ترجمة وتحرير نون بوست
يعرف الذكاء الاصطناعي بحسب جون مكارثي، وهو أحد أبرز الباحثين في هذا المجال، على أنه “العلم والهندسة المختصة في صنع أجهزة ذكية”. وبدأ الذكاء الاصطناعي مؤخرا باكتساب المزيد من الأهمية، بشكل تدريجي في المجال العسكري. وبينما يتسع الاستخدام التجاري للذكاء الاصطناعي، لا يزال تطوير التقنيات العسكرية الخاصة بالذكاء الاصطناعي حكرا على ثلاث دول: وهي الولايات المتحدة والصين وروسيا. ويعد الذكاء الاصطناعي بتقديم مميزات كبيرة لهذه الدول على مستوى قدراتها العسكرية الهجومية والدفاعية.
وأصبح للذكاء الاصطناعي اليوم القدرة على الاندماج في أسلحة جديدة ومتطورة، ولكنها لم تدخل لحد الآن مرحلة التجارب، مثل المشاركة في الهجمات الإلكترونية. ويعتبر هذا التطور مثيرا للقلق، لأنه قد يؤدي إلى زعزعة وموازين القوة العسكرية بين الدول الصناعية الرائدة.
والملاحظ أنه، ومع ظهور التعلم الآلي والذكاء الاصطناعي، ارتفع عدد الأهداف المعرضة لعمليات الاختراق، مما يعني أن قطاعات حيوية، مثل الأنظمة المصرفية، مراقبة الرحلات الجوية في المطارات، سجلات المستشفيات، البرامج المشغلة لمفاعلات الطاقة النووية، كلها أصبحت عرضة للهجمات الإلكترونية.
أصبح الدفاع ضد هذه الأسلحة وحماية الأجهزة والبرمجيات والبيانات الخاصة بأية دولة من الهجمات الالكترونية، قضية مهمة في العلاقات الثنائية، على غرار الحد من الأسلحة النووية
وإحدى أبرز المشاكل التي يتم طرحها اليوم، تتمحور حول تأثير الهجمات الإلكترونية، المدعمة بالذكاء الاصطناعي، على توازن الطاقة النووية في العالم. فرغم أنه لا يوجد أي دليل على أن أنظمة تشغيل المحطات النووية هي عرضة للهجمات الإلكترونية، فإنها تبقى أنظمة رقمية، مما يعزز من فرضية وجود ثغرة.
ويمثل تأثير الأسلحة الإلكترونية المطورة بالذكاء الاصطناعي، مصدر قلق خاص للعلاقات بين الولايات المتحدة وروسيا. وفي الواقع، أصبح الدفاع ضد هذه الأسلحة وحماية الأجهزة والبرمجيات والبيانات الخاصة بأية دولة من الهجمات الالكترونية، قضية مهمة في العلاقات الثنائية، على غرار الحد من الأسلحة النووية والتصعيد العسكري المفاجئ.
واليوم، يخوض أكبر مالكين للأسلحة النووية، وهما روسيا والولايات المتحدة، ما يمكن أن نطلق عليه حربا باردة جديدة. حيث أن العديد من قنوات الاتصال التقليدية، بما في ذلك القنوات العسكرية، مهددة بالانقطاع أو منقطعة أصلا، بالإضافة إلى توتر العلاقات الدبلوماسية النووية بين البلدين.
وإلى جانب الانسحاب الأمريكي من معاهدة الصواريخ النووية متوسطة المدى، لم يعد نظام مراقبة التسلح الذي تم إنشاؤه إبان الحرب الباردة ضامنا للاستقرار الاستراتيجي، ووجود تكنولوجية جديدة، مثل الهجمات الإلكترونية المدعمة بالذكاء الاصطناعي، لن يؤدي إلا إلى مزيد من التوتر وزعزعة للاستقرار.
تنص إستراتيجية الذكاء الاصطناعي التابعة لوزارة الدفاع الأمريكية، المنشورة مؤخرًا، على أن “أكثر القدرات التي يمكن تحويلها إلى الذكاء الاصطناعي ستنشأ من التجارب
وفي الواقع، ربما يكون سباق التسلح الجديد قد بدأ بالفعل، والمجال هنا هو الأسلحة التقنية وليست النووية. كما أن الذكاء الاصطناعي قد يمثل خطرا أكبر إذا تم دمجه مع تقنيات أخرى، مثل الحوسبة السحابية، إنترنت الأشياء، وغيرها. وتنص إستراتيجية الذكاء الاصطناعي التابعة لوزارة الدفاع الأمريكية، المنشورة مؤخرًا، على أن “أكثر القدرات التي يمكن تحويلها إلى الذكاء الاصطناعي ستنشأ من التجارب، ويشمل ذلك إنشاء أساس مشترك للبيانات المشتركة والأدوات التقنية القابلة لإعادة الاستخدام والأطر التكنولوجية والمعايير والخدمات السحابية”.
