يواصل الجزائريون الاحتجاج ضد السلطة للجمعة الـ15 منذ انطلاق الحراك الشعبي في البلاد في 22 من فبراير/شباط الماضي، في انتظار ما ستفرزه الأسابيع القادمة التي سترسم المسارات التي ستأخذها التطورات المتسارعة، خاصة أن الحراك لم يحقق جميع مطالبه المتعلقة برحيل “الباءات الثلاثة” وهم رموز المؤسسات الانتقالية الموروثة عن نظام الرئيس المستقيل عبد العزيز بوتفليقة.
الشارع يرفض الحوار مع المؤسسات الانتقالية
رغم أن الحراك الشعبي أزاح الرئيس السابق عبد العزيز بوتفليقة وأبرز رموز نظامه الذين عمروا أكثر من عقدين من الزمن وأسقط أيضًا الأذرع المالية والسياسية التي كانت تتغنى ليل نهار بترشح الرئيس لولاية خامسة، فإن القطيعة بين الحراك والمؤسسة العسكرية ازدادت رقعتها بسبب تمسكها بالمؤسسات الانتقالية الحاليّة، في وقت خفت صوت القوى السياسية وتوارى قادتها عن الأنظار، فهم يكتفون بإصدار بيانات “جوفاء” يردون من خلالها على خرجات رئيس أركان الجيش الجزائري الفريق أحمد قايد صالح.
وشددت مسيرات يوم الجمعة على ضرورة رحيل حكومة نور الدين بدوي بسبب “عدم شرعيتها” ورفض الشارع الحوار مع المؤسسات الانتقالية الحاليّة الذي روجت له المؤسسة العسكرية الأسبوع الماضي على لسان قائدها وأعلنت بالمقابل رفضها القاطع لمرحلة انتقالية خارج الدستور.
وفي وقت أصبحت الانتخابات الرئاسية المقررة في الـ4 من يوليو/تموز القادم في حكم الملغاة في انتظار ترسيم سقوطها من طرف المجلس الدستوري (المحكمة الدستورية) الذي استقبل اسمان غير معروفين تمامًا لدى الرأي العام في سابقة هي الأولى من نوعها في تاريخ الجزائر، يتساءل متتبعون للمشهد السياسي في البلاد عن آليات تنفيذ الحوار، خاصة أن الدعوة جاءت من المؤسسة العسكرية والأكيد أن يكون بحوزتها خريطة طريقة وقرار أيضًا بخصوص الجهة التي ستوكل لها مهمة الإشراف عليه خاصة إدراك أن تكليف رئيس الدولة الجزائرية المؤقت عبد القادر بن صالح ووزيره الأول نور الدين بدوي بهذه المهمة سيكون مصير الحوار الفشل باعتبارهما شخصيتين مرفوضتين شعبيًا.
هذه الانتخابات هي مرحلة سابقة لتهيئة المرحلة المقبلة التي يبدو أن مظاهرها ستبدأ بحوار وطني يجمع الأطراف الفاعلة في المشهد السياسي الحاليّ
آلياته غير معروفة
يقول في الموضوع المحلل السياسي عبد الكريم تفرقينيت لـ”نون بوست” إن البيئة الحاضنة لرئاسيات الـ4 من يوليو/تموز القادم غير مهيأة، فلجنة تحضيرها غير موجودة كما أن لجنة مراقبتها غير موجودة أيضًا، وهو ما دفع بقائد المؤسسة العسكرية إلى عدم تأكيد تاريخها أو الإشارة إليها في خطابه السابق.
ويضيف المتحدث أن هذه الانتخابات مرحلة سابقة لتهيئة المرحلة المقبلة التي يبدو أن مظاهرها ستبدأ بحوار وطني يجمع الأطراف الفاعلة في المشهد السياسي الحاليّ، وقد وجه قائد الأركان دعوة لهذا الحوار، لكن لم يوضح آلياته وميكانيزمات تنظيمه ومن سيشرف عليه.
ويعتقد المحلل السياسي أن هذا الحوار يشكل بداية المرور لمرحلة جديدة تؤسس على خطوات أولها التحضير للانتخابات المقبلة بآلياتها وميكانيزماتها، وأهمها تشكيل لجنة مشرفة على الانتخابات وإذا تم تجاوز هذه العقبة، فإن استمرار مؤسسات الدولة ومن بينها رئاسة الدولة يمكن تمديدها لمدة 60 يومًا أو 90 يومًا حسب المادة 103 من الدستور، كما يمكن أيضًا التوجه إلى اختيار شخصية تشرف على تحضير الانتخابات وفقًا للمادتين 7 و8 من الدستور وهو ما يوصف بالحل الدستوري السياسي المستمد من روح الدستور.
