انطلقت أعمال مهرجان “كان” السينمائي الدولي في دورته الـ 67 الأربعاء الماضي، والذي يستمر حتى الـ 25 من الشهر الجاري.
ومهرجان كان السينمائي (بالفرنسية: Le Festival de Cannes)، هو أحد أهم المهرجانات السينمائية عبر العالم، والذي يرجع تأسيسه إلى سنة 1939 ويقام كل عام عادة في شهر مايو في مدينة كان، جنوبي فرنسا.
وشارك في حفل الافتتاح العديد من من نجوم السينما العالمي، حيث يعتبر “كان” عيداً سنوياً للسينما في العالم أجمع، وكان من أبرز الحضور، المخرجة النيوزلندية “جين كامبيون” رئيس لجنة تحكيم الأفلام الروائية الطويلة، والأمريكية “صوفيا كوبولا” عضو لجنة التحكيم، والمخرج الأمريكي من أصل إيطالي “كوينتن تارانتينو”، والأمريكي “تيم روث”، والإسبانية “باز فيجا” وآخرون.
وعرض في حفل الافتتاح فيلم “جريس دو موناكو”، الذي يتناول جوانب من سيرة حياة الأميرة الراحلة جريس، أميرة موناكو، حيث أثار جدلا فور الإعلان عن عرضه في افتتاح المهرجان، متهمينه بأنه تزوير للتاريخ في مرحلة مهمة وحساسة من تاريخ فرنسا ورئيسها شارل ديغول.
وفيلم “جريس دو موناكو” “Grace of Monaco” وهو الأول لمخرجه “أوليفييه دهان” الذي يُعرض في مهرجان “كان”، من بطولة النجمة الأمريكية والاسترالية الأصل “نيكول كيدمان”.
وكان قصر الحكم في إمارة موناكو قد أصدر بيانا أنكر خلاله أي علاقة لحياة أميرة موناكو بتفاصيل الفيلم، كما رفض الأمير ألبرت أمير موناكو، وابن الأميرة جريس، حضور الافتتاح.
ويصور الفيلم، إحدى مراحل حياة الفنانة الأمريكية “جريس كيلي”، وتلعب دورها “نيكول كيدمان” التي تصبح أميرة موناكو “Grace of Monaco” بعد زواجها من الأمير “رينيي الثالث” (تيم روث) عام 1956، الذي نال لقب زواج العصر.
ورغم احتواء جدول عروض المهرجان في برامجه وفعالياته علي ما يقرب من 86 فيلم روائي طويل، تمثل 26 دولة حول العالم، فان “جريس دو موناكو” وحده الذي أثار جدلا واسعا في الإعلام وبين كواليس المهرجان.
ويتنافس 18 فيلما من أحدث إنتاجات السينما العالمية هذا العام على جائزة السعفة الذهبية للدورة الـ67 من المهرجان.
وحسب الموقع الرسمي للمهرجان، فيستقبل المهرجان 127 ألف زائر، إلى جانب 30 ألفا من المهتمين بصناعة السينما، و4 آلاف صحفي، وسبعمائة فني.
ومع بدايات المهرجانات انطلقت منافسة شرسة على الجائزة الرسمية للمهرجان بين فيلمين أولهما للمخرج الانجليزي المخضرم “مايك لي” وثانيهما للموريتاني “عبد الرحمن سيساكو”.
ويشارك المخرج البريطاني “مايك لي” في المسابقة الرسمية لهذا العام بفيلم “السيد تيرنر”، الذى يحكى قصة الأعوام الأخيرة من الحياة المعذبة للرسام الرومانسي “جيه ام دبليو تيرنر” الذي توفى عام 1851، ويقوم بدور البطولة فيه الممثل “تيموثي سبال”، آملاً مايك أن يحصل لثاني مرة على السعفة الذهبية بعد أن حازها في عام 1996 عن فيلم (أسرار وأكاذيب).
أما الفارس العربي فكان “عبد الرحمن سيساكو” الموريتاني الجنسية والهوي. وجاء فيلمه “مبتكو” حاملا هما أفريقيا شرقيا صرفا، لكنه بعين غربية نوعا ما.
وكان “سيساكو” ولد في موريتانيا وعاش جزءًا كبيرا من طفولته في مالي قبل أن يهاجر إلى أوروبا.
وتدور معظم أحداث أفلامه ما بين موريتانيا و مالي، لتُكوّن فى مجملها رؤية معمقة للمعاناه والاستغلال فى أفريقيا ما بعد الاحتلال الاستعماري من منظور شخصي لأبناء هذه القارة.
