ترجمة وتحرير نون بوست
في محل شواء تركي يقع في حي سيدار ريفرسايد في مينيابوليس، انقلبت الأدوار. فقد أصبحت هيبون عبدول، المرأة التي أمضيت أياما أحاول إجراء مقابلة معها، ترغب في معرفة رأيي حول عضو الكونغرس الأمريكي، إلهان عمر. في الحقيقة، فاجأتني عبدول بسؤالها، على الرغم من أنه كان ينبغي عليّ أن أتوقع ذلك. وعموما، تُدرك عبدول أنه قبل أيام قليلة، سنحت لي الفرصة للقاء عمر في إحدى المراكز التجارية الصومالية في جنوب مينيابوليس. وكنت بالكاد قد دخلت إلى المركز التجاري عندما رأيت حشدًا صغيرًا من الناس بصدد التقاط صور شخصية مع عمر، ما دفعني للتوقف وانتظار دوري من أجل الظفر بصورة.
تعد عمر، باعتبارها أول أمريكية صومالية تتقلّد منصبا في الهيئة التشريعية لولاية مينيسوتا والكونغرس، جزءا من مجموعة جديدة من السياسيين الرائدين الذين يجرؤون على تحدي كل من الرئيس الأمريكي، دونالد ترامب والمؤسسة السياسية الأمريكية الأشمل. وتجدر الإشارة إلى أن عمر تعد أكثر من مجرد عضو يُكافح داخل أروقة الكونغرس، فهي لاجئة قدمت من بلد أصبح في الوقت الراهن من بين الدول الإسلامية التي حظر الرئيس الأمريكي دخول مواطنيها إلى الولايات المتحدة. علاوة على ذلك، تعد عمر من صاحبات البشرة السوداء ويبدو جليا اعتناقها للإسلام، ما يعني أنها تناقض الصورة التي رسمها ترامب لبلاده.
في غضون أشهر، هزت عمر قاعات الكونغرس. وعلى الرغم من وصفها “بالآخر”، أصبحت عضو الكونغرس تجسد معنى القتال من أجل روح الولايات المتحدة. في الحقيقة، توجّهتُ إلى مينيابوليس للتعرف على عمر، والبحث عما تعنيه للأشخاص الذين يعرفونها، وما الذي عاشته خلال رحلتها انطلاقا من الصومال التي مزقتها الحرب وبقائها في مخيم للاجئين المتواجد في الساحل الكيني وصولا إلى مرحلة الطفولة الثانية والمراهقة التي قضّتها في مينيسوتا حتى تُعبّر عن نفسها وتحدد الطريق الذي ستسلكه. وفي الواقع، كانت هذه هي الأسئلة التي ظلّت آنذاك تجول في ذهني.
وعلى الرغم من ارتباكي، أصرّت عبدول على توجيه السؤال قائلة: “إذن، ما هي انطباعاتك الأولى؟”. في نهاية المطاف، أنا من ستطرح الأسئلة. وعندما يتعلق الأمر بفهم رحلة عمر السياسية، تؤدي كل الطرق إلى عبدول. فبصفتها مرشدتها وكاتمة أسرارها، تعدّ عبدول من بين الأسباب الرئيسية التي دفعت بعمر للترشح لمنصب سياسي. وعلى العموم، كنت أشعر بأنني مجبر على البوح بأفكاري، ومن ثم الانتظار.
القدوم إلى الولايات المتحدة
سنة 1981، وُلدت إلهان عمر في الصومال. وعندما بلغت السّنتين، فقدت والدتها ما دفع بوالدها وجدّها للتكفّل برعايتها رفقة ستة من إخوتها. وفي أواخر الثمانينات، شهدت الصومال حربا أهلية عنيفة، أدّت إلى فرار عائلة عمر من البلاد، لينتهي بها المطاف، سنة 1991، في الاستقرار في مخيم أوتانج للاجئين، المحاذي لبلدة مومباسا الساحلية في كينيا. ولمدة أربع سنوات، ذاقت العائلة الأمرين في أوتانج، حيث كانت الظروف صعبة والمرافق بدائية.
في سنة 1995، وبسبب الحرب الأهلية في الصومال، كانت عائلة عمر من بين الفئات القليلة المحظوظة التي حظيت ببرنامج رعاية بغية إعادة توطينها في الولايات المتحدة. في البداية، حطت العائلة رحالها في ولاية فرجينيا قبل أن تتجه إلى مدينة مينيابوليس، بولاية مينيسوتا، التي يقطن فيها في الوقت الراهن حوالي 50 ألف صومالي. والجدير بالذكر أن عمر قرأت بنهم الكتيبات التي تتحدث عن أرض الأحرار، وتصوّرت أنها ستعيش في مجتمع عادل يطبّق فيه مبدأ المساواة الاجتماعية، لتكتشف أن الولايات المتحدة أكثر تعقيدًا مما كانت تتوقع.
خلال محادثة أجريتها معها عبر الهاتف، صرحت عمر قائلة: “عندما وطأت قدماي البلاد، لاحظت هذه المُثُل العليا الأمريكية. في المقابل، كان لا بدّ من بذل الكثير من الجهود من أجل تطبيقها. وتحت وصاية كل من والدها وجدها، تربّت عمر على الاعتقاد بأنه في حال لم يسر أمر ما على النحو المطلوب، فيتعين حينها على المرء أن يتخذ إجراء تصحيحيّا، بالتالي يجب عليها أن تتحمل مسؤولية ذلك. وكان والد عمر، نور عمر محمد، يعمل في البداية كسائق تاكسي قبل التحاقه بخدمة البريد الأمريكية. وفي هذا الصدد، قالت عمر: “كان جدي يقول إن ما يستمتع به أصحاب البشرة السوداء كان نتيجة القتال الذي خاضته الشعوب من أجل تحقيق التقدم”. وأضافت عمر قائلة: “إذا ما كنا نرغب في رؤية المزيد من التقدم، فيجب علينا أن نشارك في تحقيق ذلك”.
عندما بلغت الرابعة عشرة من العمر، رافقت عمر جدها من أجل الإدلاء بصوته، فيما وصفته بأول دخول لها في الحياة المدنية. وفي المدرسة الثانوية، ساهمت عمر في تشكيل “برنامج الوحدة في التنوع” في محاولة منها للتصدي للتحديات العرقية والثقافية والعرقية التي تواجهها المدرسة. وفي هذا الإطار، قالت عمر: “اعتباري جزءا من الحل لخلق هذا التغيير، كان الدافع الدائم للانخراط في مثل هذه النشاطات. ولم أكن أبدًا من الأشخاص الذين يبقَون مكتوفي الأيدي ويعتقدون أنه لا يمكن إرساء التغيير”.
درس جيلاني حسين رفقة إلهان عمر في نورث داكوتا.
يصف جيلاني حسين، الذي حضر عدة دروس رفقة عمر خلال سعيهم إلى الحصول على شهادة جامعية في مجال العلوم السياسية من جامعة ولاية نورث داكوتا، عضو الكونغرس “بالطالبة الذكية للغاية التي قدمت الكثير من التضحيات”. فضلا عن ذلك، أضاف حسين، الذي يشغل في الوقت الراهن منصب المدير التنفيذي لفرع مينيسوتا بمجلس العلاقات الأمريكية الإسلامية: “لقد كنا من الطلبة المتحصلين على المراتب الأولى، والمشاغبين في الآن ذاته. لقد كانت منخرطة للغاية في الحياة الطلابية نظرا إلى أنها كانت طالبة غير تقليدية لديها أطفال وتضطلع بالعديد من المسؤوليات”.
