تبدأ هذا الأسبوع في مدينة فانكوفر على الساحل الغربي لكندا فعاليات مؤتمر يحمل عنوان “النساء يؤدين 2019” (Women Deliver 2019)، للنظر في صحة وحقوق الفتيات والنساء والحقوق الاقتصادية للمرأة والفجوات في الأجور وفرص التعليم وغيرها من القضايا الواسعة النطاق المتعلقة بالمساواة بين الجنسين، مما يؤهله لأن يصبح منصة بالغة الأهمية للساعين من أجل خلق عالم أكثر مساواة وعدلاً بين الجنسين.
وبالتزامن مع انعقاد أكبر مؤتمر من نوعه يبحث موضوع المساواة بين الجنسين، يفشل قادة العالم في تحقيق وعود بمستقبل أكثر عدلاً لـ1.4 مليار فتاة وامرأة، وفقًا لمؤشر عالمي تم إطلاقه مؤخرًا، ويُظهر أن العالم بعيد عن المسار الصحيح للوفاء بالموعد النهائي في 2030، لتحقيق المساواة بين الجنسين في ظل عدم وصول أي بلد إلى المسار الأخير.
أكبر مؤتمر في القرن الـ21
يشارك في المؤتمر أكثر من 6 آلاف شخصية من أكثر من 165 دولة من قادة العالم وصانعي السياسات والخبراء إلى الناشطين والاجتماعيين وممثلي المنظمات الدولية والجهات الحكومية وقيادات القطاع الخاص والأكاديميين وممثلي وسائل الإعلام، ويسعون جميعًا باتجاه تسريع التقدم والتنمية للفتيات والنساء في جميع أرجاء وأصقاع الكوكب.
من بين المتحدثين مؤسس حركة “أنا أيضًا” (Me Too) التي تدين الاعتداء على النساء والتحرش الجنسي حول العالم، وتأسست عقب فضيحة المنتج هارفي وينشتاين، بالإضافة إلى امرأة نيجيرية اُختطفت من جماعة “بوكو حرام”، وبطل الاسكواش الباكستاني الذي تمكن من الهرب من حركة طالبان.
ما يقرب من 40% من الفتيات والنساء – 1.4 مليار – يعيشن في بلدان تم تصنيفها “فقيرة للغاية”، 1.4 مليار يعيشن في البلدان التي تم تصنيفها “فقيرة”، ويعيش 8% فقط من الفتيات والنساء في بلدان “جيدة”
ويفتتح رئيس الوزراء الكندي جاستين ترودو – الذي يصف نفسه بأنه “نسوي” أو مدافعًا عن حقوق المرأة – هذا الحدث اليوم الموافق 3 من يونيو/حزيران، معلنًا بداية 4 أيام من النقاشاتعن كل شيء من تغير المناخ والنوع الاجتماعي إلى التمكين السياسي للمرأة.
ستكون حقوق الإجهاض أيضًا قضية ساخنة وسط قلق بشأن القيود الجديدة التي تفرضها موجة من الولايات الأمريكية، ففي خطوة مفاجئة، تم تمرير قوانين في عدة ولايات أمريكية تحد من الحالات التي تسمح للمرأة بإجهاض جنينها، إذ تسير القوانين الجديدة على عكس ما ذهبت إليه المحكمة العليا في واحد من أبرز أحكامها عن هذا الموضوع سنة 1973.
المؤتمر سيبحث أيضًا تقريرًا رئيسيًا آخر سيتم إطلاقه بشأن مستقبل العمل والآثار المترتبة على زيادة “الأتمتة” للنساء، أي جعل المعامل أكثر اعتمادًا على الآلات بدلًا من الإنسان، بينما ستبحث دراسة ثالثة كيفية جعل الرجال يتقاسمون عبء أعمال الرعاية غير المدفوعة الأجر.
وفي تصريحات لمؤسسة “طومسون رويترز”، قالت رئيسة المؤتمر كاتيا إيفرسن إن العالم وصل إلى “نقطة تحول” بشأن المساواة بين الجنسين، مشيرة إلى أن هناك رياح محافظة – وأحيانًا تبدو وكأنها عاصفة – تهب على حقوق المرأة، لكنها رأت أيضًا “زخمًا كبيرًا” بشأن المساواة بين الجنسين وحثت الجميع على ما أسمته “الحلم الكبير”.
وفي عام 2015، فعل قادة العالم هذا بالضبط عندما وضعوا الفتيات والنساء في قلب أهداف التنمية المستدامة للأمم المتحدة، واعدين بتحولات شاملة بحلول عام 2030.
