منحت اللجنة العليا للانتخابات في الـ18 من نيسان الماضي مرشح حزب الشعب الجمهوري أكرم إمام أوغلو وثيقة الفوز في رئاسة بلدية اسطنبول، بعد تقدمه على مرشح حزب العدالة والتنمية بن علي يلدرم بفارق تقلص من 29 ألف صوت الى ما يقرب من 13 ألف صوت. لكن حزب العدالة والتنمية تقدم باعتراض على مجمل العملية الانتخابية لتقرر اللجنة العليا للانتخابات في الـ6 من مايو الماضي إعادة انتخابات رئاسة بلدية اسطنبول.اعترض تحالف الأمة وحزب الشعب الجمهوري على القرار لكنه اكد على مشاركته في الانتخابات المقررة في 23 حزيران المقبل، فيما شكل القرار فرصة لحزب العدالة والتنمية لتجاوز تراجعه في الجولة السابقة.
1.7 مليون ممتنع عن التصويت!
شهدت الانتخابات المحلية التي أجريت في 31 مارس الماضي تراجعاً واضحاً في نسب المشاركة مقارنة بالانتخابات المحلية السابقة 2014، فبلغت نسبة المشاركة في انتخابات 2019 (83.88%) فيما بلغت نسبة المشاركة في انتخابات عام 2014 ( 89.19%).
وفقاً لدراسة أجراها مركز ” كوندا” فإن النسبة الأكبر من الممتنعين عن التصويت، فضلو عدم الذهاب للتصويت لأسباب سياسية تتجاوز حالات الكسل الانتخابي
جاءت بلدية اسنيورت في صدارة البلديات التي شهدت النسبة الأكبر من الممتنعين عن التصويت بعدد وصل لـ 100 ألف ممتنع، تلتها بلدية كوتشوك تشكمجيه بـ87 ألف ممتنع وكلاهما كانا تحت سيطرة حزب العدالة والتنمية قبل خسارتهم في الانتخابات الحالية، وجاء ترتيب البلديات التي شهدت نسبة مرتفعة من الامتناع عن التصويت كالتالي؛ بلدية باغجلار -تعد من أهم معاقل حزب العدالة والتنمية-، وبندك، والعمرانية ، وبهشلي ايفلار، واوسكودار، جاءت بعدها بلديات قاضي كوي ومالتبه – وكلاهما من معاقل حزب الشعب الجمهوري- ثم جاءت بلدية غازي عثمان باشا التي تصوت في العادة لحزب العدالة والتنمية. ويلاحظ أن 8 بلديات من أصل أول 10 بلديات في نسبة الامتناع عن التصويت فاز بهن حزب العدالة والتنمية في هذه الانتخابات أو الانتخابات السابقة. فجاء 1.066 مليون من الممتنعين عن التصويت من بلديات التي فاز حزب العدالة والتنمية برئاستها، فيما جاء 676.175 الف ممتنع عن التصويت من البلديات التي فاز بها حزب الشعب الجمهوري.
ووفقاً لدراسة أجراها مركز ” كوندا” فإن النسبة الأكبر من الممتنعين عن التصويت، فضلوا عدم الذهاب للتصويت لأسباب سياسية تتجاوز حالات الكسل الانتخابي، في إشارة الى احتجاج الناخبين على سلوك حزب العدالة والتنمية. ووفقاً لذات الدراسة فالنسبة الأكبر من الممتنعين عن التصويت هم من مصوتي تحالف الشعب، حيث انخفضت نسبة المشاركة من جمهور التحالف بمقدار 6 نقاط عن الانتخابات البرلمانية السابقة، و4 نقاط عن الانتخابات الرئاسية.
منذ ظهوره على الحياة السياسية عام 2002، اتخذ حزب العدالة والتنمية مجموعة من السياسات المتنوعة تجاه الأزمة الكردية؛ فعلى المستوى السياسي استطاع حزب العدالة والتنمية التوصل الى تفاهمات سياسية مع حزب العمال الكردستاني وإطلاق ما عرف بإسم “فترة السلام”
المحافظين الأكراد
شكلت الأحزاب والحركات الإسلامية في تركيا أحد أهم الأدوات التي استطاعت تحقيق اختراق في العلاقة ما بين الاكراد والاتراك، فالطرح الإسلامي المتجاوز للمتاهات الاثنية ساهم في تكوين هذه العلاقة وتنميتها، فظهر عدد من السياسيين الأكراد الذين نشطوا في هذه الحركات والأحزاب وشغلوا مناصب مهمة في الدولة والحزب.
