بعد أسابيع من التفاؤل بإمكانية التوصل إلى اتفاق بين المقاومة الفلسطينية والاحتلال الإسرائيلي يشمل تهدئة في قطاع غزة وصفقة لتبادل الأسرى، عادت المؤشرات السلبية لتطفو على السطح مجددًا، مهددةً بإفشال هذا المسار.
شهد الحراك التفاوضي الأخير نشاطًا ملحوظًا، مدفوعًا بعوامل إقليمية ودولية متعددة، أبرزها عودة دونالد ترامب إلى المشهد السياسي مع اقتراب تسلمه مهامه الرئاسية في 20 يناير/كانون الثاني المقبل، إلى جانب التوافق على تهدئة الأوضاع في لبنان، ما منح زخمًا جديدًا لجهود الوسطاء الإقليميين والدوليين لإيجاد صيغة توافقية تُنهي حالة الجمود.
ومع اقتراب المفاوضات من مرحلة الحسم وصياغة الملامح النهائية للاتفاق، عاد بنيامين نتنياهو ليتلاعب بالمشهد التفاوضي بأسلوبه المعروف بالمراوغة، ففي اللحظات الأخيرة، رفع الاحتلال سقف مطالبه، محاولًا فرض شروط جديدة تُضعف موقف المقاومة الفلسطينية تحت وطأة الضغط الزمني.
تهدف هذه الاستراتيجية إلى انتزاع مكاسب إضافية لصالح “إسرائيل”، خصوصًا بتحويل الاتفاق إلى صفقة جزئية تمنح نتنياهو مساحة للمناورة والتهرب من الالتزام بإنهاء الحرب كليًا، أو المماطلة في استكمال مراحل الاتفاق، ما يعرض مسار التفاوض برمته لخطر الانهيار والانفجار.
أمام هذا التعقيد، تبرز أهمية الوسطاء في محاولة لملمة المشهد والحفاظ على التقدم الذي تم إحرازه خلال الأسابيع الماضية، فالأزمة الراهنة لا تهدد فقط الحراك التفاوضي، بل تحمل في طياتها خطر العودة إلى مربع التصعيد، في حال استمرت المراوغات الإسرائيلية دون ضغوط مؤثرة من الأطراف المعنية.
“سرقت الحرب منا كل شيء”.. سكان غزة يترقبون الهدنة بفارغ الصبر
متغيرات حاسمة
لا يمكن وصف الجولات التفاوضية الحالية بأنها نسخة مكررة من المحاولات السابقة التي جرت خلال شهور حرب الإبادة على قطاع غزة، إذ إنها جاءت في سياق مختلف تمامًا، تحكمه متغيرات جديدة على المستويين الإقليمي والدولي.
أبرز هذه المتغيرات يكمن في التحول الإقليمي المتمثل بالتهدئة التي جرى التوصل إليها في لبنان، والتي اقترنت بانسحاب تدريجي لقوات الاحتلال من الأراضي اللبنانية، وهو ما شكَّل نموذجًا يُستخدم للضغط على المقاومة الفلسطينية لإبداء مرونة تجاه فكرة القبول بانسحاب تدريجي من قطاع غزة، رغم تمسك المقاومة في السابق بانسحاب كامل كشرط جوهري في أي اتفاق.
مع ذلك، تحرص المقاومة على أن تبقى مرونتها السياسية محكومة بحدود لا تُمثل تنازلًا عن الثوابت أو تفريطًا في حقوق الشعب الفلسطيني، بل تُترجم إدراكها لتعقيدات المشهد السياسي ومتطلباته.
هذه المرونة تتوازى مع ضغوط دولية متزايدة على الاحتلال لإنهاء الحرب، مدفوعة بعوامل متعددة، على رأسها العامل الأمريكي، إذ إن هناك تقاطعًا غير معتاد بين إدارة بايدن التي تقترب من ختام ولايتها، وإدارة ترامب التي تستعد لاستلام مهامها، أفضى إلى دعم واضح للجهود الرامية إلى تحقيق تهدئة مؤقتة وصفقة تبادل أسرى.