دعوة لاستيقاظ للعالم
يصنف المؤشر الجديد 129 دولة وفق العشرات من أهداف التنمية المستدامة المتعلقة بالمرأة، سواء كان ذلك في مجال الصحة أو التعليم أو العنف أو العمل، وتصدرت فيه الدنمارك وفنلندا والسويد القائمة، بينما جاءت الكونغو وجمهورية الكونغو الديمقراطية وتشاد في أسفل القائمة.
يقدِّر البنك الدولي أن الدول تترك 160 تريليون دولار على الطاولة عن طريق منع النساء من المشاركة الكاملة في الاقتصادات الوطنية، بمتوسط 23.620 دولار لكل شخص في 141 دولة
وبحسب المؤشر فإن ما يقرب من 40% من الفتيات والنساء – 1.4 مليار – يعيشون في بلدان تم تصنيفها “فقيرة للغاية”، و1.4 مليار يعشن في البلدان التي تم تصنيفها “فقيرة”، ويعيش 8% فقط من الفتيات والنساء في بلدان “جيدة”، في حين لم تحقق أي دولة درجة “ممتازة”، ليكون بذلك المتوسط العالمي “ضعيفًا”.
ووصفت زوجة بيل غيتس رئيس مايكروسوفت ميليندا جيتس، وهي أحد مؤسسي مؤسسة “بيل وميليندا غيتس” الخيرية والمتحدثة باسم المؤتمر، التقرير بأنه “دعوة لاستيقاظ العالم”، لكن مؤسسة التدابير المتساوية 2030 (EM2030) لاحظت أيضًا بعض قصص النجاح المذهلة.
تقرير الفجوة بين الجنسين العالمي 2018 – المصدر: المنتدى الاقتصادي العالمي
على سبيل المثال، يوجد في السنغال نسبة أكبر من النساء في البرلمان (42%) مقارنة بالدنمارك (37%) ، بينما تستخدم 3 من كل 4 نساء كينيات الخدمات المصرفية الرقمية، وهي نسبة أعلى من العديد من الدول الأكثر ثراءً.
وفي هذا السياق، تقول غيتس: “العديد من الدول ذات الموارد المحدودة تقطع خطوات كبيرة في إزالة الحواجز التي تعترض الفتيات والنساء، مما يدل على أنه عندما يتعلق الأمر بالمساواة بين الجنسين، يجب ألا يكون لدى الحكومات أعذار للتراخي”.
ويقول الباحثون إن الدول الأكثر ثراءً لم تف دائمًا بوعدها، فقد حققت جورجيا ومالاوي وفيتنام درجات أعلى من المتوقع بناءً على إجمالي الناتج المحلي للفرد – يقيس الناتج المحلي الإجمالي قيمة السلع والخدمات في الدولة – بينما كان العكس صحيحًا بالنسبة للولايات المتحدة وسويسرا وكوريا الجنوبية.
تكلفة عدم المساواة بين الجنسين
في عصر الاقتصادات سريعة التغير – الطاقة النظيفة والعملات المشفرة والأسواق الناشئة – تفتقد البلدان إلى حل ذكي وبسيط، مع عائد هائل على الاستثمار، وهو النساء.
هذه الفرصة الضائعة تكلف كثيرًا، إذ يقدِّر البنك الدولي أن الدول تترك 160 تريليون دولار على الطاولة عن طريق منع النساء من المشاركة الكاملة في الاقتصادات الوطنية، بمتوسط 23.620 دولار لكل شخص في 141 دولة.
وهناك 3 عوامل تؤدي إلى هذه الخسائر: مشاركة المرأة بمعدلات أقل في القوى العاملة والعمل لساعات أقل وتقاضي أجور أقل عادة من الرجال.
في التمكين السياسي، تتطلب الفجوة بين الجنسين الآن 107 أعوام أخرى لإغلاقها، مما يعكس انخفاض عدد النساء في جميع الأدوار السياسية
وبالنسبة للمكاسب، فقد قدَّر تحليل شركة “ماكينزي” لعام 2015 لـ95 دولة أنه إذا بدت جميع البلدان في أفضل حالاتها، حيث تشارك النساء في اقتصادات مماثلة للرجل، فسوف يضيف ذلك ما يصل إلى 28 تريليون دولار إلى الناتج المحلي الإجمالي بحلول عام 2025.
لرؤية هذه المكاسب، يجب رفع الحواجز التي تواجهها النساء في الدخول إلى القوى العاملة والبقاء فيها والتقدم بها، إذ يشير تقرير ماكينزي إلى أن العنف ضد المرأة، والافتقار إلى الرعاية الصحية الإنجابية، وعدم المساواة في الحصول على التعليم والخدمات المالية والتكنولوجيا، كلها أمور تمنع النساء من البحث عن فرص عمل بنفس معدل الرجال.