في الحقيقة، تحصلت عمر على شهادتها في العلوم السياسية وعادت إلى مينيابوليس لتُشارك في الحياة المدنية في المدينة. وفي سنة 2006، التحقت عمر بجامعة مينيسوتا، وشغلت منصب معلمة في مجال التغذية وزادت من حجم مشاركتها في الحياة السياسية. وفي هذا السياق، أشار حسين إلى أن ما لفت انتباهه بشأن عمر، حتى في الماضي، كان تصميمها على رد الجميل لمجتمعها، سواء في مينيابوليس أو في الصومال. كما تحدث حسين عن سفر عمر في سنة 2011، إلى القرن الأفريقي الذي عانى آنذاك من الجفاف والمجاعة، لتسليم المساعدات إلى اللاجئين في داداب، المكان الذي غادرته رفقة عائلتها في التسعينيات. وفي هذا الصدد، أردف حسين قائلا: “كانت قصة عمر عبارة عن معركة، حيث لم يقدّم لها أي شيء على طبق من ذهب”.
“عاملة كادحة”
في البداية، كانت ساكييدو شاي مترددة في الحديث عن عمر. ولكن بمجرد أن تبدأ المرأة البالغة من العمر 35 سنة بالحديث، فإنك ستلاحظ على الفور ارتِيابها. ومع ذلك، كان لديها الكثير لتقوله. وفي هذا الإطار، صرّحت شاي، التي تشغل في الوقت الراهن منصب مدير مشروع الأمة في مينيابوليس قائلة: “أتذكر أنها اعتادت على تعليم النساء والشيوخ الصوماليين حول النظام الغذائي والتغذية والأكل الصحي. ونظرا لأنني كنت أشبهها، حيث لديّ ابنَتان وصبي، اعتدنا على أن نلتقي في الفعاليات التي تُجرى داخل المجتمع”.
تتفحص شاي، هاتفها على سطح خشبي منخفض داخل متجر صومالي مضاء بشكل خافت يقع في حي سيوارد في مينيابوليس. وأفادت شاي ضاحكة كما لو أنها تلمح إلى شيء ما: “لم نعتقد أنه سينتهي المطاف بإلهان لتكون عضوا في الكونغرس. كنت أدرك أنها تسعى لبلوغ هدف ما، حيث يُمكنك أن تلاحظ ذلك من الطريقة التي تتحدث بها مع الناس. وعندما تتوجه إليها بالحديث، ستشعر بأنها كانت تنوي تحقيق أمر ما. في المقابل، لم أكن أتصور أنها سرعان ما ستُحقّق هذا النجاح”.
وضعت شاي هاتفها جانبا والتقطت وعاء السكر الموجود على الطاولة. ومن ثم تابعت شاي حديثها قائلة: “بعد أن تحدثنا مطولا، قالت لي إلهان: “في كل مكان ذهبت إليه، كنت أترك أثرا. لقد تركت حجرا في كل مكان”. ومن ثم نظرت لي شاي وقالت: “هل تُدرك ما أقوله؟”. وحتى تتأكد من أنني فهمت مقصدها قالت لي شاي إن إلهان كانت أكثر ذكاء واستطاعت التغلب على الجميع، ولم يكن ذلك بمحض الصدفة.
تتذكر شاي عمر التي كانت ناشطة تساعد المجتمع الصومالي في قضايا مختلفة على غرار التغذية.
في أوائل سنة 2000، انتقلت هيبون عبدول إلى ولاية مينيسوتا. وقد وجدت مجتمعًا صوماليًا يحاول المضي قدما في حياته على الرغم من الصعوبات الاقتصادية التي يواجهها، حتى أن البعض أبدوا طموحهم في الترشّح لبعض المناصب. فضلا عن ذلك، لاحظت عمر أنه في حين أن العديد من النساء شاركن في تنظيم وبناء مشاريع مجتمعية، نجد أن الرجال هم يظفرون بالمناصب السياسية. فعلى سبيل المثال، عندما تم انتخاب حسين سماتار لعضوية مجلس التعليم في مينيابوليس سنة 2010، كان أول صومالي أمريكي يعتلي هذا المنصب. بعد ذلك، حلّ عبدي ورسامي، الذي ترشح لمجلس مدينة مينيابوليس وانتخب سنة 2013، محل سماتار.
في الواقع، أرادت عبدول تغيير ديناميات النوع الاجتماعي. وفي سنة 2012، شكلت عبدول مجموعة من النساء بغية إنشاء ورشة عمل ورفع نسبة النساء اللاتي يحظين بالمناصب العامة. وكانت عمر، بصفتها ناشطة محلية منذ فترة طويلة، بالإضافة إلى كونها مديرة حملة إعادة انتخاب كاري دزيدزيتش لمجلس شيوخ ولاية مينيسوتا سنة 2012 وحملة ترشح أندرو جونسون لمجلس المدينة سنة 2013، جزءًا من هذه المجموعة.
أدركت عبدول توق عمر للترشح لمنصب الرئاسة. وفي هذا الصدد، قالت عبدول، التي تشغل في الوقت الراهن، منصب المدير التنفيذي لمنظمة “النساء ينظمن النساء”: “كانت عمر تعرف هذه المدينة، ومن يحتاج إلى الحماية والمساعدة والدعم. ومن خلال أفكارها، أيقنتُ أن إلهان ستكون المرشحة الأمثل للترشح للانتخابات”. وأضافت عبدول قائلة: “لطالما كانت عمر تتحدث عن الظلم والحاجة إلى وضع حد له. وعلى الرغم من أنها تؤمن بتنظيم المجتمع، إلا أننا تشاركنا الرأي الذي يفيد بأن السياسة الانتخابية كانت الوسيلة الوحيدة لإحداث تلك التغييرات”.
في الواقع، رحّب أصدقاء عمر على غرار ديفيد جيلبرت بيدرسون، الذي أدار بدوره إحدى الحملات السياسية في مينيابوليس، والذي كان أصغر مندوب في المؤتمر الوطني للحزب الديمقراطي حينما كان يبلغ 17 سنة، بجهود عبدول. وبصفتهم ناشطين في المجتمع، كان بيدرسون وعمر يقضيان ساعات يتسامران أثناء تناول العشاء حول نوع القادة الذين يحتاجون إليهم في المدينة. وفي هذا الصدد، أفاد بيدرسون عبر الهاتف قائلا: “لقد اتفقنا على أننا نريد قادة منظّمين، ويتحملون المسؤولية أمام الشعب، ونريد منهم أن يكونوا ممثلين لمجتمعاتنا وأن ينظروا إلى الانتخابات كوسيلة تقودنا نحو نحو عالم أفضل”.
وواصل بيدرسون الحديث قائلا: “لقد أدركنا أننا عشنا في منطقة “60 بي” الفريدة من نوعها، مع أكبر عدد من الطلاب، داخل مجتمع متنوع يضم المسلمين وأولئك الذين ينحدرون من شرقيّ أفريقيا، فضلا عن الكثير من السكان البيض الليبراليين. وشعرت أن إلهان تنظر إلى الانتخابات على أنها وسيلة للمضي قدمًا في الرؤى التي تسعى إلى تحقيقها، كما شجّعتُها على التفكير في خوض الانتخابات بطريقة تختلف عن الآخرين”.
