا من فريق العمل.
بعد مرور بضعة أيام، جلست داخل سيارتي وبكيت. لقد أضحت حياتي العملية فارغة تماما، لقد كنت متأكدة من أن أهم شيء حققته في حياتي أصبح الآن من الماضي. إن موجة اليأس التي تملكتني يُطلق عليها اسم “مغالطة الوصول”. وحسب تال بن شاهار، خبير علم النفس الإيجابي والمحاضر في جامعة هارفارد الذي يُنسب إليه الفضل في صياغة هذا المصطلح، فإن “مغالطة الوصول تتمثل في توهم الشعور بالسعادة الدائمة بمجرد أن نحقّق هدفا ما أو نصل إلى مرادنا”. كما أشار تال بن شاهار إلى أن مغالطة الوصول تجعل بعض نجوم هوليوود يعانون من مشاكل عقلية تدفعهم إلى تعاطي المخدرات في وقت لاحق من حياتهم.
تكمن المشكلة الأساسية في أن الكثيرين يعتقدون أن الشعور بالسعادة مرتبط بالنجاح في تحقيق الأهداف المرسومة، وهي معادلة غير صحيحة في أغلب الأحيان
في السياق ذاته، أوضح بن شاهار أن “هؤلاء الأشخاص يتملكهم شعور بالأمل في البداية بأنهم سيشعرون بالسعادة حين ينجحون في تحقيق أهدافهم المنشودة، ولكن بمجرّد بلوغ هدفهم يشعرون بالرضا لفترة وجيزة، ولكنهم سرعان ما يشعرون بالتعاسة واليأس في الآن ذاته”.
تكمن المشكلة الأساسية في أن الكثيرين يعتقدون أن الشعور بالسعادة مرتبط بالنجاح في تحقيق الأهداف المرسومة، وهي معادلة غير صحيحة في أغلب الأحيان، على الأقل ليس على المدى الطويل. ولكن هذه الحقيقة لا يدركها الكثيرون، وهي تتناقض في الواقع مع مقتضيات الحلم الأمريكي الذي يرسّخ لفكرة أن العمل الجاد وتحقيق الأهداف يمثلان سبيل عيش حياة سعيدة. ولهذا السبب بالتحديد، نحن نحث أطفالنا على أن يكونوا ناجحين في حياتهم لأننا نريدهم أن يشعروا بالسعادة. ولكن مع تقدمهم في السنّ، وبعد أن يحققوا ما كانوا يطمحون إليه، سيشعرون بفرحة عارمة واعتزاز شديد، إلا أن هذا الإحساس سرعان ما سيتحوّل إلى فراغ روحي.
والجدير بالذكر أن الدكتور بن شاهار قد ابتكر مصطلح “مغالطة الوصول” بعد أن عاش آثار هذا الشعور كلاعب شاب متميز في لعبة الإسكواش. وحيال هذا الشأن، قال بن شاهار: “كنت أعتقد أنني إذا انتصرت في هذه البطولة، سأشعر بسعادة غامرة. لقد فزت، وكنت سعيدا. ومن ثم أصبحت أعيش التوتر والضغط والفراغ ذاته من جديد”.
عادة ما تتضمن الإنجازات التي حققناها نتائج لم نكن نتوقعها
تشير الأبحاث إلى أن هذا الشعور يعيشه الكثيرون غيرنا. وأورد بن شاهار أنه في دراسة أجريت سنة 1998 نُشرت في “مجلة الشخصية وعلم النفس الاجتماعي”، طُلب من الأساتذة الذين تبوؤا مناصب عليا أو أولئك الذين حُرموا من الترقية في السنوات الخمس الأخيرة تقييم مستوى سعادتهم. وبما أن تولي مناصب عليا في الأوساط الأكاديمية يمنح شعورا بالحماية ومكانة مرموقة وعادة ما يكون مصحوبا بزيادة في الأجر، فإنه كان من المتوقع أن يشعر الأساتذة الذين حصلوا على ترقية بالرضى عن وظائفهم. ولكن بيّنت النتائج أن كلتا المجموعتين تشعران بمستويات متقاربة من السعادة.
لقد تطرقت هذه الدراسة إلى آراء الأساتذة المساعدين، الذين ينتظرون بفارغ الصبر الترقية، بشأن مدى سعادتهم في حال نجحوا في تحقيق هذا الهدف. وقد بالغ هؤلاء الأساتذة في تقدير السعادة التي سيشعرون بها. وأشار البروفيسور جيمي غرومان، وهو بروفيسور وكبير الباحثين في جامعة غويلف الكندية، إلى أن المبالغة في تقدير الشعور بالسعادة ناتج عن “التنبؤ العاطفي”. وعرّف غرومان “التنبؤ العاطفي” بأنه “قدرتنا على التنبؤ بالحالة الوجدانية التي ستنتج عن الأحداث في المستقبل”. فضلا عن ذلك، أشار غرومان إلى دراسة أجريت سنة 2000 كشفت أن مشجعي الألعاب الرياضية في الجامعات قد بالغوا في تقدير مدى سعادتهم قبيل فوز فريقهم المفضل في المسابقة.
حيال هذا الشأن، قال غرومان إنه “بإمكاننا معرفة الأشياء التي تجعلنا نشعر بالسعادة وتلك التي ستولّد فينا شعورا بالتعاسة في المستقبل، إلا أننا نخفق في التنبؤ بحدة ومدة تأثير هذه الأحداث علينا”، وهو الأمر الذي يدفعنا في النهاية إلى الشعور بخيبة الأمل.
