لعبة الفن لا بداية ولا نهاية لها، حيث تهدف دائمًا إلى تشكيل الوهم على الواقع المحسوس، ففي نهاية المطاف يهدف كل من الأدب والدراما إلى نقل البناء الحكائي إلى المتلقين، فينقله الأدب عن طريق القراءة وتنقله الدراما من خلال التجسيد، جدير بالذكر أن العمل الدرامي ليست مهمته تقديم النص الأدبي كسرد حكائي للرواية ولكنه يقدم عوضًا عن ذلك معالجة بصرية للرواية تتفكك فيها روح الشخصيات الروائية ويعاد تركيبها، ولكن يظل العمل الأدبي حاضرًا بقوة في الخلفية، إذ ترتكز عليه بنية العمل الدرامي.
وخلال هذا الموسم الرمضاني لجأ بعض صناع الدراما إلى الاعتماد على الروايات الأدبية وكتابة سيناريوهات مستوحاة من العمل الأدبي الأصلي مع ذِكر مصدر الرواية، في حين اتكأ البعض الآخر على معالجة روايات أدبية دون الإشارة إلى المصدر، هذا في نفس الوقت الذي قام فيه فريق ثالث بالاقتباس والنحت من الأفلام الأجنبية وهو الأمر الذي رآه الكثيرون استخفافًا شديدًا بعقلية المشاهد.
الأعمال الدرامية الرمضانية التي ارتكزت على روايات أدبية
تبادلت الدراما مع الأدب حيل تطويع السرد الفني، ومنذ القدم تضافرت جهودهم معًا في نقل البناء الحكائي إلى الشاشات، وخلال هذا العام اتكأت الدراما التليفزيونية على النصوص الأدبية للخروج بأعمال درامية تليق بالسباق الرمضاني، ومن أشهر المسلسلات التي ارتكزت على روايات مسلسل “عندما تشيخ الذئاب” الذي بُنيت أحداثه على رواية تحمل الاسم نفسه للكاتب الراحل جمال ناجي وقد وصلت الرواية إلى القائمة القصيرة لجائزة البوكر العربية عام 2010.
اتهمت الكاتبة لمياء رشيد السيناريست حامد المالكي بسرقة فكرة روايتها “عناكب الآفو” وتحويلها إلى مسلسل الفندق وقد توعد المالكي بالرد على الكاتبة في أروقة المحاكم
وفي الوقت الذي كانت تدور فيه أحداث الرواية في العاصمة الأردنية عمان، فقد حولها كاتب السيناريو السوري حازم سليمان إلى مسلسل درامي تدور أحداثه في سوريا ويحكي عن صراعات وتحولات المجتمع السوري في التسعينيات، العمل من بطولة عابد فهم وسلوم حداد وإخراج عامر فهد.
هناك أيضًا مسلسل “صانع الأحلام” بطولة مكسيم خليل وأروى جديد وترتكز أحداث المسلسل على رواية “قصة حلم” للكاتب السعودي هاني نقشبندي وهي رواية قيد النشر حاليًّا تدور أحداثها حول عالم فيزيائي يرث موهبة تفسير الأحلام من والده ويتمكن بعد طول اجتهاد من التأثير على أحلام الآخرين ورسم أحلامهم.
وفي عودة للدراما السورية نجد مسلسل “أثر الفراشة” بطولة عبد الهادي الصباغ والنجمة سمر سامي وإخراج زهير قنوع، ويرتكز المسلسل على رواية “الحب في زمن الكوليرا” للكاتب الكولومبي الراحل غابرييل غارثيا ماركيز ويحكي المسلسل الذي تدور أحداثه في سبعينيات القرن الماضي عن قصة حب كبيرة في زمن محاط من كل جانب بالبشاعة والعنف والظلام.
وقد خاضت هذا العام كاتبة سيناريو مسلسل “الخوابي” وفاء بكر تجربة جديدة، إذ بنت عملها الدرامي على ثلاث روايات عالمية هي “الحب في زمن الكوليرا” و”الجميلة والوحش” و”تاجر البندقية” ويحكي المسلسل الذي يتم تصويره في الأردن عن قرية ريفية خيالية تأخذنا إلى التراث الفلسطيني القديم، وقام ببطولة العمل الفنان إياد نصار وسهير فهد.
أما مسلسل “ص. ب. 1003” فقد بُنيت أحداثه على رواية تحمل الاسم ذاته للروائي الإماراتي سلطان العميمي وهي الرواية الفائزة بالمركز الأول لمبادرة ” أرى روايتي” برعاية أبو ظبي للإعلام، وينطلق المسلسل من حكاية شابة إماراتية تعيش في لندن وتعثر بالصدفة في صفحة المراسلة والتعارف على عيسى جار طفولتها لتبدأ بينهما علاقة ولكنها لا تتجاوز حدود الرسائل.
اتهم الكاتب الروائي المصري محمد الجيزاوي صناع مسلسل “مملكة الغجر” بسرقة إحدى قصائده التي استخدمها تتر المسلسل
وفي الدراما الكويتية هناك مسلسل “لا موسيقى في الأحمدي” الذي اقتبست أحداثه من رواية الكاتبة منى الشمري الفائزة بجائزة الدولة التشجيعية في الكويت، ويرصد المسلسل الحياة الاجتماعية في مدينة الأحمدي بأبعادها النفسية وذلك خلال الستينيات ومطلع السبعينيات من القرن الماضي، المسلسل من بطولة عبد المحسن النمر وجاسم النبهان وإخراج محمد دحام الشمري.