تعد هيبون عبدول من بين الأسباب الرئيسية التي دفعت بإلهان عمر إلى الترشح لمنصب سياسي سنة 2016.
على الرغم من شعورها بالتردد، غيرّت عمر رأيها بعد إجراء سلسلة من المحادثات، وقرّرت الترشح للحصول على مقعد في منطقة “60 بي” في الهيئة التشريعية لولاية مينيسوتا. وسرعان ما شكّلت كل من عمر وبيدرسون فريقًا ليُصبح بيدرسون مدير حمْلتها الانتخابية. وعندما كنت أتوجه لعمر بالسؤال عما إذا كانت تلاحظ وجود أي تناقض بين كونها ناشطة ومرشحة لمنصب سياسي، أوردت عمر أنها تعتقد أننا “يجب أن نكون في الشوارع وداخل الأماكن التي يتم فيها اتخاذ القرارات”.
وللظفر بالمقعد، كان يتعيّن على عمر أن تواجه كلا من زميلها الديموقراطي، محمود نور، وهو رجل صومالي سبق وأن ساعدته عمر في حملته الانتخابية، وفيليس كان، التي كانت تشغل منصب ممثل منطقة “60 بي” منذ سنة 1972. في هذا الجزء من مينيابوليس، كان الفوز بالانتخابات التمهيدية داخل الحزب الديمقراطي يعني الظفر بالمقعد. في المقابل، للفوز بالانتخابات التمهيدية، لن يكون على عمر مواجهة كان، التي تتفوق عنها بالخبرة نظرا لتقلّدها المنصب سابقا وتمتلك حق الولوج إلى إلى الموارد، فقط، وإنما يجب عليها أن تتجاوز النظام الأبوي للمنحدرين من شرقيّ أفريقيا، وتحديدا الصوماليين والأثيوبيين، الذين فضلوا مناصرة المرشح نور. وعموما، كانت الحقيقة الكامنة وراء تردد المجتمع في مناصرة عمر، تتمثل في أن كبار السن الصوماليين لم يألفوها في منصب سياسي، كما أنهم يؤمنون بأن الرجال هم من يُمسكون بدفّة القيادة.
لم تنجح حملة عمر على الفور، حيث لم تتلق في البداية سوى دعما جزئيا من مجتمعها الخاص. بعد ذلك، تمكنت عمر من إرساء تحالف متنوع من التقدميين البيض والطلاب ومجتمع المثليين للالتفاف حولها ودعمها
من جهة أخرى، قالت عبدول، مُرشدة عمر، إن “جزءا أساسيا من حملتها الانتخابية كان بمثابة مجهود مواز لتغيير العقليات في المجتمع الصومالي”. وأضافت عبدول قائلة: “كان يجب علينا التواصل مع المجتمع وتقديم تفسيرات تشير إلى أن وظيفة النساء لا تقتصر فقط على مساعدة الرجال، حيث من الممكن أن يحظين بأدوار قيادية. وقد كسرت عمر الحواجز، إذ توقف زوجها أحمد عن العمل للاعتناء بأطفالهما الثلاثة حتى تتمكن من التركيز على حملتها الانتخابية. ومن جهته، تواصل والد عمر مع شيوخ مجتمعهم المحلي للحصول على الدعم”.
في الحقيقة، لم تنجح حملة عمر على الفور، حيث لم تتلق في البداية سوى دعما جزئيا من مجتمعها الخاص. بعد ذلك، تمكنت عمر من إرساء تحالف متنوع من التقدميين البيض والطلاب ومجتمع المثليين للالتفاف حولها ودعمها، وهي حقيقة غالبا ما يقع تجاهلها عند الحديث عن قصة ظهورها. بالنسبة للكثيرين في مدينة مينيابوليس، يتمثل نجاحها في قدرتها على توحيد تشكيلة متنوعة من الاهتمامات ذات بُعد تقدمي. وفي الواقع، بدأت كل من عمر وفريقها بالتواصل مع سكان المنطقة وبناء علاقات حقيقية معهم قبل عدة أشهر من الإعلان عن ترشحها.
في شأن ذي صلة، قال بيدرسون: “لم نتواصل مع الأشخاص بحثا عن تأييد كبير. لقد توجهنا إلى الأشخاص المنخرطين في الحركات المناهضة للحرب والمناصرين لحركات العدالة البيئية والمجموعات الخاصة بالأحياء السكنية، وتوجهنا لهم بالسؤال التالي: “تفكر إلهان في الترشح، فما الذي تريده من ممثلتك؟”. من جهة أخرى، تُؤكد تجربة صونيا نيكوليسكو، المؤسسة المشاركة ومديرة الشؤون السياسية في منظمة نساء من أجل التغيير السياسي، المنظمة التي تستثمر في القيادة النسائية، رواية جيلبرت بيدرسون.
علاوة على ذلك، تسترجع نيكوليسكو باعتزاز كيف حضرت عمر إحدى اجتماعاتهم الأولى عندما كانوا مجموعة طلاب في جامعة منيسوتا. وفي هذا الصدد، قالت نيكوليسكو: “لقد كان ذلك سنة 2015 وكنا قد أطلقنا منظمتنا حديثا عندما تواصلت معنا عمر، وقد صدمنا حينها. لقد كانت حقا أول شخص عمل معنا واستمعت إلينا وحاولت معرفة ما يهمنا. وكان ذلك بمثابة تشجيع للشباب الذين غالبا ما يشعرون بأنهم خارج العملية السياسية”.
قالت نوا شافيت لونشتاين إنها اعتبرت حملة عمر بمثابة فرصة لتعزيز القوة الطلابية في المدينة.
فضلا عن ذلك، أوردت نوا شافيت لونشتاين، الناشطة في المجال البيئي التي انضمت إلى حملة عمر كمنسقة وكإحدى جنود الحملة، أنها قامت بهذه الخطوة لأنها لاحظت صدق عمر إزاء تطرقها للقضايا التي يهتم بها الشباب. وفي هذا السياق، قالت لونشتاين: “سيتطرق الناس إلى موضوع ديون الطلاب وستكون إلهان مهتمة بالموضوع. وعندما سيتحدثون عن الجريمة، ستروي عمر كيفية اقتحام منزلها. كما يمكنها كذلك فهم تأثيرات تغير المناخ نظرا لكونها تنحدر من شرق إفريقيا. وفي الحقيقة، لم تنجح محاولتها في استقطاب الأشخاص في البداية، لكنني رأيت مدى سرعة اهتمام الأشخاص بها. كما كان الطلاب متحمسين لأنها أبدت اهتماما تجاههم”.
استرجعت لونشتاين كيفية تنامي اهتمام النائب الجمهوري، بيرني ساندرز، بعمر من بسبب التغيير الذي حققته. وفي الواقع، عندما يتعلق الأمر بعمر، يُعتبر الاستثمار في الشباب والأشخاص المهمشين موضوعا لطالما تطرقت إليه عمر. ولم توكّل عمر الشباب بمهام ثانوية، وإنما احترمت قدراتهم ومنحتهم مناصب قيادية. ومن جهتها، أفادت نيكوليسكو قائلة: “إنها دربت عمر وثم ساعدتها في مرحلة ما على إدارة حملتها.
