“بات من السهل الضحك على عقول التونسيين ومغالطتهم”، بهذه الكلمات يمكن وصف المشروع الضخم لـ”عيش تونسي”، واحدة من جمعيات المجتمع المدني التي ظهرت في تونس خلال العام الأخير، وقلبت المشهد رأسًا على عقب، بعد أن نجحت في جلب الأنظار من كل حدب وصوب، حتى صارت حديث طيف واسع من الشعب التونسي من مختلف الطبقات الاجتماعية.
“عيش تونسي” التي أبت إلا أن تدخل بيوت التونسيين عنوة في شهر رمضان الحاليّ، من خلال ومضات إشهارية مدفوعة في كبرى القنوات التلفزية في أوقات الذروة، بالاستعانة بنجوم الفن والإعلام، ليست مجرد حملة بريئة كما كان يظن كثيرون، بعد أن نظمت الصيف الماضي مهرجانات جماهيرية في أكثر من مكان، بمناسبة خوض منتخب تونس لكرة القدم مبارياته في دور المجموعات من كأس العالم، التي كان أضخمها احتشاد أكثر من 10 آلاف تونسي بمسرح الجم التاريخي في 18 من يونيو 2018، يوم مباراة تونس ضد المنتخب الإنجليزي.
بعد النجاح الكبير الذي عرفته المهرجانات الجماهيرية الرياضية التي نظمتها “عيش تونسي”، بدأ القائمون على الحملة بالظهور في وسائل الإعلام المحلية في حوارات إذاعية عديدة، اتضح من خلالها عدم براءة هذه الحملة وتخطيط سيدتها الأولى ألفة تراس، لدخول الساحة السياسية من بابها الواسع، بعد أن نشرت “عيش تونسي” وثيقة سمتها “وثيقة التوانسة”، صادق على بنودها الـ12 أكثر من 400 ألف تونسي، وتضمنت 12 إجراءً استعجاليًا، أهمها نزع الامتيازات التي يتمتع بها السياسيون.
خلال الأسابيع الأولى لإطلاق “وثيقة التوانسة” لم يهتم كثيرون بهذه الحملة وظنوا أنها عابرة ومضيعة للوقت، لكن سرعان ما تغيرت الأمور، بعد أن ملأت معلقات “عيش تونسي” الشوارع الكبرى للولايات التونسية، وبعد أن غزت اتصالات الحملة المتكررة ومنشوراتها المدفوعة على شبكات التواصل الاجتماعي هواتف التونسيين وحساباتهم الإلكترونية.
بعد فترة وجيزة، نجحت الحملة في التعريف بنفسها وبأن تكون محور حديث التونسيين الذين أصبح عدد كبير منهم يتحدثون عن مضمونها ويتبنون مشروعها، مع الاستعداد لانتخاب أعضائها ومؤازرتهم خلال الانتخابات المقبلة إذا ترشحوا، بزعم أن “عيش تونسي” ستغير حياتهم نحو الأفضل وستتمكن من اجتثاث الفساد ومحاسبة الفاسدين.
تعرف الحملة في موقعها الرسمي عن نفسها بأنها “تجمع التونسيين الذين يريدون العيش والمقتنعين بأن الحل لا يمكن أن يأتي من السياسيين الموجودين بمناصبهم اليوم والهدف من تأسسها هو جمع التونسيين الطامحين لمستقبل أفضل لهم ولعائلاتهم والمستعدين لاختيار طريق جديد، بعيدًا عن تجاذبات الأحزاب”.
لم تقدم “عيش تونسي” تفاصيل واضحة عن مصادر تمويلها، إلا أن المطلعين يعلمون جيدًا أن زوج مؤسسة الحملة ألف تراس، رجل الأعمال الفرنسي غيوم رامبورغ، المقرب من رئيس فرنسا الحالي إيمانويل ماكرون، هو الداعم السخي لزوجته
وعن سبب إنشائها، تضيف الحملة أن ذلك “بسبب وصول البلاد لحالة كارثية، ولأن السياسيين غير قادرين على التغيير، والوضع يتطلب جوابًا حاسمًا، ولأن أسباب الوضع الاقتصادي والوضع الاجتماعي الذي تعيشه البلاد بسبب الطبقة السياسية التي لا تملك لا الكفاءة ولا الإرادة لتعتني بالتونسيين، التي جرفت البلاد في 7 سنوات للهاوية…”.
رغم دعوتها للشفافية والمحاسبة ومحاربة الفاسدين، لم تخبر “عيش تونسي” التونسيين بمن يقف خلف تمويلها وإنفاقها لملايين الدولارات خلال العام الأخير في حملاتها الإعلامية والاتصالية والميدانية، حتى إن هذا السؤال أصبح يؤرق المسؤولين عن هذه الحملة، الذين لم يقدموا إلى حد اللحظة إجابات كافية وشافية عن مصادر الأموال الطائلة التي يتم إنفاقها.
لم تقدم “عيش تونسي” تفاصيل واضحة عن مصادر تمويلها، إلا أن المطلعين يعلمون جيدًا أن زوج مؤسسة الحملة ألف تراس، رجل الأعمال الفرنسي غيوم رامبورغ، المقرب من رئيس فرنسا الحاليّ إيمانويل ماكرون، هو الداعم السخي لزوجته، بهدف تحقيق حلمها بالدخول للحياة السياسية في تونس وبأن تصبح أول امرأة ترؤس البلاد.
طمع “عيش تونسي” بدخول الحياة السياسية والمشاركة فيها من خلال الانتخابات البرلمانية والرئاسية المقبلة، دفعها لارتكاب أخطاء اتصالية كبرى، وهتك المعطيات الشخصية لشريحة واسعة من الشعب التونسي اشتكت على مواقع التواصل الاجتماعي من الاتصالات العشوائية التي يتلقونها من القائمين على الحملة، ما دفع هيئة حماية المعطيات الشخصية لدعوتها إلى وضع حد لهذه الخروقات التي من شأنها أن تجعلها عرضة لتتبعات جزائية.
يمكن القول إن صاحبة “عيش تونسي” ألفة تراس، نجحت في تخطي القوانين الصارمة التي تمنع الأحزاب السياسية من تلقي تمويلات أجنبية، من خلال اقترابها من تحويل الجمعية المدنية التي أنفقت عليها ملايين الدولارات، لمشروع سياسي متكامل
يبدو أن مخطط “عيش تونسي” أصبح واضحًا قبل نحو 5 أشهر من الانتخابات البرلمانية المقبلة، ولعل السرعة القصوى والأموال الطائلة المصروفة لأجل تحقيق هذا المخطط، تؤكد أن الحملة تهدف من خلال ما سمتها “وثيقة التوانسة”، بالحصول على تفويض شعبي لكي تتحول من جمعية مدنية إلى حزب سياسي مؤثر في الحياة السياسية.
مهما كانت نتائج هذه الاستشارة “الشعبية” التي انتهكت فيها المعطيات الشخصية، يمكن القول إن صاحبة “عيش تونسي” ألفة تراس، نجحت في تخطي القوانين الصارمة التي تمنع الأحزاب السياسية من تلقي تمويلات أجنبية، من خلال اقترابها من تحويل الجمعية المدنية التي أنفقت عليها ملايين الدولارات، لمشروع سياسي متكامل، بدأ غامضًا، وقد ينتهي كذلك بسبب انعدام الشفافية في دولة صار فيها استغباء التونسيين بضاعة رائجة لمن هب ودب.