وتوجد هذه العوائق حتى في المجالات الناشئة، وهي مثيرة للغاية في مجال التكنولوجيا، حيث وجد التحليل الذي أجراه المنتدى الاقتصادي العالمي أن النساء لا يمثلن إلا 22% من القوى العاملة في مهارات الذكاء الاصطناعى الأسرع نموًا، هذه الفجوة أكبر بثلاثة أضعاف من التباينات في مجالات المهارات الأخرى وتغذي التحيز بين الجنسين في الأدوات ذاتها التي تبنيها الصناعة.
108 أعوام لإغلاق الفجوة بين الجنسين
في 18 من ديسمبر/كانون الأول الماضي، ذكر تقرير المنتدى الاقتصادي العالمي (WEF) أن التقدم في مجال المساواة بين الجنسين في حالة ركود، حيث توقفت مشاركة المرأة في القوى العاملة والسياسة.
ووفقًا لمعدل التغيير الحاليّ، سوف يستغرق الأمر 108 أعوام لإغلاق الفجوة بين الجنسين العالمية، التي تبلغ الآن 68%، يضيف ذلك 8 سنوات إلى تقدير عام 2017، وفقًا لتقرير المنتدى الاقتصادي العالمي السنوي.
من بين المؤشرات الفرعية، فجوة الفرص الاقتصادية بين الجنسين، وهي الفجوة التي ستستغرق أطول وقت لإغلاقها تمامًا (بعد 202 عامًا)
نُشر المؤشر لأول مرة في عام 2006، كإطار لقياس الفوارق بين الجنسين في البلدان من خلال أربعة مؤشرات فرعية: المشاركة الاقتصادية والتحصيل العلمي والصحة والبقاء والتمكين السياسي.
ومنذ عام 2006، تقلصت الفجوة بين الجنسين بنسبة 3.6%، وفي عام 2018، كان هناك انخفاض بنسبة 0.03% فقط، مما يدل على “التقدم البطيء للغاية”، لكن الاتجاه العام كان إيجابيًا، فمن بين 144 دولة تمت تغطيتها في عامي 2017 و2018، أغلقت 89 دولة فجوة واحدة على الأقل بين الجنسين.
من بين المؤشرات الفرعية، فجوة الفرص الاقتصادية بين الجنسين، وهي الفجوة التي ستستغرق أطول وقت لإغلاقها تمامًا (بعد 202 عامًا)، ويستمر السقف في الارتفاع مع استمرار تجاهل النساء في الوظائف الإدارية أو الأدوار الرسمية العليا، عندما تتوفر البيانات، فإنها تكشف أن ثلث (34%) من المديرين العالميين من النساء.
في الثورة الصناعية الرابعة التي تهدد ملايين الوظائف، هناك أيضًا فجوة كبيرة بين الجنسين في مهنيي الذكاء الاصطناعى، حيث تبلغ نسبة الإناث 23% فقط، مقارنة بنسبة 77% من الذكور، مما يؤدي إلى وجود فجوة بين الجنسين لم يتم إغلاقها بعد بنسبة 70%.
وفي التمكين السياسي، تتطلب الفجوة بين الجنسين الآن 107 أعوام أخرى لإغلاقها، مما يعكس انخفاض عدد النساء في جميع الأدوار السياسية، وخاصة كرئيسات للدولة، فبحسب تقرير منتدى الاقتصاد العالمي، ثمة 18% فقط من الوزراء من النساء، وفي 6 من 149 دولة، لا توجد نساء في مناصب وزارية على الإطلاق.
ويذكر التقرير أنه تم انتخاب معظم النساء في مناصب رئيس الدولة في العقد الماضي، وعلى الرغم من هذه التطورات الأخيرة، لا تزال هناك 17 امرأة فقط رئيسة دولة أو رئيس وزراء في 149 دولة في عام 2018، بما في ذلك رئيسة وزراء رومانيا فاسيليكا فيوريكا دانسيلا التي اُنتخبت العام الماضي.
لكن الخبر السار أن الفجوة بين الجنسين الخاصة بالتعليم تبلغ 5% فقط في المتوسط، ويمكن سدها في 14 عامًا فقط، استنادًا إلى الاتجاهات الحاليّة، في حين يمكن اعتبار الفجوة بين معدلات البقاء على قيد الحياة وأثرها على الصحة والنمو والنماء “مغلقة فعليًا في معظم البلدان”.