ترجمة وتحرير فريق نون بوست
خلال هذا الأسبوع، قررت مجموعة من الأطباء العاملين في شماليّ غرب سوريا التوقف عن مشاركة مواقع مستشفياتهم مع الأمم المتحدة، بهدف حماية أنفسهم من التعرض للهجوم. ويتمثل السبب الذي يقف وراء ذلك من أن البعض يخشى أن تكون روسيا قد استخدمت تلك المعلومات لمساعدة قوات بشار الأسد في استهدافهم من خلال الضربات الجوية.
في الواقع، يسلط هذا القرار الضوء على الوحشية التي وصل إليها كل من الأسد وروسيا خلال الأسابيع الأخيرة لكسر آخر معقل للمتمردين في سوريا، إدلب. علاوة على ذلك، يعد هذا القرار بمثابة دليل إضافي على أن الأسد جعل كلا من الأطباء ومرضاهم هدفا رئيسيا في حربه الدموية للتمسك بالسلطة.
وفقًا لمنظمة أطباء من أجل حقوق الإنسان، قصفت الطائرات الروسية والسورية أكثر من 20 مستشفى في المنطقة في شهر أيار/مايو. وفي الوقت نفسه، يقول مراقبو حقوق الإنسان أن الأسد، بمساعدة روسيا، استخدم بشكل عشوائي الذخائر العنقودية المحظورة دوليا والقنابل البرميلية على المدنيين هناك، تاركين المرافق الطبية والمدارس مدمرة. علاوة على ذلك، دفعت الهجمات المتتالية التي استهدفت المرافق الطبية مجموعة من الأطباء الدوليين يوم الأحد إلى دعوة الأمم المتحدة إلى فتح تحقيق فوري حول الطريقة التي أدى بها تبادل الإحداثيات، بدلا من حماية المستشفيات، إلى تدميرها.
هذه الهجمات بمثابة بداية لهجوم أوسع من شأنه أن يغرق محافظة تضم ثلاثة ملايين نسمة في كارثة إنسانية ويزيد من إحكام الأسد لقبضته
في الواقع، أسفرت موجة العنف الأخيرة عن مقتل 270 مدنيا وتشريد ما يقدر بنحو 300 ألف شخص، وفقاً للأطباء العاملين في المنطقة. ومع ضعف المقاومة الهادفة التي يقدمها المجتمع الدولي، يخشى مراقبو حقوق الإنسان والمحللون من أن تكون هذه الهجمات بمثابة بداية لهجوم أوسع من شأنه أن يغرق محافظة تضم ثلاثة ملايين نسمة في كارثة إنسانية ويزيد من إحكام الأسد لقبضته الوحشية على سوريا بعد مرور ثماني سنوات من الحرب.
وفي هذا السياق، قالت سارة كيالي، الباحثة في منظمة هيومن رايتس ووتش في سوريا، إن الهجوم على المقاطعة يشبه المراحل الأولى للهجمات المطولة التي شنت في السابق لاستعادة المناطق التي يسيطر عليها المتمردون على غرار حلب ودرعا. بالإضافة إلى ذلك، قصفت الطائرات الحربية الطرق في جميع أنحاء المنطقة وذلك من أجل تدمير البنية التحتية وخنق المنطقة اقتصاديًا، في حين تقوم طائرات الهليكوبتر بقصف المدن بالأسلحة بما في ذلك القنابل البرميلية (براميل النفط المليئة بالمتفجرات والشظايا).
فضلا عن ذلك، أضافت كيالي لمجلة “فايس” قائلة: “يُبلّغُ السكان عن مئات الغارات الجوية في اليوم، في ظل نزوح جماعي واستخدام الأسلحة المحظورة”. وكما هو الحال مع الحصار الوحشي في حلب وشرقيّ الغوطة، حيث تم توثيق عدد لا يحصى من جرائم الحرب، حظي سلوك الأسد في إدلب بإدانة دولية.
من جهتهم، يقول المراقبون إن سنوات من المعارضة الدولية العنيدة لانتهاكات سوريا قد منحت النظام ومؤيديه شعورا بإمكانية الإفلات من العقاب خلال المراحل اللاحقة من الصراع. وببساطة، تستطيع كل من روسيا وسوريا تجاهل منتقديهما. ففي هذا الأسبوع فقط، استخدمت موسكو حق النقض (الفيتو) في مجلس الأمن لمنع صدور بيان يدين الحملة. وعموما، تعني سنوات العنف الطاحن في الصراع أن إراقة الدماء لم تعد تثير الغضب العالمي نفسه كما كانت في السابق.
عدم اهتمام المجتمع الدولي بالهجوم على إدلب يعد بمثابة دليل على إنتهاك واسع النطاق للصراع السوري
وفي هذا الشأن، صرّحت لينا خطيب، رئيسة برنامج الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في تشاتام هاوس، لمجلة “فايس” قائلة إن “عدم اهتمام المجتمع الدولي بالهجوم على إدلب يعد بمثابة دليل على الإنتهاك الواسع النطاق فيما يتعلق بالصراع السوري، والعنف في سوريا الذي أصبح يُنظر إليه على أنه روتين يومي”.
