يستعد حزب العدالة والتنمية لخوض جولة الاعادة لانتخابات رئاسة بلدية اسطنبول المقرر عقدها في الـ23 من حزيران المقبل محملاً بخلاصات وعبر الجولة السابقة للانتخابات. أولى خطوات الحزب تجلت بالإعلان عن تشكيل لجنة مركزية للإشراف على العملية الانتخابية في مدينة اسطنبول يقف على رأسها الرئيس السابق لتشكيلات الحزب إيرول كايا، ورئيس الحزب السابق في المدينة عزيز بابوشو بالإضافة لرئيس بلدية الفاتح السابق مصطفى ديمير.
أوضحت اللجنة أن الهدف الاساس للحزب في المرحلة المقبلة اقناع 1.7 مليون ناخب ممن لم يشاركوا في الجولة الماضية بالمشاركة والتصويت لصالح الحزب الذي من المقرر أن يعمل على استراتيجية جديدة تتمثل في مخاطبة المكونات الصغرى للمجتمع التركي وملامسة همومهم، وتجاوز حالة البعد والجفاء بين كوادر الحزب وطبقات المجتمع التركي.
تعد الهجرة من المدن إلى الريف أحدى أهم الظواهر الاجتماعية التي عاشتها تركيا في النصف الثاني من القرن الماضي
وفي هذا السياق أكد قادة الحزب عزمهم تجنب تنظيم اللقاءات الجماهيرية الضخمة قدر الإمكان – على خلاف الجولة السابقة التي ارتكزت على تنظيم لقاءات جماهيرية ضخمة كان الرئيس محورها – فأوضح عزيز بابوشو عضو اللجنة المركزية المشرفة على العملية الانتخابية داخل الحزب ” زماننا ضيق، لا نهدف في حملتنا الى تنظيم لقاءات جماهيرية ضخمة، في حال استلزم ذلك سوف نفعل، لكن هدفنا الأساس التحدث مع الناخبين في كل سوق، وكل بيت”، والى جوار ذلك تعد جمعيات أبناء البلد ” hemşehri dernekleri ” المنتشرة في كافة احياء مدينة اسطنبول، احدى أهم المجالات التي يعمل الحزب على التواصل معها وكسب ودها كبوابة لمخاطبة الملايين من الناخبين الأتراك، حيث شهدت الأيام الماضية زيارة مرشحي أحزاب المعارضة والعدالة والتنمية لهذه الجمعيات الأمر الذي أعادها مجدداً الى صدارة المشهد السياسي في تركيا.
الهجرة والمدينة وظهور جمعيات أبناء البلد (hemşehri dernekleri)
تعد الهجرة من المدن إلى الريف أحدى أهم الظواهر الاجتماعية التي عاشتها تركيا في النصف الثاني من القرن الماضي، فمع وصول الحزب الديمقراطي للسلطة عام 1950 اتخذت مجموعة من السياسات التي ساهمت في تطوير القطاع الصناعي والبنية التحتية لخطوط المواصلات ما بين المدن والقرى التركية.
تذهب بعض الدراسات الى أن عدد المهاجرين من الريف الى المدن خلال الفترة ما بين عامي 1950-1970 اقترب من 200 ألف نسمة في السنة، في حين قدرت في الأعوام ما بين 1970- 1980 بـ 350 ألف نسمة في السنة، ليشهد هذه الرقم ارتفاعاً في الأعوام ما بين 1980-1995 نتيجة دخول أسباب جديدة للهجرة يقف على رأسها تفجر الحرب ما بين الدولة التركية ومتمردي حزب العمال الكردستاني في مناطق الجنوب والجنوب الشرقي، ليصل عدد المهاجرين في السنة الواحدة لـ 500 الف نسمة، ليقدر العدد الإجمالي للمهاجرين خلال الفترة (1950- 1995) 15 مليون نسمة. فوفقاً لاحصائيات العام 2007 وصلت نسبة سكان المدن لـ 93% مقابل 27% في الريف التركي.
صورة لإحدى العشوائيات المحيطة بالمدن
وجد المهاجرين أنفسهم في ظروف اقتصادية بالغة الصعوبة فرضت عليهم تشكيل أنماط جديدة من التضامن تجاوزت الانتماءات السياسية والايدلوجية القائمة، فشكلت المناطقية الركن الأساس الذي نشأت عليه جمعيات أبناء البلد (hemşehri dernekleri)، فانتشرت في المدن التركية الكبرى جمعيات أبناء مدينة أورفا واضنه وطرابزون وغيرها من المدن المصدرة للمهاجرين، فخلال الفترة من عام 1951-1980 تأسست 36 جمعية في مدينة اسطنبول، ليتضاعف العدد في الفترة ما بين 1980-2000 إلى 211 جمعية.
