شهد الأسبوع الـ28 من الدوري التركي لقاء فريقي بشكتاش واسطنبول باشاك شهير على أرض ملعب بشكتاش المعروف بفودافون ارينا. انتهى اللقاء بفوز فريق بشكتاش بنتيجة هدفين لهدف، لكن المثير في المباراة كان حضور مرشح حزب الشعب الجمهوري أكرم إمام أوغلو للمباراة في ظل حالة الاستقطاب التي صاحبت الانتخابات البلدية في اسطنبول، حيث صاحت جماهير نادي بشكتاش بهتافات تطالب بتسليم وثيقة الفوز لاكرام امام أوغلو مرشح حزب الشعب الجمهوري نكاية بنادي بشاك شهير المعروف بقربه لحزب العدالة والتنمية، الأمر الذي أعاد الجدل السياسي لميدان كرة القدم من جديد.
كرة القدم في تركيا: من السلطنة إلى الجمهورية
تعرف الأتراك على كرة القدم في القرن التاسع عشر من خلال الفرق الرياضية التي تأسست على يد الاجانب و الأقليات الغير مسلمة وظهرت في المدن الساحلية كإزمير وسالونيك واسطنبول، كفريق الجوارب السوداء “Black Stockings FC” الذي تأسس على يد الإنجليز، وفريق أبولون “Apollon” الذي تأسس على يد مجموعة من اليونانيين، وفريق دورك “Dork” الذي تأسس على يد مجموعة من الأرمن. لاقى الوافد الجديد على المجتمع العثماني ترحيباً بارداً فُنظر الى كرة القدم كتقليد غربي يجب الحذر من التعاطي معه، فتعرضت اللعبة لحظر تارة والتضيق تارة اخرى، وظلت لفترة محصورة بين الاجانب و الأقليات الغير مسلمة.
أولت جمعية الاتحاد والترقي اهمية لكرة القدم، حيث أشرف طلعت باشا أحد الشخصيات الثلاث الحاكمة في الجمعية على تأسيس عدد من الاندية التي طغى عليها الطابع القومي
ومع بداية المشروعية الثانية عام 1908م، بدأ الاهتمام بكرة القدم يتصاعد ما بين مواطني الدولة العثمانية فاصبحت الرياضة الاولى بينهم، وظهرت في تلك الفترة عدد من الفرق الرياضية الوطنية التي ضمت عدد من اللاعبين الأتراك. أولت جمعية الاتحاد والترقي اهمية لكرة القدم، حيث أشرف طلعت باشا أحد الشخصيات الثلاث الحاكمة في الجمعية على تأسيس عدد من الاندية التي طغى عليها الطابع القومي.
فتم تأسيس نادي ” التاي” في مدينة إزمير، كما تم شراء نادي بروخوس “Progres” الذي تم تغيير إسمه الى الجيش الذهبي ” Altınordu“، لكن تدخل جمعية الاتحاد والترقي في كرة القدم لم يقتصر على ذلك، فخلال الحرب العالمية سيق لاعبي الفرق الرياضية الأخرى المنافسة الى الجبهة فيما أعفي لاعبي الفرق التابعة للجمعية من التجنيد الأمر الذي منحها فرصة كسب البطولة في أكثر من مناسبة.
صورة لفريق غلطة سراي تعود لعام 1910م.
شكل قيام الجمهورية فرصة استفادت منها كرة القدم التركية، حيث أولت الجمهورية الناشئة اهتماماً بالرياضة التركية بعد سنوات طويلة من الحروب، استنزفت فيها طاقات البلاد الاقتصادية والبشرية.
شهدت الفترة من قيام الجمهورية حتى الانتخابات التعددية عام 1950 هيمنة حزب الشعب الجمهوري على كرة القدم التركية فأصبح جميع اللاعبين أعضاء طبيعيين في الحزب بالاضافة الى ادارات الاندية والفرق، وشهدت هذه الفترة تأسيس ناد جديد حمل اسم نادي الشمس “güneş” استطاع بفضل دعم السلطات وخاصة مؤسس الجمهورية مصطفى كمال أتاتورك استقطاب عدد من لاعبي الأندية القوية كبشكتاش وغلطة سراي وفنربخشة الأمر الذي مكنه من حصد عدد من البطولات والألقاب، إلا أن رحلة النادي انتهت بوفاة مصطفى كمال أتاتورك.
ومع دخول تركيا عصر التعددية السياسية عام 1950 ازدادت جرعة التسييس الموجهة لكرة القدم التركية، بفعل مساعي الأحزاب التركية لاسترضاء الفرق الرياضية لكسب دعم مناصريها، ودخولها على ميدان التنافس لرئاسة الأندية الرياضية.
بعد انقلاب عام 1960 فرض النظام العسكري على الفرق الرياضية دعم خطوته وانقلابه على السلطة، في الصورة يظهر لاعبو فريق بشكتاش وهم يشكلون اسم قائد الانقلاب حمال جورسال.