في الحقيقة، إن النجاح في تحقيق هدف ما في حياتك سواء كان جائزة أو ترقية أو الحصول على الكثير من الأموال لا يضمن لك الشعور بالسعادة الدائمة
عادة ما تتضمن الإنجازات التي حققناها نتائج لم نكن نتوقعها. وقال غرومان إن التركيز على الجانب المشرق فحسب يسمى “التفكير البؤري”. وكما يروي للطلاب في حصص إدارة الأعمال التي يشرف عليها: “أنتم ترغبون بشدة بأن تكونوا مدراء. ولكن قد يتبين لكم في النهاية أن هذا المنصب مختلف تماما عما يجول في أذهانكم. ومن المحتمل ألا يعجبكم هذا المنصب أبدا”. وينطبق الأمر ذاته على الأشخاص الذين تصبح لديهم معرفة شاملة حول المهنة في أغلب ميادين العمل.
في الحقيقة، إن النجاح في تحقيق هدف ما في حياتك سواء كان جائزة أو ترقية أو الحصول على الكثير من الأموال لا يضمن لك الشعور بالسعادة الدائمة، ذلك أن مقياس السعادة الحقيقي هو العلاقات الاجتماعية و”الأوقات الرائعة التي نقضيها مع الأشخاص الذين نحبهم ونهتم بهم”، وفقا لبن شاهار. ولكن هذا لا ينفي حقيقة أن المدخول المادي أمر في غاية الأهمية، لأن المرء لا يستطيع أن يشعر بسعادة إذا كان يعيش في ظروف مزرية، حسب الدكتور غرومان. وأضاف غرومان أن المال يتوقف عن الارتباط بالشعور بالسعادة بعد تلبية كل الاحتياجات الأساسية، على غرار الغذاء والأمن والسكن.
خلال سنة 2012، أفاد تقريرالسعادة العالمي الذي نشرته شبكة حلول التنمية المستدامة التابعة للأمم المتحدة بأن التعاون والمشاركة قد يساهمان في الشعور بالسعادة في المجتمعات الغنية مقارنة بالدخل المادي أو مقاييس أخرى. وعلى الرغم من أن العلاقات هي الدافع الأساسي لجعلنا ننعم بالسعادة، إلا أن الكثيرين لا يولون أهمية كبرى لهذا الأمر ويسعون لتحقيق النجاح الوظيفي، وهو ما سيؤدي حتما إلى إفساد سعادتهم. فعلى سبيل المثال، إن التركيز على تحقيق النجاح في العمل على حساب العلاقات العائلية قد يجعلنا في النهاية نشعر بالوحدة وعدم الارتياح.
مجرد السعي لقضاء وقت رائع مع أطفالك أو إنشاء صداقات جديدة من خلال العمل التطوعي يعد أيضا من الأهداف المهمة
إن الاعتراف بمدى تأثير مغالطة الوصول لا يعني أننا يجب أن نكتفي بحياة بسيطة ومستوى عيش متوسط، فنحن “نحتاج إلى وجود أهداف في حياتنا. كما أننا بحاجة إلى التفكير في المستقبل”، نظرا لأن الإنسان “كائن ذو توجه مستقبلي” كما أوضح بن شاهار. وقد أظهرت الدراسات أن معدل الوفيات يرتفع بنسبة اثنين بالمئة بين صفوف الرجال الذين يحصلون على التقاعد في سنّهم القانوني عندما يصبحون مؤهلين للحصول على الضمان الاجتماعي، بينما يؤدي التقاعد المبكر إلى الوفاة المبكرة حتى بالنسبة لأولئك الذين يتمتعون بصحة جيدة. وبيّن غرومان أن السعي للوصول إلى هدف ما وإضفاء معنى لحياتنا يولد فينا الشعور بالرضا، وهو جزء من معادلة السعادة.
هل أن نجاحنا في بلوغ أهدافنا يجعلنا تعساء في حين أن وضع أهداف يبعث في نفوسنا الشعور بالفرح؟ يبدو أن هذا الأمر أشبه بمعضلة، إلا أنه ليس كذلك في الحقيقة، فالمطلوب هو التخطيط بشكل صحيح، لذلك يوصي بن شاهار بوضع أهداف متعددة ومتزامنة في حياتك العملية والشخصية على حد سواء.
بالنسبة لي، لقد وضعت نصب عيني هدفا واحدا، وهو الانتهاء من المشروع الذي كنت أعمل عليه طوال الوقت لدرجة أنني لم أدرج أي نشاط آخر في برنامج عملي حتى لا أشتت تركيزي عن تحقيق هدفي. ولكن مجرد السعي لقضاء وقت رائع مع أطفالك أو إنشاء صداقات جديدة من خلال العمل التطوعي يعد أيضا من الأهداف المهمة.
يجدر بنا ممارسة الأنشطة التي تجعلنا نشعر بالرضا
من المهم أيضا أن تتخلى عن استعمال تلك العبارات التي تربط فيها سعادتك بتحقيق هدف معيّن. ومؤخرا، أجرى غرومان دراسة طلب فيها من المشاركين تقييم رغبتهم في الشعور بالسعادة. وكلما فكروا في كيفية جعل أنفسهم يشعرون بالسعادة، أو يشعرون بالقلق بشأن مستويات سعادتهم مقارنة بأقرانهم، كانوا يشعرون بسعادة أقل في الواقع.
مع ذلك، وجدت هذه الدراسة أن المشاركين الذين انخرطوا في أنشطة تجعلهم سعداء، كانوا يشعرون بسعادة شاملة. بعبارة أخرى، يجدر بنا ممارسة الأنشطة التي تجعلنا نشعر بالرضا. فإذا كان العمل يجعلك تشعر بالسعادة، فهذا أمر جيد، ولكن لا تنتظر الحصول على ترقية أو الفوز بجائزة.
المصدر: نيويورك تايمز