ترجمة وتحرير نون بوست
ألا ترغب في الحصول على “ذكاء شوارع” أفضل؟ كيف يمكن أن تتحول حياتك إلى الأفضل في حال كنت تستطيع ضبط عواطفك وتجيد تفهّم مشاعر الآخرين؟ هل ستصبح قادرًا على إقامة علاقات أفضل وإنشاء صداقة أقوى وتحقيق النجاح على الصعيد المهني؟ يبدو أن الذكاء العاطفي انتقل من مجرّد تفسير نفسي إلى مفهوم يحظى بشعبية بفضل ادعاءات تفيد بأنه يكتسي أهمية أكبر مقارنة بالذكاء الأكاديمي للنجاح في الحياة.
لقد عرّف مكتشفو مفهوم الذكاء العاطفي الفائق بأنه يتمثل في القدرة العالية على التعاطف مع الآخرين وفهم النفس وتنظيم العواطف بطريقة تجنّبك سرعة الانفعال أو الانهيار كلما شعرت بالإحباط في حياتك. وبطبيعة الحال، يكمن السؤال التالي في مدى القدرة على تدريب الذكاء العاطفي أو تعلمه. وفي حال تمكّنت من الارتقاء بمستوى ذكائك العاطفي ببضع درجات على النحو الذي تريده، فستصبح مؤهلًا لبلوغ أقصى مراحل النظام مع فرصة لكسب الأصدقاء والاحترام من الجميع.
لكن تتسم هذه العملية بتعقيد أكبر مما نظن. فكيف يكون اكتساب مهارة تخول لك تغيير طريقة فهمك لنفسك وللآخرين والطريقة التي تتواصل من خلالها سهلًًا؟ في مراجعة شاملة جديدة، كرّست كل من الباحثتين فيكتوريا مادينغلي وكورت كرايغر من جامعة ولاية كولورادو الحكومية مهاراتهما التحليلية في العمل على تقييم الادعاء القائل إن الذكاء العاطفي يعتبر مهارة قابلة للتعلّم. وتبعث النتائج التي توصلتا إليها الأمل في الأفراد الذين لم ينعموا بهذه القدرة منذ الولادة.
استهلت كل من مادينغلي وكرايغر هذه المراجعة بالإشارة إلى أن بعض الباحثين يعتبرون الذكاء العاطفي بمثابة “القدرة التي تتيح للفرد فرصة لمعالجة معلومات معقدة حول عواطفه الخاصة وعواطف الآخرين”. ومن شأن هذه المعلومات أن “تُستخدم كدليل يوجه تفكيرك وسلوكك”.
عندما يتعلق الأمر بنموذج التدريب، تؤكد كل من مادينغلي وكرايغر على صعوبة ترجمة هذا المفهوم الواسع من خلال مجموعة واضحة من المؤشرات القابلة للقياس التي يسهل تتبع مسار التقدم الذي تحرزه.
إذا كنت تعرف شخصًا يتمتع بقدرة عالية من الذكاء العاطفي، فسيرتفع احتمال شعورك بالراحة في حضوره وغالبا ما تتفاجأ بمدى قدرة هذا الشخص على “قراءة أفكارك” فضلا عن نيل إعجابك بقدرته على تمالك أعصابه عند الغضب بقطع النظر عن طبيعة الاستفزاز. فعلى سبيل المثال، بإمكانك حرفيًا سكب كوب هذا الشخص من الكابتشينو المثلج المصنوع بعناية على الأرضية دون تلقّي أي لوم أو اتهامات غاضبة من قبله.
وفقا لباحثتي جامعة ولاية كولورادو، تتعارض هذه النسخة “الخالصة” من الذكاء العاطفي مع نهج “النموذج المختلط”، الذي يشمل مفهوم “بالوعة المطبخ” على غرار “مجموعة الكفاءات غير المعرفية التي تؤدي إلى التعامل مع المواقف الصعبة بنجاح وإضافة الحوافز والسمات الشخصية والطباع والمهارات الاجتماعية إلى جانب التقدير العاطفي وحسن التدبير”.
