منذ فترة ظهرت الإعلامية رضوى الشربيني وأثارت ضجة كبيرة حولها وحول برنامجها لأسباب عدة، منها التصريحات والنصائح التي ذكرتها لمتصلاتها من النساء واللاتي تعتمد في جوهرها على أن تكون المرأة إنسانة لها قيمة وكرامة وحقوق لا تتنازل عنها، وكان لها آراء شهيرة أثارت غضب الرأي العام فوصفها البعض بأنها “خرابة البيوت” وما إلى ذلك من تشبيهات.
كما صرحت بعض المصادر أن كثيرات انفصلن عن أزواجهن بسبب آرائها المثيرة للجدل، مما هدد استقرار الحياة الأسرية القائمة على الصبر والتسامح لتستمر مسيرة الحياة وتقرر المرأة الابتعاد محافظة على سلامها النفسي وعن كل ما يعكر صفو حياتها وإن كان زوجها وأسرتها، ومهما يكن من صحة أو خطأ تلك الآراء، فقد تأثر بها عدد كبير من السيدات وحذون حذوها في الحياة.
وبالنسبة للدول العربية والشعب المصري تحديدًا، تعتبر قرارات مثل هذه قرارات جريئة ومخيفة، لم يسبق أن تعاملت معها المرأة بهذه السهولة من قبل، لأنه متعارف بنسبة كبيرة أن البيوت تقوم على صبر النساء، فتتحمل المرأة خيانات الزوج وتعديه عليها وإهانتها وكثير من الأشياء المرهقة الظالمة لها، تحت مسمى حماية الأسرة من الانهيار والحفاظ على الأولاد، مهما كان الثمن الذي تدفعه، وقد ظلت نساء كثيرات يفعلن ذلك، حتى إن فكرة الطلاق لم تكن واردة في أذهانهن من قبل، ولم تأت أبدًا كحل من الحلول مهما حدث.
ويجب الإشارة إلى أن وضع المرأة سابقًا يختلف عن وضع المرأة الآن، فنحن حاليًّا، وإن كان وضعنا سيئًا فنحن أفضل من وضع نساء الماضي بمراحل، على الأقل نساء اليوم استطعن الحصول على قدر من التعليم والعمل والاستقلالية وأصبحن أكثر تبصرًا بحقوقهن مقارنة بما مضى، ولطالما كان الدافع الاقتصادي عبئًا كبيرًا على النساء، فكانت المرأة تتحمل تبعات زيجتها الظالمة بسبب الحاجة المادية بنسبة كبيرة، أما اليوم وقد اختلف الأمر، وأصبحت المرأة تملك من المال ما يكفي لأن تكون مستقلة، فأصبحت نساء كثيرات يفضلن سلامهن النفسي على استمرار كيان الأسرة في ظل انهيارهن الداخلي، وهو ما يزيد نسب الطلاق والخلع وبالتالي يهدد حياة مئات الآلاف من الأطفال بالتشرد والعيش دون أسرة.
نجد أن شيخ الأزهر يصدر أحد التصريحات المثيرة للجدل، في برنامجه الذي يُقدم في رمضان الحاليّ، وهو إباحة ضرب المرأة الناشز بشرط عدم كسر عظمها
مسايرة المجتمع الذكوري
تشير بعض التقارير إلى أن حالات الطلاق في مصر وصلت إلى مليون حالة بواقع حالة واحدة كل دقيقتَين ونصف (2018)، ونسبة الطلاق في الوطن العربي بشكل عام تشهد تزايدًا ملحوظًا، وذلك يؤكد أن نساء اليوم مختلفات تمامًا عن الماضي، فنساء الوطن العربي اليوم هن نساء عاملات مستقلات لا يتحملن التابوهات التقليدية لفكرة الزواج والرجل وأنه “ضل رجل ولا ضل حيطة” وغيرها من الأمور التي تثقل كاهلها مثل العنف والاغتصاب الزوجي، ببساطة أصبحت النساء أكثر وعيًا بحقوقهن وكرامتهن، ولسن بحاجة إلى الاستمرار في علاقات تهدد سلامهن الداخلي.