في هذا الصدد، تقول شاي من منظمة مشروع الأمة: “لقد كان سنها يتراوح بين 22 و23 عاما عندما كانت تطرق الأبواب وتتحدث بصدق. وعلى الرغم من أن هذا العمل كان شاقا بالنسبة لها، إلا أنها استمتعت بتنفيذه، حيث كان ذلك بمثابة مسألة ضرورية بالنسبة للأشخاص الذين يرغبون في إصلاح النظام”. ومن جهته، أفاد بيدرسون، رئيس حملة عمر الانتخابية، أن الالتزام بالإنصات والمشاركة كانا في الواقع من الجوانب الرئيسية التي تجدها في حملتها”. من جهة أخرى، لم تكن كان ممثلة مينيابوليس المتمرسة متحمسة بشأن عمر، حيث قالت متحدثة عن منافستها الأصغر سنا خلال الحملة الانتخابية إن “إلهان أصغر مني سنا وأجمل مني وتبدو ألطف مني. كما أنها تُؤيد كل ما يقوله لها الآخرون. لذلك، كانت المُنافسة قوية”.
تتميز الدائرة الخامسة بتنوعها ومستوى التعليم العالي فيها، حيث يقال إن حوالي 50 بالمئة من السكان البالغين يحملون شهادة جامعية. وتعتبر المنطقة موطنا للثروات الهائلة ويسجل فيها كذلك أعلى معدل للفقر في ولاية منيسوتا
الوصفة المثالية
خلال شهر آب/أغسطس سنة 2016، تغلبت عمر على كان في الانتخابات التمهيدية التابعة للحزب الديمقراطي. وبعد مرور ثلاثة أشهر، هزمت المرشحة الجمهورية وأصبحت أول أمريكية من أصل صومالي تتقلد منصب مشرّعة. وبمجرد دخولها للكونغرس، بدأت الهجمات تُشنّ ضدها. ففي البداية، اتُّهمت بالزواج من أخيها لتسهيل حصوله على الجنسية الأمريكية. وفي وقت لاحق، وُجّهت لها أصابع الاتهام حول قيامها بمخالفات مالية في المجلس التشريعي للولاية، علما وأن عمر سبق وأن نفت صحة كلا الادّعاءين.
من جانبه، نفى المدعي العام لولاية مينيسوتا خلال بيان صادر عن مكتبه، مزاعم الزواج مؤكدا عدم وجود أية نوايا للبحث في هذه المسألة. كما لم يقع تتبع مزاعم المخالفات المالية، التي استُخدمت خلال حملات التشهير التي عقبت ذلك. وردا على هذه الإدعات، قالت عمر: “إننا ندرك كيف يستثمر هؤلاء الأشخاص الجهد لإثباط عزيمة امرأة مهاجرة تقدمية ذات بشرة سوداء ومسلمة ترتدي الحجاب. نحن نعلم أن هؤلاء الأشخاص جزء من الأنظمة التي كانت تحرص تاريخيا على إسكات وتشويه سمعة المؤثرين الذين يهددون المؤسسة”.
سُرعان ما أصبحت عمر اسما مألوفا في مدينة مينيابوليس. وفي هذا الإطار، صرّح حسين، من مجلس العلاقات الأمريكية الإسلامية قائلا: “في منيسوتا، لا ينعقد أي مؤتمر صحفي حول أي قضية سياسية أو مشروع قانون جوهري دون أن تكون إلهان في المُقدمة”.
خلال سنة 2018، أعلن عضو الكونغرس كيث إليسون، من الدائرة الخامسة في ولاية منيسوتا، عن عزمه التنحي والترشح لمنصب المدعي العام للولاية، ما يعني شغور مقعد في الكونغرس. لذلك، قررت عمر الالتحاق بالسباق الانتخابي. لقد كان الديمقراطيون مستحوذين على الدائرة الخامسة، التي تضمّ حوالي 700 ألف شخص، منذ سنة 1963، علما وأن الفوز في الانتخابات التمهيدية يضمن الفوز في الانتخابات النهائية.
تتميز الدائرة الخامسة بتنوعها ومستوى التعليم العالي فيها، حيث يقال إن حوالي 50 بالمئة من السكان البالغين يحملون شهادة جامعية. وتعتبر المنطقة موطنا للثروات الهائلة ويسجل فيها كذلك أعلى معدل للفقر في ولاية منيسوتا. والجدير بالذكر أن أعمار حوالي 35 بالمئة من الناخبين تتراوح بين 22 و36 سنة. ومن جهته، أيّد حزب العمال الديمقراطي في ولاية منيسوتا عمر.
بالإضافة إلى ذلك، تحصلت عمر على تأييد من إليسون، أول مسلم حصل على تصويت مكنه من الدخول إلى الكونغرس سنة 2007، ويشغل في الوقت الراهن منصب مدعي عام الولاية. وفي تصريح له عبر الهاتف، قال إليسون: “لقد كانت تتمتع بحزم وإخلاص اعتقد أنهما لعبا دورا مهما. إنها من الأشخاص الذين سيدافعون عما يؤمنون به مهما كلفها ذلك”.
حي سيدار رايفرسايد يعجّ بمحلات احتساء الشاي المكتظة بالصوماليين
مع إخلاء عمر لمقعدها في المجلس التشريعي للولاية للترشح للكونغرس، سعى محمود نور في الوقت الراهن إلى خلافتها. لقد كانت حملة عمر الانتخابية للدخول للكونغرس مبنية على أهداف تقدمية ستصمد أمام اختبار الزمن، على غرار توفير رعاية صحية للجميع وإجراء إصلاحات فيما يتعلق بالعدالة الجنائية فضلا عن تطرقها لمسألة عدالة المهاجرين والعدالة البيئية. وقد ضخ ذلك مفاهيم الكفاح والمرونة والأمل في الناخبين الشباب والليبراليين البيض.
في الحقيقة، ساهمت جرأة قصة عمر الشخصية كلاجئة صومالية تعتلي المناصب الحكومية فضلا عن جدول الأعمال التقدمي الذي تبنته، في جعلها تجسيدا للقصة المناهضة لدونالد ترامب. من جهته، قال كين مارتن، رئيس حزب العمال الديمقراطي، إن هناك عوامل لعبت ضدها. وعلى الرغم من أنه يصعُب معرفة الوصفة المثالية التي اتبعتها إلهان، إلا جزءا منها يتمثل في عملها الجاد وبنائها لشبكة من العلاقات”.
أوردت شاي أن عمر جمعت الأشخاص المهمشين، وجعلت الطبقة المنسية على رأس أولوياتها، كما استخدمت مجموعة من التكتيكات التي فاجأتهم جميعا. ووفقا لشاين، كانت عمر تتقبل جميع الأجناس والميولات والانتماءات والأعراق والأجناس وتعتبرهم جميعا أفراد شعبها. وفي هذا الإطار، قالت عمر: “جميعنا لدينا نفس الاحتياجات، نظرا لكوننا ننتمي إلى الأقليات. إنهم لا يحبونني كما لا يحبونكم. فأنا امرأة من ذوات البشرة السوداء ومسلمة. لذلك، أنا أمثلكم، وفي حال كنتم تريدون أن يصل صوتكم، حاولوا الوثوق بي”. وأضافت شاي: “لقد كان يجدر بجميع المنظمات التي أرادت العمل مع هذه الأقليات مناصرتها، خاصة وأنها كانت تحظى بتأييد الجميع”.
