تنتشر أحواض الأسماك حولنا كثيرًا بهدف الزينة، في مكاتب العمل وعيادات الأطباء والمطاعم والمنازل. إذ تشير بعض الدراسات إلى أنها تقلل من القلق والإجهاد وضغط الدم وتهدئ الأطفال من ذوي النشاط المفرط، إلا أن التعامل معها كتحف زينة ومعارض وكائنات أليفة تربى بالمنازل، يحمل تداعيات وآثار سلبية على حياة البحر وتنوّع الأسماك، إذ ينطوي على انتهاكات جسيمة لحقوقها.
وسواء كان الوعاء صغيرًا ومعقمًا يضم سمكة واحدة أو خزانًا كبيرًا كالاحواض المحلية التي نراها في مراكز التسوق والمدن المائية، أي الـ “أكواريوم”، إلا أن تصميمها مخصص لإمتاع البشر. فهذه الأسماك تعيش داخل مكان مغلق تعاني فيه من قلة المياه ومن الحدّ من نشاطها الطبيعي، وهي بالطبع عرضة لتداعيات مختلفة عن شبيهاتها داخل بيئتها الطبيعية.
تعيش معظم الأسماك الأسيرة حياًة قصيرة تنتهي سريعًا مما يؤدي إلى استبدالها بسهولة بمخزون جديد كل فترة. وهذا بالطبع يخلق طلبًا مستمرًا يغذي دورة الجمع والإنتاج والإستحواذ أو الموت، مما يجلب تكاليف بيئية ويطرح أسئلة أخلاقية متأصلة في تجارة أسماك الزينة. إذ تقدّر أعداد الأسماك التي يتم تداولها سنوياً لصناعة أحواض الزينة بأكثر من مليار سمكة! تشمل حوالي 5400 نوع، هذا ومن دون أن نأخذ بالحسبان اللافقاريات والقشريات والصخور الحية والشعب المرجانية والنباتات التي تعد أيضًا جزءًا من هذه العملية.
بالرغم من أن هذه الأسماك لا تملك القدرة على العيش بحيوية أكبر والسفر مسافات طويلة داخل المحيطات والبحار إلا أنها كائنات عاطفية وتظهر قدرات إدراكية أكبر بكثير مما يُعرف عنها – كما أن القليل منها، إن وجد، يقضون حياتهم بأكملها برعاية أحد أبويهم. فقد أجرى بعض العلماء دراسة حول ما إذا كانت الأسماك تعاني من الألم كما يفعل البشر، وقد نشرها الدكتور كولون براون من جامعة ماكواري الأسترالية، في ورقة بحثية عام 2015 بعنوان “الإدراك الحيواني” خلص بها إلى أن “إدراك الأسماك وقدراتها المعرفية تتطابق أو تفوق الفقاريات الأخرى”، وتشير الدلائل الواسعة على التطور السلوكي والمعرفي وتصور الألم إلى أن أفضل الممارسات تتمثل في منح الأسماك نفس مستوى الحماية مثل أي حيوان فقاري آخر. “
تحمل هذه التجارة أيضًا آثارًا سلبية جمّة على البيئة والإنسان كما على الأسماك. إذ أن هذه الأسماك تُجمع من البحار أو المحيطات دون التفكير بمآلات وخطورة هذه الخطوة وأضرارها. ذلك أن الكثير من هذ الأسماك يتم صيدها من بحيرات الصدع الإفريقية مثل بحيرة تنجانيقا بالرغم وجود ضمانات تحذّر بأن هذه الممارسة “مستدامة” وتوفر مصدرًا للدخل المحلي.
نطعِم الأسماك للأسماك؟
من المثير أيضًا النظر إلى الجدل القائم حول مصدر طعام أسماك الزينة التي نربيها في الحيز الخاص، إذ أن مصدر طعام الأسماك يشكّل نقطة غامضة إلى حد ما. فغالبًا ما يتم وصفه على العبوة بأنه “وجبة السمك” أو “وجبة الجمبري” أو “وجبة الحبار” أو “وجبة فول الصويا” وما شابه. كما هو الحال مع معظم أغذية الحيوانات الأليفة، إذ من المحتمل أن يكون منتجًا ثانويًا لسلسلة الأغذية البشرية التي قد تضيع سدى، مما يعني أننا نصطاد أسماكاً وكائنات بحرية أخرى من أجل إطعام كائنات نحتفظ بها في منازلنا.
يرتفع الطلب على الأسماك الموجودة في المناطق البرية بنسبة أكبر من غيرها، وهو ما يحمل تبعات على بيولوجية الأسماك المحلية أو المستوطنة مما يستنفد أنواع معينة لها خصائص عيش بطيئة في الاستجابة للاضطرابات السكانية ويعرضها للخطر.
بينما تقوم الممارسة المستخدمة في اصطياد أسماك الزينة على أساس صعق هذه الحيوانات بمخدر يسهل عملية الحصول عليها مما يؤدي إلى تأثيرات رهيبة على الشعاب المرجانية وعلى جميع الحيوانات الموجودة في البحر، وليس فقط الأسماك. مع احتمالية 80% أن تموت هذه الأسماك في طريق وصولها إلى السوق المحلي.
كشف طبيبين في ورقة بحثية عام 2007 عن إمكانية انتقال الأمراض خلال تجارة أسماك الزينة في أستراليا، وكذلك وجود أسماك غير أصلية لديها أمراض مدخلة من البرية. فقد تم توثيق تأثيرات من هذا النوع في بلدان أخرى، بما في ذلك الولايات المتحدة، وقد قاموا على سبيل التجربة بإلقاء أسماك الأسد المستوردة من البر من قِبل أصحاب الأحواض المنزلية على مدار الـ 25 عامًا الماضية، وأصبحت تهديدًا بيئيًا هائلًا للمياه الساحلية الأطلسي في الولايات المتحدة ومنطقة البحر الكاريبي.
وفي إطار توعية بدأت في السنوات الأخيرة حول أضرار هذه التجارة على الإنسان وعلى الثروة البحرية وعلى ما تستهلكه من طاقة وعناية عمل فيلم Blackfish على تطوير الجهود العالمية للتشكيك في أخلاقيات الحفاظ على الأسماك في الأسر. فقد تحدى المشاهدين للاعتراف بقسوة إبقاء حيوانات كبيرة وذكية وعاطفية في مثل هذه الاحواض المحدودة كبرت أو صغرت. كما تم حظر صيد أسماك “بالكورل” من مياه المحيط الهادئ من قبل الإدارة الوطنية للمحيطات والغلاف الجوي في سبتمبر الماضي بهدف المساعدة في حماية هذا النوع من الانقراض.
إلا أن صدى هذه التوعية ما زال يلقى اهتمامًا ضعيفًا من عامة الناس ولم يسجل انخفاضاً ملحوظًا حتى الآن. فهل تستحق متعة مراقبة الأسماك في خارج مكانها الطبيعي كل هذه التكاليف البيئية والأعباء الأخلاقية؟