خاصة بعد تصريحات ترامب، إذ لم يتردد الرئيس المنتخب المعروف برجل الصفقات، في إطلاق تهديدات مباشرة للشرق الأوسط، متوعدًا “بفتح أبواب الجحيم” إذا لم تتحقق الصفقة في إطار زمني قصير، ما أثار حراكًا محمومًا في أوساط القوى الإقليمية والدولية.
على المستوى الإقليمي، تبدو الحاجة إلى تحقيق حالة من الهدوء أكثر إلحاحًا من أي وقت مضى، خاصة مع رغبة دول الشرق الأوسط في إعادة ترتيب أوراقها استعدادًا للتعامل مع استراتيجية ترامب المقبلة، التي لطالما اتسمت بالمفاجآت والتغيرات غير المتوقعة.
حيث يشهد الشرق الأوسط تحولات جذرية، بعضها نابع من تجليات “طوفان الأقصى” الذي أعاد صياغة المعادلات الميدانية والسياسية، وبعضها الآخر مرتبط بالتغيرات الكبرى في المشهد السوري، وهي تحولات تعيد تشكيل التوازنات الجيوسياسية في المنطقة، ما يدفع الدول الرئيسية إلى البحث عن استقرار نسبي يمكّنها من التكيف مع معطيات المرحلة المقبلة.
وفي ظل هذه الظروف، تسعى “إسرائيل” بدورها إلى استغلال اللحظة الراهنة لتسويق رؤيتها لما تسميه “الشرق الأوسط الجديد”، وهو مفهوم يعكس طموحات إسرائيلية لإعادة هندسة التحالفات الإقليمية بما يخدم مصالحها الاستراتيجية، وفي قلب هذه المصالح يكمن استكمال مسار التطبيع مع الدول العربية، خصوصًا التطبيع المنشود مع المملكة السعودية.
إن هذه العوامل مجتمعة تجعل من الجولات التفاوضية الحالية حدثًا مُتعدد التأثيرات، يختلف جوهريًا عن المحاولات السابقة، ففي حين كانت المفاوضات السابقة تعاني من غياب إرادة سياسية حقيقية وضغوط فعالة على الاحتلال، فإن الجولة الحالية تبدو أكثر نضجًا، معززة ببيئة إقليمية ودولية تدفع نحو التهدئة، وإن كان الطريق لا يزال مليئًا بالتحديات والمراوغات الإسرائيلية.
العقد التي تعرقل الحسم
رغم أن الملامح الرئيسية للاتفاق النهائي باتت شبه واضحة، وخصوصًا في ما يتعلق بالمرحلتين الأولى والثانية من صفقة التبادل والتهدئة، فإن التفاوض لا يزال يشهد نقاط خلاف جوهرية تهدد إمكانية الوصول إلى اتفاق شامل.
تتمثل المرحلة الأولى من التهدئة في انسحاب جزئي لجيش الاحتلال من محور فيلادلفيا، بما يشمل منطقة معبر رفح بشكل أساسي، الذي سيتم إعادة تشغيله وفقًا لصيغة عام 2005، تحت رقابة أوروبية، مع إدارة المعبر من جانب شخصية محسوبة على السلطة الفلسطينية، بالتنسيق مع الجهات المصرية والأوروبية لضمان انسيابية الحركة والتنقل عبر المنفذ البري الوحيد بين غزة والعالم الخارجي.
كذلك، يشمل الانسحاب الجزئي منطقة غرب محور نيتساريم، وتفكيك مواقع التمركز الإسرائيلية على طول الشريط الساحلي، ورغم هذا الانسحاب، فإن عودة النازحين إلى منازلهم تُشترط بتحقيق مطلب الاحتلال بإنشاء آلية “تمنع عودة المسلحين من جنوب القطاع إلى شماله”.
وهنا، يدور خلاف كبير بشأن الجهة المسؤولة عن تنفيذ هذه الآلية؛ إذ يُصر الاحتلال على وجود شركة أمنية خاصة تتولى عملية التفتيش والرقابة، فيما تقترح المقاومة إشراف الوسيطين القطري والمصري على هذه المهمة.