لقد فازت عمر بالانتخابات التمهيدية التي انعقدت خلال شهر آب/ أغسطس سنة 2018 وانتخابات شهر تشرين الثاني/ نوفمبر. وعقب فوزها، أصبحت أول أمريكية من أصل صومالي وواحدة من بين امرأتين مسلمتين تصل إلى الكونغرس
أم الإمام أسعد زمان، المدير التنفيذي للجمعية الإسلامية الأمريكية في مينيسوتا، قال إن الجالية المسلمة كانت تعمل بشكل متآزر لدعم عمر في الانتخابات التمهيدية. وقد أيدها حوالي 28 إماما وزعماء مسلمين بارزين. وبمجرد حصولها على دعم أئمة صوماليون، كانت الجالية الصومالية من ضمن الداعمين لها على حد السواء.
لقد فازت عمر بالانتخابات التمهيدية التي انعقدت خلال شهر آب/ أغسطس سنة 2018 وانتخابات شهر تشرين الثاني/ نوفمبر. وعقب فوزها، أصبحت أول أمريكية من أصل صومالي وواحدة من بين امرأتين مسلمتين تصل إلى الكونغرس وأول امرأة مُحجبة تحظى بمثل هذا المنصب.
شراء الحلويات
التقيتُ بإلهان عمر في أروقة مركز كارمل التجاري الواقع جنوبيّ مدينة مينيابوليس، وقد كانت ترتدي سترة جلدية سوداء وحجابا لونه بني فاتح، رُبط على شكل عمامة. وقد كانت رائحة السمبوسة والشاي الصومالي مع الهيل والقرفة والزنجبيل منتشرة في أرجاء المكان الذي تحيط به مجموعة مذهلة من الأكشاك التي تبيع الفساتين الطويلة الملونة والعبايات والأوشحة، ووكالات السفر التي تعد بحج آمن إلى المملكة العربية السعودية.
أخبرتني عمر بأنها تنوي شراء بعض الحلويات، وقد كان الهدوء الذي يخيم على وجهها يتناقض مع الهستيريا المحيطة باسمها. فخلال الشهرين الماضيين، اتُهمت عمر بمعاداتها للسامية ودفاعها عن الإسلاميين وتجاهل هجمات الحادي عشر من أيلول/ سبتمبر ومعاداتها للولايات المتحدة. وقد تُوّجت هذه الافتراءات بسلسلة من التهديدات بالقتل، لكنها كانت تشتري الحلويات رفقتي وتتقاسم الضحكات مع أنصارها وتلتقط معهم صور سيلفي. علاوة على ذلك، وعدتني إلهان بإجراء مقابلة معي، وكنت قد أخبرتها بأننا حاولنا التواصل مع مكتبها منذ شهر لإجراء لقاء معها”. وقد أخبرتني إلهان أيضا بجدوى المحاولة مرة أخرى قبل أن تعتذر وتغادر مع طاقمها إلى سيارتها.
خلال شهر شباط/ فبراير الماضي، ألقت عمر كلمة في واشنطن. ومنذ دخولها الكونغرس، أصبحت الاعتداءات عليها مثيرة للسخرية وخطيرة.
نظرا للاهتمام المكثف التي تحظى به عمر من قبل وسائل الإعلام، لا أتوقع أنني سأتمكن من إجراء مقابلة معها. وخلال الأيام التي تلت ذلك، أوضح مؤيدوها وأصدقاؤها شكوكهم المتعلّقة بوسائل الإعلام والمراسلين الذين يفتقرون إلى الخبرة والمعرفة اللازمتين إزاء المناخ السياسي المحيط بها.
على العموم، يمكن تفهم رؤيتهم هذه نظرا لأنه منذ ترشحها لمنصب عضو مجلس النواب في مدينة مينيسوتا، تعرضت عمر للهجوم من قبل الصحافة المحلية والوطنية. ومنذ دخولها الكونغرس، أصبحت الهجمات مثيرة للسخرية وخطيرة، حيث وقع تشويه خطاباتها عن قصد. وحيال هذا الشأن، قال إليسون، سلف عمر في الدائرة الانتخابية الخامسة، إنه “كان بإمكاني إخبارها بما سيحدث. في الواقع، ربما فعلت ذلك”.
تلقى المجتمع الصومالي هو الآخر هجمات عديدة، إذ لا يقتصر الأمر على النظر إلى الصوماليين بعين الريبة عندما يتعلق الأمر بالإجرام والإرهاب وقضايا الاحتيال في مسائل الهجرة من قبل وسائل الإعلام والدولة فقط، فما تزال أسرهم تواجه تداعيات الحظر الإسلامي المستمر. وحتى في حال لم تكن عمر “نائبة من أصول صومالية”، تعتبر الهجمات على عمر مظهرا من مظاهر الإقصاء المنهجي الذي اعتاد عليه المجتمع الصومالي الذي يشعر بالضعف وبأنه موضع هجوم.
أفادت عمر: “أعتقد أنه يمكن أن يحدث تغيير عميق في صلب السياسية الأمريكية. لقد ترعرعت على فكرة بأن المجتمع الأمريكي يملك فرصة الدفاع عن توجهاته وأفكاره التي تخول له إحداث التغييرات التي يرغب في رؤيتها على أرض الواقع
صراع داخلي
بعد مرور أربعة أيام، أجريت اتصالا هاتفيا مع عمر غير أنني لم أستطع الحصول على أجوبة لنصف الأسئلة العشر التي كنت أنوي طرحها قبل أن تضطر إلى قطع المكالمة من أجل حضور اجتماع آخر. وقد كانت عمر تتحدث ببطء وبكلمات معبرة. ومن جانبها، كانت معظم إجابات النائبة الأمريكية طويلة ومدروسة بدقة، وهذا ما جعلني أتساءل عما إذا كان هناك خطأ في اقتصار تغريدات تويتر على 280 حرف فقط.
خلال ذلك الحوار، تحدثنا عن عائلتها التي يعيش أفرادها حياة ممزقة بين واشنطن ومينيابوليس، ناهيك عن الحراك الشعبي المتعلق بالسياسة الانتخابية المتبعة في البلاد، فضلا عن سؤالها عما إذا كانت تريد أن تشكر دونالد ترامب أخيرًا حتى يراها الجميع. وفي هذا الشأن، قالت إلهان ضاحكة: “لا أعرف ما إذا كنت أود أن أشكره حقا”.
كما تابعت إلهان القول: “نحن نعترف بكشف ترامب النقاب عن الكثير من أوجه القصور التي يعاني منها الشعب الأمريكي التي نأبى المجاهرة بها في مجتمعنا، لكن بطريقة بشعة للغاية. وتجدر الإشارة إلى أن هناك الكثير من الأشخاص الذين يرغبون في تلميع تلك النقائص، ولذلك أعتقد أنه يتعين علينا ألا نتوانى عن انتقادهم بغض النظر عما إذا كان ذلك سيثير قلق الناس أم لا؟ وأعتقد أن هذا الانزعاج سيقودنا إلى إحداث بعض التغييرات التي نريد أن نراها على أرض الواقع”.
عند سؤالها عن طبيعة المكانة التي تحظى بها في السياسة الأمريكية، وما إذا كانت ترى أن النائبة الاشتراكية الديمقراطية ألكساندريا أوكاسيو كورتيز وعضو الكونغرس رشيدة طليب تشكلان خللا في المنظومة الأمريكية أو علامة على تغير طبيعة السياسة الأمريكية إلى حد كبير، أفادت عمر: “أعتقد أنه يمكن أن يحدث تغيير عميق في صلب السياسية الأمريكية. لقد ترعرعت على فكرة بأن المجتمع الأمريكي يملك فرصة الدفاع عن توجهاته وأفكاره التي تخول له إحداث التغييرات التي يرغب في رؤيتها على أرض الواقع، مع العلم أنها تعد من السمات الفريدة التي يتصف بها شعب هذا البلد”.
