ترجمة وتحرير نون بوست
في كانون الأول/ ديسمبر 2017، أعلن القضاء السويسري عن رفع التجميد الذي يستهدف أصول وممتلكات الرئيس المصري السابق حسني مبارك وحاشيته منذ سنة 2011. وعلى ضوء استرجاع الأطراف المتهمة، التي وقع مقاضاتها في مختلف البلدان بتهمة الفساد وغسيل الأموال المنظم والتداول الداخلي، لثروة تقدر بحوالي 700 مليون فرنك سويسري أي ما يعادل 620 مليون يورو، فإن هذا الأمر يعد بمثابة المسح للإجراءات القانونية التي تواصلت على مدى ست سنوات.
لعل أكثر ما يبعث على القلق بشأن هذا التغيير المفاجئ هو أن القضاء السويسري عمل على هذه القضية بنشاط وبشكل خاص، على عكس جيرانه الأوروبيين، الذين امتنعوا عن الاعلان عن طبيعة الممتلكات والمبالغ المُصادرة والمُجمّدة التابعة لمبارك، وهو ما يعتبر إجراء يفتقر إلى الشفافية. وبناء على ذلك، لم يتردّد مصرف كريدي سويس في التحايل لصالح أحد أبناء الرئيس المخلوع.
بالعودة إلى قضية “بان وورلد إنفاستمنتس”، وهي شركة تابعة لرجل الأعمال علاء مبارك بصدد ممارسة نشاطها بالخارج، كشفت وثائق بنما في أيار/ مايو 2016 عن وجود الشركة التي تتخذ جزر العذراء البريطانية مقرا لها. وقد تبيّن للرأي العام أن نشاط الشركة، الذي يتولى إدارته مكتب المحاماة سيئ السمعة “موساك فونسيكا” نسبة إلى مديره في الجزر البريطانية، لم يمتثل إلى ترتيبات التجميد المنصوص عليها في أوروبا. وتشير الوثائق أيضًا إلى أن السلطات المحلية قد فرضت غرامة مالية على شركة المحاماة في سنة 2014 بسبب تغاضيها عن الإبلاغ عن وجود الشركة وصاحبها، علاء مبارك، المدرج اسمه ضمن قائمة العملاء من ذوي “المخاطر العالية” من طرف المحققين الماليين المحليين.
كشفت وثيقة قدمها المسؤولون على مشروع الإبلاغ عن الجريمة المنظمة والفساد مؤخرا، أنه في 16 أيلول/ سبتمبر 2016 أزيلت شركة علاء مبارك من السجل التجاري لجزر العذراء البريطانية ووقع حلها
حل شركة بان وورلد إنفاستمنتس
في مطلع سنة 2015، أعرب مصرف كريدي سويس عن رغبته في تعقب نشاط هذه الشركة إلى حدود نقلها إلى هيئة قضائية جديدة، ما دفع موساك فونسيكا الذي عرف بلا مبالاته تجاه هذه القضية، إلى الاستقالة من منصب المدير. وتكشف رسائل البريد الإلكتروني الداخلية عن شكوك مكتب المحاماة فيما يتعلق بشرعية الإجراءات التي اتخذها بنك كريدي سويس.
قبل فترة وجيزة من القطيعة مع البنك السويسري، حذر أحد موظفي موساك فونسيكا من أنه: “لا تتسم الأسباب المقدّمة بهدف استئناف نشاط الشركة بالمعقولية إذ يجب أن نأخذ بعين الاعتبار أن أي استئناف للنشاط من شأنه أن يسهل المعاملات التي تتنافى مع أمر التجميد”.
خلال سنة 2015، كثّف مصرف كريدي سويس الجهود ليبقي مكتب المحاماة “إيكازا غونزاليس” ببنما على الشركة في جزر العذراء البريطانية، وهو ما قام به المكتب لمدة سنة واحدة قبل أن يقدم مديره استقالته. ومن المستحيل معرفة طبيعة التعاون بين مكتب المحاماة هذا والبنك. فهل قبل باستئناف النشاط المتنازع عليه، أو حتى المعاملات التي لا تمتثل لأمر التجميد الحالي؟ لا يمكن الجزم تماما بشأن هذه المسألة. ولا تزال قيمة الأصول التي تحتفظ بها شركة بان وورلد إنفاستمنتس بعد مشاركتها في مختلف الشركات التابعة لشبكة مبارك الخارجية مجهولة. ومع ذلك، توحي الجهود المتكررة التي بذلها مصرف كريدي سويس لنقل شركة بان وورلد إنفاستمنتس بأهمية هذه الأخيرة في نظر عميلها.
كشفت وثيقة قدمها المسؤولون على مشروع الإبلاغ عن الجريمة المنظمة والفساد مؤخرا، أنه في 16 أيلول/ سبتمبر 2016 أزيلت شركة علاء مبارك من السجل التجاري لجزر العذراء البريطانية ووقع حلها. فما هو الدور الذي لعبه بنك كريدي سويس في اتخاذ هذا القرار؟ ماذا حدث للأصول المسجّلة باسم الشركة؟
في رده عن السؤال المتعلق بحلّ شركة بان وورلد إنفاستمنتس وإمكانية نقل أصولها إلى جهة قضائية أخرى، يؤكد مصرف كريدي سويس على “التزامه واحترامه المطلق لقوانين وأنظمة الأسواق التي يعمل فيها”. ولكن لا توضّح هذه الإجابة، المأخوذة من اقتباس منشور على موقع الويب الخاص بالمجموعة، النقاط الدقيقة لهذه القضية الحساسة.