فيما يتعلق بصفقة تبادل الأسرى، فإن المرحلة الأولى كان من المفترض أن تشمل الفئة “الإنسانية”، أي كبار السن والأطفال والنساء والمرضى، وقد أضاف الاحتلال إلى هذه الفئة المجندات الإسرائيليات. بالمقابل، سيُطلق الاحتلال سراح عدد من الأسرى الفلسطينيين، بمن فيهم أسرى المؤبدات، ويُقدر عددهم بـ150 أسيرًا وفقًا لمفاتيح التبادل.
غير أن نقطة الخلاف الرئيسية في هذا البند تتعلق بـ”الفيتو” الإسرائيلي على أسماء أسرى المؤبدات، إذ يُصر الاحتلال على الاحتفاظ بحق رفض إطلاق سراح ما لا يقل عن 60 أسيرًا من أسرى المؤبدات، وهو ما ترفضه المقاومة التي تعتبر هذا الشرط تجاوزًا للاتفاقات الأولية ومساسًا بجوهر الصفقة.
كما أضاف الاحتلال مطلبًا جديدًا يتعلق بإطلاق سراح 11 أسيرًا من غير المدرجين تحت وصف “الفئة الإنسانية”، وهم من الشباب، وبينهم أفيرا منغستو وهشام السيد، اللذان تحتجزهما المقاومة منذ عامي 2014 و2015. هذا الشرط لم يحظَ بموافقة المقاومة حتى الآن، لكنه تُرك للتفاوض، وفقًا للثمن الذي قد يدفعه الاحتلال في المقابل.
يتعلق الخلاف الثالث بتفاصيل المرحلة الثانية من الانسحاب الإسرائيلي، إذ كان الاحتلال قد أبدى موافقة مبدئية على انسحاب كامل حتى المناطق الشرقية من أراضي قطاع غزة، لكن تصريحات بنيامين نتنياهو الأخيرة أعادت الأمور إلى المربع الأول، فقد أعلن رفضه الالتزام بالانسحاب الكامل، مع الإصرار على الإبقاء على مواقع مراقبة أو نقاط وجود عسكرية في مناطق استراتيجية، كما تنصل الاحتلال من أي التزام يُلزم بوقف شامل لإطلاق النار أو إعلان رسمي لإنهاء الحرب.
إلى جانب ذلك، يطالب الاحتلال المقاومة بتقديم قائمة بالأسرى الأحياء، وهو شرط يُصر عليه نتنياهو ويفرضه على طاولة المفاوضات وترفضه المقاومة، التي ترى أنه لا يمكن تحقيقه دون هدوء على الأرض يُمكنها من إتمام عملية الحصر والتواصل الميداني مع القوى الأخرى التي تحتجز أسرى إسرائيليين أيضًا.
هذه النقاط الخلافية، التي تتركز حول آليات الانسحاب، وعدد الأسرى المشمولين بالصفقة، وضمانات إنهاء الحرب، باتت تهدد بشكل جدي إمكانية نجاح الجولة التفاوضية الحالية، فعلى الرغم من اقتراب الطرفين من التوقيع على الاتفاق، فإن المراوغات الإسرائيلية في اللحظات الأخيرة ألقت بظلالها على المشهد.
هل وصلت المفاوضات إلى طريق مسدود؟
في تصريحه الأخير من منصة الكنيست الإسرائيلي، لم ينفِ رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو وجود تقدم في المفاوضات الجارية مع حركة حماس، لكنه حرص على إبقاء التفاصيل غامضة والباب مواربًا، بقوله: “أقول بحذر إن هناك تقدمًا معينًا بشأن صفقة التبادل، لكن لن أكشف عن البنود والتفاصيل الجديدة”. وأضاف نتنياهو أن فريق التفاوض سيعود من الدوحة، بعد “أسبوع مهم من المفاوضات”، لإجراء مشاورات داخلية بشأن الصفقة المحتملة.
هذا التصريح، رغم أنه يعكس تقدمًا ما، فإنه يحمل في طياته إشارات إلى التحديات القائمة، حيث أظهر تحفظًا واضحًا في الحديث عن قرب التوصل إلى اتفاق. هذه الإشارات عززتها الخارجية القطرية التي أتبعت تصريحات نتنياهو بإعلان رسمي مفاده أن “مفاوضات وقف إطلاق النار في قطاع غزة وتبادل الأسرى بين إسرائيل وحركة حماس ما زالت جارية في القاهرة والدوحة، ولا يمكن التنبؤ بموعد الوصول إلى اتفاق”.
