رغم أن المعركة بين النظام الإيراني والولايات المتحدة لم تبدأ فصولها العسكرية بعد، كما يأمل البعض، فإن المعركة المستعرة رحاها في العراق بين الطرفين، مستمرة ومنذ مدة ليست بالقصيرة، يحقق فيها النظام الإيراني انتصارات حقيقية على الجانب الأمريكي وبوتيرة متصاعدة.
فبعد معركة الانتخابات النيابية التي عوَّل عليها الطرفان لتحقيق أغلبية مريحة من وكلائهم في البرلمان العراقي يستطيع أحد الطرفين من خلالها الحصول على القوانين التي تناسبه ويشكل الحكومة التي تمشي وفق هواه، أفرزت الانتخابات برلمانًا عراقيًا لا يخرج عن الطوع الإيراني، رغم كل شبهات التزوير التي رافقتها والعزوف الشعبي عنها.
لكن الأمريكان لم يرفعوا الراية البيضاء تجاه الإيرانيين، فحاولوا التعامل بواقعية مع البرلمان الجديد، واللعب على تشكيل الرئاسات الثلاثة، بالشكل الذي يلبي الحد الأدنى من متطلباتهم، لكنهم فشلوا مرة أخرى في تحقيق ذلك، إلا إذا اعتبرنا وصول الحلبوسي لرئاسة البرلمان، نجاحًا جزئيًا لهم.
أما فيما يتعلق بالقوات المسلحة من جيش وشرطة، فالإيرانيون كان لهم دور السبق في ضمان ولاء وزارة الداخلية وجميع الأجهزة الأمنية التابعة لها ومنذ وقت مبكر بعد الاحتلال، لكنها هذه المرة تحاول تطويع الجيش العراقي لنفوذها وجعله تحت إمرتها ومنقاد من أتباعها، بل وتريد تهميشه للدرجة التي يكون للحشد الشعبي اليد الطّولى في كل النواحي الأمنية والعسكرية في البلاد، متحدين بذلك إجراءات الأمريكان في جعل الجيش العراقي مصبوغ بالصبغة الأمريكية أو على الأقل إبقائه على الحياد في موضوع الولاء لإيران.
يعتبر وكلاء إيران بالعراق، أن نجم الجبوري من الأدوات الفاعلة للأمريكان، واستشهدوا بقوله قبيل معركة الموصل “الصورة الآن ليست كما كانت عام 2003”
جاءت إقالة اللواء الركن نجم الجبوري من منصبه كقائد لعمليات نينوى وإزاحته عن المشهد الأمني في تلك المنطقة المهمة، رغم عدم بلوغه السن التي توجب إعفاءه من الخدمة، لتمثل ضربة موجعة للأمريكان ونفوذهم بالقوات العسكرية، وجاءت أسباب إقالة الجبوري لأمور عديدة ربما أهمها ما أشار إليها النائب السابق مشعان الجبوري، الذي قال: “رفض نجم الجبوري وجود مجموعات مسلحة منفلتة بالموصل، هو السبب في إقالته” أي بمعنى، عدم سماحه للمجاميع المسلحة التي تعمل بالمحافظة تحت مسمى الحشد الشعبي، وهو السبب الذي كان وراء إقالته.
يُذكر أن نجم الجبوري كان قد أصدر أمرًا قبل شهر واحد من الآن، بتسليح 50 قرية عربية في الموصل، لصد هجمات تنظيم داعش، وجاء القرار بعد عقد اجتماع له مع شيوخ العشائر في تلك القرى النائية من محافظة نينوى، الأمر الذي استهجنته أحزاب السلطة ونوابها في البرلمان، وتوجسوا الخوف من هذا الإجراء.
لقد سبَّب قرار إقالة الجبوري، معركة تصريحات بين السياسيين العراقيين من وكلاء طهران ووكلاء واشنطن، حيث قال النائب حنين القدو: “نرفض بشدة إعادة اللواء نجم الجبوري لمنصبه مرة ثانية بعد إقالته”، جاء ذلك تعليقًا منه على معلومات أشارت لوجود ضغوط أمريكية لإعادته للمنصب، وأضاف “الجبوري يحمل الجنسية الأمريكية وله توجهات سياسية معينة، وثبت أنه وجه اتهامات للحشد الشعبي، فعودته إلى منصب قائد عمليات نينوى غير مناسب ومرفوض”، ومن هذا التصريح يتوضح لنا، أن رفض إقالة الجبوري هي جزء من الصراع الإيراني الأمريكي في العراق.
