ترجمة وتحرير: نون بوست
في تمام الساعة الواحدة ظهرًا من يوم 7 أكتوبر/تشرين الأول 2023، أصدرت القيادة العسكرية الإسرائيلية أمرًا أطلق العنان لواحدة من أعنف حملات القصف في الحروب المعاصرة.
ومنح الأمر الذي دخل حيز التنفيذ على الفور ضباطًا إسرائيليين من ذوي الرتب المتوسطة سلطة ضرب آلاف المسلحين والمواقع العسكرية التي لم تكن أبدًا أولوية في الحروب السابقة على غزة؛ حيث أصبح بإمكان الضباط الآن ملاحقة كبار قادة حماس ومستودعات الأسلحة ومنصات إطلاق الصواريخ التي كانت محور الحملات السابقة، وأيضًا المقاتلين الأقل رتبة.
ونص الأمر على أن بإمكان الضباط في كل غارة أن يخاطروا بقتل ما يصل إلى 20 مدنيًا.
لم يكن لهذا الأمر- الذي لم يتم الإعلان عنه من قبل- سابقة في تاريخ الجيش الإسرائيلي، فلم يسبق أن مُنح الضباط من ذوي الرتب المتوسطة هذا القدر الكبير من الصلاحيات لمهاجمة هذا العدد الكبير من الأهداف، التي كان الكثير منها ذا أهمية عسكرية قليلة وله تكلفة مدنية محتملة عالية.
وكان هذا يعني، على سبيل المثال، أن الجيش بإمكانه استهداف مقاتلين من الرتب المتوسطة أثناء وجودهم في المنزل محاطين بأقاربهم وجيرانهم، بدلاً من استهدافهم بمفردهم في الخارج.
في المواجهات السابقة مع حماس، لم تتم الموافقة على العديد من الضربات الإسرائيلية إلا بعد أن خلص الضباط إلى أنه لن يصاب أي مدني بأذى، وفي بعض الأحيان، كان بإمكان الضباط المخاطرة بقتل ما يصل إلى خمسة مدنيين، ونادرًا ما كان الحد الأقصى يصل إلى 10 مدنيين أو أكثر، رغم أن عدد القتلى الفعلي كان أعلى من ذلك بكثير في بعض الأحيان.
ولكن في 7 أكتوبر/تشرين الأول، غيرت القيادة العسكرية قواعد الاشتباك لأنها اعتقدت أن إسرائيل تواجه تهديدًا وجوديًا، وفقًا لضابط عسكري كبير أجاب على أسئلة حول الأمر بشرط عدم الكشف عن هويته.
وقبل ذلك بساعات، كان المقاتلون بقيادة حماس قد اقتحموا جنوب إسرائيل واستولوا على بلدات وقواعد للجيش، وارتكبوا فظائع، وأطلقوا آلاف الصواريخ على مناطق مدنية، وقتلوا ما يصل إلى 1200 شخص وأخذوا ما يقرب من 250 رهينة، وقال الضابط إنه بينما كان الإسرائيليون يقاتلون مقاتلي حماس داخل حدودهم، كان قادة إسرائيل قلقين أيضًا من اجتياح من حلفاء الحركة في لبنان ويعتقدون أن عليهم اتخاذ إجراء عسكري صارم.
قال رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو في خطاب ألقاه في 7 أكتوبر/تشرين الأول: “كل الأماكن التي كانت حماس تنتشر فيها في مدينة الشر هذه، كل الأماكن التي كانت حماس تختبئ فيها وتعمل منها، سنحولها إلى ركام”.
وقد وجد تحقيق أجرته صحيفة “نيويورك تايمز” أن إسرائيل أضعفت بشدة نظام الإجراءات الوقائية التي تهدف إلى حماية المدنيين؛ واعتمدت أساليب معيبة للعثور على الأهداف وتقييم خطر وقوع ضحايا مدنيين؛ وفشلت بشكل روتيني في إجراء مراجعات بعد الغارات الجوية للأضرار التي لحقت بالمدنيين أو معاقبة الضباط على ارتكابهم مخالفات بهذا الشأن؛ وتجاهلت التحذيرات من داخل صفوفها ومن كبار المسؤولين العسكريين الأمريكيين بشأن هذه الإخفاقات.
وراجعت صحيفة التايمز العشرات من السجلات العسكرية وأجرت مقابلات مع أكثر من 100 جندي ومسؤول، بما في ذلك أكثر من 25 شخصًا ساعدوا في التحقق من الأهداف أو الموافقة عليها أو ضربها، وتوفر رواياتهم مجتمعة فهمًا متكاملًا للكيفية التي شنت بها إسرائيل واحدة من أكثر الحروب الجوية دموية في هذا القرن، وقد تحدث معظم الجنود والمسؤولين شريطة عدم الكشف عن هويتهم لأنهم ممنوعون من التحدث علنًا في موضوع بهذه الحساسية، كما تحققت التايمز من الأوامر العسكرية مع ضباط مطلعين على محتواها.
