تتزايد الضغوطات المسلطة على المجلس الانتقالي العسكري يومًا بعد يوم، داخليًا وإقليميًا ودوليًا لرفضه تسليم السلطة للمدنيين، وإرجاع الجيش لمكانه الطبيعي وهي الثكنات، يأتي ذلك بالتزامن مع وصول رئيس الوزراء الإثيوبي آبي أحمد، صباح اليوم، إلى العاصمة السودانية الخرطوم للوساطة بين مختلف الأطراف في البلاد والتوصل إلى حل يجنّب السودان الفوضى.
تعليق عضوية
رفض المجلس العسكري تسليم السلطة للمدنيين، أدى إلى تعليق الاتحاد الإفريقي بمفعول فوري عضوية السودان في المنظمة القارية. وكان الاتحاد الإفريقي قد دعا منذ بداية الأزمة إلى نقل سريع للسلطة من العسكر إلى المدنيين، وهدد مرارًا بتعليق عضوية السودان في المنظمة.
وأكد مجلس السلم والأمن في الاتحاد الإفريقي على حسابه على تويتر أن الاتحاد القاري “علق بمفعول فوري مشاركة جمهورية السودان في كل أنشطة الاتحاد الأفريقي إلى حين إقامة سلطة مدنية انتقالية بشكل فعلي، تلك هي الوسيلة الوحيدة لتمكين السودان من الخروج من الأزمة الحالية”.
اعتبرت أمنستي قواتِ الدعم السريع “شريكا أساسيا” في العنف الذي أودى بحياة العشرات وإصابة المئات أثناء فض الاعتصام
أوضح الرئيس المباشر للمجلس باتريك كابوا في مؤتمر صحافي “أن المجلس سيفرض آليًا إجراءات عقابية على الأفراد والكيانات التي منعت إرساء سلطة مدنية”. يُشار إلى أن آخر اجتماع لمجلس السلم والأمن الإفريقي بشأن السودان جدّد إدانته الانقلاب العسكري، وأكد عدم تسامحه مطلقًا مع أي تغييرات غير دستورية.
من ناحيتها، أعربت منظمة التنمية الإقليمية الإفريقية (إيغاد) عن قلقها من تصاعد الأوضاع في السودان والذي تسبب في سقوط ضحايا أبرياء. وفي بيان أصدرته أول أمس، أكدت المنظمة متابعتها للأوضاع والمشاركة في وضع حلول للأزمة بالتنسيق مع الاتحاد الإفريقي، معربة عن تضامنها مع السودان وشعبه للتغلب على التحديات الحالية.
إدانة دولية
تعليق عضوية السودان في الاتحاد الأوروبي، جاء بالتزامن مع دعوة منظمة العفو الدولية (أمنستي)، إلى إجراء دولي ضد قادة المجلس العسكري الانتقالي في السودان، كما أدانت قوات الدعم السريع التي يقودها نائب رئيس المجلس محمد حمدان دقلو المعروف بحميدتي.
واعتبرت منظمة العفو أن تاريخ السودان الحديث “معروف بإفلات مرتكبي جرائم الحرب وغيرها من انتهاكات حقوق الإنسان من العقاب” ودعت مجلس السلم والأمن التابع للاتحاد الإفريقي، ومجلس الأمن الدولي التابع للأمم المتحدة، إلى “القيام بدورهما لكسر حلقة الإفلات من العقاب هذه، واتخاذ التدابير الفورية اللازمة لإخضاع مرتكبي جرائم العنف هذه للمساءلة”.
وقالت أمنستي في بيان لها أمس الخميس، إن قوات الدعم السريع نفذت ما وصفته بأنه “اجتياح قاتل” عندما فضت فجر الإثنين الماضي اعتصامًا كان ينظمه أنصار قوى الحرية والتغيير أمام مقر القيادة العامة للجيش في العاصمة الخرطوم منذ 6 أبريل/نيسان الماضي.
اعتبرت أمنستي قواتِ الدعم السريع -التي تشكلت من مليشيات قاتلت المتمردين في إقليم دارفور غرب البلاد خلال حرب أهلية تفجرت عام 2003- “شريكًا أساسيًا” في العنف الذي أودى بحياة العشرات وإصابة المئات أثناء فض الاعتصام.
وقالت المنظمة إن أعداد القتلى “تتزايد مع الاجتياح القاتل من قوات الدعم السريع لأحياء العاصمة الخرطوم” مؤكدة أن هذه القوات سبق أن “ارتكبت جرائم قتل واغتصاب وتعذيب ضد الآلاف في دارفور“. وأضافت “تبين التقارير حول إلقاء جثث القتلى في النهر مدى الانحطاط المطلق لما يسمى بقوات الأمن هذه“. وبلغ عدد قتلى فضّ اعتصام القيادة 108، وفق لجنة أطباء السودان.
خلفت عملية فض الاعتصام أكثر من مئة قتيل
بدوره، أيّد الاتحاد الأوروبي قرار الاتحاد الإفريقي تعليق عضوية السودان، ورأى في هذا القرار إشارة واضحة إلى ضرورة استعادة عملية سياسية سلمية تتمتع بالمصداقية لتلبية التطلعات المشروعة للشعب السوداني.
وأوضحت المتحدثة باسم الممثلة العليا للأمن والسياسة الخارجية في الاتحاد فيديريكا موغيريني، في بيان لها ليلة أمس الخميس، أن بروكسل تدعم دعوة الاتحاد الإفريقي إلى وضع حد فوري للعنف في السودان وإجراء تحقيق شفاف وحقيقي في الأحداث الإجرامية التي وقعت في الأيام الأخيرة.