وأردفت النائبة المسلمة قائلة: “نحن نمثل جماعة تريد تشكيل مفهوم جديد لنظام كان من المفترض حقًا أن يمثله أشخاص ينشطون في شتى المجالات. وعندما نعرب عن معارضتنا لمثل هذا النظام، تواجهك هذه الأنواع من السياسات المدمرة والكارثية التي لم يستفد منها سوى القليل وتركت البقية جانبا. وأعتقد أن هذا قد ساهم في وجود أشخاص يريدون إقحام المجتمع الأمريكي في قلب السياسة”. في المقابل، بالنظر إلى حملة التشويه الوحشية التي يشنها الجناح اليميني، والدعم المتعثر من الديمقراطيين الذي تجدونه داخل الحزب، هل تعتقدين أنه يمكن إحداث تقدم حيال هذه المسألة؟
في هذا الصدد، لا تمتلك إلهان عمر أي شكوك حيال كون الانقسام والاندماج جزءًا من نسيج الولايات المتحدة على الدوام. وأشارت قائلة:” حتى بالعودة إلى عصر إعادة الإعمار بعد الحرب الأهلية، سترى أنه في أي وقت يتم فيه إدماج أصوات جديدة، يلاقي ذلك ردود فعل شديدة”. وعلى الرغم من أن الناس كانوا متحمسين للغاية لرؤية التحولات الجديدة التي سنقودها. إلا أن أولئك الذين يوجدون في قاعات السلطة ليسوا متحمسين للغاية، لكن ذلك لم يمنعنا عن الاستمرار فيما بدأنا فيه. وسيجعل هذا الثبات عددا أكبر من المواطنين المهمشين يؤمنون بإمكانية حدوث تغيير ما”.
لطالما كانت طاقة عمر مصدر إلهام لنساء مسلمات ونساء أخريات في الولاية للانضمام إلى السياسة أو البحث عن وظيفة في المجال السياسي بشكل أو بآخر.
الجدير بالذكر أن كل مواطني مينابوليس يصفون عمر أنها من الأشخاص التي تملك درجة من البلاغة في الكلام وقدرة مذهلة على الإقناع. ومن المعروف أنها تعمل بجد ولا تتوانى عن تقديم المساعدة لأي شخص. وذهب أندرو جونسون من مجلس مدينة مينيابوليس، التي نظمت حملة لدعمه ومن ثم شغلت منصب كبار مساعديه في صنع السياسات، إلى حد وصفها بأنها “إنسانة استثنائية”.
من المؤكد أن استدامة هذه الحركة كانت موضع نقاش واهتمام شباب ذوي البشرة السمراء، أو الذين ينتمون إلى مجموعة من الأقليات في المدينة. وفي هذا السياق، أفادت الناشطة البيئية شافيت لونشتاين أن دعم عمر كان دائمًا يهدف إلى ضخ دماء جديدة في السياسة الانتخابية واعتماد سياسة واقعية تخدم مصالح كافة فئات الشعب”.
ولطالما كانت طاقة عمر مصدر إلهام لنساء مسلمات ونساء أخريات في الولاية للانضمام إلى السياسة أو البحث عن وظيفة في المجال السياسي بشكل أو بآخر.
تقول نوشينا حسين إن مثابرة عمر تلهم جيلًا كاملًا من النساء المسلمات لتولي الدفاع عن المشاكل التي يواجهونها.
من جهتها، صرحت نوشينا حسين، مديرة منظمة ريفايفينغ سيتارهود التي تتخذ من مينيابوليس مقرًا لها وتركز على إعلاء أصوات النساء المسلمات وكشف تجاربهن الحية الرامية إلى إحداث تغيير اجتماعي، أن عمر أصبحت تمثل حافزا للنساء الأخريات للمشاركة في الحياة المدنية. بالإضافة إلى ذلك، تراها النساء الأصغر سنا نموذجا يحتذى وبطلة وينظرون إليها كشخص لايخاف من التحدث عن الحقيقة إلى السلطة فحسب، بل إنها قادرة على تركيز بعض التغييرات المهمة.
علاوة على ذلك، أضافت حسين أن” المواضيع التي لا يتطرق الناس إليها ولايجاهرون بها بصوت عالٍ، هي لا تتوانى عن التحدث عنها على موقع التواصل الاجتماعي تويتر. قبل انتخابات سنة 2020، تولدت طاقة بين الشابات المسلمات في مينيسوتا لتولي الدفاع عن حقوقهن. فضلا عن ذلك، اشارت شاي إلى أن عمر قد مهدت الطريق للآخرين للانخراط في المجال السياسي. وأضاف حسين أنه بفضل عمر أضحى الناس يكنون الاحترام للنساء المسلمات، حيث كانوا يعتقدون في السابق أنهن راضيات عن الوضع الذي يعيشونه على الرغم من تعرضهن للإهانات.
“ماذا لو حل مجنون بالمكان؟”
عندما كنت جالسا وسط مقهى صومالي في “سيدار ريفرسايد”، كنت أقلب ناظري بين مباريات الدوري الأميركي للمحترفين على شاشة التليفزيون وفيلم كيفن كوستنر، “ووتر وورلد”، على شاشة أخرى. اقترب مني رجل أربعيني ليتبين لي لاحقا أنه أراد معرفة ما إذا كنت طالبا في الجامعة المجاورة بصدد القيام ببحث دراسي، بعد أن لاحظ أنني أقوم بالتقاط بعض الصور في الأرجاء.
قدمت له الشكر على ما قدمه لي من ثناء، ولكن رجوته أن يخبرني المزيد عن إلهان عمر. لقد طلبت أن أجري مقابلة معه ولكنه يريد أيضًا أن يعرف رأيي فيها قبل المضي قدمًا والموافقة على لقائي. وعندما عبرت عما يجول بخاطري، نظر إلي بعينين ضيقتين وقال بعد برهة طويلة: “أنا لست من مؤيديها”. وواصل قائلا قبل أن يطلب مني عدم الكشف عن هويته: “أعتقد أنها قد جذبت الكثير من الانتباه.”
أخبرني الشيخ الذي طلب مني عدم الكشف عن هويته أن “ترامب أحكم قبضته على الجمهوريين الذين لا يستطيعون تحديه. ولكن مع صعود ترامب للحكم، سلط الله عليه قوة معاكسة لمواجهته والمتمثلة في تلك النساء اليافعات اللواتي تمكن من الوصول للكونغرس
طلب مني الرجل عدم الكشف عن هويته وقال “يمكنك مناداتي عبدي”، وهي تسمية ترادف في شهرتها بالنسبة للصوماليين اسم “جون سميث” في نظر الأمريكيين. تشاركنا الضحك ولكني قررت أن أختار له اسما أقل سخافة، فقررت أن أطلق عليه اسم خالد. ومن جهته، صرح خالد أن: “معارك إلهان مع ترامب جلبت الكثير من الاهتمام للصوماليين هنا. ماذا لو حل مجنون بالمكان وأطلق النار علينا؟ من الأجدى لها أن تبقى بعيدة عن التجاذبات السياسية وتؤدي وظيفتها فقط.”