وجدت صحيفة التايمز في تحقيقها الآتي:
-
وسّعت إسرائيل بشكل كبير من مجموعة الأهداف العسكرية التي سعت إلى ضربها في الضربات الجوية الاستباقية، بينما زادت في الوقت نفسه من عدد المدنيين الذين يمكن أن يعرضهم الضباط للخطر في كل هجوم، وقد أدى ذلك إلى إطلاق إسرائيل ما يقرب من 30,000 قذيفة على غزة في الأسابيع السبعة الأولى من الحرب، أي أكثر مما أطلقته في الأشهر الثمانية التالية مجتمعة، بالإضافة إلى ذلك، ألغت القيادة العسكرية الحد الأقصى للعدد الإجمالي للمدنيين الذين يمكن أن تعرضهم غاراتها للخطر كل يوم.
-
وافق كبار القادة في مناسبات قليلة على توجيه ضربات لقادة حماس كانوا يعلمون أنها ستعرّض أكثر من 100 شخص من المدنيين غير المقاتلين للخطر، وهو ما يمثل تجاوزًا غير عادي بالنسبة لجيش غربي معاصر.
-
نفذ الجيش ضرباته بوتيرة جعلت التأكد من مشروعية الأهداف التي يضربها أمرًا صعبًا؛ حيث استنفد جزءًا كبيرًا من قاعدة بيانات الأهداف التي تم فحصها قبل الحرب في غضون أيام، واعتمد نظامًا غير موثوق به للعثور على أهداف جديدة يستخدم الذكاء الاصطناعي على نطاق واسع.
-
اعتمد الجيش في كثير من الأحيان على نموذج إحصائي بدائي لتقييم خطر إلحاق الضرر بالمدنيين، وفي بعض الأحيان شنّ الجيش غارات على أهداف بعد عدة ساعات من تحديد موقعها الأخير، مما زاد من احتمال وقوع الخطأ، واعتمد النموذج بشكل أساسي على تقديرات استخدام الهواتف المحمولة في حيّ أوسع، بدلًا من المراقبة المكثفة لمبنى محدد، كما كان شائعًا في الحملات الإسرائيلية السابقة.
-
منذ اليوم الأول للحرب، قللت إسرائيل بشكل كبير من استخدامها لما يسمى بـ”طرقات على السقف”، أو الطلقات التحذيرية التي تمنح المدنيين الوقت للفرار من هجوم وشيك، كما تسببت في بعض الأحيان بأضرار أكبر من خلال إسقاط “قنابل غبية” وقنابل تزن 2000 رطل عندما كان بإمكانها استخدام ذخائر أصغر أو أكثر دقة لتحقيق الهدف العسكري نفسه.
كانت الحملة الجوية في أوجها خلال أول شهرين من الحرب، عندما قُتل أكثر من 15,000 فلسطيني، أو ما يقرب من ثلث الحصيلة الإجمالية، وفقًا لوزارة الصحة في غزة، والتي لا تفرق بين المدنيين والمقاتلين.
ومنذ نوفمبر/تشرين الثاني 2023، ووسط احتجاج عالمي، بدأت إسرائيل في الحفاظ على الذخيرة والتشديد على بعض قواعد الاشتباك، بما في ذلك خفض عدد المدنيين الذين يمكن أن يتعرضوا للخطر عند ضرب مقاتلين من ذوي الرتب المتدنية الذين لا يشكلون تهديدًا وشيكًا، لكن القواعد لا تزال أكثر تساهلاً بكثير مما كانت عليه قبل الحرب، ومنذ تلك الأسابيع الأولى، قُتل أكثر من 30,000 فلسطيني، وبينما تشكك إسرائيل في أرقام الوزارة، فإن العدد الإجمالي مستمر في الارتفاع.
وأقر الجيش الإسرائيلي بأن قواعد الاشتباك قد تغيرت بعد السابع من أكتوبر/تشرين الأول، لكنه قال في بيان مكون من 700 كلمة إن قواته “تستخدم باستمرار وسائل وأساليب تلتزم بقواعد القانون”.
وأضاف البيان أن هذه التغييرات جاءت في سياق صراع “غير مسبوق ولا يمكن مقارنته بمسارح الأعمال العدائية الأخرى في العالم”، مشيراً إلى حجم هجوم حماس، وجهود المسلحين للاختباء بين المدنيين في غزة، وشبكة الأنفاق الواسعة التي تمتلكها حماس.
وقال البيان إن “هذه العوامل الرئيسية لها انعكاسات على كيفية تطبيق القواعد، مثل اختيار الأهداف العسكرية والقيود العملياتية التي تملي سير الأعمال العدائية، بما في ذلك القدرة على اتخاذ الاحتياطات الممكنة في الضربات”.
كان أقارب شلدان النجار، وهو قائد كبير في جماعة متحالفة مع حماس انضمت إلى هجمات 7 أكتوبر/تشرين الأول، من بين أول الضحايا الذين سقطوا نتيجة للمعايير الإسرائيلية المتساهلة.
عندما استهدف الجيش الإسرائيلي منزله في حربٍ قبل تسع سنوات، اتخذ العديد من الاحتياطات لتجنب إلحاق الأذى بالمدنيين، ولم يُقتل أحد بمن فيهم السيد النجار.