في سنة 2012، عرض فيلم وثائقي للبي بي سي الصعوبات التي واجهتها السلطات البريطانية في فرض هذه التدابير التقييدية ضد عشيرة الرئيس المصري السابق لاسيما في الشركات التي تتخذ من لندن مقرا لها.
عملية تحوم حولها الشكوك
ينص أمر التجميد الأوروبي الذي تم تبنيه في سنة 2011 بوضوح على منع “تحويل أو تعديل أو استخدام أو ممارسة التجارة بأي طريقة من شأنها أن تغير كل من قيمة أو موقع أو ملكية أو حيازة أو طبيعة الأصول”. وبالنسبة لشركة بان وورلد إنفاستمنتس، يحيل مجرد حل هذه الشركة إلى أن واحدا على الأقل من هذه الأحكام، وهو ذلك المتعلق بطبيعة الأصول، قد وقع انتهاكه. أما فيما يتعلق بالوضع الحالي للأصول التي تحتفظ بها الشركة، فلم ترغب السلطات المحلية في جزر العذراء البريطانية ولا سلطات غيرنزي، حيث اعتزم مصرف كريدي سويس منذ البداية إعادة الأموال، في الإجابة عن أسئلتنا.
في الحقيقة، لا يبدو أن المفوضية الأوروبية، المسؤولة عن تطبيق أمر التجميد في الاتحاد الأوروبي، تفكر في فرض عقوبات على المحاكم أو الأشخاص أو المؤسسات المالية التي تنتهك أحكام التجميد إذ تقع هذه المسؤولية على عاتق الجهة المعنية المتمثلة في هذه الحالة في جزر العذراء البريطانية والتي لم ترغب الحكومة في التحدث عنها. ووفقا لمؤسس ومدير المنتدى المدني لاسترداد الأموال، أغاتينو كامرادا فإنه “يجب أن تفتح السلطات المحلية تحقيقا حول وجود أي دليل على انتهاك أمر التجميد الأوروبي، وفرض عقوبات ضد مرتكبي هذه الجريمة حسب القوانين المحلية”.
مع ذلك، إن حق التدخل الذي يكاد لا يكون موجودا والذي يميّز الأحكام القضائية على غرار تلك في جزر العذراء البريطانية، يحول دون معرفة نتائج التحقيقات والإجراءات المستمرة ودون ضمان اتخاذ خطوات لمنع مزيد التهريب للممتلكات المحتجزة من قبل علاء مبارك. وقد رفض كل من هذا الأخير ومحاميه، اللذين تم الاتصال بهما عبر الهاتف، تقديم إجابات على أسئلتنا.
في حالات مماثلة جدت في المملكة المتحدة وفي باريس أيضا، تبين أن قضية شركة بان وورلد إنفاستمنتس هي أبعد من أن تكون حادثة معزولة، بل تمثل جزءا من فشل مشترك في العملية الأوروبية لتجميد الممتلكات التابعة لعائلة مبارك. وبالفعل، في سنة 2012، عرض فيلم وثائقي للبي بي سي الصعوبات التي واجهتها السلطات البريطانية في فرض هذه التدابير التقييدية ضد عشيرة الرئيس المصري السابق لاسيما في الشركات التي تتخذ من لندن مقرا لها.
قام مبارك باستقبال الصحافة وقد أعرب عن قلقه لإحدى الصحفيات الكويتيات إزاء تطور الصراع الإسرائيلي الفلسطيني قائلا: “نتنياهو لا يرغب في التوصل إلى حل سلمي يرضي الدولتين
في فرنسا، شمل تجميد ممتلكات مبارك حجز شقة فاخرة تبلغ قيمتها أكثر من ثلاثة ملايين يورو، والتي يبدو أنها أُهملت من قبل السلطات القضائية والضريبية. وتعكس هذه الحالات المختلفة نقاط الضعف القانونية لقرارات التجميد الأوروبية في مواجهة نظام التهرب الضريبي المعقد الذي لا يعرف حدودًا.
الحياة الجديدة للرئيس السابق
في الرابع من أيار/ مايو الماضي، نُشرت صورة على موقع التواصل الاجتماعي إنستغرام للديكتاتور المصري السابق حسني مبارك وزوجته سوزان. وعادة ما يكون حفيده، عمر علاء، هو من يقوم بنشر هذه الصور. وهذه المرة، زُيّنت الصورة بواسطة رمزين: رمز على شكل قلب وآخر على شكل كعكة عيد ميلاد.
لقد مثّل الرابع من أيار/ مايو تاريخ احتفال حسني مبارك ببلوغه 91 سنة. هل يقضي الرئيس السابق أياما سعيدة رفقة عائلته في ضواحي مصر الجديدة بعد حصوله على الحكم بالبراءة على خلفية اتهامه بقتل المتظاهرين وإطلاق سراحه في سنة 2017؟ احتفالا بهذه المناسبة، قام مبارك باستقبال الصحافة وقد أعرب عن قلقه لإحدى الصحفيات الكويتيات إزاء تطور الصراع الإسرائيلي الفلسطيني قائلا: “نتنياهو لا يرغب في التوصل إلى حل سلمي يرضي الدولتين إنما يريد فصل غزة عن الضفة الغربية”.
المصدر: جون أفريك