شكك خالد أيضا في دعم إلهان عمر لحقوق المثليين وقال: “كيف يمكن لأحد دعم حقوق المثليين ومن ثم الادعاء بأنه يدافع على المسلمين؟” وفي منتصف حديثنا، نهض الرجال في المقهى عن كراسيهم، ثم دعاني خالد أن أصلي المغرب مع الإخوة في المسجد الواقع على الجانب الآخر من الشارع. وخارج المقهى، امتزجت الأضواء المشعة من مصابيح النيون في مركز سيدار الثقافي بلون غروب الشمس، تلقي المباني السكنية الشاهقة والمعروفة بأنها تؤوي الكثير من الصوماليين بظلالها على ما يعرف باسم مقديشو الصغيرة.
بعد صلاة العشاء قصدنا مقهى آخر، وبدا خالد عازمًا على مواصلة الحديث في الموضوع خلال جلستنا. جلسنا على كراسي بلاستيكية يحيط بنا ضوء خافت، ثم قدمني خالد لرجل آخر وصفه بأنه شيخ ذو شأن بين صفوف المهاجرين الصوماليين، ثم أردف قائلا: ” إنه يقول بأنه سوف يخبرك أيضًا عن السبب الذي يقف وراء اختلافنا مع إلهان.” وما طفق الرجل المسن الذي ارتدى قبعة خضراء وسترة بنفس اللون يوضح وجهة نظر مختلفة تماما عما استعرضه خالد سابقا، وهو يحتسي كوبه من الشاي.
أخبرني الشيخ الذي طلب مني عدم الكشف عن هويته أن “ترامب أحكم قبضته على الجمهوريين الذين لا يستطيعون تحديه. ولكن مع صعود ترامب للحكم، سلط الله عليه قوة معاكسة لمواجهته والمتمثلة في تلك النساء اليافعات اللواتي تمكن من الوصول للكونغرس. حسب تحليلي الخاص، فإن كل شخصية سياسية تبرز في وقت معين من التاريخ، ولنا في نيلسون مانديلا أو رجب طيب أردوغان أو ترامب خير مثال على ذلك. وسواء رضينا أم لم نرضى، فهذا هو وقت إلهان.”
أضاف خالد قائلا: “إن الأمر يتجاوز كره ذوي البشرة السوداء واليهود أو الشعور بالغيظ من رؤية امرأة مسلمة ذات بشرة سوداء في الكونغرس. إنهم يكرهون ذلك. لكن الوضع قابل للتغير في حال نزعت حجابها”. من ثم دفع خالد الرجل المسن وقال له “أخبرهم ما هي مشكلتهم معها”. في المقابل، أعاد الرجل دفع خالد وقال وهو يضع فنجان الشاي: “لم أصوت لها، لم أساندها ولكن ترامب وشعبه يريدون قتلي، وهي تتكلم نيابة عني. لماذا يجب عليّ ألا أساندها؟”.
شعر خالد بخيبة أمل وهزّ رأسه وقال: “ولكن لا يعجبني ما قالته عن المملكة العربية السعودية ومحمد بن سلمان”. فرد عليه الرجل المسن: “يرجع ذلك لأنك تتعامل مع رجل سعودي يا أخي. في الواقع، تتوق إلهان لكل ما له علاقة بالعالم الإسلامي أو العالم الأمريكي. إنها تتحدث عن الحقيقة “. بعد ذلك توقف النقاش.
حي سيدار ريفرسايد، المعروف أيضًا باسم الضفة الغربية، هو موطن لآلاف الصوماليين الأمريكيين.
التقيت بكارين مروتز في مقهى مشرق يوجد في حي لوري هيل الشرقي في مينيابوليس. كان شباب الألفية البيض من حولنا يشربون القهوة بالحليب ويقضمون ببطء خبز التورتيا، بينما يكملون تصاميمهم على أجهزتهم الخاصة. تشير إحدى اللافتات الموجودة في القائمة إلى أنهم يدفعون لجميع الموظفين أجورًا معيشية ويعملون كعمل تجاري بلا ربح.
لا تستطيع مروتز، المديرة التنفيذية لمنظمة “الجالية اليهودية للعمل”التي تعمل عبر ولاية مينيسوتا على معالجة قضايا العرق والعدالة الاقتصادية، إخفاء ازدواجية رأيها حول موضوع اجتماعنا للحديث عن إلهان عمر. ومع ذلك، لدى مروتز أشياء لتقولها حول الموضوع. من ناحية أخرى، فهي تدرك جيدًا أن كلماتها يمكن أن يتم تحريفها من قبل التيار الأيمن، كما حاولوا مرارًا وتكرارًا، عندما يتعلق الأمر بالنائبة عمر.
تقول مروتز إنها أمضت خمس ساعات مساء يوم الجمعة مع عمر قبل الانتخابات التمهيدية الديمقراطية للكونغرس، حيث كانت تناقش الحساسيات المتعلقة بمعاداة السامية رفقة فريقها وتتحدث عن إحدى التغريدات التي نشرتها سنة 2012، والتي وصفت فيها إسرائيل بأنها “تقوم بتنويم العالم”. كما أضافت أن مجموعة صغيرة فقط من اليمينيين واليهود المحافظين سياسياً كانوا يثيرون ضجة على تويتر في ذلك الوقت، لكن كان من المتوقع أن يهاجمها الجناح اليميني بطريقة منسقة.
عقب الانتخابات، أخبر فريق عمر مجلة “النساء المسلمات” أن عمر تدعم الحركة ولكن “لديها تحفظات على فعالية الحركة في تحقيق حل دائم”
في الأثناء، ذكّرت مروتز بالرسالة التي نقلتها إلى عمر في ذلك المساء، والتي ورد فيها أن اليمين المتطرف سيروج إلى أنك معادية للسامية وهذا سيُخيف اليهود الذين يواجهون حاليا معاداة السامية على الرغم من أن حلفائنا لا يرون ذلك. كما سيؤجج ذلك الانقسامات في اليسار. ولذلك، أريد أن أساعدك على عدم إعطائهم الفرصة، لأن هذا سيكون سيئًا لنا جميعًا”.
في الوقت الراهن، تقول مورتز البالغة من العمر 43 سنة إنها تشعر بخيبة أمل إزاء إلهان عمر. أولا، لم تقم عمر فورا بالتطرق الى التغريدة التي نشرتها سنة 2012، كما أنها بدت كما لو أنها بدأت تتراجع عندما تعلق الأمر بدعمها لحركة المقاطعة وسحب الاستثمارات وفرض العقوبات.
في هذا الصدد، تشير مورتز إلى الحدث الذي نظم في الكنيس قبل الانتخابات التمهيدية التي سئلت فيها عمر عما إذا كانت تؤيد حل الدولتين وحركة المقاطعة وسحب الاستثمارات وفرض العقوبات. وأجابت عمر أنها دعمت حل الدولتين ووصفت حركة المقاطعة وسحب الاستثمارات وفرض العقوبات بأنها “غير مفيدة لحل الدولتين”. كما أضافت: “أعتقد أن الغرض من الحملة هو الضغط، وأعتقد أن هذا الضغط معاكس فعليًا”.
عقب الانتخابات، أخبر فريق عمر مجلة “النساء المسلمات” أن عمر تدعم الحركة ولكن “لديها تحفظات على فعالية الحركة في تحقيق حل دائم”. وبيّنت مورتز أن الكثيرين في المجتمع اليهودي “شعروا بأنها انقلبت وبأن وجهها الحقيقي ظهر في نهاية المطاف. يحاول البعض منا محاربة ذلك، ولكن هناك أيضًا حقيقة لأنها في فترة الحملة أعربت عن موقف معين ومن ثم غيرته عقب الفوز بمنصبها المنشود”.