ولكن عندما استهدفه في هذه الحرب لم يقتله هو فقط بل قتل 20 فردًا من أفراد عائلته الممتدة، بما في ذلك طفل رضيع يبلغ من العمر شهرين، وفقًا لشقيقه سليمان، الذي كان يعيش في المنزل الذي تعرض للقصف وشهد آثاره المباشرة؛ حيث تطاير بعض الأقارب من المبنى، وعُثر على يد ابنة أخيه المقطوعة تحت الأنقاض.
يتذكر الأخ: “كانت الدماء تتناثر على جدار منزل الجيران كما لو أن بعض الخراف قد ذبحت للتو”.
وتقول إسرائيل، التي اتُهمت بالإبادة الجماعية في قضية أمام محكمة العدل الدولية، إنها تلتزم بالقانون الدولي باتخاذ جميع الاحتياطات الممكنة لتقليل الخسائر في صفوف المدنيين، وغالبًا ما تأمر بإخلاء مدن بأكملها قبل شن الغارات، وبإلقاء المنشورات فوق الأحياء ونشر خرائط على الإنترنت حول العمليات الوشيكة.
وتقول إسرائيل إن إستراتيجية حماس العسكرية تزيد من احتمال إراقة الدماء، إذ تتغلغل الحركة بين السكان المدنيين، وتطلق الصواريخ من المناطق السكنية، وتخبئ المقاتلين والأسلحة داخل المنازل والمرافق الطبية، وتعمل من منشآت عسكرية وأنفاق تحت الأرض.
وعلى عكس حركة حماس التي تطلق الصواريخ بشكل عشوائي على المناطق المدنية، تعمل إسرائيل وجميع الجيوش الغربية في إطار نظام رقابي متعدد المستويات يقيّم مدى قانونية الضربات المخطط لها، وعادةً ما يتم تحليل كل خطة هجوم من قبل مجموعة من الضباط، والتي غالبًا ما تضم محاميًا عسكريًا يمكنه تقديم المشورة بشأن ما إذا كانت الضربات غير ضرورية أو غير قانونية.
وحتى تكون الضربات متوافقة مع القانون الدولي، يجب على الضباط الذين يشرفون عليها أن يتأكدوا أن خطر وقوع إصابات بين المدنيين يتناسب مع القيمة العسكرية للهدف، وأن يتخذوا جميع الاحتياطات الممكنة لحماية أرواح المدنيين، لكن الضباط يمارسون سلطة تقديرية كبيرة لأن قوانين النزاعات المسلحة غامضة فيما يتعلق بالاحتياطات الممكنة أو الخسائر فادحة في صفوف المدنيين.
وبعد صدمة هجوم 7 أكتوبر/تشرين الأول، أصبح بعض الضباط الإسرائيليين المشاركين في الهجوم المضاد أقل صرامة بشأن الالتزام بالبروتوكول العسكري، بحسب شهادة عشرات الضباط. وبينما حاول بعض القادة جاهدين الحفاظ على المعايير، استخدم خمسة من كبار الضباط نفس العبارة لوصف المزاج السائد داخل الجيش: ”حربو دربو”، وهو تعبير مشتق من اللغة العربية ويستخدم على نطاق واسع في اللغة العبرية ليعني مهاجمة العدو دون ضبط النفس.
لماذا كان المدنيون في خطر أكبر؟
استهدف الجيش الإسرائيلي شلدان النجار لأول مرة خلال حرب أغسطس/آب 2014، وكان النجار قياديًا بارزًا في حركة الجهاد الإسلامي الفلسطينية، التي نفذت تفجيرات انتحارية وهجمات صاروخية ضد إسرائيل على مدى عقود.
وقبل تلك الغارة في دير البلح، وسط قطاع غزة، منحت القوات الجوية جيرانه ثلاث فرص للهرب، وفقًا لشقيقه سليمان؛ فقد اتصل الضباط الإسرائيليون بأحد الجيران، ثم اتصلوا بآخر، محذرين من ضربة قادمة على هدف قريب لم يحدده الجيش، ثم قام الجيش بإسقاط قذيفة صغيرة على المنزل، وهو ما يسميه الجيش الإسرائيلي “طرقة على السطح”، وهي ممارسة معتادة في ذلك الوقت قبل شن غارات على أهداف يعتقد أنها تحتوي على ذخيرة أو مداخل أنفاق، وكان ذلك كافيًا لهروب الجميع، بمن فيهم شلدان النجار، دون أن يصابوا بأذى.
ولكن بعد سبع ساعات من هجوم حماس على إسرائيل في العام الماضي، صدر أمر من القيادة العليا في إسرائيل بجعل طرق السقف أمرًا اختياريًا، وقال ضباط إن هذا يعني عمليًا أن هذا الإجراء نادرًا ما كان يُستخدم.
لم تكن هناك أي تحذيرات قبل أن تطلق طائرة مقاتلة إسرائيلية النار على شلدان النجار مساء يوم 10 أكتوبر/تشرين الأول 2023، بينما كان يزور منزل أشقائه، وأدى الانفجار إلى مقتل السيد النجار مع زوجة أبيه وأربعة أطفال وشقيقه الأصغر وزوجة شقيقه و13 من أبناء وبنات أشقائه بمن فيهم الطفل الرضيع البالغ من العمر شهرين واسمه زين، بالإضافة إلى جار واحد على الأقل، وفقًا للسجلات التي جمعتها السلطات الصحية في غزة.