أعمال درامية سرقت روايات أدبية دون إذن كتابها
مسلس “الفندق” هو العمل الدرامي الأول الذي يُنتج في العراق منذ عام 2012 ويحكي المسلسل الذي ألفه حامد المالكي وأخرجه حسن حسني عن فندق شعبي يرمز للمجتمع العراقي ويرصد مشكلات العراق في السنوات الأخيرة، وقد اتهمت الكاتبة لمياء رشيد السيناريست حامد المالكي بسرقة فكرة روايتها “عناكب الآفو” وتحويلها إلى مسلسل الفندق وتوعد المالكي بالرد على الكاتبة في أروقة المحاكم.
وعبر صفحتها على موقع التواصل الاجتماعي فيس بوك ذكرت الكاتبة السعودية نور عبد المجيد أن مسلسل “حكايتي” المصري الذي كتبه المؤلف محمد عبد المعطي هو نسخة من روايتها “لاسكالا” وقالت عبد المجيد: “حاولت أن أتجاهل الأمر ولكن بعد أن شاهدت الحلقات شعرت أن سكوتي هو أمر يحاسبني الله عليه، وُلدت هذه الرواية على أرض مصر، وعلى أرضها سُرقت وعلى أرضها أتقدم إلى القضاء.. إليكم.. إلى من قرأ ومن شاهد.. وإلى من لم يقرأ ولم يشاهد”.
في مصر.. السرقة لم تقتصر على الأعمال الروائية
اتهم الكاتب الروائي المصري محمد الجيزاوي صناع مسلسل “مملكة الغجر” بسرقة إحدى قصائده التي استخدمها تتر المسلسل، حيث كتب الجيزاوي عبر صفحته الشخصية على موقع الفيس بوك “شير يا شباب وافضحوهم.. تم سرقة أحد نصوصي الأدبية من المؤلف محمد الغيطي والمخرج عبد العزيز حشاد اللي عاملين مسلسل مملكة الغجر، عاملين التتر بتاع المسلسل من نص أدبي سارقينه مني ونشرته عندي أكتر من مرة.. سارقينه بالحرف” بعدها نشر الجيزاوي رابطًا لقصيدته ويظهر التاريخ أنها كُتبت منذ أكثر من عام.
مع مرور أحداث مسلسل “ولد الغلابة” لاحظ الكثير من رواد مواقع التواصل الاجتماعي عظيم الشبه بين المسلسل المصري والأمريكي، حتى إن ولد الغلابة نُحت من المسلسل الأمريكي دون أي إعادة قراءة أو ملاءمة للواقع المصري
وفي مسلسل “زي الشمس” الذي تقوم ببطولته النجمة دينا الشربيني وجهت الرسامة هالة الشاروني اتهامًا إلى العمل بسرقة لوحاتها وعرضها خلال أحداث المسلسل دون إذنها، حيث كتبت الشاروني عبر صفحتها على موقع التواصل الاجتماعي تويتر: “اتفاجئت بصور لوحاتي في مسلسل زي الشمس شكلها مطبوعة عشان المقاسات مش هية هية ، عمومًا أنا بطلت اتخانق فخلي الناس تتبسط، بس عيب عليهم اللي سارقين حقنا الأدبي”.
أما مسلسل “لمس أكتاف” فرغم أنه نال إشادة قوية من الجمهور، فقد وقع في نفس السقطة، حيث استخدم المسلسل صورًا دون إذن للسيدة منى أبو شنب التي تعد من الشخصيات الشهيرة التي تستضيفها البرامج الحوارية، وكتبت أبو شنب على صفحتها بموقع فيس بوك “إزاي يسمحوا لنفسهم باستخدام صورتي دون إذن مني.. ده استهزاء ومنتهى الإساءة ليا.. مش فاهمة وصل تفكيرهم لكدة إزاي.. أنا هارفع عليهم قضية”.
حتى الصالحين قد يشتد عليهم الخناق وتضيق بهم السبل ويسلكون مسالك غير قانونية، على هذه الفكرة تحديدًا بُنيت أحداث المسلسل الأمريكي الشهير Breaking Bad من بطولة براين كرانستون، ومع مرور أحداث مسلسل “ولد الغلابة” لاحظ الكثير من رواد مواقع التواصل الاجتماعي عظيم الشبه بين المسلسل المصري والأمريكي، حتى إن ولد الغلابة نُحت من المسلسل الأمريكي دون أي إعادة قراءة أو ملاءمة للواقع المصري، ولم يكتف المسلسل بسرقة القصة دون معالجتها ولكن حتى المشاهد جاءت متشابهة في استخفاف فج بعقول المشاهدين.
في النهاية يحتاج الإبداع إلى بيئة خصبة لكي ينمو، وهو الأمر الذي أكدت أعمال هذا العام عدم توافره خاصة في الدراما المصرية التي تسيطر عليها وتحتكرها جهة واحدة تابعة “لمجموعة إعلام المصريين” وتتبع مجموعة إعلام المصريين شركة إيغل كابيتال للاستثمارات المالية وهي عبارة عن شركة مساهمة مصرية تم تأسيسها عام 2016 وتشير بعد التقارير الصحفية إلى انتمائها لجهة حكومية سيادية وهو الأمر الذي يذكرنا بكلمة الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي حين أثنى في أحد مؤتمرات الشباب على تدخل الدولة في الأعمال الدرامية.
ومع احتكار الدولة المصرية لصناعة الدراما أضحى تمرير السرقات أمرًا سهلًا لأن الدولة لا تهتم بالفن والإنتاج الفني فكل ما يهمها هو تلميع صورتها أمام المشاهدين وهو الأمر الذي تجلى بشدة في تحسين صورة ضابط الشرطة بالمسلسل المصري “كلبش 3”.