دخلت كرة القدم في منعطف حاد بعد انقلاب أيلول 1980، فأصبحت كرة القدم محل اهتمام الأتراك الذين اتعبتهم سنوات العنف السياسي الداخلي بالاضافة لحالة التجريف التي تعرضت لها الحياة السياسية التركية، شجع العسكر والسياسيين الأتراك هذا التوجه، فعندما سئل رئيس الوزراء تورجوت أوزال عن أزمة المعتقلات التي امتلأت بالمساجين رد قائلاً : ” دعوكم من السجون والمعتقلات انظروا الى فريق غلطة سراي!”.
فريق إسطنبول باشاك شهير: بوابة حزب العدالة والتنمية لكرة القدم التركية
تأسس فريق اسطنبول باشاك شهير عام 1990 كفريق هواة يتبع لبلدية اسطنبول في منطقة باشاك شهير التي تتركز فيها الطبقة الوسطى المحافظة من الأتراك. تولى رئاسة الفريق عدد من الشخصيات أهمها الرئيس التركي رجب طيب أردوغان في الفترة من عام 1994 حتى عام 2000 استطاع خلالها النادي تحقيق تقدماً على المستوى الكروي، ليتحول النادي بعد ذلك الى هيئة وكيان مستقل عن بلدية اسطنبول عام 2014 تحت رئاسته زوج ابنة أخ زوجة الرئيس التركي رجل الأعمال جوكسال جوموشداغ (Göksel Gümüşdağ).
الرئيس التركي رجب طيب أردوغان بزي الفريق عام 1994.
استطاع الفريق في السنوات الأخيرة بفضل الدعم المالي من شركات مقربة من حزب العدالة والتنمية استقطاب عدد كبير من النجوم الأتراك على رأسهم نجم نادي برشلونة السابق والمنتخب التركي أردا توران، مما مكن الفريق من تحقيق نتائج في غاية التقدم فكاد أن يخطف لقب الدوري التركي في الموسم الماضي من نادي غلطة سراي العريق، حيث حل ثانياً متقدماً على فرق تركية عريقة كبشكتاش وفنربخشة وطرابزون سبور.
ويتخذ نادي اسطنبول باشاك شهير من استاذ فاتح تريم الواقع في منطقة باشاك شهير والذي يتسع لأكثر من 17 ألف متفرج ملعباً له.
روابط مشجعي الاندية التركية ( التراس)
تشتهر الأندية التركية وخاصة أندية مدينة اسطنبول ( بشكتاش، غلطة ساري، فنربخشة) بروابط مشجعيها ( taraftar) المنتشرة على طول الجمهورية التركية والتي تقدر بملايين الأشخاص الذي يجمعهم تشجيع ومناصرة فريق معين، بالاضافة الى تقارب معين في الأفكار والتوجهات.
أصبحت هذه الروابط محط نظر الأحزاب التركية التي سعت الى ارضائها واستقطابها طمعاً في اصواتها تارة أو حتى اتقاءً من غضبها. حيث سبق وان كانت جزء من حركات احتجاجية ، فخلال أحداث غيزي بارك عام 2013 شاركت روابط مشجعي نادي بشكتاش وفنربخشة بفعالية في المظاهرات التي شهدتها مختلف المدن التركية.
أعضاء ألتراس نادي بشكتاش المعروف باسم ” تشارشي ” خلال أحداث غيزي بارك.
لم تسلم لعبة كرة القدم التركية من تدخل السياسية التركية منذ ظهور اللعبة في الدولة العثمانية أواخر القرن التاسع عشر. فلم تكتفي القوى السياسية بضبط الإيقاع العام للعبة بما يتناسب مع مستلزمات النظام السياسي بل تعدتها للتدخل في تفاصيل اللعبة والسعي للتأثير على نتائجها التفصيلية.
يحظى نادي اسطنبول باشاك شهير بنفس المعاملة والرعاية والدعم من الرئيس التركي، ولا تقتصر تدخلات الساسة الأتراك في رياضة كرة القدم على حزب السلطة بل يشمل كذلك احزاب المعارضة التي تعمل على توظيف مدرجات كرة القدم لصالح خطابها السياسي والايدلوجي
بدءً من جمعية الاتحاد والترقي التي أسست عدد من الأندية حظيت بمعاملة تفضيلية من السلطات في ذلك الوقت وصولاً لمصطفى كمال أتاتورك الذي عمل على تأسيس نادي الشمس بعد أن استقطب قسم كبير من لاعبي نادي غلطة سراي حيث حظي النادي برعاية الرئيس إلا انه زال واختفى بعد وفاته،
وحالياً يحظى نادي اسطنبول باشاك شهير بنفس المعاملة والرعاية والدعم من الرئيس التركي، ولا تقتصر تدخلات الساسة الأتراك في رياضة كرة القدم على حزب السلطة بل يشمل كذلك احزاب المعارضة التي تعمل على توظيف مدرجات كرة القدم لصالح خطابها السياسي والايدلوجي كما جرى في أكثر من حادثة ولقاء، الأمر يطرح تساؤلاً هاماً حول قدرة كرة القدم التركية على تجاوز تجاذبات السياسة والبقاء بعيداً عنها؟