وأكد الجيش الإسرائيلي أنه كان يستهدف عضوًا في حركة الجهاد الإسلامي، لكنه رفض الإفصاح عن المزيد من المعلومات.
وبموجب البروتوكولات العسكرية الإسرائيلية، هناك أربع فئات من المخاطر التي يتعرض لها المدنيون: المستوى صفر، الذي يحظر على الجنود تعريض أي مدنيين للخطر؛ والمستوى الأول، الذي يسمح بما يصل إلى خمسة قتلى من المدنيين؛ والمستوى الثاني، الذي يسمح بما يصل إلى 10 قتلى؛ والمستوى الثالث، الذي يسمح بما يصل إلى 20 قتيلًا، والذي أصبح المعيار في 7 أكتوبر/تشرين الأول.
وفجأة، أصبح بإمكان الضباط أن يقرروا إلقاء قنابل تزن طنًا واحدًا على مجموعة واسعة من البنى التحتية العسكرية – بما في ذلك مخازن الذخيرة الصغيرة ومصانع الصواريخ – وكذلك على جميع مقاتلي حماس والجهاد الإسلامي، وشمل تعريف الهدف العسكري نقاط المراقبة والصرافين المشتبه في تعاملهم مع أموال حماس، بالإضافة إلى مداخل شبكة الأنفاق التابعة للحركة تحت الأرض، والتي غالبًا ما كانت مخبأة في المنازل.
ولم يكن الحصول على إذن من كبار القادة مطلوبًا إلا إذا كان الهدف قريبًا جدًا من موقع حساس، مثل مدرسة أو منشأة صحية، رغم أن مثل هذه الضربات كانت تتم الموافقة عليها بانتظام أيضًا.
كان التأثير سريعًا؛ فقد وثّقت منظمة “إيروورز”، وهي منظمة ترصد النزاعات ومقرها لندن، 136 غارة جوية أدت كل منها إلى مقتل 15 شخصًا على الأقل في أكتوبر/تشرين الأول 2023 وحده، وهو ما يعادل تقريبًا خمسة أضعاف العدد الذي وثقته المنظمة خلال أي فترة مماثلة في أي مكان في العالم منذ تأسيسها قبل عقد من الزمن.
وسُمح في بعض الأحيان باستهداف عدد قليل من قادة حماس في غارات عرّضت أكثر من 100 مدني للخطر، طالما وافق كبار الجنرالات أو القيادة السياسية أحيانًا، وفقاً لأربعة ضباط إسرائيليين شاركوا في اختيار الأهداف، وقال ثلاثة منهم إن من بين المستهدفين إبراهيم البياري، وهو قائد كبير في حماس قُتل في شمال غزة في أواخر أكتوبر/تشرين الأول، في هجوم قدرت “إيروورز” أنه أسفر عن مقتل 125 آخرين على الأقل.
وهناك أمر آخر أصدرته القيادة العسكرية العليا في الساعة 10:50 مساء يوم 8 أكتوبر/تشرين الأول يعطي فكرة عن حجم الخسائر في صفوف المدنيين التي تعتبرها إسرائيل مقبولة؛ حيث جاء فيه أن الضربات على الأهداف العسكرية في غزة مسموح لها أن تعرض ما يصل إلى 500 مدني للخطر بشكل تراكمي كل يوم.
وقد وصف المسؤولون العسكريون الأمر بأنه إجراء احترازي يهدف إلى وضع حد أقصى لعدد الضربات التي يمكن أن تتم كل يوم، وقال البروفيسور مايكل ن. شميت، وهو باحث في ويست بوينت استشارته صحيفة التايمز، إن الأمر قد يُفسَّر من قبل الضباط ذوي الرتب المتوسطة على أنه حصة يجب عليهم الوصول إليها.
على أي حال، تم إلغاء الحد الأقصى بعد يومين، مما سمح للضباط بالتوقيع على أكبر عدد ممكن من الضربات التي يعتقدون أنها قانونية، وأفادت السلطات في غزة في وقت لاحق أن عدد القتلى الذين سقطوا تجاوز 500 قتيل يوميًا في بعض الأحيان، ولكن لم يكن واضحًا عدد المدنيين الذين سقطوا أو إذا ما كان مقتلهم قد حدث على مدار عدة أيام.
وقد ازداد الخطر على المدنيين أيضًا بسبب استخدام الجيش الإسرائيلي للقنابل التي تزن 1000 و2000 رطل على نطاق واسع، والكثير منها أمريكي الصنع؛ حيث شكلت 90 بالمئة من الذخائر التي أسقطتها إسرائيل في أول أسبوعين من الحرب، وقال ضابطان إنه بحلول نوفمبر/تشرين الثاني، كانت القوات الجوية قد أسقطت الكثير من القنابل التي تزن طنًا واحدًا لدرجة أن معدات التوجيه التي تحول الأسلحة غير الموجهة أو “القنابل الغبية” إلى ذخائر دقيقة التوجيه كانت قد نفدت.
