تجمَّع مجموعة من الصبية على الدراجات في شارع جانبي في شرق المملكة العربية السعودية، ويهم مرتجي قريريص الطفل البالغ من العمر 10 سنوات (24 من أكتوبر/تشرين الأول 2000)، واضعًا قدمه على الدواسة، بقيادة مجموعة تضم نحو 30 طفلاً.
في لقطات فيديو مصورة نشرتها شبكة “سي إن إن” الأمريكية منذ يومين، كان الطفل السعودي يرتدي بنطال جينز وحذاء جلد أسود في قدميه، مبتسمًا للكاميرا التي تسجل الحدث، وقد يبدو كتجمع عادي لركوب الدراجات، لكن المجموعة في الواقع كانت تنظم احتجاجًا مناهضًا للحكومة في المملكة العربية السعودية.
بعد لحظات من انطلاقهم، يضيع قريريص وسط الأطفال، ويكافح من أجل الاستمرار في مواكبتهم، رافعًا مكبر الصوت إلى جوار فمه، ويصيح: “الشعب يطالب بحقوق الإنسان”، تلك العبارة التي وضعته في مواجهة حكم الإعدام.
مرتجي يتوسط عددًا من الأطفال خلال تجمع لركوب الدراجات
أضعر سجين سياسي.. الطفل الذي أثار الفتنة!
عندما كان فتى، شارك قريريص في مظاهرات مثل ركوب الدراجات، كأحد مظاهر المعارضة المطالبة بحقوق الأقلية الشيعية في المنطقة الشرقية بالمملكة العربية السعودية خلال الربيع العربي لعام 2011.
بعد 3 سنوات من تصويره في أثناء مشاركته في احتجاج الدراجة، اعتقلت السلطات السعودية قريريص 20 من سبتمبر/أيلول 2014، وكان يبلغ من العمر حينها 13 عامًا فقط، حيث احتجزته سلطات الحدود السعودية على جسر الملك فهد الذي يربط بين البلدين خلال سفره مع عائلته إلى البحرين، وذلك دون أن يكون هناك استدعاء في وقت سابق، واكتفى موظف الجوازات بالإشارة إلى أنه مطلوب من المباحث، دون توضيح المسوغات القانونية أو عرض مذكرة توقيف.
في سن الـ18، يواجه قريريص عقوبة الإعدام بعد احتجازه قرابة 4 أعوام قضاها في السجن في انتظار المحاكمة
أودع مرتجي في دار الملاحظة الاجتماعية (السجن المخصص للأحداث في الدمام)، وتعرض خلال فترة التحقيق للإكراه والخداع من المحققين، ورغم صغر سنه وضعه المحققون في الحبس الانفرادي لمدة شهر، تعرض خلالها إلى ظروف احتجاز غير لائقة أدَّت إلى مشاكل صحية، وتضمنت التعذيب بالضرب على أنحاء مختلفة من جسده لإجباره على الاعتراف، كما وُعد مرارًا بأنه سيتم الإفراج عنه حال التعاون مع التحقيق والقبول بالتهم المنسوبة إليه.
وبحسب المنظمة الأوروبية السعودية لحقوق الإنسان، لا تعتبر دور الملاحظة مكانًا آمنًا للأطفال، فعلى الرغم من أنها تتبع إداريًا وزارة الشؤون الاجتماعية، فإن التحقيق يجري مع الأطفال من محققين تابعين لجهاز المباحث، ولا يتم عرضهم على قاضي الأحداث كما ينص القانون، بل يتم إحالة أكثرهم إلى المحكمة الجزائية المتخصصة التي أنشئت بغرض محاكمة الإرهابيين، كما تقع فيها ممارسات تعذيب ومعاملة مهينة، وثمة أيضًا دعاوى بشأن ارتكاب موظفيها جرائم جنسية ضد الأطفال، وقد أشارت المنظمة في تقرير سابق لهذه الممارسات، ودعت للتحقيق فيها.