لم يصرح أي من الأطراف بنيتهم إنهاء الجولات الجارية، ولذلك فإن التعبير الأمثل عن الوضع الحالي هو أن المفاوضات تسير على حافة الانهيار، حيث تُثقلها التحديات الميدانية والسياسية، لكنها لم تسقط بعد
التصريح القطري جاء في سياق محاولة تثبيت الأجواء الإيجابية والحفاظ على ديناميكية التفاوض، مع التحرر من الأسقف الزمنية التي وضعتها بعض التوقعات، فقد أشارت العديد من التحليلات إلى تاريخ 25 ديسمبر/كانون الأول باعتباره فرصة مناسبة لإتمام الصفقة، استباقًا لأعياد الميلاد المسيحية وعيد الحانوكا اليهودي، لكن مع مرور هذا الموعد دون إعلان اتفاق، بدا واضحًا أن التقدم الذي تحقق لم يكن كافيًا للوصول إلى توقيع نهائي.
من جانبها، أكدت حركة حماس في بيان رسمي أن المفاوضات تسير بجدية في الدوحة، تحت رعاية الوساطة القطرية والمصرية، وأشارت الحركة إلى أنها أبدت “المسؤولية والمرونة اللازمة لإنجاح المفاوضات”، لكنها اتهمت الاحتلال الإسرائيلي بوضع قضايا وشروط جديدة تتعلق بالانسحاب ووقف إطلاق النار وعودة النازحين، ما أدى إلى تأجيل الوصول إلى اتفاق كان ممكنًا تحقيقه.
في المقابل، أصدر مكتب نتنياهو بيانًا مضادًا، زعم فيه أن حركة حماس هي من تراجعت عن التفاهمات التي تم التوصل إليها، وأنها تواصل وضع عراقيل جديدة في مسار المفاوضات. هذه التصريحات المتبادلة عكست التوتر القائم، لكنها أيضًا أوضحت أن كلا الطرفين ما زالا ملتزمين مبدئيًا بالمفاوضات، رغم وصولها إلى ما يمكن وصفه بـ”عنق الزجاجة”.
إن هذا التوتر، وإن كان جزء منه من تكتيكات الضغط التفاوضي، يمثل صافرة إنذار حقيقية للوسطاء الإقليميين والدوليين، فالوصول إلى هذه المرحلة الحساسة، حيث باتت المفاوضات معلقة على تفاصيل دقيقة وشروط مستجدة، يتطلب تدخلًا أكثر جدية من الأطراف الوسيطة، وخصوصًا قطر ومصر، للحفاظ على المسار التفاوضي ومنع انهياره.
رغم ذلك، لا يزال من المبكر الحديث عن فشل المفاوضات بشكل كامل، إذ لم يصرح أي من الأطراف بنيتهم الانسحاب من الطاولة أو إنهاء الجولات الجارية، ولذلك فإن التعبير الأمثل عن الوضع الحالي هو أن المفاوضات تسير على حافة الانهيار، حيث تُثقلها التحديات الميدانية والسياسية، لكنها لم تسقط بعد.
مسارات متوازية في مهب التعطيل
لا يمكن فصل المسارات المتشابكة في مشهد قطاع غزة عن بعضها البعض، حيث تترابط الحرب المستمرة والمفاوضات والتحديات السياسية داخل “إسرائيل” في صورة معقدة تعكس واقعًا مليئًا بالتناقضات، ويقف في قلب هذا المشهد، رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، الذي يسعى بكل ما أوتي من أدوات لإظهار صورة “النصر” المزعوم، مدعيًا تحقيق “أهداف الحرب”، وسط تركيبة حكومية شديدة الحساسية.
يلعب قادة الصهيونية الدينية داخل ائتلاف نتنياهو الحكومي دورًا حاسمًا، حيث يعارضون بشدة أي وقف للحرب أو انسحاب من قطاع غزة، ما يضع رئيس الوزراء في موقف معقد بين إرضاء حلفائه السياسيين من جهة، والتعامل مع ضغوط داخلية وخارجية متزايدة لإنهاء الحرب من جهة أخرى.