مجددًا، سيكون من الرائع للغاية أن يتمتع الأفراد بهذه الصفات. لكن عندما يتعلق الأمر بنموذج التدريب، تؤكد كل من مادينغلي وكرايغر على صعوبة ترجمة هذا المفهوم الواسع من خلال مجموعة واضحة من المؤشرات القابلة للقياس التي يسهل تتبع مسار التقدم الذي تحرزه.
من وجهة نظر قائمة على الأبحاث، فإن أكثر ما يزيد الأمور تعقيدًا هو أن “حيز البناء” الخاص بالدراسات التدريبية يعد “أكثر فوضوية”. ولأغراض تحليلية، قام فريق البحث بتقسيم الدراسات التدريبية إلى نوع من الذكاء العاطفي الخالص والقائم على قدرات الشخص، وبرامج تعتبر القدرة جزءًا من “مزيج” من القدرات الأخرى المكتسبة بفضل الخبرة.
عند تقييم البرامج التدريبية من منظور علم النفس الصناعي والتنظيمي، لاحظت مادينغلي وكرايغر أن أرباب العمل في أنواع مختلفة من الصناعات يسعون إلى تعزيز الذكاء العاطفي لدى عمالهم نظرا لاعتقادهم أنه أمر “جيد”. وعند نجاح هذه الطريقة، سيساعد ذلك الموظفين على تقديم أداء أفضل ومنحهم شعورا بسعادة أكبر. وتعد هذه النتيجة التي يصعب إنكارها جديرة بالاهتمام.
من خلال الدراسات والعينات وبقطع النظر عن الاختلافات في المنهجية، تقدم النتائج أدلة قوية ومشجعة ومعقولة على إمكانية تدريب الذكاء العاطفي
بالنسبة للدراسات التي تعنى بهذا المجال، تتماشى حالة الفوضى التي يتسم بها هذا المفهوم مع فوضى المعطيات المتاحة. ويعود استياء الباحثين في كولورادو إلى اكتشافهم أن برامج التدريب المتوفرة تحت تصرفهم غالبا ما تفتقر إلى التفاصيل الكافية، أو إلى أية تفاصيل على الإطلاق، حتى يتسنى لهم التمييز بين القدرة ونهج النماذج المختلطة.
في الحقيقة، لم تشمل بعض الدراسات التدريبية معيار “سيغروبس”، بصفته المعيار المعتاد، واستخدمت بدلا من ذلك مقارنات قبل العلاج وبعده لمتغيرات نتائج الذكاء العاطفي. وفي إطار مراعاة هذه الفروق المنهجية، أجرت المؤلفتان تحليلين تلويّيْن منفصلين باستخدام 56 عينة من 50 دراسة قائمة على مبدأ قبل وبعد العلاج، حيث ضمّت حوالي 2136 مشاركا و28 عينة من 26 دراسة تقوم على مراقبة العلاج والتي شملت 2174 مشاركًا.
تضمّنت عينات من البالغين المنخرطين في هذه الدراسات مهنا من مختلف قطاعات الخدمات العامة والخاصة بما في ذلك المديرين والممرضين وضباط الشرطة والمدرسين وموظفي مبيعات التجزئة. وقد وقع الاختيار على عينات طلبة من مستويات متنوعة من مرحلة ما بعد الثانوية، حيث كان معظمهم مسجّلا في برامج ماجستير إدارة الأعمال. وقد أنهى جميع الطلبة من جميع العينات التدريب في سياق الدورة التي كانوا يرتادونها.
من خلال الدراسات والعينات وبقطع النظر عن الاختلافات في المنهجية، تقدم النتائج أدلة قوية ومشجعة ومعقولة على إمكانية تدريب الذكاء العاطفي. وقد لاحظت المؤلفتان أن حجم تأثيرات التدريب يضاهي حجم تلك التي تمت الإشارة إليها في المجالات الأخرى. وكما هو متوقع، أظهرت الدراسات المنشورة في المجلات الأكاديمية تأثيرات أوسع نطاقًا مقارنة بتلك التي وردت في أطروحات الدكتوراه غير المنشورة.
