جرت العادة أن نسمع قصصًا مختلفة عن أنواع وأشكال العنف الذي تتعرض له النساء بشكل عام، والزوجات بشكل خاص، لكن مؤخرًا لفتت انتباهنا الإحصاءات المفاجئة التي كشف عنها تقرير صادر عن الأمم المتحدة بأن النساء المصريات تصدرن المرتبة الأولى في تعنيف أزواجهن وضربهن ليس فقط بواسطة أيديهن فقط، وإنما باستخدام المسامير والأحزمة والأحذية والسكاكين والأواني، حتى أن البعض منهن استخدم حبوب المنوم من أجل ضرب وحرق أزواجهن أحيانًا.
الظاهرة تعتبر قديمة وغير محصورة في المجتمع المصري فقط، إلا أن حجم هذه المشكلة لا يزال غير واضح المعالم، ولكن خلال السنوات الماضية حاول الباحثون دراستها والبحث في أسبابها ودوافعها وانعكاساتها وسجلوا مجموعة من المعلومات والاستنتاجات بشأن هذا الموضوع، وهو ما نتناوله في هذا المقال.
مئات الضحايا الرجال في مصر والمغرب
عن العنف الأسري ضد الرجل
في عام 2016، أفادت محكمة قانون الأسرة في مصر أن ما يقرب من 28% من النساء يضربن أزواجهن، وبحسب تقارير أخرى، فلقد تقدم 66% من الأزواج المصريين بطلب الطلاق وهناك نحو 6 آلاف دعوى قضائية رفعها الأزواج المعنفين ضد زوجاتهم، في المقابل يذكر تقرير صادر عن منظمة العفو الدولية بأن 47% من النساء المصريات يتعرضن للعنف المنزلي وهي نسبة مرتفعة جدًا سواء قارنها مع نسبة الأزواج المعنفين أم لا، فهي تدلل في النهاية على تفشي هذا السلوك العنيف في المجتمع.
أظهرت دراسة اجتماعية أن حوالى 10% من النساء التونسيات يضربن أزواجهن، و30% يعتدين على شركائهن بالعنف اللفظي. كما بلغت نسبة الكويتيات اللاتي يضربن أزواجهن 10%، وفي السعودية 5%
تنتشر هذه المشكلة أيضًا بشكل ملحوظ في المغرب، إذ قالت “الشبكة المغربية للدفاع عن حقوق الرجال” أنها استقبلت نحو ألفي و650 حالة تعنيف ضحيتها رجل، خلال سنة 2015 فقط. وخلال 10 سنوات من العمل، تقدمت 23 ألف شكوى للشبكة بطريقة مباشرة، عدا عن آلاف الشكاوى عبر الهاتف والبريد الإلكتروني. وهي أرقام “مخيفة” بحسب وصفها، ما دفع هذه الجمعية إلى تبني مسألة العنف ضد الزوج التي تتمثل بالطرد من المنزل والإيذاء الجسدي والتجريح النفسي والاستيلاء على أمواله وممتلكاته، إضافة إلى ما يُعرف بالعنف القانوني كحرمان الأب من رؤية أبنائه وتحميله أعباء مادية ثقيلة.
بالإضافة إلى المغرب ومصر، بينت دراسة اجتماعية أن حوالي 10% من النساء التونسيات يضربن أزواجهن، و30% يعتدين على شركائهن بالعنف اللفظي. كما بلغت نسبة الكويتيات اللاتي يضربن أزواجهن 10%، وفي السعودية 5%، كما يعتقد أن هذه الأرقام ليست دقيقة تمامًا بسبب تكتم الرجال على هذا الوضع، تجنبًا للإحراج الاجتماعي.
دفاعًا عن النفس وانتقامًا.. لماذا تعنف النساء أزواجهن؟
كان الباحثون متشككين دومًا في البداية حول الأسباب التي تدفع النساء لانتهاج هذا السلوك وكانوا يفسرون العنف النسائي على أنه أسلوب دفاعي بالكامل، على الرغم من أن الزوجة في كثير من الحالات تكون هي الجاني الوحيد في القصة، فلقد أظهرت العديد من الدراسات الاستقصائية أن النساء كن المعتديات والمبادرات في الأفعال العنيفة، وذلك يخالف المعتقدات السائدة التي تصور المرأة على أنها الضحية.
وبحسب رئيس الشبكة، عبد الفتاح البهجاجي، فإن هذه المشكلة ليست حكرًا على طبقة اجتماعية معينة وتتجاوز جميع المستويات الثقافية، وهذا على النقيض من الأوساط الغربية التي تنتشر فيها هذه الظاهرة في الطبقات الوسطى تحديدًا، ويعود ذلك بسبب التحول الدراماتيكي في مكانة المرأة الاجتماعية والمهنية وتحملها جميع هذه الأثقال، ما يضعها تحت ضغوط نفسية كبيرة لا مفر منها، وذلك وفقًا لتفسير مدير الطب الشرعي وعلم النفس العائلي في كلية الطب بجامعة نوتنغهام، كيفين براون.
العنف ضد الرجال، في المغرب تحديدًا، كان موجودًا تاريخيًا وأبرزه العنف الرمزي الذي كانت تستدعي فيه المرأة العالم الخرافي واللا مرئي للسيطرة على الرجل وسحب السلطة منه
بالعودة إلى المنطقة العربية، يرى بعض الخبراء أن هذه الظاهرة جاءت كنتيجة لطفولة قاسية عاشتها المرأة بسبب والديها وما مروا به من خلافات عنيفة وصدامات حادة قد تكون وصلت إلى حد الأذى الجسدي، ما يخلق لدى الابنة حالة هجومية ضد الطرف الآخر وهو ما ستمارسه على شريكها في حياتها الزوجية المستقبلية، وذلك عدا عن غياب الوعي بأهمية التنشئة الاجتماعية والتربية الأسرية في المقررات الدراسية.
في نفس السياق، تشير الباحثة في علم النفس الاجتماعي، بشرى المرابطي أن العنف ضد الرجال، في المغرب تحديدًا، كان موجودًا تاريخيًا وأبرزه العنف الرمزي الذي كانت تستدعي فيه المرأة العالم الخرافي واللا مرئي للسيطرة على الرجل وسحب السلطة منه خاصة في فضاء البيت وبين ضغوط الثقافة العربية التي تمنح الرجل الحق في اتخاذ القرارات في كل أمر وشأن. كما ترى الباحثة أن العنف النسائي يأتي كردة فعل لسوء المعاملة والتعنيف المتراكم والممارس من قبل الرجل، ما يجعلها تبادله نفس السلوك، ولا سيما لو كان هناك تاريخ من الخيانات والإهانات والضغوطات المادية.
بالمحصلة، لا يمكن التنصل من الحقيقة القائلة بأن هذه الظاهرة هي واحدة من التحوّلات الجذرية التي تمر بها المجتمعات المعروفة بسلطتها الذكورية الأبوية، وبالرغم من خطورتها وآثارها المترتبة على المؤسسة الأسرة والقيم الاجتماعي، فلا يمكن بعد مقارنتها أو تفضيلها على قضية العنف ضد المرأة.