صور حصلت عليها شبكة “سي إن إم” تُظهر مرتجي واقفًا إلى جوار والده عبد الله الذي يخطُب بدوره في حشدٍ من المحتجّين
في ذلك الوقت، اعتبره المحامون والناشطون أصغر سجين سياسي معروف في المملكة العربية السعودية، وبعد قرابة 32 شهرًا قضاها مرتجي في سجن الأطفال دون تهم أو محاكمة، اتخذت المملكة خطوة مستنكرة، في 25 من مايو/أيار 2017، بنقله في شهر رمضان إلى سجن المباحث سيء السمعة، المخصص للبالغين، رغم كونه آنذاك يبلغ من العمر 16 سنة.
وفي تطور بالغ الرعب، وضمن سياق استخدام السعودية لعقوبة القتل لتصفية أصحاب الرأي والمعارضين والمحتجين والاطفال، عبر الاستناد لنصوص دينية وأفهام متطرفة، طالبت النيابة العامة السعودية المرتبطة مباشرة بالملك السعودي سلمان بن عبد العزيز خلال أول جلسة عقدت له في المحكمة في أغسطس/آب عام 2018 بصلب الطفل مرتجي القريريص، استنادًا لفيض من الاتهامات التي لم تقدم النيابة العامة بشأنها أدلة مادية.
وبعد سنوات من اعتقاله، وفي سن الـ18 من عمره، يواجه قريريص عقوبة الإعدام بعد احتجازه قرابة 4 أعوام قضاها في السجن في انتظار المحاكمة، الأمر الذي علَّقت عليه مديرة أبحاث الشرق الأوسط في منظمة العفو الدولية، لين معلوف، بقولها: “لا ينبغي أن يكون هناك أدنى شك في أن السلطات السعودية على استعداد للذهاب إلى أبعد من هذا ضد مواطنيها للقضاء على كل أشكال المعارضة، بما في ذلك اللجوء إلى عقوبة الإعدام ضد من كانوا مجرد فتيان وقت اعتقالهم”.
وكأن قمع الأقليات ومن يعبروا عن رأيهم بطريقة سلمية في #السعودية ليس كفاية، فيقوم #محمد_بن_سلمان بالمطالبة بإعدام الأطفال. الدولة التي تخشى طفلا في العاشرة من عمره وتطالب بإعدامه وصلبه وتقطيع اطرافه اوهن من خيط العنكبوت. #مرتجى_قريريص #مرتجى_القريريص @ali_adubisi @oamaz7 pic.twitter.com/9ycUZn0D49
— حقائق واخبار مذهلة (@akhbarak15) June 7, 2019
خطر على أمن الدولة.. متظاهر سعودي آخر يواجه الإعدام
في أبريل/نيسان 2019، أعلنت المملكة العربية السعودية أنها أعدمت 37 رجلاً، بينهم قاصرين ومتظاهرين ومعاق، ومنهم 33 على الأقل من الأقلية الشيعية في المملكة، وأدينوا في أعقاب محاكمات جائرة لمختلف الجرائم المزعومة منها الجرائم المرتبطة بالاحتجاج وإشاعة الفوضى والتجسس والإضرار بالسلم والأمن الاجتماعي، وتشكيل خلايا إرهابية وإثارة الفتنة الطائفية والإضرار بالسلم والأمن الاجتماعي ومهاجمة المقار الأمنية، وفقًا لمنظمات حقوق الإنسان.
ناهزت أعداد من اعتقل تعسفيًا منذ 2011 حتى الآن – بحسب الأرقام المتوافرة – أكثر من 80 طفلاً، على خلفية المظاهرات التي شهدتها السعودية
هذا الإعدام الجماعي كان الأكبر منذ يناير/كانون الثاني 2016، حين أعدمت السعودية 47 رجلاً بتهمة ارتكاب جرائم إرهابية، وهو ما جعل المملكة تتمتع بأعلى معدلات إعدام في العالم، وكثيرًا ما تتعرض لانتقادات من جماعات حقوق الإنسان لإعدامها أشخاصًا صغارًا وقت ارتكاب الجرائم المنسوبة إليهم.
