ترجمة وتحرير نون بوست
مؤخراً، فرضت الولايات المتحدة عقوبات جديدة على الهند بالتزامن مع إعادة انتخاب رئيس الوزراء، ناريندرا مودي. وتجدر الإشارة إلى أن هذه العقوبات تهدف إلى تدمير الدبلوماسية العريقة لرئيس الوزراء مودي، خاصة فيما يتعلق بعلاقة الهند بالصراع بين القوى العظمى.
من جهتهم، اقترح الخبراء المقربون من فريق مودي أن الهند بحاجة إلى رسم خطوطها الحمراء بوضوح فيما يخص علاقاتها مع الولايات المتحدة وتحديد احتياجاتها من هذه العلاقة ومزاياها وسلبياتها. وفي الواقع، تعتبر الهند هي الثقل الوحيد الموازي للصين في آسيا. لذلك، لا يجب معاملتها بالطريقة نفسها التي تُعامل بها بقية الدول.
تتصرّف القوة الموازنة للصين بطريقة غريبة إلى حد ما. ويقال إنه في مجموعة العشرين السابقة، كان مودي فخورًا بنفسه نظرًا لأنه شارك في مؤتمرين منفصلين مهمين؛ جمع في مرحلة أولى بين الهند وروسيا والصين وفي مرحلة ثانية بين الهند واليابان والولايات المتحدة الأمريكية.
في الآونة الأخيرة، مرت الفرقاطات الهندية مع السفن الحربية اليابانية والفليبينية عبر بحر الصين الجنوبي، مما يوحي بأن الولايات المتحدة تتعمّد تحدّي الصين. والجدير بالذكر أن دلهي فخورة بمشاركة الفرقاطات الهندية في هذا التحدي عوضًا عن الباكستانية، ما أدى إلى تفكيك التحالف طويل الأمد بين الولايات المتحدة وباكستان. في المقابل، لسائل أن يسأل ما إذا أدت إعادة انتخاب مودي إلى فرض الولايات المتحدة للعقوبات على الهند.
في الحقيقة، بالنسبة للشق الديمقراطي والليبرالي في الولايات المتحدة، لم يكن فوز مودي مناسبًا للولايات المتحدة. وفي هذا الصدد، ظهرت العديد من التقارير في وسائل الإعلام الأمريكية، التي عبرت عن أملها في فشل مودي في الانتخابات بسبب إخفاقاته الاقتصادية وابتعاده عن الأسس الأيديولوجية للمجتمع الهندي.
يعدّ ملف “النفط الإيراني” من بين القضايا الدولية الأكثر أهمية، الذي دفع بالولايات المتحدة إلى التحالف مع العرب وإسرائيل ضد إيران وفرض عقوبات على طهران
في المقابل، لم يفز رئيس الوزراء الهندي في الانتخابات فقط، وإنما تمكن كذلك من إثارة ضجة كبيرة من خلال تفوّقه على حزب المؤتمر الوطني الهندي الذي لم يعد له مكان على الساحة السياسية. وفي الوقت الراهن، يهيمن حزب مودي بأفكاره المتعلقة بالعودة إلى القيم والمبادئ الهندية. كما قد يحاول تنمية الاقتصاد على أساس النهضة الأخلاقية.
على الرغم من العلاقات التجارية المتبادلة بين البلدين، انزعج الأمريكيون من فوز مودي الساحق. وفي هذا الصدد، ارتفعت قيمة السلع السوقية في الولايات المتحدة بقيمة 5.6 مليار دولار من إجمالي الصادرات الهندية التي بلغت 83.2 مليار دولار في العام الماضي. ووفقا للنظام الخالي من التعريفات الجمركية، يُعتبر سوق الولايات المتحدة ملائما للمنسوجات الهندية وقطع غيار السيارات.
وعموما، تهدد العقوبات الأمريكية بتفاقم الأمور نحو الأسوأ، خاصة وأن حجم الخلافات المستقبلية الدولية قد يتوسع في المستقبل. وفي الواقع، يعدّ ملف “النفط الإيراني” من بين القضايا الدولية الأكثر أهمية، الذي دفع بالولايات المتحدة إلى التحالف مع العرب وإسرائيل ضد إيران وفرض عقوبات على طهران. وفي الوقت الراهن، يحاول الجانب الأمريكي جعل هذه العقوبات بمثابة تهديد لجميع دول العالم، وبشكل خاص لأية دولة تشتري شركاتها النفط الإيراني.
تحصلت دلهي على تأجيل لتنفيذ العقوبات لمدة ستة أشهر حتى تتمكن من وقف استيراد النفط الإيراني. وتُفيد بعض المعلومات بأن الهند (والصين) أوقفتا بالفعل صفقات شراء الذهب الأسود. في المقابل، يحاول الدبلوماسيون الهنود في الوقت نفسه التأكيد على أن إيران جارة للهند وشريك مهم ومشارك في العديد من المشاريع الاستثمارية.