يتمثل المكون الأول لبرنامج ناجح لتدريب الذكاء العاطفي في فسح المجال أمام المتدرّب لمناقشة الأفكار المقدّمة في التدريب مع زملائه المتعلمين
حتى الدراسات التي تسمّى “بالأدب الرمادي” دعمت فوائد التدريب. وعلى الرغم من الميل الأكبر الذي تتميز به النساء إلى التحصّل على درجات أعلى في اختبارات الذكاء العاطفي مقارنة بالرجال، إلا أن كلاهما استفادا بقدر متساوٍ من التدريب.
قد يراودك سؤال حول ما إذا كان من الممكن تدريب الذكاء العاطفي؟ وكيف يمكنك تحسين مهاراتك في هذا المجال؟ أفادت تقارير المؤلفتان بأن الدراسات تباينت لا سيما على مستوى نوعية التدريب، وهو ما يحول دون الإجابة على هذا السؤال بشكل كامل. ومع ذلك، تقدّم مادينغلي وكرايغر اقتراحات صيغت بعناية حول الطريقة التي تعمل من خلالها برامج التدريب الأمثل، التي قد تمثّل الصفات التي من شأنك السعي إلى اكتسابها.
يتمثل المكون الأول لبرنامج ناجح لتدريب الذكاء العاطفي في فسح المجال أمام المتدرّب لمناقشة الأفكار المقدّمة في التدريب مع زملائه المتعلمين. وحسب كل من مادينغلي وكرايغر، “يجب أن يكتسب المتدربون المزيد من الذكاء العاطفي عندما يتمكنون من مناقشة معنى “البناء” وكيف ينطبق عليهم”.
يتماشى هذا الاستنتاج مع الدراسات الأخرى حول تعليم الكبار. وتمنحك القدرة على تطبيق أفكار جديدة في حياتك ومشاركتها مع الآخرين فرصة اختبار مدى نجاح هذه الأفكار. وفي حال كنت تنوي اختيار برنامج لتعلم الذكاء العاطفي سواء كان ذلك في مكان عملك أو في أي مكان آخر، فاحرص على الاطلاع على مدى توظيف هذا التدريب لاستراتيجية التفاعل بين الأقران.
يعد الذكاء العاطفي سمة قد يرغب معظم الأفراد في اكتسابها. وإذا كنت تعتقد أن مهاراتك في حاجة إلى بعض الصقل، فمن المحفز أن تعلم أنه بإمكانك إحراز التقدم الذي تتطلع إليه.
يقوم المكون الثاني لتدريب الذكاء العاطفي الناجح على القدرة على تطبيق أفكارك بين الجلسات من خلال تجاذب أطراف الحديث مع الآخرين وتلقّي تعليقات حول الأساليب الجديدة التي تحاول استخدامها في حياتك اليومية. فعلى سبيل المثال، قد تتلقى تدريبًا حول كيفية قراءة الإشارات العاطفية لأشخاص آخرين. اختبر مستوى أدائك عبر التوجه بالسؤال إلى الأشخاص الذين تشعر تجاههم بالارتياح حول ما إذا كانوا يبادلونك الشعور ذاته.
في هذا الصدد، قد تستضيف رفاقك في منزلك وتخوض معهم نقاشًا حول لون السجادة المناسب لغرفة الطعام الخاصة بك. فيقوم أحد أصدقائك بتقديم اقتراح ولكن بدلا من التمعّن فيه، تولي ببساطة الاهتمام إلى ما يقوله شخص آخر. ومن المحتمل أن يعتبر صديقك هذا التصرّف بمثابة الإهانة. وكلما سنحت لك الفرصة، حاول أن تطرح سؤالا عما إذا كان سلوكك بدا في الواقع شديد الازعاج. وفي هذه الحالة، ستساهم قدرتك على التحقق من مدى صحة قراءتك للوضع مع تقديم الاعتذار في تعزيز مهارات الذكاء العاطفي لديك.
عموما، يعد الذكاء العاطفي سمة قد يرغب معظم الأفراد في اكتسابها. وإذا كنت تعتقد أن مهاراتك في حاجة إلى بعض الصقل، فمن المحفز أن تعلم أنه بإمكانك إحراز التقدم الذي تتطلع إليه.
المصدر: سايكولوجي توداي