كان قريريص في العاشرة من عمره عندما ارتكب واحدة على الأقل من تلك الجرائم الموجهة له في وثيقة اتهامه التي وقِّعت قبل أشهر من بلوغه سن الـ18، وحسب ما ذكرت “سي إن إن“، اتُهم مرتجي بمرافقة شقيقه الناشط علي قريريص، في أثناء ركوب دراجة نارية إلى مركز للشرطة في مدينة العوامية بشرق المملكة، حيث زُعم أن علي ألقى زجاجات حارقة على المبنى.
ويحاكم قريريص حاليًّا في محكمة مختصة بقضايا الإرهاب، حيث اتهمه الادعاء بانتمائه لـ”جماعة إرهابية متطرفة” بعد حرمانه من أغلب حقوقه الأساسية ومنها استجوابه من دون حضور محاميه أو وصي قانوني عليه، ويواجه أيضًا خليطًا من التهم تتراوح بين العنف المزعوم ارتكابه خلال الاحتجاجات – بما في ذلك المساعدة في تصنيع قنابل مولوتوف – وإطلاق النار على قوات الأمن والسير في مسيرة جنازة أخيه عام 2011، وهذا ما يجعل من الأقوال التي تُنسب له موضع تشكيك.
الصورة على اليمين: عبدالكريم محمد الحواج، سلمان أمين القريس، مجتبى نادر السويكت، عبد الله سلمان آل سريح، محمد سعيد السكافي، عبد العزيز حسين سهوي
وقد نفى قريريص جميع التهم الموجهة إليه، وقال إن الاعترافات، التي اعتمد عليها الادعاء إلى حد كبير، اُنتزعت منه بالإكراه، وهو ما حدث مع المتهمين الذين واجهوا الإعدام في أبريل/نيسان الماضي، فقد كتب اعترافاتهم الأشخاص أنفسهم الذين عذبوهم، وزعم البعض أن بحوزتهم أدلة على تعرضهم لسوء المعاملة على يد من استجوبوهم، وذلك بحسب وثائق حصلَت عليها ونشرتها قناة “سي إن إن“، وخلافًا لما أعلنته السلطات السعودية عن اعترافات الأشخاص الذين تم إعدامهم مؤخرًا.
وتشكل حالة مرتجي نموذجًا لعشرات الأسر المضطهدة في السعودية، حيث إن أخاه الأكبر الناشط علي قريريص قُتل جراء استهداف قوات الأمن السعودية المتظاهرين السلميين في 23 من ديسمبر/كانون الأول 2011 بالرصاص بقصد القتل، كما أن أباه عبد الله، معتقل منذ نوفمبر/تشرين الثاني 2018 بسبب نشاطه في الدفاع عن حقوق الإنسان، رغم حالته الصحية المتدهورة، كذلك أخوه الناشط رضا موقوف في سجن مباحث الدمام منذ الأول من يونيو/حزيران 2014، لترسل المملكة عبر ذلك رسائل الترهيب للأهالي والنشطاء.
إعدام القُصَّر.. أحكام الإعدام لا تعرف أي حدود
تؤكد متابعات وتوثيق المنظمة الأوروبية السعودية لحقوق الإنسان أن الضحية مرتجي قريرص، يأتي ضمن انتهاك ممنهج لحق الأطفال في الحرية بالسعودية، حيث ناهزت أعداد من اُعتقل تعسفيًا منذ 2011 حتى الآن – بحسب الأرقام المتوافرة – أكثر من 80 طفلاً، على خلفية المظاهرات التي شهدتها السعودية.
قضية إعدام الرياض لقريريص تُضاف إلى 6 سجناء قاصرين آخرين على الأقل أُعدموا هذا العام بسبب جرائم مزعوم ارتكابهم لها قبل بلوغهم سن الـ18
ورغم أن السعودية دولة طرف في “اتفاقية حقوق الطفل” التي تحظر حظرًا تامًا استخدام عقوبة الإعدام ضد أشخاص ارتكبوا الجرائم التي أدينوا بها قبل سن الـ18، فإن ثمة 3 شبَّان آخرين في انتظار تنفيذ أحكام الإعدام الصادرة بحقهم، وهم علي النمر وعبد الله الزاهر وداوود المرهون، بزعم ارتكابهم جرائم عندما كانت أعمارهم دون 18 سنة، وقالوا إنهم أخضعوا للتعذيب لإكراههم على “الاعتراف”.
