إذا دخلت مكتبة في أي مكان في العالم ستجد دائمًا مكانًا مخصصًا للكتب الـ “Best Seller” أو الكتب الأكثر مبيعًا، وهي واضحة من اسمها، أي أن عددًا جماهيريًا كبيرًا من القراء يتجهون إلى شراء وقراءة هذا النوع من الكتب، وهذه النوعية من الكتب لها خصائص مشتركة في الغالب، إذ إن معظمها كتب سطحية ليس لها موضوع عميق أو تتناول قضايا جادة، بعكس الكثير من الكتب الموجودة في نفس المكتبة وتنتمي لكُتاب لهم اسم مميز ومعروف أدبيًا.
قبل أن نبدأ في الاستغراق في أسباب شراء هذه النوعية من الكتب ولماذا تحظى بهذه الحفاوة، يجب أن نعرف أولًا أن هنالك عدة عوامل تؤثر على عملية شراء الكتب في العالم بشكل عام، ولكن الوضع مختلف في عالمنا العربي، لأننا لا نملك شريحة كبيرة من القراء يمكنها أن تُقيم الوضع الثقافي بحيادية فتنتج اهتمامًا متوازنًا عن الكتب.
ولهذا قبل أي شيء يجب لفت الأنظار إلى أن هناك العديد من المؤثرات التي تجعل الكتاب أكثر مبيعًا دونًا عن غيره، بل حتى هناك كُتاب اعتادوا أن يكونوا كذلك دون اهتمام حقيقي بوضعهم الثقافي أو قيمتهم الأدبية التي يقدموها، فكاتب “البيست سيلر” هو كاتب العمر القصير، تمامًا كنجوم الأغنية الشعبية التي تثير ضجة كبيرة لفترة ما ثم تتلاشى تمامًا، بينما نجد أن هناك أغاني عدة لنجوم كبار لم تتلق نفس الحفاوة ولكنها تعيش عمرًا أطول وتُذكر في الأعمال الغنائية على المدى الطويل.
ولهذا نحن بصدد سيكولوجية مختلفة تمامًا، فلا قارئ الكتب الأعلى مبيعًا بالمثقف الحقيقي، ولا الكاتب بالمؤلف الجاد، ولا حتى الكتب موضع اهتمام ثابت ذو قيمة تاريخية، بل كتب تسطع وتختفي فجأة ولكن يحصد أصحابها المال والرواج الكثيفين لفترات عمرية فقط، وبالطبع لكل قاعدة استثناء.
الكتب الموجهة للجميع وللاأحد على وجه التحديد هي التي تحظى بالوجود في هذه القوائم غالبًا، فهي كتب تستهدف الفرد الذي يقرأ لأول مرة وليس له ذائقة أدبية
لماذا يصل كتاب إلى قائمة الأكثر مبيعًا دون غيره
يجب أن نفرق بداية بين النجاح التجاري والنجاح الأدبي لعمل ما، فالعمل الناجح أدبيًا هو العمل الذي تتوافر به عناصر التكامل الأدبي البسيطة من الحبكة والشخصيات وتسلسل الأحداث ويقدم شيئًا هادفًا ذا قيمة، وبالتأكيد سيكون له نقاد قد لا يعجبهم كل ما جاء به، ولكن الإجماع بأهمية أو كفاءة هذا العمل هي الأبرز ومقوم النجاح الأساسي، والكتاب الذي تتوافر به هذه المواصفات ليس من الضروري أبدًا أن يكون كتاب أكثر مبيعًا أو حتى يحظى برواج آخر بين الكتب، فهذا أمر آخر تمامًا.
