بعد أشهر من المحادثات عبر قنوات خلفية، تبدو المملكة العربية السعودية وإيران في طريقهما نحو تقارب من نوع ما، هذا الخبر لا يمكن أن يكون سيئا سوى لبشار الأسد. فبينما لم يتغير الموقف السعودي تجاه الأسد، وما زال يهدف إلى الإطاحة به من السلطة، يبدو أن الموقف الإيراني يتبدل متجها ناحية الرياض لأسباب متعددة.
الحكمة التي تسيطر على المشهد كانت هي أن ترمي إيران بكامل يقلها وراء الأسد، وأنها لن تتخلى عنه كحليف لها حيث أنه يحمي مصالح إيران الاستراتيجية في بلاد الشام. لكن الأسد في ذاته أقل قيمة لإيران من صفقة الأسلحة النووية التي تريدها إيران. المحادثات بين الولايات المتحدة وإيران تبدو متجهة ناحية تسوية جيدة، في حين أن السعودية خففت من تعنتها تجاه إيران، ولذلك فعلى إيران أن تعطي السعودية شيئا في المقابل، خاصة أن السعودية لم تزل هي اللاعب الإقليمي الأقوى في الخليج. ومن المرجح أن يكون الأسد هو الأرخص ثمنا على تلك الجبهات.
وعلى الرغم من أن علاقة الأسد مع طهران لا تزال قائمة، إلا أن قيمته تقل بالتدريج بسبب بعض القرارات الاستراتيجية التي اتخذها الديكتاتور السوري من أجل استمرار بقائه في السلطة. اعتماد الأسد على حزب الله لمحاربت المعارضة العسكرية في سوريا أعطى له بعض المكاسب على الأرض، لكنه قلل نفوذه الإقليمي بشكل كبير، كما تمكن حزب الله من ترجمة انتصاراته العسكرية في سوريا إلى قوة سياسية داخل لبنان.
فالتأخير في انتخاب رئيس لبناني جديد يُعزى إلى حدٍّ كبيرٍ إلى رغبة الحزب في انتقاء الرئيس بنفسه حينما يريد، وتحديداً بعد الانتخابات الرئاسية السورية. وحزب الله لن يفعل ذلك كي يتمكّن الأسد من إعطاء بركته قبل انتخاب رئيس لبناني، كما جرت العادة مع جميع الرؤساء مابعد الحرب الأهلية، بل ليظهر للأسد أن الحزب أصبحت له الاستقلالية الآن لفرض أجندته السياسية في لبنان.
وهكذا يكون الأسد قد مكّن حزب الله على حساب نفوذه الإقليمي، الأمر الذي يجعله أقلّ قيمةً لإيران من الحزب. فعوضاً عن اتّخاذ التدابير اللازمة لتعزيز موقع الأسد الإقليمي، بدأت إيران عمليةً تصاعديةً لاستنساخ نموذج حزب الله اللبناني في سورية. فهي ليست في طور تأسيس حزب الله السوري فحسب، بل ترعى أيضاً عمليّة التشيّع (من شيعة) في صفوف السوريين. من خلال هذه الإجراءات، تقوم إيران بإرساء أسس محسوبية طويلة المدى في سورية للحفاظ على نفوذها الإقليمي بغضّ النظر عمّن يتولّى الحكم في سورية.
بالنسبة إلى إيران وإسرائيل، لايزال إبقاء الأسد في السلطة مجدياً طالما أنّه قادرٌ على ضمان مصالحهما الاستراتيجية. بيد أنّ دعم الأسد غير المباشر لدولة الإسلام في العراق والشام (داعش) شكّل تهديداً خطيراً محتملاً على استقرار هاتين الدولتين. ويُزعم أنّ تنظيم داعش يتمتّع راهناً بالاستقلال المالي، مايعني أنّه قد يبدأ على الأرجح بالعمل خارج نطاق سيطرة الأسد. تصف التقديرات الجديدة لقدرات داعش هذا التنظيم بأنّه النسخة الجديدة لتنظيم القاعدة من حيث تهديده الدولي المحتمل. لن تقبل لا إيران ولا إسرائيل بتنظيم سنّي متطرف يستخدم دولةً مجاورة كمعقلٍ له. وتنظر المملكة العربية السعودية أيضاً إلى تنظيم داعش على أنه يشكّل تهديداً خطيراً على استقرارها المحلّي. وهكذا، أنشأت قرارات الأسد الاستراتيجية أرضيةً مشتركةً للخصوم الثلاثة الأقوى في الشرق الأوسط، إذ يُعزى التقارب الإيراني-السعودي جزئيّاً إلى المخاوف المشتركة حول الأمن في المنطقة.
على الصعيد المحلّي، يوشك الأسد أيضاً على فقدان السيطرة. يعني قيامه بتدمير البنى التحتية في الدولة، حتى في المناطق الموالية له، أنّه لن يتمكّن في المستقبل من توفير الخدمات التي سيطالب بها مؤيّدوه الذين سيصبحون محسوبين على أمراء الحرب الجدد الذين سيحكمون سورية، مثل قادة قوّات الدفاع الوطني. ومع تعاظم نفوذ داعش، من المرجّح أن يضطرّ الأسد إلى القبول على مضض بتسويةٍ لتقاسم السلطة مع الجهاديين في المستقبل. إنّ ضعف السيطرة المحليّة يعني ضعف القدرة على ضمان المصالح الإيرانية.
لذلك، قد يسدّد التقارب المتوقّع بين إيران والمملكة العربية السعودية ضربة للأسد. وعلى الرغم من أنّه لن يشكّل نهاية النظام السوري، أو نهاية الصراع، إلا أنّه يعني على الأرجح أنّ الانتخابات الرئاسية المزمعة ستكون الأخيرة بالنسبة إلى الأسد.
المصدر: الجزيرة الإنجليزية