أُجبر الطيارون على الاعتماد على القنابل غير الموجهة والأقل دقة، وفقاً لما ذكره الضباط. كما أصبحوا يعتمدون بشكل متزايد على قنابل قديمة تعود إلى حقبة حرب فيتنام، والتي قد لا تنفجر أحيانا، حسبما أفاد مسؤولون عسكريون أمريكيون مطلعون على ترسانة الأسلحة الإسرائيلية.
استخدمت القوات الجوية قنابل بوزن طن لتدمير أبراج بأكملها، وفق ما ذكره مسؤولان كبيران في الجيش الإسرائيلي، حتى في الحالات التي كان من الممكن فيها استهداف المباني بذخائر أصغر.
ورغم رفضها التعليق على حوادث بعينها، قالت القوات الإسرائيلية إن “اختيار الذخائر” كان دائماً خاضعاً لقواعد الحرب. وأوضح مسؤول عسكري رفيع المستوى أن استخدام الذخائر الثقيلة كان ضرورياً لضرب أنفاق حركة حماس.
تعرضت عائلة النجار لضربة بقنبلة موجهة بدقة بوزن طن، وهي قنبلة أمريكية الصنع من نوع “جدام (ذخائر الهجوم المباشر المشترك)“، وفقاً لتقييم صحيفة “نيويورك تايمز” لزعانف التوجيه في القنبلة، والتي قالت العائلة إنها عثرت عليها وسط الأنقاض.
دمرت القنبلة المبنى المكون من ثلاث طوابق بالكامل، مما أدى إلى تسوية خمس شقق بالأرض، بالإضافة إلى ورشة إصلاح سيارات في الطابق الأرضي، وفقاً لأحد الأشقاء، واثنين من أفراد العائلة الناجين.
وقال سليمان النجار، الذي نجا لأنه كان في طريق العودة من المستشفى: “بعد أن تلاشى الغبار والدخان، نظرت إلى المبنى ولم يكن هناك شيء”.
بنك أهداف مستنزف
خلال الحرب، انتشر مئات من ضباط الاستخبارات الإسرائيلية في عدة قواعد عسكرية، حيث بذلوا جهداً كبيراً للعثور على أهداف جديدة وضربها، معتمدين على نظام مراقبة آلي مكّنهم من العمل بسرعة كبيرة.
في الحروب السابقة في غزة، كان الضباط عادةً يعملون عبر “بنك أهداف”، وهو قاعدة بيانات تحتوي على مئات الأهداف، من أفراد ومواقع، تم جمع المعلومات عنها وتقييمها منهجياً مسبقاً. ولكن في هذه الحرب، استنفدت القوات الجوية معظم قائمة الأهداف في غضون أيام قليلة، وفقاً لما أفاد به 11 ضابطاً ومسؤولاً، مما وضع ضباط الاستخبارات تحت ضغط شديد للعثور على أهداف جديدة.
ووفقاً لخمسة ضباط، تم تشجيع العديد منهم على اقتراح عدد محدد من الأهداف يومياً.
وقال المسؤولون إن عدة وحدات استخباراتية نخبوية أُعطيت مزيداً من الوقت للعثور على أعداد قليلة من الأهداف عالية القيمة، مثل القادة السياسيين البارزين في حركة حماس والقادة العسكريين الكبار، كما ركزت وحدات أخرى على مواقع إطلاق الصواريخ ومخازن الذخيرة، بينما كانت إحدى الوحدات تركز بشكل خاص على المدنيين الذين يقدمون خدمات مالية للجماعات المسلحة.
غير أن معظم وحدات الاستخبارات، وخاصة تلك التابعة لفرق المشاة التي كانت تستعد لغزو غزة، حصلت على وقت قليل جداً لإعداد قائمة أطول بكثير من الأهداف، وفقاً لما ذكره مسؤولون. وقد تركز هذا الجهد بشكل رئيسي على محاولة تحديد مواقع عشرات الآلاف من المقاتلين ذوي الرتب الدنيا.
لطالما احتفظت إسرائيل بقاعدة بيانات، كان يُطلق على إحداها اسم “لافندر”، تضم أرقام هواتف وعناوين منازل لمشتبه بهم من المقاتلين، بحسب 16 جندياً ومسؤولاً. كما تتحكم إسرائيل في شبكات الاتصالات في غزة، مما يتيح لها التنصت على الهواتف الفلسطينية وتتبعها. ومن خلال الاستماع إلى المكالمات التي تُجرى عبر هواتف مرتبطة بالمقاتلين، حاول ضباط الاستخبارات تحديد مواقعهم، وفقاً للمسؤولين.
لكن قواعد البيانات كانت تحتوي أحياناً على بيانات قديمة، كما أفاد ستة ضباط، مما زاد من احتمالية أن يخطئ الضباط في التعرف على مدني ويظنونه مقاتلاً، كما أن عدد المكالمات كان كبيراً جداً بحيث لا يمكن للضباط متابعتها يدوياً.