على الجانب العملياتي، يدور الجيش الإسرائيلي في حلقات مفرغة، حيث تتوالى العمليات العسكرية في مدن وأحياء غزة دون تحقيق نتائج فعلية تُذكر، فكل الخطط الإسرائيلية لهندسة “اليوم التالي” لقطاع غزة تصطدم بحائط الفشل، ما يبرز عدم جدوى الضغط العسكري في تحقيق “أهداف الحرب”.
وعلى الرغم من تهميش ملف الأسرى الإسرائيليين لدى المقاومة لفترة طويلة من جانب الائتلاف الحكومي الاسرائيلي، فإن التراجع التدريجي للعديد من التهديدات الأخرى أعاد هذا الملف إلى الواجهة باعتباره الهدف الأكبر المطلوب تحقيقه. هذا التحول أصبح واضحًا حتى في الخطاب السياسي الإسرائيلي، حيث لم يعد بإمكان نتنياهو وشركائه إنكار أهمية استعادة الأسرى كأولوية.
في ظل هذا المشهد، برزت استراتيجية الوسطاء الدوليين والإقليميين بالعمل على مسارين متوازيين ومتكاملين لتحقيق تقدم ملموس، وهما:
المسار الأول: المفاوضات في الدوحة
- تولت العاصمة القطرية ملف التفاوض بشأن التهدئة وصفقة تبادل الأسرى، وأُنشئت خلية عمل مكثفة تضم فرقًا فنية ووسطاء دوليين، بما في ذلك مشاركة مباشرة من الإدارة الأمريكية.
- ركز هذا المسار على صياغة تفاصيل دقيقة للاتفاق، تشمل التهدئة التدريجية، وتبادل الأسرى، وآليات تنفيذ الشروط بين الطرفين.
- ومع ذلك، اصطدم هذا المسار بعقبة الاشتراطات الإسرائيلية الجديدة التي ظهرت في اللحظات الأخيرة، ما أدى إلى تعطيل التقدم الذي كان يُعتبر الأقرب منذ بداية الحرب.
المسار الثاني: ترتيب المشهد الفلسطيني في القاهرة
- في العاصمة المصرية، كانت الجهود منصبة على ترتيب المشهد الفلسطيني وإخراج صيغة توافقية لشكل “اليوم التالي” لقطاع غزة.
- تركزت هذه المفاوضات على ضمان توافق فلسطيني وإقليمي يسمح بإعادة تشكيل إدارة غزة بما يضمن أن صيغة الحكم القادمة في قطاع غزة لن تكون موالية للاحتلال ولا وفق مقاييسه، وفي ذات الوقت تمنح هامشًا لنتنياهو يُمكن عبره ادعاء تحقيق هدفه بتفكيك حكم حركة حماس ومنظومتها الحكومية، ما سيُعزز مسار التهدئة.
- لكن هذا المسار تعطل بسبب تنصل رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس من قبول المقترح المصري الذي يهدف إلى تشكيل لجنة “الإسناد المجتمعي” كآلية مؤقتة لإدارة القطاع.
مع تعطل المسارين، دخلت المفاوضات في مرحلة حساسة تُهدد بعودة المشهد إلى نقطة الصفر، حيث شكلت الاشتراطات الإسرائيلية الجديدة على طاولة الدوحة، وتعطل الحوار الفلسطيني في القاهرة، عقبات كبيرة أمام تحقيق تقدم ملموس.
دون تدخل جاد من الوسطاء، وخصوصًا الإدارة الأمريكية المقبلة، فإن الفرص التفاوضية ستواجه خطر التلاشي، ما قد يعيد المشهد إلى سيناريوهات الجولات التفاوضية السابقة التي انتهت دون نتائج تُذكر، ولذلك فإن النجاح في تحقيق تقدم ملموس يتطلب ضغطًا دوليًا مكثفًا يواجه عناصر التعطيل في كلا المسارين.
في ظل هذا الوضع المتأزم، تبقى الخيارات مفتوحة على احتمالات متعددة، تتراوح بين العودة إلى التصعيد الميداني، أو إعادة صياغة شروط التفاوض بناءً على تغييرات جديدة قد تطرأ في مشهد بات من الصعب التنبؤ بتحولاته المتسارعة.