منذ ظهوره على الحياة السياسية عام 2002، اتخذ حزب العدالة والتنمية مجموعة من السياسات المتنوعة تجاه الأزمة الكردية؛ فعلى المستوى السياسي استطاع حزب العدالة والتنمية التوصل الى تفاهمات سياسية مع حزب العمال الكردستاني وإطلاق ما عرف بإسم “فترة السلام”، وعلى المستوى الثقافي اقدام حزب العدالة والتنمية على خطوات هامة وجريئة على مستوى الاعتراف بالحقوق الثقافية للأكراد كالسماح بفتح قنوات باللغة الكردية، أما على المستوى الاقتصادي فقد استطاع الحزب تنفيذ مجموعة من السياسات التنموية في المناطق الكردية التي عانت من اهمال الدولة التركية لسنوات طويلة، هذه السياسات وغيرها مكنت الحزب من كسب شريحة معتبرة من الناخبين الأكراد خاصة المحافظين منهم. لكن السنوات الأخيرة شهدت ما يشبه الارتداد عن هذه السياسات خاصة بعد انهيار محادثات السلام مع حزب العمال الكردستاني ومن ثم انزياح حزب العدالة والتنمية للتحالف مع حزب الحركات القومية وما تركه من أثر على خطابه السياسي الذي تجلى في الانتخابات المحلية الاخيرة التي خاضها الحزب تحت شعار ” مسألة البقاء”، هذه السياسات وغيرها سببت غضب لدى شرائح من المجتمع الكردي خاصة المحافظة منها، حيث يقدر عدد الأكراد الذين امتنعوا عن التصويت بما يقرب من 200الف نسمة يتركزون في مناطق اسنيورت، وبندك، وكوتشوك تشكمجيه، وباجلار وسلطان بيلي.
تقوم استراتيجية حزب العدالة والتنمية بالدرجة الاساسية على ترضية الممتنعين عن التصويت خاصة ان جزء كبير منهم من المصوتين التقليديين للحزب الذين أساءهم أدائه على المستوى الإداري والسياسي
الأصوات الملغاة
حملت نسبة كبيرة من الأصوات الملغاة في الجولة الماضية من الانتخابات عددًا من الرسائل لحزب العدالة والتنمية الحاكم، فالكثير من الأوراق الملغاة تم تحميلها بعدد من المطالب جاء في مقدمتها رفع كادر المتقاعدين “”EYT“، تلاه في الأهمية رفع كادر الموظفين العموميين “3600 ek gösterge ” وأخيراً جاء الوجود السوري. أكد الرئيس التركي رجب طيب أردوغان خلال إفطار جمعه مع نواب حزب العدالة والتنمية في مجلس الشعب رفضه الانسياق خلق السياسات الشعبوية، مؤكداً على ضرورة اقناع الناخبين الاتراك بعدالة وحكمة سياسات الحزب، ودعا نوابه الى إبراز مساهمة السوريين في الاقتصاد التركي فيما أكد على ضرورة إدخال تعديلات في قانون التقاعد مع رفضه أن يكون العمر ستين هو سن التقاعد.
استراتيجية الحزب في التعامل مع ما سبق
تقوم استراتيجية حزب العدالة والتنمية بالدرجة الأساسية على ترضية الممتنعين عن التصويت خاصة أن جزءًا كبيرًا منهم من المصوتين التقليديين للحزب الذين أساءهم أداؤه على المستوى الإداري والسياسي فيسعى الحزب إلى ترضيتهم وكسب ودهم من جديد من خلال سلسلة من المحاسبات والتغيرات التي شهدتها بينة الحزب بالاضافة الى وعود الرئيس بإحداث عمليات مراجعة وتدقيق.
أما فيما يتعلق بالناخبين الأكراد فقد اتخذ الحزب عدد من الخطوات والسياسات لإعادة استقطابهم حيث تنشط كوادر وقواعد الحزب في مخاطبة التجمعات والعشائر والمؤسسات الكردية، بالإضافة الى ذلك قد يؤدي قرار الحكومة التركية السماح لمحامي عبد أوجلان بزيارته في سجنه بعد سنوات من المنع في ترضية الناخب الكردي. كما يراهن حزب العدالة والتنمية على قدوم موسم الصيف الذي تنخفض فيه أسعار الخضار والمواد الغذائية التي شهدت ارتفاعاً في أسعارها قبيل الجولة الانتخابية الماضية. كما يعمل الحزب على تجاوز أخطاء الحملة الماضية التي ركزت على الجانب السياسي العام دون أن تخاطب مصالح التجمعات الفرعية، حيث يسعى الحزب الى تقديم خاطب يلائم احتياجات هذه الجماعات والتجمعات.