عندما يقترب العيد في الجزائر, تتفاقم الأوجاعُ والهُموم على رؤوس الفقراء, فتجرح مشاعر وكرامة من لا حول ولا قُوة ولهم, عندما ترى أعينهم جيرانهم يبحثون عن ثياب العيد لأبنائهم, فيُهد كيانهم بسبب عجزهم عن إدخال الفرحة في قُلوب أبنائهم.
الألبسة المستورد حلم صعب المنال
هذا هو حال الفقراء الذين لم تعد جيوبهم تتحمل تفاقم النفقات وغلاء الأسعار بسبب تراجع قيمة العُملة المحلية مقارنة بالعملة الصعبة حيث فقدت هذه الأخيرة مُنذ بداية حراك الجزائر في 22 فبراير/ شباط الماضي حوالي 17 في المائة من قيمتها.
شاحب الوجه من كثرة التعب والتفكير، يتجول بين محل وآخر في مدينة الرويبة ( تقع في الضاحية الشرقية من الجزائر العاصمة ) معروفة بانتشار محلات بيع الألبسة الفخة, بحثا عن ألبسة العيد لأطفاله الخمسة بسعر معقول يتوافق وراتبه الشهري الذي لا يتجاوز 32 ألف دينار جزائري أي ما يُعادل 290 دولارًا, يقول وليد ( موظف في إحدى الشركات الخاصة في المنطقة الصناعية الرويبة ) في تصريح لـ ” نون بوست ” وملامح الخيبة تغطي وجهه الشاحب إن ” الأسعار جد مرتفعة هذا العام، فالولد الواحد من أبناءه الأربعة يكلفه حوالي 100 دولارًا أي حوالي 11 ألف دينار جزائري وهو تقريبا نصف راتبه الشهري “, ويضيف قائلا إن راتبه لا يكفيه لتوفير جميع متطلبات العيد كاقتناء لوازم حلوى العيد التي تعتبر من بين التقاليد التي يتمسك بها الجزائريين, واضطر وليد للاقتراض من أحد أصدقائه ليُغطي بها النفقات المُتبقية.
وفي وقت فضل وليد تكبَد معاناة توفير اللباس لأطفاله الصغار ” مرام ” و ” وئام ” و ” رحيم ” و ” محمد “, اختار ” خالد ” (موظف وأب لثلاثة أطفال ) الاستغناء عن الألبسة المُستوردة من تُركيا وإيطاليا وإسبانيا والصين، التوجه نحو سوق صغير للألبسة المُستعملة أو ما يُسمى بـ ” الفريبري ” أي ” السعر الحر ” في مدينة الرغاية تلجأ إليه العديد من العائلات الجزائرية لشراء ملابس مُستعملة بأثمان مُنخفضة.
كان بنك الجزائر قد كشف في مذكرة حول الوضع السداسي الثاني من عام 2018, عن انخفاض قيمة الدينار الجزائري بنسبة 4.15 بالمائة أمام الأورو وبنسبة 8.3 بالمائة أمام الدولار الأمريكي، خلال نهاية السنة الماضية.
الثياب المستعملة وجهتهم
يقول خالد الذي صادفناه وهو يبحث وسط كومة من الثياب المُستعملة مُعظمها جاءت من دول أوروبية كفرنسا وإيطاليا وإسبانيا، تُشترى عن طريق ” البالا ” من تُجار الجملة في الحدود الشرقية كمحافظة تبسة شرق الجزائر, إن راتبه الشهري لا يتعدى 130 دولارًا أمريكي وأنه غير قادر على توفير ثياب لأطفاله الثلاثة, ويشير إلى أن الملابس المُستعملة يكون سعرها منخفضًا مُقارنة بـ ” الجديدة ” لا يتعدى 200 دينار جزائري و هو ما يعادل 3 دولار أمريكي ما يسمح لأي شخص باقتناء أكثر من قطعة للطفل الواحد.