فيما بلغ بعد العام 2001 ما يقرب من 109 جمعية، ويرجع الارتفاع في عدد الجمعيات المؤسسة خلال الفترة ما بعد 1980 الى طبيعة الظرف السياسي الذي عاشته تركيا بعد انقلاب 1980، فعملية القمع والتجريف التي تعرضت لها الحياة السياسية التركية دفعت الأتراك للبحث عن وسائل جديدة للتضامن والاجتماع، بالإضافة إلى السياسات الاقتصادية الليبرالية التي قامت على تحرير السوق التركي وتقليص خدمات دولة الرفاه الأمر الذي دفع المجتمع التركي في المدن الكبرى للتضامن والتعاضد.
صورة تعود لاحدى فعاليات جمعية اورفا في سبعينيات القرن الماضي
جمعيات أبناء البلد كحلقة وصل بين الأجيال
أسس المهاجرين الأوائل من الريف التركي جمعيات أبناء البلد من أجل تحقيق وظيفة اساسية تتمثل في مساعدة القادمين الجدد من أبناء المدينة في ترتيب أوضاعهم داخل المدن التركية الكبرى من حيث السكن والعمل وغيرها من لوازم المعاش. بالاضافة الى ذلك تعمل هذه الجمعيات كمجال لجمع ابناء البلد وتعزيز اتصالهم وتواصلهم، كما تعمل على حفظ واحياء التراث الثقافي والشعبي لأبناء هذه المدن لضمان دوام عملية توارثه وانتقاله جيل بعد جيل خاصة لدى الأجيال الجديدة من المهاجرين الذين ترعرعوا في المدن الكبرى بالإضافة الى ذلك يشكل نشاط هذه الجمعيات فرصة لتعارف وتقارب الثقافات الفرعية للمجتمع التركي.
لقطة من مهرجان تعارفي ضم جميع المدن التركية
من الممكن تفسير حالة الارتداد والحنين للمدينة الأصل بأزمة الاغتراب التي عاشها الفرد التركي في المدينة الحديثة التي استوطن أطرافها اقتصادياً وثقافياً، فلم يتسق مع انفتاحها وايقاع حياتها السريع، كما لم يمتلك الأدوات التي تساهم في ارتقائه وتقدمه، فعاش حنينه من خلال هذه الجمعيات والتجمعات التي حاولت خلق بيئة شبيهة بالبيئة الأصل التي نشأ فيها. وبالرغم من هذه الدور الذي تقوم به هذه المؤسسات والمساعي الدائمة لضمان اتصال الفرد التركي المقيم في المدن الكبرى ثقافة وعادة بموطنه الأصلي إلا أن الأجيال الجديدة من المهاجرين المولودين في المدن الكبرى بدأت بالانصهار في أجواء المدينة ومؤسساتها المدنية والمجتمعية.
جمعيات أبناء البلد وسباق الانتخابات البلدية
تشهد جمعيات وتجمعات أبناء البلد خلال المواسم الانتخابية بازراً مفتوحاً من الوعود المقدمة من السياسيين الأتراك الساعين لكسب ود الناخب التركي باللعب على وتر الأصول المشتركة.
فمدينة اسطنبول ذات 18 مليون نسمة، لا يتجاوز عدد سكانها الأصليين 2.5 مليون نسمة فيما تنحدر البقية من مدن ومناطق أخرى أهمها مدن البحر الاسود التي ينحدر منها مرشح المعارضة التركية اكرم امام أوغلو الذي يسعى بدوره الى استغلال اصوله في مخاطبة سكان اسطنبول القادمين من هذه المدن والمقدر عددهم بـ3 مليون نسمة، فيما يدفع حزب العدالة والتنمية في مواجهة هذه السردية بصورة وزير الداخلية التركية سليمان صويلو الذي يشترك مع إمام اوغلو في كونه من منطقة البحر الأسود.
وعلى صعيد متصل وفي إطار السعي للتأثير على الناخبين الأتراك يعمل الحزب على توظيف نواب الحزب في عموم تركيا والبالغ عددهم 249 للتأثير على سكان اسطنبول واقناعهم بالتصويت لصالح مرشحي حزب العدالة والتنمية.