واختبر “سيساكو” مبكرا معنى المهجر بسبب تنقله ما بين مالي (مسقط رأس أبيه) وموريتانيا (مسقط رأس أمه)، بالإضافه إلى دراسته للسينما فى الاتحاد السوفيتي سابقا، إلى جانب البعد العالمي الذى فرضه عليه أسلوب حياته بعد ذلك.
ورغم مكانته كصانع أفلام على مستوى العالم، إلا أن هذا لم يحصنه تماما ضد الصعوبات الإنتاجية التى تواجه “المخرج – المؤلف”.
واختار سيساكو، بعد سنوات من “الهجرة الاختيارية”، أن يعود من فرنسا للاستقرار فى موريتانيا، من أجل أن يتفاعل بشكل أكثر مباشرة مع مصادر إلهامه، وليؤمن تدفق ثنائي الاتجاه مع الناس فى وطنه.
وتدور قصة فيلم “مبتكو” الذي رشحه أكثر من ناقد للحصول علي سعفة “كان” حول كيدان وفاطمة وبنتهما توبا وقصة إسان وهو راعيهما الصغير، الذي يثور ضد الرعب السائد في منطقة الصحراء.
و يقدّم المخرج في العمل شهادته عن الصراع الصامت للرجال والنساء الذين لا يملكون ما يدافعون به عن أنفسهم .
استطاعت النجمة الهوليودية لبنانية الأصل “سلمى حايك” أن تخطف الأضواء في رابع أيام مهرجان كان،وذلك من خلال تصديها لإنتاج فيلم رسوم متحركة بعنوان “النبي” وهو مأخوذ عن كتاب “جبران خليل جبران” الذي يحمل نفس الاسم.
ودشنت سلمى حايك مشروعها لفيلم الرسوم المتحركة “النبي” من داخل مهرجان كان، حيث عرضت أولى الصور الخاصة بالفيلم الذي يشارك فيه كبار مخرجي الرسوم المتحركة تحت إشراف روجر أليرز، مبتكر ” الأسد الملك” “Lion King” في السينما.
ويعتبر كتاب “النبي” أشهر أعمال جبران خليل جبران، 1883-1931، وترجم إلى أكثر من خمسين لغة وبيع منه أكثر من 100 مليون نسخة منذ نشره عام 1923، ويتضمن خلاصة رؤية جبران في أوجه الحياة المختلفة منها الحب والزواج والحرية والدين والحياة والموت والجمال.
وجذبت “حايك” أنظار ضيوف المهرجان، عن فيلمي المسابقة الرسمية وهما؛ الفرنسي “سان لوران” Saint Laurent للمخرج “بيرتراند بونيلو”، والأرجنتيني “الحياة البرية” Wild Tales للمخرج “داميان زيفرون”.
وفي قسم “نظرة ما” في المهرجان عرض الفيلم الاسرائيلي “بعيد عن أبي” للمخرجة “كيرين ليديا” حيث دار حول موضوع صادم هو زنا المحارم مع استعراض بارد بالكاميرا لتفاصيل العلاقة والصراع النفسي للابنة الضحية مع أبيها السادي.
في الوقت ذاته، كشف وفد مهرجان القاهرة السينمائي الدولي المشارك في مهرجان “كان”، عن تفاصيل دورته السادسة والثلاثون، والتي ستنطلق في القاهرة في الفترة من 19 إلى 18 نوفمبر/ تشرين الثاني القادم، حيث بذل الوفد جهودا دعائية لاستعادة الوجود للمهرجان بعد إلغائه دورتين.
وتعرض مهرجان القاهرة السينمائي الدولي للإلغاء عامي 2011 و 2013 ، فيما أقيمت دورة ضعيفة عام 2012، بسبب الاضطرابات السياسية التي شهدتها مصر بعد ثورة 25 ناير 2011.
وأصدرت إدارة المهرجان نشرة خاصة بالعربية والإنجليزية وزعتها في مختلف أقسام وقاعات عرض وندوات المهرجان، تضمنت أهم بنود اللائحة الجديدة، وأقسام المهرجان العشرة؛ ومنها السينما الوطنية وضيف الشرف لهذه الدورة (السينما الكردية)، ومعرض المهرجان عن مئوية ميلاد المخرج المصري الراحل بركات، وحلقة البحث عن المهرجانات السينمائية الدولية في العالم العربي، وجوائز المهرجان والجائزة التقديرية التي تحمل اسم نجيب محفوظ (الهرم الذهبي التذكاري).