لتسريع العملية، استخدم الضباط الذكاء الاصطناعي؛ في السنوات الأخيرة، طورت القوات الإسرائيلية أنظمة حوسبة، كان يُعرف أحدها باسم “الإنجيل”، التي يمكنها تلقائياً مراجعة ومقارنة المعلومات من عدة مصادر مختلفة، بما في ذلك المكالمات الهاتفية، وصور الأقمار الصناعية، وإشارات الهواتف المحمولة.
في الأسابيع الأولى الفوضوية من الحرب، استخدمت وحدات استخباراتية مختلفة الأنظمة الحاسوبية المؤتمتة بطرق متنوعة لتثليث البيانات وتحديد مواقع المقاتلين.
أحد الأساليب الشائعة كان يشمل المراجعة التلقائية لموقع الهاتف ومقارنته بعنوان منزل صاحبه. عندما يظهر الهاتف في موقع يتطابق تقريباً مع العنوان المرتبط به، يقوم النظام بوضع علامة عليه وتسجيل المكالمات الهاتفية الخاصة به.
بعد ذلك، استمع جنود يتحدثون العربية إلى هذه المكالمات لتحديد ما إذا تم العثور على مقاتل مطلوب، واستخدمت بعض الوحدات برامج لتحويل الكلام إلى نص لترجمة المحادثات تلقائياً.
وقالت القوات العسكرية إن الضباط كانوا دائماً يتحققون من المعلومات التي توفرها الأنظمة المؤتمتة، ونفت أن يكون الذكاء الاصطناعي أكثر من نقطة انطلاق لعملية تحقق يقودها البشر. ولكن، وفقاً لما لا يقل عن ثمانية ضباط، كان مقدار التحقق يختلف من وحدة إلى أخرى.
وذكر بعض الضباط أنهم لن يؤكدوا أن شخصاً ما مقاتل إلا إذا سمعوا الشخص يتحدث عن تورطه في الجناح العسكري لحماس.
في وحدات أخرى، قال ثلاثة ضباط إن الشخص كان يُعتبر مقاتلاً مؤكداً إذا كان مدرجاً ببساطة في قاعدة بيانات “لافندر”. وقد أورد موقع +972 الإخباري الإسرائيلي-الفلسطيني تفاصيل عن هذه العملية، لكن القوات الإسرائيلية نفت أن ذلك كان سياسة عسكرية، وقالت إن أي محلل يعتمد فقط على “لافندر” كان سيتم تجاوز قراره من قبل القادة.
بمجرد أن يتأكد الضباط من أنهم حددوا هدفاً قانونياً، كانوا يبدؤون التخطيط للهجوم، مثل توجيه ضربة صاروخية إذا بدا أن الهدف يقضي الليلة في المنزل، وفقاً لما قاله الجنود.
وكانت الخطوة الأولى هي تقييم المخاطر المدنية.
في النسخة الأكثر صرامة من هذا التقييم، قام الضباط أحياناً باختراق هاتف الهدف للاستماع إلى المحادثات الجارية في محيطه، بهدف تكوين صورة أوضح عن الأشخاص الذين يرافقونه، وفقاً لما ذكره ثلاثة ضباط مطلعين على العملية. في بعض الحالات، سمحت عملية الاختراق للضباط بتحديد موقع الهدف بدقة، بالإضافة إلى معرفة الاتجاه الذي يواجهه، وعدد الطوابق التي صعدها، وعدد الخطوات التي خطاها مؤخراً.
وكإجراء احترازي إضافي، كان الضباط أحياناً يحاولون تتبع هواتف السكان المعروفين للمبنى قبل الحرب، وهي عملية شاقة قد تستغرق أكثر من ساعة.
ولكن، نظراً لعدد الأهداف الكبيرة التي كانت القوات العسكرية تسعى لملاحقتها، غالباً ما كان الضباط يفتقرون إلى الوقت أو الموارد لإجراء مثل هذه المراقبة المتقدمة، خاصة عند تتبع المقاتلين ذوي الرتب الدنيا في بداية الحرب، وفقاً لما ذكره سبعة مسؤولين وجنود.
مع ذلك، كان بإمكان الضباط اعتراض المكالمات وتحديد الموقع التقريبي للهاتف عبر التحقق من أبراج الاتصالات التي تلقت إشاراته. لكن هذه المعلومات كانت أقل دقة، وكان من الصعب تحديد الأشخاص الذين يتواجدون بالقرب من الهدف.
المدنيون المجهولون
في غياب بيانات أكثر دقة، اعتمد ضباط الاستخبارات الإسرائيلية بشكل روتيني على نموذج مبسط لتقدير عدد المدنيين الذين قد يُقتلون في غارة جوية، وفقاً لـ 17 جندياً ومسؤولاً.
وقسمت القوات العسكرية غزة إلى 620 قطاعاً، غالباً ما تكون بحجم عدة كتل سكنية، وقامت بتقدير عدد الهواتف النشطة في كل قطاع بناءً على الإشارات المستلمة من أبراج الاتصالات. وبعد مقارنة استخدام الهواتف وشبكات الواي فاي مع مستوياتها قبل الحرب، قامت القوات العسكرية بتقدير نسبة السكان الذين ما زالوا في كل قطاع.