وفي الأثناء التي تشهد حرجًا شديدًا في العلاقة بين الرجل والمرأة، نجد أن شيخ الأزهر يصدر أحد التصريحات المثيرة للجدل، في برنامجه الذي يُقدم في رمضان الحاليّ، وهو إباحة ضرب المرأة الناشز بشرط عدم كسر عظمها! وبعد أن أثارت تلك التصريحات جدلًا واسعًا وانتقادات كثيرة في مصر رد شيخ الأزهر موضحًا كلامه بأن الضرب هو الحل الأخير لمواجهة نشاز المرأة وأنه ممنوع ضرب المرأة غير الناشز.
في الوقت الذي تفتك الحروب والمجاعات بالدول العربية، ولم يجد أو تجرأ على قول جملة اعتراضية أو كلمة حق واحدة للحكام العرب، فلطالما كانت المرأة هي العنصر الأسهل للحديث وسرد التصريحات والانتقادات، وكأن لا شيء في العالم سواها
مشكلة تصريحات شيخ الأزهر ليست في أن القرآن أمر بذلك أم لا، بل الخطأ الفادح الذي وقع فيه، هو الحديث عن تلك الآية ومحاولة توضيح معناها لشعب به نسبة كبيرة من الجهلة وغير المتعلمين الذين لن يفهموا سوى شيء واحد وهو أن شيخ الأزهر قال إنه يجوز ضرب الزوجة فيضرب الرجل زوجته وتزداد نسبة العنف أكثر مما هي موجودة.
كان من الممكن أن يوضح الشيخ الطيب ضرورة تفهم الأزواج لزوجاتهم ومراعاة مشاعرهن وكيف يجب أن تكون المعاملة بين الأزواج، من مودة ورحمة وتسامح، وإن حدث بينهما خلاف فهناك عدة خيارات آخرها الضرب الذي لم يعد يصلح التحدث عنه الآن بسبب الأذى الكبير الواقع على المرأة الذي يحتم عليه محاولة تقليله ونشر الوعي بين الأسر لا بتبريره وشرح كيف يتم الضرب، لأن كلامه في النهاية يعني بالأزواج وحدهم، وهم الطرف الأقوى في العلاقة الزوجية، وهم سبب العنف والأذى الذي تتعرض له الزوجات.
كان من المفروض أن يكون شيخ الأزهر أكثر حكمة في شرح آيات تتعلق بالضرب في أكثر الأوقات الحرجة ووسط التوتر الموجود بين الأزواج في مصر، ولكنه فعل مثل كثير من رجال الدين الذين رأوا أن الانصياع لرغبة المجتمع الذكوري هي الأسهل والأقل تبعة للمسؤولية، وهذا لم يحدث لأول مرة بل هو نهج يتبعه بعض الدعاة مثل الشيخ العريفي الذي تحدث في تغريدة سابقة له عن العباءة النسائية وشروط ارتدائها، في الوقت الذي تفتك به الحروب والمجاعات بالدول العربية، ولم يجد أو تجرأ على قول جملة اعتراضية أو كلمة حق واحدة للحكام العرب، فلطالما كانت المرأة هي العنصر الأسهل للحديث وسرد التصريحات والانتقادات وكأن لا شيء في العالم سواها.
https://twitter.com/MohamadAlarefe/status/881563777338146823
فتاوى مخيفة
لم يقتصر رأي شيخ الأزهر على إثارة الجدل وحسب، بل انقسم كثيرون إلى مؤيدين ومعارضين، وللأسف الشديد كشف لنا هذا التصريح بعض الآراء المخيفة لدى بعض المؤثرين ودعاة التنوير المصريين، عن موافقتهن على الضرب وكيف أنه أمر عادي، اعتاده الأزواج قديمًا وكان له تبعات سليمة على استقرار الأسرة، وكلما ظل باقيًا كانت حياة الأسرة أكثر سلامة وأمنًا، بعيدًا عن رأي المتخلفين والمتخلفات من التنويرين الحاليين! من هؤلاء الأديب المصري أشرف الخمايسي، الذي صرح في أحد منشوراته على الفيسبوك، وأثار جدلًا كبيرًا، بتبرير الضرب وأن “الضرب كان شاهدًا على الحب”، بجانب أنه كلما ضرب الرجل زوجته كانت أكثر غنجًا ودلالًا في الفراش بحسب كلامه.
وهذه الأفكار توضح لنا طرق تعامل الكثيرين مع المرأة، ممن نحسبهم مؤثرين ومثقفين، وأننا بحاجة ماسة لأن نعيد نظرتنا لكثير من الأمور، قبل أن نتهاوى أكثر من ذلك، وقبل أن نفتك بالمرأة العربية أكثر فأكثر.