تهاوي الدينار وراء ارتفاع الأسعار
اقتربت ” نون بوست ” من أحد تجار الألبسة الجديدة في قهوة شرقي لمعرفة أسباب ارتفاع أسعار ألبسة العيد, وقال محمد تاجر في السوق المغطاة بالرويبة إن انخفاض الدينار الجزائري ( العملة المحلية ) أمام الأورو والدولار الأمريكي, فالتاجر على حد قوله يتكبد خسائر كبيرة إضافة إلى ارتفاع الرسوم على استيراد الملابس خلافًا للسنوات الماضية, لأنَ أغلب المستوردين يجلبون سلعهم من الصين وتايلاند وتركيا وإيطاليا وإسبانيا وفرنسا.
وكان بنك الجزائر قد كشف في مذكرة حول الوضع السداسي الثاني من عام 2018, عن انخفاض قيمة الدينار الجزائري بنسبة 4.15 بالمائة أمام الأورو وبنسبة 8.3 بالمائة أمام الدولار الأمريكي، خلال نهاية السنة الماضية.
أصبحت التحديات المالية أكثر ضخامة بالنسبة للأسر, وتبدأ من حُلول شهر رمضان ثم موسم الصيف ومباشرة بعدها عيد الأضحى وأخيرًا الدخول المدرسي, وكل هذه النفقات أصحت تُشكل عبئا ثقيلا مع تراجع القدرة الشرائية للمواطن الجزائري
10 بالمائة نسبة الزيادة
وحول هذا الموضوع تحدث عضو في المنظمة الجزائرية لحماية وإرشاد المستهلك سمير القصوري, في حديثه مع ” نون بوست ” عن ظاهرة شراء العائلات لملابس العيد قبل أوانها بشكل كبير في السنوات القليلة الماضية لأسباب ثلاثة والمتمثلة أولا في فقدان ثقة المستهلك في وفرة الملابس، بالإضافة إلى خوفهم من التحكم في أسعار هذه الأخيرة واستقرارها بينما يتمثل السبب الثالث في عدم قدرة بعض أرباب العائلات على التفرغ لشراء الملابس وجعلها ضمن أولوياته خلال أيام الشهر الفضيل فضلا عن عدم تفويته لفرصة وجود المنتوجات ذات النوعية الجيدة خلال الأيام القليلة قبل رمضان والتي قد تنعدم خلال الأيام الأخيرة قبل عيد الفطر.
وقال إن الملابس الخاصة بالأطفال دون الخمس سنوات عرفت ارتفاعا محسوسا على مستوى الأسعار، وهذا ما لمسته المنظمة الجزائرية خلال جولة قامت بها في مختلف المحلات الخاصة ببيع الملابس وأحذية الأطفال في بعض المناطق في الجزائر العاصمة.
وأكد المتحدث أن نسبة الزيادة بما لا يقل عن 10 بالمائة، ويشير إلى أن غلاء أسعار ملابس العيد لا يتماشى إطلاقا مع القدرة الشرائية للمواطن الجزائري في ظل الوضع الراهن وانخفاض قيمة الدينار الجزائري،
وأشار سمير القصوري إلى لجوء بعض العائلات إلى استهلاك من نوع خر وهو ذلك المكنى بـ “الشفون” أي الملابس المستعملة رغم خطورتها على المستهلكين الذين وقع بعضهم ضحايا لأمراض عديدة كالأكزيما مثلا التي نتجت عن إقبال المستهلك على اقتناء الملابس الداخلية وبعض الأحذية المستعملة.
التضخم يستنزف جيوب الجزائريين
وأصبحت التحديات المالية أكثر ضخامة بالنسبة للأسر, وتبدأ من حُلول شهر رمضان ثم موسم الصيف ومباشرة بعدها عيد الأضحى وأخيرًا الدخول المدرسي, وكل هذه النفقات أصحت تُشكل عبئا ثقيلا مع تراجع القدرة الشرائية للمواطن الجزائري وارتفاع نسبة التضخم الذي أصبح يستنزف جيوب المستهلكين بشكل كبير, وحسبما أعلن بنك الجزائر فقد عرف التضخم ارتفاعا طفيفا ليقارب نسبة 4.82 بالمئة شهر أغسطس/ آب، لينخفض بعد ذلك الى نسبة 4.69 شهر سبتمبر/ أيلول ثم الى نسبة 4.27 بالمئة شهر ديسمبر/ كانون الأول 2018.