تعرف المملكة المغربية احتجاجات كبرى، تصدّرها حراك الريف لفترة طويلة، ما جعل باقي الاحتجاجات في تلك المنطقة طيّ النسيان والكتمان، من ذلك احتجاجات ساكنة “إمضير” المتواصلة منذ أكثر من 8 سنوات دون مبالاة من الدولة فالمحتجّ ضدّه منجم للفضة تابع للملك محمد السادس.
العام التاسع فوق معتصم ألبان
لم يكن عيد ساكنة “إضمير” بإقليم تنغير كباقي سكان المملكة المغربية، فقد خرج المئات من سكان المنطقة صباح أمس الأربعاء، إلى جبل “ألبان”، حيث أدوا هناك صلاة عيد الفطر الكريم أو عيد “إسوي” كما يطلق عليه بالأمازيغية.
أداء ساكنة “إضمير” لعيد الفطر في جبل “ألبان” في الأطلس الكبير لم يكن حدثا استثنائيا في تاريخ المنطقة، فهذا العام التاسع الذي تؤدّى فيها صلاة العيد فوق ربوع الجبل الشاهقة، على عكس المعتاد حيث تقام الصلاة داخل القرى والمدن.
تعاني المنطقة أيضا من ارتفاع نسب البطالة، فالفلاحة في تراجع والشركة العاملة في المعادن هناك تستقدم عمال من خارج الجماعة
قالت “حركة على درب 96 إميضر” التي تقود الاحتجاجات بالجماعة، في بلاغ لها بصفحتها الرسمية على موقع التواصل الاجتماعي “فيسبوك”، “تحية العز والكرامة إلى كل من لبّى نداء ألبّان، نداء إميضر الجريحة، من أجل تذكير كل من يهمه الآمر بعدالة قضيتنا”.
وأضافت الحركة في ذات البلاغ، أن عدالة قضيتهم هي التي جعلتهم يعتصمون طيلة هذه السنوات، “والتي من أجلها اخترنا الاحتفال بالعيد وأداء الصلاة في المعتصم مجموعين عوض الصلاة في مصلّيات الدواوير المختلفة”.
الاعتصام الأطول في تاريخ المملكة
أدى ساكنة “إميضر” صلاة عيدهم إلى جانب المعتصمين في الجبل، الذين وصل اعتصامهم عامه التاسع، احتجاجا على ما وصفوه بـ “واقع التهميش والإقصاء” الذي تعيشه المنطقة التي يوجد على أرضها أكبر منجم للفضة بإفريقيا، وفق قولهم.
وإميضر، هي جماعة قروية تابعة لإقليم تنغير ضمن جهة درعة تافيلالت وسط شرق المغرب، بلغ مجموع عدد سكان الجماعة، حسب إحصاءات 2004 حوالي 3936 نسمة يعيشون في 507 أسرة، وتتكون الجماعة من ستّة دواوير وهي (آيت امحند، آيت براهيم، آيت إيغير، إنونيزم، تابولخيرت وإيكيس) تعتبر الفلاحة ورعي الماشية الأنشطة الأساسية للساكنة.
صلاة العيد في جبل ألبان
منذ سنة 2011، دخل ساكنة “إمضير” في اعتصام مفتوح بجبل “ألبان” يعتبر الأطول من نوعه، إلا أنه ليس الأول في تاريخ المنطقة فقد سبقه اعتصامات أخرى. وتفجّر “حراك إميضر” سنة 1986، وأيضا في الـ 26 من كانون الثاني/يناير ،1996 حيث خرجت الساكنة، حينها، رجالا ونساء وأطفالا للتنديد لما وصلت إليه أوضاع منطقتهم الغنية بالثروات من تهميش وإقصاء ممنهج.
وبدأ الاعتصام الأخير منذ صيف سنة 2011، حيث صعد نساء ورجال وشيوخ وأطفال، جاؤوا من مختلف الدواوير المجاورة إلى جبل “ألبان”، في البداية ظنوا أن اعتصامهم لن يتواصل كثيرا وأن الحكومة ستستجيب لمطالبهم، لكن الاعتصام طال وتواصل والحكومات المغربية المتعاقبة غابت وتجاهلت مطالبهم.
تهميش ممنهج
يرفض المعتصمين النزول من الجبل إلى حين إيجاد حل لقضيتهم حول “الأرض والماء” ونهاية صراعهم مع شركة معادن إميضر، التي تُنقب جوار أراضيهم عن مواد خالصة للفضة وتستغل مياه القرية عبر أنابيب عملاقة تتسلق الجبل.
وتعاني هذه المنطقة التهميش والفقر والخصاصة، ذلك أنها تفتقر لأبسط مقومات العيش الكريم، فلا مستشفيات فيها، حيث يوجد في منطقة اميضر مستوصف وحيد تعمل به ممرضة واحدة، وبنت شركة اميتر المستوصف ولكنه كثيرا ما يغلق أبوابه بسبب ما يصفه السكان بجرائم سطو متكررة. ويضطرّ المرضى للسفر 160 كيلومتر على الأقل للوصول لمستشفى ورزازات، وهو الأقرب إليهم.
ويسير التلاميذ مدة تصل ثلاث ساعات أو أكثر في طرقات ترابية غير معبدة، للوصول إلى المدرسة، وهو ما يفسّر ارتفاع نسبة الانقطاع عن الدراسة في تلك الربوع، وضعف نسبة التمدرس هناك، ذلك أن الفقر أيضا ساهم في ضعف الإقبال عن الدراسة.
