نحن نقرأ الأدب حتى نرتفع عن الأرض، نشعر بالخفة ونحول الأيام إلى أوقات لا تُنسى، من بين هذه الأوقات يأتي العيد ليطل علينا كمناسبة سعيدة نقضي أغلب أيامها مع الأهل والأصدقاء ونكرس بعض الوقت من أجل الأنشطة الخارجية، وبالنسبة لهؤلاء الذين لا يفضلون الخروج من البيت بسبب زحمة الشوارع فكل ما عليهم القيام به هو التوجه صوب الروايات المتراصة على الأرفف الخشبية أو تلك الإلكترونية القابعة في الأجهزة المحمولة، فهناك يوجد عالم آخر يسمح لنا بالغوص فيه ويمكننا من احتضان الدهشة، فعبر تلك النصوص القصيرة سنتمكن من مداعبة الخيال، وفي هذا التقرير سنتعرف على روايات باعثة للسعادة يمكن الاستمتاع بقراءتها في أثناء إجازة العيد.
رواية الخيميائي.. لأن الأحلام من الممكن أن تغدو حقيقة
“إذا رغبت في شيء بشدة فإن كل العالم يطاوعك من أجل تحقيق رغبتك” حول هذا المعنى تحديدًا تتمحور رواية “الخيميائي” للكاتب البرازيلي باولو كويلو، إذ تحكي الرواية قصة الراعي الإسباني سانتياغو والحلم الذي ظل يراوده كثيرًا بأن هناك كنزًا مدفونًا بالقرب من أهرامات مصر وعليه السفر إلى هناك للحصول على الكنز.
يتجاهل الراعي حلمه كثيرًا وذلك قبل أن يلتقي بأحد الأشخاص الذي يخبره بضرورة المضي وراء حلمه، في النهاية يقتنع الراعي ويسافر في رحلة طويلة محفوفة بالمخاطر بدأت بتعرضه للسرقة ولكنه على الرغم من ذلك يكمل طريقه حتى يصل إلى مصر وهناك يدفن بالفعل قرب الأهرامات ولكنه لا يجد شيئًا سوى مجموعة من اللصوص، لكن يخبره كبيرهم بأنه ظل يحلم لمدة طويلة بأن هناك كنزًا مخبأً في إسبانيا داخل كنيسة مهجورة وياللعجب هي نفس الكنيسة التي كان يسكن فيها الراعي.
يعود سانتياغو إلى بلده ويعثر بالفعل على الكنز، ورغم أن فكرة الرواية ليست جديدة، فإن كويلو أبدع في رسم الشخصيات وكذلك الحوارات القوية داخل النص، كما طعم كويلو روايته ببعد فلسفي جاء على لسان الشخصيات، فالراعي قبل أن يحقق حلمه تعلم الحكمة وعثر على أسطورته الشخصية وفهم لغة الكون.
جميلة هي الرحلة التي تأخذنا إليها عوالم الرواية، إذ لا تكتفي بروائح الطعام ولكنها تحكي أيضًا عن رائحة الأماكن القديمة والبيوت القديمة، إذ يتعامل طاهر بدقة في كل ما يتعلق بالتفاصيل
رواية كحل وحبهان.. عن النوستالجيا وروائح الماضي والطعام
يقول الشاعر والروائي الأمريكي وليام فوكنر: “وكثيرًا ما جلستُ تحت المطر على أحد الأسطح الغريبة، أفكر في البيت الذي كان”، هذه الحالة التي عاشها فوكنر قد نعيشها جميعًا، فهناك حقيقة ثابتة مفادها أن العصر الحاليّ الذي نحياه وغزته التكنولوجيا بكل قوة يختلف كثيرًا عن ماضينا القريب.
فرغم أن العالم أضحى قرية صغيرة والتواصل بين البشر أصبح سهلًا، فإن هناك حلقة فُقدت في أثناء هذا التطور العلمي، تشبه تلك الحلقة المفقودة رائحة بيت الجدات ويمكن أيضًا أن نُطلق عليها اسم النوستالجيا، تلك الحالة التي نشعر من خلالها بالرغبة الشديدة في العودة إلى الماضي، ولأن العيد هو طقس اجتماعي بالأساس فقد يراودنا فيه هذا الشعور بأنه اختلف كثيرًا عن أجواء الماضي أما إذا رغبت عزيزي القارئ في التحليق من جديد في تلك الأجواء يمكنك قراءة رواية “كحل وحبهان”.
فطوال 180 صفحة يحاول الكاتب المصري عمر طاهر الذي يبرع جيدًا في مساحة النوستالجيا الآمنة أن يوظف الطبخ في حكاياته الإنسانية، يحكي طاهر عن القهوة حيث يقول في روايته: “القهوة مشروب سعته شخصين على أقصى تقدير، المساحة الأكبر في حوارهما للصمت”، كما يحكي أيضًا عن التوابل وتاريخها، ففي القدم تكالبت الدول وتحاربت لأجل التوابل وفي المطبخ مين يسيطر على التوابل يأسر العالم بحق ولكن من منظور طعامي.