وفي اليوم الثامن من المهرجان، اليوم الخميس، شهدت الشاشات انعكاسا لصورتين من صور مسلمي العالمه، حيث اختار الفرنسي “ميشيل هازانافيسيوس” أن يوقظ ضمير ضيوف المهرجان برصد المآسي التي خلفتها حرب الشيشان والتي شنها الجيش الروسي علي مسليمي الشيشان نهاية القرن العشرين من خلال فيلمه “The search” أو “البحث” .
كما رصد المخرج البريطاني “أندريه هولم” قصة تحول شاب بريطاني، من عضو في عصابات الجريمة المنظمة، إلى مسلم، وانعكاس هذا التغيير علي حياته، من خلال فيلمه “Snow in Paradise” أو “جليد في الجنة “.
وقدم “هازانافيسيوس” فيلمه ” البحث ” أو ” The search” ليظهر ما تخلفه الحروب علي الحضارة الانسانية ، حيث اختار حربا اعتبرها “منسية” دارت في روسيا بين الشعب الشيشاني الأعزل، والجيش الروسي في نهايات القرن الماضي.
ولفيلم مقتبس عن عملٍ سينمائي يحمل نفس الاسم، من بطولة “مونتجمري كليفت” عام 1948، ويحكي عن أم وابنها ذو التسعة أعوام، يحاولون إيجاد بعضهم البعض، أثناء الحرب العالمية الثانية، وفي هذه المرة يحكي “هازانافيسيوس” الحكاية عن حربِ الشيشان.
ويقدم”هازانافيسيوس” عمله الأول منذ حصوله على جائزة الأوسكار قبل 3 أعوام عن فيلم “The Artist” أو ” الفنان “.
وقال عن الجزء السياسي فيما يخص الفيلم، “عندما بدأنا نهتم بشيشينيا (الشيشان)، لم نتساءل عن الاثار السياسية للعمل، فقد وجدنا جميع العناصر التي تؤكد أنها حرب معاصرة انتقلت من الجنود إلى المواطنين العزل، ونتحدث هنا عن مئات الآلاف من القتلى”.
وأضاف “حاولت أن أخرج فيلما يصور الانسان يعاني من الحرب، سواء كان عسكريا أم لا، ولم أرغب في أن تكون للشخصيات وعي سياسي، واستنادا لما قرأتُه في الموضوع، كان الجيش الروسي دون رحمة في تلك الفترة”.
وفي قسم (نظرة ما)، عرض فيلم “Snow in Paradise” أو ” جليد في الجنة ” للمخرج البريطاني “أندرو هولم” وهو الفيلم الطويل الأول لصاحبه، وسيناريو الفيلم مستوحى من قصة حقيقية، هي قصة “مارتين اسكيو”، الفتى المشاغب الذي نشأ في لندن بين أوساط الجريمة المنظمة في إيست أند.
وقال “هولم” في المؤتمر الصحفي الذي عقد للفيلم : “قابلت مارتين اسكيو (الذي شارك في كتابة سيناريو الفيلم) في نادٍ للأفلام القصيرة، كنا نتردد عليه، وسرعان ما لاحظنا أن قصة حياته كانت أكثر أهمية من القصص التي كنا قادرين على كتابتها”.
وأوضح أن “تحول (اسكيو) من مشاغب صغير إلى مسلم، شكل بالنسبة لنا نقطة انطلاق النص. وقمنا بزيادة الأهمية على بعض الأجزاء ولكن الفيلم يبقى بمجمله عبارة عن قصة حقيقية”.
وبشكل عام، تلاحظ ضئالة الأعمال العربية المشاركة في المهرجان، ومدى تأثيرها وقوتها، مقارنة بالأعمال الأخرى من شتى أنحاء العالم، على الرغم من الزخم الكبير الذي تحويه الدول العربية بشكل خاص والشرق الأوسط بشكل عام من أحداث تصلح لإن تصاغ أفلاماً وقصصاً تصل إلى العالم بأسره.
وشارك في مهرجان كان من الفنانين العرب : نجوى كرم، راغب علامة، هيفا وهبي، مريام فارس، نادين لبكي، منة شلبي، عمر الشريف، سيرين عبد النور، أحمد حلمي، منى زكي، يسرا، خالد أبو النجا وعادل إمام.