يعتبر وكلاء إيران بالعراق أن نجم الجبوري من الأدوات الفاعلة للأمريكان، واستشهدوا بقوله قبيل معركة الموصل: “الصورة الآن ليست كما كانت عام 2003، فالعراقيون السنَّة اليوم يريدون أن تبقى القوات الأمريكية، لأن المعركة الآن ليست بينهم وبين الولايات المتحدة، إنما يعتبرون معركتهم مع إيران”، وقال أيضًا: “الحشد الشعبي إذا شارك بمعارك الموصل، فإن 80% من أهالي الموصل سيكونون مع الإرهاب ضد الحشد”، ومصداق كلام الجبوري، جاء من خلال التظاهرات التي خرجت في الموصل ضد إقالة الجبوري ومطالبتهم بإرجاعه لمنصبه، لأنهم يعتبرونه الحامي للمحافظة من التوغل المليشياوي فيها.
انطلاقًا من كل تلك المؤشرات التي تدور بالساحة العراقية، يحق للعراقيين التساؤل: إلى أين يمضي الصراع الإيراني الأمريكي في العراق؟ ولمن ستكون الغلبة فيه؟
إقالة الجبوري جعلت السفارة الأمريكية في بغداد تجري اتصالاتها السريعة مع القادة العراقيين، لتبدي انزعاجها وقلقها من قرار الإقالة، وانزعاج السفارة الأمريكية، معروف الأسباب، كونها متخوفة من احتمالية سيطرة الحشد الشعبي، على القرار الأمني في نينوى في حال تعيين قائد عسكري مقرب للمليشيات أو تابع لهم، وهذا ما يبدو أنه سيكون فعلًا.
رافق إقالة الجبوري إبرام عناصر موالية لإيران ضمن الحشد الشعبي، اتفاقيات مع شركاء محليين من السنّة والكرد، لانتخاب منصور المرعيد محافظًا لنينوى، وهو عضو في كتلة “عطاء” المرتبطة بتحالف المليشيات “البناء”، لكي ترتبط مصادر القرار السياسية والعسكرية في المحافظة، ضمن بوتقة واحدة تابعة لإيران.
عمليات التصفية التي يقوم بها النظام العراقي داخل الجيش العراقي وتصفيته من الأدوات الأمريكية، قائم وبشكل مستمر، فقد طالت عمليات تصفية جسدية قبل عدة أشهر لضباط كبار يعملون في جهاز مكافحة الإرهاب، وهو جهاز عسكري تابع للجيش العراقي، أشرفت القوات الأمريكية على تدريبه وتسليحه.
كما دعم النظام العراقي قيادات ذات ولاء إيراني داخل الشرطة العراقية، ورأينا جميعًا ما حصل في ديالى من خروقات أمنية من المليشيات بحق سكان القرى هناك، مما جعل الناس هناك يقدمون على الخروج بتظاهرات كبيرة لإقالة قائد شرطة المحافظة اللواء فيصل كاظم العبادي وباقي الضباط، بسبب تعاونهم مع المسلحين المتفلتين بالمحافظة، لكن لم تجد تلك التظاهرات أآذانًا صاغية من النظام العراقي، والبعض الآخر من سكان تلك القرى، آثروا السلامة وهاجروا من قراهم، حفاظًا على حياتهم وحياة أسرهم.
وانطلاقًا من كل تلك المؤشرات التي تدور بالساحة العراقية، يحق للعراقيين التساؤل: إلى أين يمضي الصراع الإيراني الأمريكي في العراق؟ ولمن ستكون الغلبة فيه؟ بل لنا أن نتساءل: هل أمريكا جادة بتقليم أظافر إيران في العراق كما تدَّعي؟ لأن المشهد يوحي للمراقب أن العكس هو الذي يحصل، وفي حال استمر التفوق الإيراني في العراق، هل سيجبر هذا القيادة الأمريكية على اتخاذ إجراءات غير مألوفة لوقف هذا التفوق؟ أم أنها ستتعامل معه بواقعية وتعقد معه الصفقات لضمان مصالحها فحسب؟