ويرى عبد الكريم تفرقينيت أن الحوار القادم سيحدد المرحلة القادمة، ويشير إلى أن الذهاب إلى حكم عسكري ليس بالغاية التي يفضلها الجزائريون، وبقاء رموز النظام غير مقبول جماهيريًا ولا سياسيًا، كما أن تفريغ مؤسسات الدولة من إطاراتها دفعة واحدة له أخطاره، والأهم من كل هذا أن الانسداد الحاصل الآن ليس في فائدة أي طرف.
ويرى المتحدث أن الأولوية حاليًّا هي إقامة حوار جامع وبسيط ونقاش ينتهي بحلول توافقية من أجل تنظيم انتخابات رئاسية كمرحلة أولى، ثم الذهاب إلى مرحلة ثانية وهي وضع قوانين شفافة للتأسيس لجمهورية جديدة.
رحب رئيس حزب طلائع الحريات بقيادة رئيس الحكومة الأسبق بمقترح المؤسسة العسكرية سواء تعلق الأمر بلهجته أم بمضمونه، وقال: “الخطاب الذي ألقاه قائد أركان الجيش يضع معالم واضحة جدًا ومهمة على طريق البحث عن حل الأزمة”
ومن جهته يقول الناشط الحقوقي عمار خبابة لـ”نون بوست” إن الموقف الشعبي سيبرز أكثر وسيكون أكثر دقة حينما يفصح عن هذا الحوار، وأبدى المتحدث مخاوفه من أن يكون الهدف من الحوار الذي دعا إليه الفريق أحمد قايد صالح من أجل تحديد موعد الانتخابات الرئاسية والهيئة التي ستوكل لها مهمة تنظيم هذه الانتخابات.
ويرى المتحدث أنه من الصعب جدًا اليوم التكهن بما يدور في خلد السلطة، لكن الشيء المؤكد أن غالبية الشعب تتطلع إلى تغيير النظام السياسي الحاليّ، ولذلك يجب أن يفهم الماسكون بزمام الحكم ما يريده هذا الشعب ويرافقوه إلى مبتغاه.
المعارضة بين مؤيد ومعارض
وفي وقت تخندقت الموالاة مع قائد المؤسسة العسكرية، تباينت آراء المعارضة بين مؤيد ومعارض، وأعلن رئيس حزب التجمع من أجل الثقافة والديمقراطية (حزب تقليدي معارض) محسن بلعباس، رفضه لخطاب قائد الأركان بقوله: “لا يحق لقايد صالح أن يحدد شروط الحوار، فالاستبعاد المسبق والجازم لأي فكرة انتقال تطوي صفحة الاستبداد يعتبر سطوًا على التعبئة الشعبية وعلى سيادة الشعب الثائر”.
“طرح الحوار من الجيش هو قاعدة واقعية وصلبة يمكن الانطلاق منها سعيًا لتجاوز الانسداد القائم، وبالفعل، فإن هذا الخطاب يقترح اللجوء إلى الحوار الوطني كمقاربة ومنهج وسبيل لا بديل له لإخراج البلد من هذا الانسداد”
وعن الحوار الذي يبحث عنه الحزب قال محسن بلعباس: “من جانبنا، فنحن نريد حوارًا حقيقيًا ونزيهًا ومثمرًا، نعم نريد حوارًا مفتوحًا عن المشكلات الأساسية التي أعاقت مسيرة بلدنا وعن سبل الخروج من الأزمات الدورية التي يمر بها بلدنا منذ 1962″، وفي الختام قال محسن بلعباس “لا نريد الخروج من مرحلة حساسة ومعقدة، بقدر ما نريد أن نجعل من هذه المرحلة الثورية بوابة دخول إلى جزائر الحرية والتقدم، وهنا تكمن الاختلافات بيننا في الرؤى والطرح”.
وبالموازاة مع ذلك رحب رئيس حزب طلائع الحريات بقيادة رئيس الحكومة الأسبق بمقترح المؤسسة العسكرية سواء تعلق الأمر بلهجته أم بمضمونه، وقال: “الخطاب الذي ألقاه قائد أركان الجيش يضع معالم واضحة جدًا ومهمة على طريق البحث عن حل الأزمة السياسية والمؤسساتية والدستورية الخطيرة التي يعيشها بلدنا”.
وأكثر من ذلك، اعتبر المعارض علي بن فليس أن طرح الحوار من الجيش “هو قاعدة واقعية وصلبة يمكن الانطلاق منها سعيًا لتجاوز الانسداد القائم، وبالفعل، فإن هذا الخطاب يقترح اللجوء إلى الحوار الوطني كمقاربة ومنهج وسبيل لا بديل له لإخراج البلد من هذا الانسداد”.