شهدت السنوات الأخيرة تزايد مظاهر الكراهية الموجهة نحو اللاجئين السوريين في تركيا الذين فاق عددهم 3.5 مليون نسمة، موزعين على مختلف المحافظات والمدن التركية، ويرجع قسم كبير من ذلك إلى الاضطرابات الاقتصادية التي تشهدها البلاد منذ محاولة الانقلاب العسكري عام 2016، وما نتج عنها من مشاكل اقتصادية كارتفاع معدلات البطالة والأسعار وتقلب أسعار صرف الليرة التركية أمام الدولار، الأمر الذي انعكس على حياة المواطن التركي بالسلب.
بالإضافة إلى ذلك شهدت البلاد منذ العام 2017 أربعة استحقاقات انتخابية (الاستفتاء على التعديلات الدستورية والانتخابات الرئاسية والبرلمانية بالإضافة إلى الانتخابات المحلية) شكل الوجود السوري فيها مادة دسمة للتحريض والتجييش من أحزاب المعارضة التي رأت فيه شاخصًا لمهاجمة سياسات حزب العدالة والتنمية الذي بدوره يسعى إلى جسر الهوة بين المواطنين الأتراك واللاجئين السوريين مستخدمًا عددًا من الأدوات والوسائل على رأسها التليفزيون والسينما لما تملكه من مكانة لدى عموم الشعب التركي، حيث ظهرت عدد من الأعمال الفنية والتليفزيونية التي سعت لتقريب وجهات النظر وتقديم سرديات تلامس معاناة الشعب السوري نتيجة الحرب المستعرة منذ العام 2011.
الدراما التركية
ركزت الأعمال التليفزيونية التي تناولت اللاجئين السوريين في تركيا على تقديم سردية إنسانية للوجود السوري ودحض الصورة النمطية المتكونة لدى شرائح من المجتمع التركي عن اللاجئ السوري الذي لصقت فيه عددًا من التهم الجاهزة خاصة تلك المتعلقة بالسلوك الإجرامي.
ففي الحلقة 343 من المسلسل البوليسي المشهور الزقاق الخلفية “Arka Sokaklar” يتعرض بيت عائلة سورية للتدمير والتخريب من جموع تركية غاضبة على خلفية اتهام الشاب السوري حسين بقتل واغتصاب حبيبته التركية جانا بعد أن رفضت العائلة التركية تزوجيه إياها، فيقتل الأب في الحادثة ويحرق منزل العائلة السورية، لكن الأحداث تتكشف لاحقًا وتتضح براءة العائلة والشاب السوري من الجريمة، حيث توضح الحلقة مدى الصورة النمطية السائدة بشأن الوجود السوري في تركيا ومدى الضرر الذي يتعرض له اللاجئ السوري نتيجة لها.
مقطع من الحلقة 343 من مسلسل “Arka sokaklar
ويتعرض المسلسل البوليسي “Bozkır” لنفس المسألة، أي اتهام اللاجئين السوريين بارتكاب الجرائم ليتبين لاحقًا أن مرتكب الجريمة لم يكن لاجئًا سوريًا وأن اتهام اللاجئين السوريين بهذه الجرائم ناجم عن صورة نمطية غير موضوعية.
تريلر الحلقة الأولى من مسلسل “Bozkır”
أما مسلسل حديقة الحب “Sevda Bahçesi“، فيتناول قسوة الظروف التي يعانيها اللاجئون السوريون التي دفعت أستاذ الموسيقى للعمل نادلًا في مطعم تركي وتكتشف مالكته ذلك لاحقًا الأمر الذي يساهم في تغير نظرتها وأفكارها تجاه اللاجئين. يقدم المسلسل اللاجئ السوري بصورته الحقيقة كإنسان يمتلك من المواهب والإمكانات الكثير، لكن ظروف الحرب والتهجير والسعي للبقاء طافيًا فوق سطح الحياة دفعته للعمل في كل المهن التي تضمن له الحد الأدنى من المعاش الكريم.
إعلان مسلسل حديقة الحب
فيلم “درعا” وسردية الثورة السورية
يتناول فيلم درعا “Kardeşim İçin Der’a ” أحداث مدينة درعا التي انطلقت منها شرارة الثورة السورية، فيروي حكاية الطفل السوري حمزة الخطيب الذي قتل تعذيبًا على يد عناصر النظام السوري بعد كتابته لشعارات سياسية على جدار مدرسته برفقة عدد من الأطفال، ويروي الفيلم موقف النظام السوري وتعنته وتفضيله الدائم للحل الأمني والعسكري في مواجهة شعبه.