وفيما كانت السعودية قد تغنت بتحديثات على نظام الأحداث في نوفمبر/تشرين الثاني 2018 تنص على عدم إصدار أحكام إعدام بحق أي طفل، وتبديل حكم الإعدام إلى السجن 10 سنوات، فإن قضية إعدام الرياض قريريص تُضاف إلى 6 سجناء قاصرين آخرين على الأقل أُعدموا هذا العام بسبب جرائم مزعوم ارتكابهم لها قبل بلوغهم سن الـ18، لتؤكد عدم جدوى القوانين السعودية، وأن الجهات الرسمية هي من تتجاهل الأنظمة المحلية.
أحد أفراد القوات السعودية الخاصة في بلدة العوامية في الجزء الشرقي من المملكة العربية السعودية في 9 من أغسطس 2017
من بينهم هؤلاء الذين كانوا قصر وقت التهم – بحسب المنظمة الأوروبية السعودية لحقوق الإنسان – عبد الله سلمان آل سريح الذي تعود بعض تهمهه إلى عمر 16 سنة، وسعيد محمد السكافي وسلمان أمين القريش وعبد العزيز حسن آل سهوي الذين تعود بعض تهمهم لعمر 17 سنة، كما أن هناك شكوكًا بشأن آخرين يحتمل أنهم قصر، ولكن لم يتسن الوصول للمزيد من المعلومات.
ووفقًا لمنظمة العفو الدولية، فإن أصغر من جرى إعدامهم مؤخرًا يُدعى عبد الكريم محمد الحواج الذي عُذِّب حتى “اعترف” بجرائم مزعومة وُجِّهت له، منها تهمة المشاركة في احتجاجات غير سلمية قامت بها الأغلبية الشيعية في المنطقة الشرقية في 2012، حين كان في الـ16 من عمره، وأثار حكم إعدامه – في الـ23 من عمره – غضب الأمم المتحدة، التي حثت المملكة على إسقاط الحكم.
ومن بين أصغر من أُعدموا أيضًا، مجتبي نادر السويكت الذي كان في الـ17 حين شارك في مظاهرات مؤيدة للديمقراطية أدَّت إلى اعتقاله في العام 2012، في مطار الدمام حيث كان يستعد لركوب طائرة ليتوجه إلى الولايات المتحدة، حيث كان سيلتحق بجامعة ميشيغان الغربية.
تنتهك بذلك الحكومة السعودية كل القوانين المحلية والمعاهدات الدولية التي انضمت لها، في حين تردد بشكل مستمر، أنها لا تطبق عقوبة الإعدام إلا على الجرائم الأشد خطورة التي يُقصد بها القتل المتعمد،
لعل ما يؤكد تعارض سلوك المملكة مع اتفاقية مناهضة التعذيب التي وقَّعت عليها في سبتمبر/أيلول 1997 تحليل قامت به “هيومن رايتس ووتش” لـ10 أحكام أصدرتها المحكمة الجزائية المتخصصة بين 2013 و2016 ضد رجال وأطفال متهمين بارتكاب جرائم ذات صلة بالاحتجاج، في أعقاب مظاهرات شعبية قام بها أشخاص من الأقلية الشيعية في 2011 و2012 في مدن وبلدات المنطقة الشرقية، وتبيَّن في جميع هذه الأحكام تقريبًا، تراجع المدعى عليهم عن اعترافاتهم، قائلين إنهم تعرضوا للإكراه في ظروف ترقى في بعض الحالات إلى التعذيب، بما في ذلك الضرب والحبس الانفرادي المطوَّل.
وتنتهك بذلك الحكومة السعودية كافة القوانين المحلية والمعاهدات الدولية التي انضمت لها، في حين تردد بشكل مستمر، إنها لا تطبق عقوبة الإعدام إلا على الجرائم الأشد خطورة، التي يُقصد بها القتل المتعمد، غير أن نسبة كبيرة من الإعدامات المنفذة، لا ينطبق عليها ذلك، وهذا ما ينطبق على الشاب مرتجي الذي انتظرت المملكة بلوغه سن الـ18 عامًا لتنفيذ عقوبة الإعدام.