أما النجاح التجاري وهو الذي يعود لدور النشر ودورها التسويقي، على اعتبار أنها بائعة للمنتج “الكتاب” وتقوم بأقصى ما يمكنها فعله حتى يصل المنتج لأكبر قدر من الناس. وكتب الأكثر مبيعًا هي مزيج بين النوعين، فهي إما كتب ناجحة تجاريًا أو ناجحة أدبيًا ولكن يغلب عليها النجاح التجاري الذي لا يعتمد على ذائقة أدبية بعينها وهو الذي شكل الجانب السلبي لهذه الظاهرة، ونحن بصدد التحدث عنه، ويرجع هذا الأمر إلى عدة أسباب، منها:
1. القاعدة الجماهيرية التي يخاطبها
الكتب الموجهة “للجميع” على وجه التحديد هي التي تحظى بالوجود في هذه القوائم غالبًا، فهي كتب تستهدف الفرد الذي يقرأ لأول مرة وليس له ذائقة أدبية، كما أنه من الممكن أن يقرأ الكتاب لمرة واحدة ليستفيد من الموضوع المطروح بداخله ثم ينقطع عن القراءة مرة أخرى، وهذه الفئة الموجودة بيننا على الأغلب وتسيطر على جزء كبير من مبيعات الكتب، لأن القراء في الوطن العربي قلة بالأساس.
المضمون
عند الحديث عن هذه النوعية من الكتب نجد أن مؤلفيها يلعبون على أوتار عدة، فكما ذكرت أن المؤلف يستغل القارئ الذي ليس لديه فكره عن الفكر والثقافة ويطرح كتاب المرة الواحدة الذي يبسط المعلومات ويفيد القارئ ولو لمرة في حياته، كذلك يلعب الكتاب على موضوعات شائعة أو مثيرة للجدل بين الناس وذلك ما يدعو القراء لشراء هذا الكتاب دون غيره، بالإضافة إلى ذلك يميل الكثير من الروائيين إلى الاعتماد على الجنس في أعمالهم باعتبار أنه الشيء الأكثر إثارة وجذبًا بين كثير من القراء، ومن الكتاب الشهيرين بذلك الكاتب المصري علاء الأسواني الذي لا تخلو أي من رواياته من موضوعات جنسية، بجانب الكاتب المصري الحائز على البوكر أحمد مراد، فنجد أن هؤلاء وغيرهم كثيرين يعتمدون على ما يثير القارئ ويجذب انتباهه حتى لو كان بلا معنى داخل الرواية، أي باختصار يلعبون على أوتار حساسة لدى القارئ، مما يزيد الإقبال على كتب دون غيرها وتصبح أكثر مبيعًا.
الإعلانات والتسويق
سبق وذكرت أن النجاح التجاري هو أحد العوامل الرئيسية التي تدفع بكتاب ما لأن يدخل قائمة الأكثر مبيعًا وليس النجاح الأدبي، فقد أصبح لدور النشر أهمية كبيرة في الترويج لكتاب ما وإدخاله إحدى القوائم الأكثر مبيعًا، إذ تقوم دور النشر بعدد من الطرق الترويجية مثل حفلات التوقيع المتكررة في عدد من المحافظات والمكتبات الكبيرة، وأصبح الوضع الآن مختلفًا، كما يؤثر “البرومو الترويجي” لكل رواية، بدوره على مستخدمي “السوشيال ميديا”. بل وهناك بعض دور النشر تنتج أغاني لتروج كتاب ما، مثلما حدث مع رواية “موسم صيد الغزلان” للكاتب أحمد مراد، وهذا أمر غاية في الغرابة، لأننا أصبحنا نحول الكتاب أو الرواية من قيمة أدبية ومتعة عقلية خالصة لسلعة ترويجية بحتة، تقوم بأقصى جهدك لكي تلفت الأنظار وتجذب المشترين إليها.
رغم كل ما سبق ذكره، يجب رفض التعميم على كل شيء، لأنه يجب الحديث عن أنه، وبلا شك، وسط كل تلك الرداءة والإسفاف الروائي والفكري الذي نراه، هناك كتب تستحق الانتشار وأن تكون الأكثر مبيعًا بالفعل، فهناك روايات حازت جائزة البوكر وهذا دافع وسبب قوي لأن يهتم بها الكثيرون، حتى إن كانت الجائزة تخيب آمال الكثيرين في أغلب الأوقات.
بالإضافة إلى ذلك يجب أن نفرق بين الكتب الأكثر مبيعًا عربيًا والكتب الأكثر مبيعًا عالميًا التي تأتي لتترجم لنا الكتب الشائعة في العالم ونهتم بها كنتيجة لاهتمام آخرين بها، وليس نابعًا من ميولنا لتلك المواضيع التي غالبًا ما تتصدرها كتب التنمية الذاتية.