وجاء في البيان الأوروبي: “بموازاة ذلك، يجب أن تُستأنف المفاوضات مع قوى الحرية والتغيير نحو سلطة انتقالية بقيادة مدنية على أساس الاتفاقيات التي تم التوصل إليها حتى الآن”. كما دعا الاتحاد إلى إطلاق سراح جميع المعتقلين لأسباب سياسية، بما في ذلك ياسر عرمان، وكذلك إلى محاسبة جميع المسؤولين عن أعمال العنف والانتهاكات.
قبل ذلك، دعت الولايات المتحدة المجلس العسكري في السودان إلى “نبذ العنف”. وصرحت مورغان أورتاغوس، المتحدثة باسم الخارجية الأمريكية، في بيان إن “الولايات المتحدة تدين الهجمات الأخيرة على المحتجين في السودان”. وجددت واشنطن رغبتها في عملية انتقال تقودها حكومة مدنية، بهدف إجراء انتخابات في “موعد مناسب”.
وفي تحديث لتوجيهاتها المتعلقة بالسفر إلى السودان، قالت واشنطن الخميس إن السفارة مغلقة أمام الجمهور وإن المواطنين الأمريكيين الذين ما زالوا موجودين هناك يجب أن “يضعوا خططا لمغادرة السودان”. وكانت قد حذرت مواطنيها في نيسان/أبريل من السفر غير الضروري إلى السودان وأمرت بمغادرة جميع موظفي سفارتها غير الأساسيين.
من جانبه، رحب نائب المندوبة البريطانية في مجلس الأمن جوناثان آلين، بقرار الاتحاد الإفريقي تعليق عضوية السودان إلى حين تسليم السلطة للمدنيين. وقال آلين إن التقارير المستمرة عن العنف والترهيب في السودان مثيرة للغضب، وأضاف أن هذه الأعمال غير مقبولة ويجب أن تتوقف.
رفض الحوار وتواصل العصيان
الإدانة الدولية وتعليق العضوية في الاتحاد الإفريقي، يأتي في وقت جدّدت فيه قوى الحرية والتغيير رفضها دعوة المجلس العسكري العودة للتفاوض، واصفة تلك الدعوات بـ”المسمومة” وأنها “استهانة صريحة بدماء من قتلوا”.
وأضافت -في بيان- أن مطالبها واضحة وتتمثل بتسليم السلطة الانتقالية كاملة للمدنيين كما نص إعلان الحرية والتغيير و”محاسبة المجلس العسكري وكل المتورطين معه في الجرائم المرتكبة منذ تاريخ 11 أبريل/نيسان الماضي”.
يزور آبي أحمد الخرطوم، كون بلاده تتولى الرئاسة الدورية لمنظمة “إيقاد”، وهي منظمة إقليمية تابعة للاتحاد الإفريقي، وتتولى شؤون السلام في المنطقة
كما طالبت قوى الحرية والتغيير بـ”إنهاء استباحة مليشيات الجنجويد للمدن، وحلها وتسليم سلاحها للجيش السوداني”، مؤكدة استمرار الثورة والعصيان المدني حتى تحقيق أهداف الثورة، بحسب البيان.
إلى جانب ذلك، دعا “تجمع المهنيين السودانيين”، المحتجين إلى الالتزام بالسلمية وعدم الانجرار وراء دعوات العنف وحمل السلاح. وقال “تجمع المهنيين”، “تلتزم ثورتنا بالسلمية”، وطالب بتجنب الاحتكاك مع قوات الأمن وعدم الاستجابة لدعوات الجر إلى العنف وحمل السلاح.
ودعا التجمع وهو إحدى القوى الرئيسية المشكلة لقوى إعلان الحرية والتغيير المعارضة، إلى “عصيان مدني شامل وإضراب سياسي مفتوح،” لمزيد الضغط على المجلس الانتقالي العسكري حتى يسلّم السلطة للمدنيين. وأوضح التجمع أن “الإضراب السياسي العام ضروري من أجل استرداد كرامتنا، ومن أجل أن نرد دين الشهداء كاملاً، فقد سلبت كتائب الغدر والخيانة حياة الأكرمين فينا.“
وساطة إفريقية
في غضون ذلك وصل رئيس الوزراء الإثيوبي آبي أحمد الذي سبق له أن تدخل لحل عدد من النزاعات في منطقة القرن الإفريقي، إلى السودان صباح اليوم للتوسط بين المجلس العسكري والمحتجين. والتقى أحمد بالجنرالات السودانيين الذين أطاحوا في الـ 11 من نيسان/إبريل الرئيس عمر البشير وسيطروا على البلاد.
يأمل آبي أحمد إلى إيجاد حلّ لأزمة السودان
يزور آبي أحمد الخرطوم، كون بلاده تتولى الرئاسة الدورية لمنظمة “إيقاد”، وهي منظمة إقليمية تابعة للاتحاد الإفريقي، وتتولى شؤون السلام في المنطقة. ويجري أحمد محادثات منفصلة في وقت لاحق ظهر اليوم مع قوى إعلان الحرية والتغيير.
ولم تتضح بعد تفاصيل طبيعة الوساطة التي يحملها رئيس الوزراء الإثيوبي، إلا أن الواضح أن آبي يقود دبلوماسية لحل النزاعات والأزمات في القارة الإفريقية، ومن المتوقع أن يسعى إلى تقريب المواقف بين أطراف الأزمة السودانية.
يأمل السودانيون في إيجاد حلّ للأزمة في بلادهم، ورجوع العسكر إلى ثكناتهم، وتسلّم المدنيين للسلطة في أقرب وقت ممكن حتى يوجّهوا كلّ جهودهم لإنجاح الانتقال الديمقراطي في بلادهم، وإخراجها من النفق الذي تعيشه فيه.