ولم تقتصر حكاية الفيلم على السردية العامة بل تطرق لتفاصيل حياة الشعب السوري الذي رفض الاستسلام لآلة الحرب والموت من خلال تناول حياة أبطاله بما فيها من حب وتضحية.
الإعلان الخاص بالفيلم
يسعى الفيلم بالدرجة الأساسية لنقض فكرة خاطئة لدى الجمهور التركي قائمة على أن السوريين تركو بلادهم لمصيرها وفروا، حيث يوضح الفيلم مدى بشاعة الحرب وفداحة التضحية التي بذلها الشعب السوري في سبيل حريته، فيصور الفيلم بطش وإجرام النظام وصبر الشعب السوري وقابليته العالية للتضحية في سبيل حريته.
فيلم درعا “Kardeşim İçin Der’a ” المنتج عام 2018
أنتج الفيلم بمساعدة ودعم وزارة الثقافة والسياحة التركية وهيئة الإذاعة والتليفزيون التركية “TRT” حيث صورت أحداث المسلسل في مناطق شمالي سوريا وتحديدًا في مدينة جرابلس والباب وغيرها.
الفيلم من إخراج مراد أونبول “murat onbul” وبطولة الفنان إيلكر كيزماز “ilker kizmaz” والفنان جيم أوتشان “cem uçan“.
فيلم “الضيف” ورحلة السفر السوري
حمل الفيلم اسم مسافر “misafir” أي الضيف باللغة التركية، فمسمى الفيلم ذو دلالة مزدوجة، فمن ناحية السوري هو مسافر في رحلة بلا نهاية – فكل رحلة لا يكون الوطن نهايتها هي رحلة إلى المجهول، أما للتركي فهو الضيف المقيم وللضيف واجبه المحدد.
يعد فيلم “الضيف” من أكثر الأعمال الدرامية واقعية وقربًا من مأساة الشعب السوري التي أخذ التشرد في أصقاع الأرض الجزء الأكبر من حكايتها، فيسلط الفيلم الضوء على الفئة الأكثر ضعفًا وتضررًا من الحرب وويلاتها من خلال سرد حكاية سيدة سورية تجد نفسها مسؤولة عن إيصال ثلاثة أطفال إلى أحد أقاربهم في أوروبا بعد أن فقدوا عائلتهم تحت أنقاض منزلهم.
يقارب الفيلم رحلة اللاجئ السوري وما يلاقيه من صعوبات وتحديات بدءًا من قطعه الحدود السورية التركية، وصولًا لمدينة إسطنبول حيث يواجه مشاكل الإقامة القانونية والعمل واللغة وليس انتهاءً بشواطئ بحر إيجه وركوب قوارب الموت المبحرة إلى مجهول يسمى أوروبا.
إعلان الفيلم
عند سؤال مخرجة وكاتبة الفيلم المخرجة التركية أنداج خزندار أوغلو عن الرسالة الأساسية التي يريد الفيلم إيصالها للمشاهد التركي والعالمي أجابت أن الرسالة الأساسية تكمن في أن اللاجئين أصبحوا حقيقة في هذا العالم الذي يجب عليه تقبل وجودهم كما تقبل فكرة الحرب ذاتها، أما المشاهدون الأتراك فقد طالبتهم بتخيل مذاق الحرب قبل الحكم على اللاجئين، فلا يمكن لأب تسقط على رأس أولاده القنابل والقذائف البقاء متفرجًا.
شارك في بطولة الفيلم عدد من الممثلين الأتراك والعرب على رأسهم الممثلة الأردنية صبا مبارك والطفلة روان سكاف والفنانة التركية الشهيرة شبنيم دونميز.
حاز الفيلم جائزتي “أفضل فيلم” و”أفضل ممثلة” في مهرجان أفلام طريق الحرير بدبلن، ومهرجان الأفلام العربية في مالمو بالسويد، وفي تركيا، نال الفيلم “جائزة المشاهدين” في مهرجان أنطاليا للأفلام، وأفضل فيلم وقصة في مهرجان البسفور.
تريلر الفيلم