وعلى سبيل المثال، تحتاج تقنيات التعلم الذاتي إلى بيانات للتعلم، ونتيجة لذلك، فإنها تستوجب الحصول على صلاحيات الوصول إلى قواعد البيانات المحدثة باستمرار، مع توفير قدرة على الاتصال السريع. وأحد الأمثلة على ذلك هي السيارات ذاتية القيادة. وكما قال تيد سيناتور، مدير البرنامج في مكتب علوم الدفاع في DARPA (وكالة مشاريع البحوث المتطورة الدفاعية الأمريكية): “بفضل الكميات الهائلة من البيانات التي تم جمعها، والتي تتضمن حتى التجارب والحوادث النادر وقوعها، أصبحت تقنية القيادة الذاتية أكثر تطورا.”
الطريق إلى الأمام
على الرغم من استحالة عكس التقدم الذي حققه الذكاء الاصطناعي، إلا أن الوقت لا يزال يسمح بوضع قواعد لسباق التسلح الذي يتضمن هذه التكنولوجيا. وفي هذا الصدد، يجدر بنا التفكير في تجربة الاتفاقيات السوفيتية الأمريكية عندما تم إدخال تقنيات الصواريخ المضادة للصواريخ الباليستية في سبعينيات القرن الماضي.
لا يترك الوضع الحالي للعلاقات الأمريكية الروسية مجالًا كبيرًا لأي اتفاق، لذلك ينبغي إجراء المناقشات على مستوى الدبلوماسية الثانية
فبدلاً من الدخول في سباق تسلح يتركز حول هذه التكنولوجيا الجديدة، وافق الاتحاد السوفيتي والولايات المتحدة على قبول نقاط الضعف المتبادلة لكليهما. ومن أجل الاستقرار الاستراتيجي، تخلى كلا الطرفين عن خطط إدخال تكنولوجيات صاروخية مضادة للصواريخ الباليستية أكثر تطورا. وظلت هذه المعاهدة سارية حتى عام 2002.
ويمكن أن تمثل هذه الاتفاقية أساسا لاتفاق مماثل بشأن الأسلحة السيبرانية التي تعتمد على الذكاء الاصطناعي. ومن المهم أيضا وضع قواعد مماثلة، مع الأخذ بعين الاعتبار خصوصيات الذكاء الاصطناعي. وتعمل أجهزة التعلم الذاتي ضمن الإطار الذي صممه الإنسان، وينبغي مناقشة تقنيات الذكاء الاصطناعي الهجومية على المستوى الدولي. وأي اتفاق لتحديد الأسلحة يجب أن يخضع لعدة أحكام. ومع ذلك، فإنه في حالة الذكاء الاصطناعي، من شبه المستحيل الاتفاق على هذه الأحكام على المستوى الثنائي بين الولايات المتحدة وروسيا.
وبينما تسير اتفاقات الحد من الأسلحة النووية ببطء نحو الاختفاء، هناك حاجة ملحة للتفاوض على معايير جديدة. يجب أن تكون تقنيات الذكاء الاصطناعي والتقنية الإلكترونية موضوع مفاوضات بين القوى العظمى. في الوقت نفسه، لا يترك الوضع الحالي للعلاقات الأمريكية الروسية مجالًا كبيرًا لأي اتفاق، لذلك ينبغي إجراء المناقشات على مستوى الدبلوماسية الثانية (التي تقوم بها الجهات الفاعلة غير الحكومية بعيدا عن القنوات الرسمية)، وإشراك خبراء في المجال من عدة بلدان.
يمكن للقادة الروس والأميركيين تعزيز الاستقرار في العلاقات بين القوى العظمى من خلال إعلان سياسي مشترك ينص على أن الدول الموقعة لا تنوي مهاجمة البنى التحتية الحيوية لبعضها البعض
يجب أن تتمحور هذه النقاشات حول الجرائم السيبرانية والدفاعات السيبرانية (بما في ذلك تلك المتعلقة بتقنيات الذكاء الاصطناعي)، ومسارات تصعيد الصراع وإلغاء التصعيد. ينبغي على روسيا والولايات المتحدة والصين أيضا النظر في وضعهم العام على الإنترنت، الأمر الذي يستوجب الكشف عن الظروف التي ستستخدم فيها الدول، أو لن تستخدم فيها، الأسلحة الإلكترونية. يجب أن يضمن الاتفاق أيضا طرقا للتحقق من تطبيقه، وهذا أمر صعب التنفيذ، ولكن مع ذلك، يبقى عنصر حاسم لإجراء محادثات ناجحة حول الاستقرار الاستراتيجي في الفضاء الإلكتروني.
ويمكن للقادة الروس والأميركيين تعزيز الاستقرار في العلاقات بين القوى العظمى من خلال إعلان سياسي مشترك ينص على أن الدول الموقعة لا تنوي مهاجمة البنى التحتية الحيوية لبعضها البعض، مثل أنظمة القيادة والسيطرة النووية، باستخدام تقنيات الإنترنت أو الذكاء الاصطناعي. هذا سيكون خطوة إيجابية لجميع المعنيين.
المصدر: وورد فيو ستراتفور