لتحديد عدد المدنيين داخل مبنى معين، كان الضباط عادةً يفترضون أن السكان الذين كانوا يعيشون في المبنى قبل الحرب قد فروا بنفس المعدل الذي غادر به سكان الحي المحيط.
حتى في أفضل الأحوال، قدم النموذج معلومات قد تكون غير دقيقة بحلول وقت تنفيذ الغارة الجوية. وأدى حجم الهجمات إلى وجود فجوة زمنية تصل إلى عدة ساعات بين تقييم مخاطر المدنيين وتنفيذ الضربة الفعلية، وفقاً لما ذكره ثمانية ضباط.
على سبيل المثال، عندما حاولت القوات الجوية استهداف صرّاف عملات مرتبط بحركة الجهاد الإسلامي في منتصف نوفمبر/تشرين الثاني 2023، كانت قد مرّت سبع ساعات منذ آخر مرة تحقق فيها ضباط الاستخبارات من مكانه ومن كان برفقته، وفقاً لمسؤول مطلع على الهجوم. أسفرت الضربة عن استشهاد امرأتين، لكن الهدف نجا لأنه لم يكن متواجداً في المكان بعد مرور تلك الساعات، بحسب المسؤول وشخص آخر مطلع على الحادث.
وعانى النموذج أيضًا من عيوب جوهرية؛ فقد اعتمد، على سبيل المثال، على توافر الكهرباء لتشغيل الهواتف، بالإضافة إلى شبكة اتصالات تعمل، لكن انقطاع الكهرباء وتعطل الشبكات في غزة جعل ذلك أمراً مستحيلاً في كثير من الأحيان. كما أن تحديد مواقع الهواتف بدقة تامة بناءً على إشارات الهاتف أمر صعب؛ حيث قد تظهر الهواتف وكأنها في حي معين بينما تكون في حي مجاور. وتجاهل النموذج أيضاً حقيقة أن الناس، في أوقات الحرب، غالباً ما يتجمعون في مجموعات كبيرة، وفقاً لما ذكره ثلاثة ضباط.
منذ نوفمبر/تشرين الثاني، أعرب كبار الضباط في القيادة المشتركة للعمليات الخاصة الأمريكية عن قلقهم بشأن دقة النموذج لنظرائهم الإسرائيليين، محذرين من أن هذا يؤدي إلى تقييمات غير دقيقة قد تكون كارثية، وفقاً لما ذكره مسؤولان عسكريان أمريكيان على دراية بالمحادثات.
وداخل الجيش الإسرائيلي، أُطلقت أيضاً تحذيرات. ففي شهري نوفمبر/تشرين الثاني وديسمبر/كانون الأول، حث محللو القوات الجوية زملاءهم على زيادة استخدام الطائرات بدون طيار لمراقبة وجود المدنيين، وفقاً لتقييمات عسكرية داخلية. ولكن لم يتم اتخاذ أي إجراءات ملموسة أو حتى أي إجراء على مدى عدة أسابيع، حسب هذه التقييمات. وكان من المفترض أن تعيد القوات الجوية التحقق من تقديرات وجود المدنيين، لكنها لم تفعل ذلك دائماً.
حتى أثناء مراجعات ما بعد الهجوم، نادراً ما حاول الجيش إحصاء عدد المدنيين الذين استشهدوا، مما جعل من شبه المستحيل على الضباط تقييم دقة النموذج، وفقاً لما ذكره 11 ضابطاً شاركوا في اختيار الأهداف.
بيان الجيش الإسرائيلي لصحيفة “التايمز” لم يتطرق إلى الأسئلة المتعلقة بالنموذج، لكنه ذكر بشكل عام أن أساليب الجيش “تلتزم بالقوانين الدولية، سواء في اختيار الذخائر أو في استخدام التقنيات الرقمية لدعم هذه الجهود.”
وتُبرز الضربة الجوية الإسرائيلية على شارع سكني على أطراف مدينة غزة في 16 نوفمبر/تشرين الثاني 2023 كيف يمكن أن يكون النموذج غير دقيق؛ حيثأفاد الجيش لصحيفة “التايمز” في بيان أنه كان يحاول تدمير أحد الأنفاق العديدة التي يستخدمها الجناح العسكري لحماس. أثناء العملية، أصاب الجيش منزلاً كبيراً.
قبل الحرب، كان 16 فرداً من عائلة ملاّك الممتدة يعيشون في المبنى المكون من ثلاثة طوابق، وفقاً لشقيقين نجيّا من القصف، حازم ونضال ملاك، وقالا إن عشرات الأقارب انتقلوا للعيش في المنزل بعد بدء الحرب.
لحظة الغارة، كان 52 شخصاً — بمن فيهم حازم ونضال ملاك — محشورين في الطابقين السفليين من المنزل. رسم الأخوان شجرة عائلة لصحيفة “التايمز” توضح أسماء أفراد الأسرة وخلفياتهم، وقدموا صوراً للعديد منهم. كان الأكبر بينهم هو رب الأسرة البالغ من العمر 64 عاماً، جمال، وأصغرهم حفيدته شام البالغة من العمر عامين.