جميلة هي الرحلة التي تأخذنا إليها عوالم الرواية، إذ لا تكتفي بروائح الطعام ولكنها تحكي أيضًا عن رائحة الأماكن القديمة والبيوت القديمة، إذ يتعامل طاهر بدقة في كل ما يتعلق بالتفاصيل، تجتاح الرواية الماضي الكامن بداخلنا كي تخبرنا أن الماضي لم يعد متاحًا في الوقت الحاضر ولكن يمكن استرجاعه بالخيال، وإلا فما جدوى الأدب؟
أحيانًا يأتنيا العالم ضيقًا ونشعر أن الواقع لم يعد يرضينا.. حتى في المناسبات السعيدة مثل الأعياد يداهمنا الملل لنرى وكأن جميع الأيام تشبه بعضها بعضًا، في هذه الحالة يكون من الجيد لو قرأت رواية تأخذك إلى البعيد
رواية نسيم الصبا.. حين نقع في حب السرد الروائي
تحكي رواية “نسيم الصبا” للكاتب النمساوي دانيال غلاتاور عن علاقة حب نشأت في العالم الافتراضي بين سيدة تُدعى إيمي روتنر والشاب ليو، إذ ترسل إيمي بريدًا إلكترونيًا عن طريق الخطأ إلى ليو لتنشأ بينهما علاقة صداقة عميقة تنتهي بالحب.
ورغم أن موضوع الرواية ليس جديدًا، فأدب الرسائل قديم بقدم تاريخ الكتابة الأدبية ولكن روعة الرواية تكمن بالأساس في بنية السرد الروائي، فالعمل عبارة عن 1500 رسالة إلكترونية بين إيمي وليو لا يتخللهما أي شرح أو تعقيب من الكاتب، حيث إنه ترك لهما النص بكل حرية ليكتبانه، أخد غلاتاور مخيلته الروائية على محمل الجد وترك جميع المعاني مخفية، في البداية قد يبدو السرد فوضويًا ولكنه كان الاختيار الأمثل خاصة لتيمة الحب، ففي الوقت الذي استهلكت فيه تلك التيمة أدبيًا منذ قديم الزمن اختار المؤلف ألا يتحدث عن الحب وألا يحاول تفسير ما يحدث بين ليو وإيمي، كل ما فعله أنه جعلنا نطلع على رسائلهم لتتركنا الرواية في حالة فوضى أحاسيس بين الارتباك وعمق المعنى والوحدة التي نعاني منها رغم جميع وسائل التواصل.
رواية الفتى المتيم والمعلم.. الغوص في أعماق التاريخ
أحيانًا يأتنيا العالم ضيقًا ونشعر أن الواقع لم يعد يرضينا، حتى في المناسبات السعيدة مثل الأعياد يداهمنا الملل لنرى وكأن جميع الأيام تشبه بعضها بعضًا، في هذه الحالة يكون من الجيد لو قرأت رواية تأخذك إلى البعيد.. البعيد جدًا، ما رأيك مثلًا لو قرأت رواية “الفتى المتيم والمعلم” وزرت قصور مدينة إسطنبول في القرن الثالث عشر.
تدور أحداث رواية “الفتى المتيم والمعلم” للكاتبة التركية أليف شافاق حول الفتى الهندي جهان مروض الأفيال ومعلمه سنان أحد أهم معماري التاريخ الشرقي، جهان جاء مع فيله الأبيض من الهند إلى إسطنبول وسنان كان يعمل في القصر كمعماري فريد للسلطان سليمان القانوني، تتقارب عوالم جهان وسنان وتنصهر معًا في بوتقة واحدة وخلال هذا التقارب نتعرف على الكثير من تفاصيل التاريخ.
جهان يحكي عن بلاده والأفيال وسنان يسرد علينا التصوير المفصل للقصور والمساجد التي شيدها.. تبدو الصورة من بعيد غير مترابطة ولكن في النهاية تتشكل لدينا فسيفساء أعادت تشكيل التاريخ وكتابته.
لن تأتيك السعادة هنا من قصة البطل ولا من النهاية ولكنها ستأتيك من قدرة الكاتب الفذة على تحليل النفس البشرية وعلى التصوير المكثف والغني لتعقيدات شخصيات أبطاله
رواية الليالي البيضاء.. دوستويفسكي الذي لن تتوقف عن قراءته لآخر العمر
تدور أحداث رواية “الليالي البيضاء” للكاتب الروسي فيودور دوستويفسكي خلال أربعة أيام قضاها البطل في مدينة سانت بطرسبورغ، حيث التقى هناك بفتاة ترغب بشدة في استعادة حبيبها الذي تركها ومن هنا تنشأ بينهما علاقة صداقة قوية، حيث يحكي كل منهما للآخر عن مكنونات نفسه وفي أثناء ذلك يقع الشاب في حب الفتاة ولأنه يدرك بأنها لا تبادله نفس الشعور يقرر أن يساعدها في استعادة حبيبها فيكتب لها الرسائل الغرامية وهو هائم في حبها.
ربما لن تشعرك الليالي البيضاء بالسعادة ولكن بكل تأكيد سيتمكن دوستويفسكي من التسلل إلى أغوار روحك إذ لن تتوقف حتى تلتهم بقية أعماله، لن تأتيك السعادة هنا من قصة البطل ولا من النهاية ولكنها ستأتيك من قدرة الكاتب الفذة على تحليل النفس البشرية والتصوير المكثف والغني لتعقيدات شخصيات أبطاله.