علاوة على ذلك، فرضت الولايات المتحدة العديد من الشروط، المتمثلة في فتح الأسواق الهندية لمنتجات الألبان الأمريكية، وإزالة أية عقبات من شأنها أن تحول دون وصول المعدات الطبية الأمريكية وغيرها من المنتجات الخاصة بالمجال التكنولوجي إلى الهند. وبمن الواضح أنه ينبغي أن ينقلب هيكل العلاقات بين البلدين رأسا على عقب، حتى تكون العلاقات الثنائية في خدمة الولايات المتحدة.
في حال تفوقت الهند على المملكة المتحدة خلال هذه السنة، فستصبح خامس أقوى اقتصاد في العالم. وفي الواقع، تمكنت الهند، بفضل النظام الذي فرضه رئيس الوزراء، مودي، من تجاوز الصين من حيث النمو وزيادة الناتج المحلي الإجمالي بنسبة 50 بالمئة
في هذا الصدد، لا بد من النظر في كيفية تأثير ذلك على الوضع العام في الهند، علما وأنه لا يجب التركيز على المشاكل الاقتصادية للبلد المتمثلة في البطالة خاصة في الأرياف، وإنما يجب النظر إلى تطور الهند لتصبح إحدى القوى الاقتصادية العالمية.
وتجدر الإشارة إلى أنه في حال تفوقت الهند على المملكة المتحدة خلال هذه السنة، فستصبح خامس أقوى اقتصاد في العالم. وفي الواقع، تمكنت الهند، بفضل النظام الذي فرضه رئيس الوزراء، مودي، من تجاوز الصين من حيث النمو وزيادة الناتج المحلي الإجمالي بنسبة 50 بالمئة. وخلال الولاية الثانية لمودي، من المقرر أن تحافظ الهند على بلوغ نسبة نمو تُقدّر بحوالي سبعة بالمئة سنويا.
وعلى هذا الأساس، كيف يمكن أن نتخيل أن دولة يدخل فيها 7.5 مليون شخص سنويا إلى سوق العمل قد توافق على الشروط الأمريكية المذكورة آنفا. وعلى العموم، لن يكون ذلك مجرد فشل لبرنامج مودي الطموح “افعلها في الهند”، وإنما سيكون بمثابة كارثة اقتصادية حلت بالبلاد.
في شأن ذي صلة، يبقى السؤال المطروح: “لماذا أقدم الجانب الأمريكي على هذه الخطوة؟” وبعبارة أخرى، ما الذي يجعل الولايات المتحدة تحاول تدمير اقتصاد كل من حلفائها وأعدائها؟ في الحقيقة، تحاول الولايات المتحدة حماية اقتصادها من التداعي حتى وإن كان ذلك على حساب الحلفاء أو الأعداء على حد السواء. وبناء على ذلك، ستجد الهند أنها ليست البلد الوحيد الذي تتركه الولايات المتحدة في وضع جيوسياسي صعب.
اتضح أن العالم أصبح مختلفا في هذه الأثناء، حيث أصبح الجميع مُجبرين على اختيار أحد المعسكرين المتعارضين وفقا لمبدأ “إما أن تكون مع الولايات المتحدة أو ضدها”
بالإضافة إلى ذلك، يتمثل الحلم الهندي في أن تصبح الهند ثالث قوة في العالم مستقلة باستطاعتها اتخاذ أي قرارات وقادرة على استخدام كل الفرص الاقتصادية المتاحة مثلها مثل الولايات المتحدة والصين وروسيا وغيرها من الدول. فضلا عن ذلك، ترغب دلهي في ألا تكون تابعة لأي من القوى الكبرى في العالم، كما أنها تحلم بقيادة منطقة جنوب آسيا والحفاظ على علاقاتها مع جيرانها في هذه المنطقة على غرار العالم العربي وآسيا الوسطى وشرقيّ آسيا بقيادة الصين. وعلى العموم، تطمح الهند كذلك في أن تكون مركزا صناعيا للتقنيات والتكنولوجيات المتقدمة إلى جانب تطوير وتعزيز الاهتمام بالمعالم الحضارية القديمة.
خلال حكم مودي، كان من الممكن تحقيق هذه الأهداف. لكن، اتضح أن العالم أصبح مختلفا في هذه الأثناء، حيث أصبح الجميع مُجبرين على اختيار أحد المعسكرين المتعارضين وفقا لمبدأ “إما أن تكون مع الولايات المتحدة أو ضدها”. ولكي تصبح جزءا من المعسكر الأمريكي، يجب أن تتخلى عن أحلامك وطموحاتك الخاصة بغية تحقيق أهداف الولايات المتحدة الأمريكية. وعلى العموم، يبقى السؤال منوطا بالوقت الذي ستستغرقه الهند من أجل اختيار أحد المعسكرين.
المصدر: كوميرسانت