بحلول هذه المرحلة من الحرب، أصبح حي الزيتون المحيط شبه خالٍ من السكان. وبناءً على صيغة إسرائيل لتقييم إشغال المباني، التي تعتمد على استخدام الهواتف في الحي الأوسع، كان من الممكن استنتاج أن هناك عدداً قليلاً فقط من المدنيين المتبقين.
قبل عدة ساعات من الضربة، أعلنت شركات الاتصالات عن فقدان تغطية الهاتف في جميع أنحاء غزة. وهذا يعني أن محاولة يدوية لتتبع هواتف سكان المبنى قبل الحرب ربما أشارت إلى عدم وجود أي شخص على الإطلاق.
ظهرت التقارير الأولى عن الغارة فقط بعد انتهاء انقطاع الشبكة، أي بعد ثلاثة أيام في 19 نوفمبر/تشرين الثاني.
بحسب حسابات الأخوين، استشهد ما لا يقل عن 42 شخصاً ونجا فقط 10 أشخاص. قال حازم ملاك إن معظمهم لم يُسجلوا رسمياً كقتلى لأن جثث الضحايا كانت محاصرة تحت الأنقاض بدلاً من أن تُنقل إلى أقرب مستشفى حيث يتم تسجيل الوفيات.
حازم ملاك، البالغ من العمر 40 عاماً، فقد زوجته الحامل وابنه وابنته. وبحسب معرفته، قال إن جثثهم لا تزال محطمة “تحت ثلاثة طوابق من الخرسانة”.
تشديد القيود
قبل حوالي شهرين، شنت إسرائيل ضربة على مجمع مستشفى في وسط غزة حيث كان يختبئ الآلاف من الفلسطينيين النازحين. لقي عدة أشخاص مصرعهم حرقاً، من بينهم شعبان الدلو، طالب جامعي يبلغ من العمر 19 عاماً، الذي تم تصويره وهو يلوح بلا حول في خيمته بينما كانت النيران تلتهمه.
اتهم المسؤولون الإسرائيليون حركة حماس بالمسؤولية عن الحريق، مشيرين إلى أن الحريق نجم عن صاروخ إسرائيلي استهدف مركز قيادة لحماس، وأصاب ذخائر كانت قد خزنتها الحركة في المجمع.
قال والد شعبان، أحمد الدلو: “كل ما أردته هو أن ينظر إليّ مرة أخيرة”، مسترجعاً مشهد حرق ابنه حتى الموت.
وقع الهجوم على بعد حوالي 500 ياردة من الموقع الذي استشهد فيه القائد العسكري شلدان النجار قبل عام وأربعة أيام.
على الرغم من ذلك، استمر الجيش الإسرائيلي في استخدام عدد أقل من الذخائر على مدار الـ 12 شهراً الماضية، وفقاً للضباط والسجلات التي راجعتها صحيفة “التايمز”. انخفض متوسط الذخائر المستخدمة شهرياً من حوالي 15,000 في أكتوبر/تشرين الأول 2023 إلى أقل من 2,500 من فبراير/شباط إلى مايو/أيار (ولم تتمكن صحيفة “التايمز” من التحقق من عدد الذخائر التي أُطلقت منذ يونيو/حزيران).
من الناحية النسبية؛ شددت إسرائيل أيضاً من قواعد الاشتباك؛ ففي 5 نوفمبر/تشرين الثاني 2023، أصدرت القيادة العسكرية قراراً يقضي بضرورة حصول الضباط على إذن خاص إذا كانت الضربة ستعرض حياة أكثر من 10 مدنيين للخطر ضد مسلحين ذوي رتب منخفضة لا يشكلون تهديداً وشيكاً للمشاة الإسرائيليين. بحلول نهاية يناير/كانون الثاني، أصبح الضباط بحاجة إلى إذن خاص تقريباً لجميع الضربات القاتلة، باستثناء تلك التي تستهدف كبار قادة حماس.
غير أن القواعد كانت لا تزال أكثر مرونة مما كانت عليه قبل 7 أكتوبر/تشرين الأول، فقد كان بإمكان الضباط من الرتب المتوسطة الموافقة على معظم الضربات التي تعرض حياة 10 مدنيين أو أقل للخطر، وهو عتبة أعلى بكثير من القاعدة السابقة قبل الحرب.
وكانت العديد من الضربات أكثر دموية بكثير؛ ففي يوليو/ تموز، أطلقت إسرائيل عدة صواريخ على مسلحين من حماس، بما في ذلك القائد البارز، محمد الضيف، مما أسفر عن استشهاد ما لا يقل عن 57 شخصاً، وفقاً لمنظمة “إير وورز”.
وتصرف الضباط الإسرائيليون أيضًا دون محاسبة تامة، فلم يُعرف سوى عن ضابطين تم فصلهما بسبب دورهما في الحملة الجوية، بعد أن أشرفا على ضربة بطائرة مسيرة أسفرت عن مقتل عدة عمال إغاثة أجانب، الذين اختلط عليهم أمرهم وظنوا أنهم مسلحون.
وقال الجيش إن لجنة تم تعيينها من قبل رئيس هيئة الأركان العامة كانت تحقق في ظروف مئات الضربات، ومع ذلك، لم يتم توجيه أي اتهام حتى الآن.
المصدر: نيويورك تايمز