فضلا عن ذلك، تعاني دواوير جماعة “إميضر” من نضوب المياه بسبب الاستغلال المكثف للماء لمعالجة المعادن هناك، ما أثر بشكل كبير على المنطقة التي تعتبر الفلاحة وتربية الماضية أبرز ركائزها، ما زاد من معاناة الساكنة.
الشركة المستغلّة لهذا المنجم تتبع الهولدينغ الملكي، وهو مجموعة من الشركات التي تستحوذ على أغلب القطاعات الحيوية بالمملكة المغربية
كما يشتكي السكان من استخدام المياه الملوثة بسبب معالجة المعادن، ويقول الأهالي إن تخزين هذه المياه بعد استخدامها لا يستجيب لمعايير السلامة والأمان، وهو ما تسبّب في نفوق المئات من قطعان الماشية التي شربت من هذه المياه.
وتعاني المنطقة أيضا من ارتفاع نسب البطالة، فالفلاحة في تراجع والشركة العاملة في المعادن هناك تستقدم عمال من خارج الجماعة، كما أنها تشغّل بالوراثة، وينص البند السادس من الاتفاقية الجماعية المبرمة سنة 1987 بين النقابات والسلطات المحلية على أنه في حالة وجود مناصب شغل شاغرة تعطى الأولوية لأبناء العمال.
هذا الوضع أدى إلى أ نزوح العشرات من السكان من هناك، وتراجع أعداد الأسر في المنطقة، وسط صمت الحكومة وتواطئها في بعض الأحيان وفق قول الأهالي، فجميع الحكومات المتعاقبة على المغرب لم تكترث للمنطقة ولم تعمل على تنميتها.
ثروات معدنية هائلة
الغريب في الأمر أن هذه المنطقة الفقير تحتوي على أحد أكبر مناجم الفضة في البلاد. وتم الشروع في استغلال المنجم سنة 1969، وتعود ملكيته حاليا إلى “شركة معادن إميضر” (SMI) التابعة لمجموعة “مناجم” التابعة للهولدينغ الملكي“SNI” الشركة الوطنية للاستثمار.
ويقع المنجم على المنحدرات الشرقية لجبال الأطلس في المغرب وهو سابع أكبر منجم ينتج الفضة في العالم، ولكنه في أعين المجتمعات المحيطة به، يعتبر الأكبر خطرا عليهم للأضرار التي يتسبّب فيها لساكنة الجماعة، كما أنه يمثّل رمزا لتركز ثروة البلاد في أيدي حفنة من أصحاب الحظوة بينما يكابد باقي المواطنين الفقر.
تحول الصندوق الاستثماري المملوك للعائلة المالكة في المغرب، لعملاق مالي وصناعي وخدمي يحتكر كُلّ قطاعات الاقتصاد المغربي
تقول حركة على درب 96 إميضر إن المنطقة بالرغم من توفرها على “ثروات معدنية هائلة فإنها تعاني من انعدام أبسط البنيات التحتية والمرافق العمومية الحيوية، كما تعاني من تفاقم نسبة البطالة، وهذا راجع بالأساس إلى إقصاء أبناء الجماعة من العمل بالمنجم، إضافة إلى أن الشركة تقوم باستغلال مياه المنطقة خارج إطار القانون..”
ويتوسط هذا المنجم، وفق الحركة، أراضي جماعة إميضر وتتسرب من معمله مواد كيماوية سامة أهمها مادتي السيانور (السيانيد) والميركور (الزئبق) الخطيرة على الإنسان والأرض والبيئة بشكل عام. وتستغلّ الشركة مساحة تفوق المساحة المكرية بكثير بحيث أن عقد الكراء يحدد لها حق استغلال 25 هكتارا فقط، إلا أنها تجاوزت المساحة المستغلة لتصل إلى عشرات الهكتارات على حساب الأراضي الزراعية والرعوية دون أي تعويض يذكر.
ما علاقة الملك بالموضوع؟
الشركة المستغلّة لهذا المنجم تتبع الهولدينغ الملكي، وهو مجموعة من الشركات التي تستحوذ على أغلب القطاعات الحيوية بالمملكة المغربية مثل قطاع التغذية، الحليب، الزيت، السكر، القطاع البنكي، المعادن، الطاقة المتجدّدة، فضاءات التسويق، التسوق وتوزيع السيارات والصيد البحري، وشركة «ناريفا» في فروع الطاقة المتجددة.
تحول الصندوق الاستثماري المملوك للعائلة المالكة في المغرب، لعملاق مالي وصناعي وخدمي يحتكر كُلّ قطاعات الاقتصاد المغربي، عبر شركات تتبعه تنوّعت استثماراتها، حتى بلغت الأرباح الصافية للشركة في الفترة الممتدة ما بين يناير/كانون الثاني ويونيو/حزيران سنة 2018 أكثر من 600 مليون يورو، أي ما يربو عن 2.11 مليار درهم.
يسيطر الملك على كبرى الاستثمارات في البلاد
سنة 2018، غيّر الصندوق اسمه من الوطنية للاستثمار لتصبح “المدى”، بعدما انتقلت استثماراتها خارج المغرب لنحو 24 بلدًا في عام 2017، وتقترب نسبة أنشطة الشركة خارج المغرب بنسبة 26% في نتائجها لعام 2017 مقابل 11% في 2013 في تأكيد لبعدها العالمي، وفقًا لبيان صادر عنها.
تبيّن هذه الشركة حجم النفوذ المالي الكبير لملك المغرب، إذ بلغ حجم معاملات هذا الصندوق أكثر من 34.32 مليار درهم سنة 2018، وذلك بزيادة بلغت نسبتها 2.74% مقارنة مع السنة السابقة، وتخضع هذه الشركات للملكية المباشرة لملك المغرب وعائلته ما يجعلها دوما بعيدة عن المحاسبة.