علاوة على ذلك، يشكل التواجد الجهادي الكثيف في إدلب، الذي تسيطر عليه جماعة هيئة تحرير الشام التابعة لتنظيم القاعدة، عائقًا أمام وقف العنف. وفي هذا الصدد، قال إيج سيسكين، المحلل الرئيسي في “إي أيش أس ماركتس كونتري ريسك” إن “وجودهم يعطي روسيا وسوريا، اللتين تصران على أنهما لا تستهدفان سوى الإرهابيين في المقاطعة، رواية مناسبة حول عدوانهم العشوائي، وتجعل المجتمع الدولي أقل عرضة للتدخل”. وأضاف سيسكين قائلا: “من غير المرجح أن نرى استجابة دولية كافية لإجبار الحكومة السورية وروسيا على التوقف”.
كارثة سورية الموالية
بالنظر إلى وحشية النظام ورغبته المعلنة في استعادة آخر الأراضي التي تسيطر عليها المعارضة، يخشى المحللون من أن يكون الهجوم على إدلب، أحد أكثر الفصول دموية في حرب سوريا التي استمرت لثماني سنوات. لذلك، أفادت كيالي أن القصف العشوائي أدى بالفعل إلى فرار الآلاف من العائلات اليائسة إلى الحدود التركية، وسحق بلدات بأكملها. وعموما، هناك مؤشرات تفيد أن الهجوم قد ينتشر في جميع أنحاء المقاطعة.
من جانبه، قال توماس جوسلين، وهو زميل بارز في منظمة الدفاع عن الديمقراطيات، لمجلة فايس: “ليس هناك أدنى شك في أن روسيا والأسد على استعداد لقصف المقاطعة بشكل عشوائي بهدف إخضاعها، أو حتى لقصف المؤسسات المدنية عمداً”.
بشكل أكثر إثارة للاشمئزاز، ووفقًا لسيسكين، يمكن أن يكون خلق كارثة إنسانية من خلال الغارات الجوية على السكان المدنيين أمرًا محوريًا لاستراتيجية الأسد لاستعادة السيطرة على المنطقة. ويفتقر الأسد وحلفاؤه إلى القدرة العسكرية لاستعادة السيطرة على ما تبقى من الأراضي التي تسيطر عليها المعارضة في المنطقة، وقد يسعون بدلاً من ذلك إلى خلق أزمة إنسانية لإجبار المعارضة ومؤيديهم الأتراك على التوصل إلى تسوية سياسية عن طريق التفاوض على الشروط التي يفرضها النظام.
بدلاً من أن تكون مكانًا للشفاء واللجوء، أصبحت المستشفيات في الوقت الراهن من أكثر الأماكن خطورة بالنسبة للمدنيين”.
في الحقيقة، يُسلّط الضوء على الظروف اليائسة في إدلب بشكل واضح من خلال ما تمر به مستشفيات المنطقة، حيث أُجبر الأطباء على تشغيل عيادات سرية متنقلة تحت الأرض – في الطوابق السفلية أو حتى في الكهوف – لمحاولة تجنب القنابل الروسية والسورية. ووصف الأطباء هناك مشاهد “للمرضى الفارين من المستشفيات التي تم قصفها ولا يزالالعلاج بالقسطرة الوريدية معلقا في أيديهم وهم مختنقين بالغبار الناجم عن الانفجارات”. بالإضافة إلى ذلك، قال الأطباء في رسالة مفتوحة أخيرة إلى المجتمع الدولي “بدلاً من أن تكون مكانًا للشفاء واللجوء، أصبحت المستشفيات في الوقت الراهن من أكثر الأماكن خطورة بالنسبة للمدنيين”.
في الحقيقة، أقنع الاعتداء المستمر على المنشآت الطبية طوال الحرب العديد من المراقبين أنه نتيجة للنهج المدروس والممنهج الذي يتبعه النظام لاستهداف الأطباء وإرهاب السكان المدنيين. والجدير بالذكر أن أطباء من أجل حقوق الإنسان وثقوا 566 حالة اعتداء على حوالي 350 منشأة صحية سورية منذ بداية الحرب، مما أسفر عن مقتل أكثر من 890 فردا من الفريق الطبي.
في هذا الصدد، أوردت كيالي من منظمة هيومن رايتس ووتش، أن الفشل في وقف الهجمات التي تستهدف المدنيين والبنية التحتية الطبية يمثل إخفاقا مدمرا للمجتمع الدولي. كما أضافت كيالي قائلة إن “استمرار تعرض المستشفيات للقصف بعد مرور ثماني سنوات من الصراع، حيث لا تزال ترى الذخائر العنقودية والقنابل البرميلية تُستخدم ضد السكان المدنيين، يعني وجود عيوب كثيرة في الطريقة التي يستجيب بها النظام لانتهاكات القانون الدولي”.
المصدر: مجلة فايس