كما أفادت مورتز أن كل حادث بات يعتبر “بسبب بنيامين”، حيث ألمحت عمر إلى دور جماعات الضغط في دعم أمريكا لإسرائيل. وبالتالي، كان هناك بالفعل شعور بأنها لم تكن تعطي الأولوية أو تستثمر في المجتمع اليهودي.
أكدت إلهان عمر سابقًا بأنها لم تغير موقفها من حركة المقاطعة وسحب الاستثمارات وفرض العقوبات، إذ بين فريقها أنه يكفي الاطلاع على سجل عضوة الكونغرس كمشرعة للولاية للتأكد من ذلك
اتهمت إلهان عمر بمعاداة السامية على الفور وشنت حملة تشويه واسعة ضدها بلغ صداها البيت الأبيض. وهناك وجهت لها دعوات للتنحي عن مهامها داخل اللجنة التي تنتسب إليها والاستقالة من الكونغرس. علاوة على ذلك، تعرضت إلهان عمر أيضا لهجمة شرسة من قبل أعضاء حزبها، والذين ساهمت انتقاداتهم اللاذعة في فتح المجال لتصعيد حملة الإسلاموفوبيا ضدها.
في بيان لها، صرحت قيادة الحزب الديمقراطي في الكونغرس، بما في ذلك رئيسة مجلس النواب نانسي بيلوسي:”يجب إدانة ومواجهة كل مظاهر معاداة السامية كلما سنحت الفرصة ودون استثناء. إن الحق في انتقاد سياسات إسرائيل هو حق مشروع ومحمي بقيم التعبير الحر والنقاش الديمقراطي الذي تتقاسمه كل من الولايات المتحدة وإسرائيل، ولكن استخدام عضوة الكونغرس إلهان عمر لتشبيهات معادية للسامية وتوجيهها اتهامات قائمة على أحكام مسبقة ضد مؤيدي إسرائيل يعد هجوما بالغ الخطورة.”
في الأثناء، اعتذرت إلهان عمر عن الألم الذي سببته تعليقاتها للمجتمع اليهودي ووعدت بأنها ستصغي بشكل أكبر وتتعلم في المستقبل، ولكن نسق الهجمات الموجهة ضدها ما فتئ يتخذ منحى تصاعديا بلا هوادة، إذ تخضع كل كلمة أو عبارة تنطق بها هذه الأخيرة للرقابة المستمرة من قبل منتقديها.
أكدت مروتز أنها على دراية بأن الجناح اليميني المحافظ والرجعي يقوم بتوظيف المجتمع اليهودي بهدف تقسيم الحركة التقدمية. ومن الواضح أيضًا أنها تشعر بالحاجة إلى التوضيح بأنه بغض النظر عن حملة التشويه التي استهدفت إلهان عمر يجب الإقرار بأن هناك بعض المخاوف المشروعة تجاه الطريقة التي تناولت بها عضو الكونغرس الموضوع ككل.
وصرحت مروتز قائلة: “إن ما جعلني أصاب بخيبة أمل بالغة تجاه النائبة عمر يتعلق أساسا بفشلها في أن تأخذ الطريقة التي تستخدم بها معاداة السامية كسلاح ضد التقدميين على محمل الجد. لم أتفاجأ حقًا عندما أثارت تصريحاتها هذا اللغط الحاد.”
أضافت مروتز:”ظاهريا، تم الترويج للحدث على أساس أن اليهود يهاجمون إلهان أو أن المشكل قد أثيرا أساسا حول تغريدة أو يتعلق بـحركة المقاطعة وسحب الاستثمارات وفرض العقوبات، ولكن الحقيقة تكمن في الطريقة التي تتبعها ولاية مينيسوتا في ممارسة السياسة والتي ترتكز أساسا على إيلائنا أهمية للتعرف على مرشحينا وفهم نقاط الترابط التي تجمعنا بهم. أعتقد أن هناك شعورًا حقيقيًا بخيبة الأمل لأن عضو الكونغرس عمر لم تضع علاقتها مع شريحة الناخبين اليهود في أعلى قائمة أولوياتها.”
أخذت مروتز تتحقق من أفكارها بين الفينة والأخرى أثناء حديثها، فتبدأ بالتعبير عما يجول بخاطرها ثم تتوقف للتثبت وقد بدا عليها الحرص والاتزان. وفي الخلفية، تصدح أغنية فرقة مارون فايف، “شي ويل بي لوفد” أي “أنها ستكون محبوبة”، ولكن لم يقصد باختيار هذه الأغنية أي نوع من السخرية. والجدير بالذكر أن إلهان عمر التي ظهرت في فيديو أغنية “غيرلز لايك يو” أو “الفتيات اللواتي يشبهنك” المصور، وهي أغنية شهيرة أخرى من أغاني فرقة البوب المعروفة مارون فايف.
تابعت مروتز قائلة: “كان المقصود من موقفنا أن تصويتنا لك كان يستند بالأساس على برنامجك المتعلق بمجموعة من القضايا التقدمية، فلماذا تقومين الآن بإثارة قضية لسنا متأكدين من أننا ناقشناها من الأساس؟ أعتقد أنها خيبة أمل بالنسبة لبعضنا بالفعل لأنه تبين لنا أن إلهان ليست إلا امرأة سياسة.”
في الواقع، أكدت إلهان عمر سابقًا بأنها لم تغير موقفها من حركة المقاطعة وسحب الاستثمارات وفرض العقوبات، إذ بين فريقها أنه يكفي الاطلاع على سجل عضوة الكونغرس كمشرعة للولاية للتأكد من ذلك، إذ قبل نجاحها في الالتحاق بالكونغرس صوتت عمر ضد مشروع قانون مكافحة حركة المقاطعة وسحب الاستثمارات وفرض العقوبات الذي تم طرحه في مينيسوتا. والجدير بالذكر أن مشروع القانون وقع تمريره، لكن موقف عمر كان دليلًا على أنها لم تتراجع عن السياسة التي قررت اتباعها.
يمكن تبين بعض المشاركين الآخرين مثل الإمام أسعد زمان، الذي يشغل منصب المدير التنفيذي للجمعية الإسلامية الأمريكية في ولاية مينيسوتا، والذي يندرج ضمن قائمة أولئك الذين يرغبون في أن تتوخى عمر الحذر في تصريحاتها
أكدت الناشطة البيئية شافيت لونشتاين على الرأي القائل بأن إلهان عمر” نأت بنفسها عن حملة حركة المقاطعة وسحب الاستثمارات وفرض العقوبات، وذلك ما جعل بعض اليهود الأكبر سنا والذين يعتبرون مقربين بشكل أكبر من إسرائيل ينزعجون حقا من هذه التصرفات، خاصة وأنه كان لإلهان عمر رأي مخالف خلال الحملة الانتخابية.”
في المقابل، عبرت لونشتاين بوضوح عن أن محاولات اتهام عمر بمعاداة اليهود ليست أكثر من محاولة لتشويهها، مضيفة: “أنا يهودية، ولذلك يمكنني أن أطلعك على الخطابات السياسية المعادية للسامية حقا. إن ستيف بانون وأمثاله من القوميين البيض هم الذين يدعمون إسرائيل لأنهم يريدون إيجاد مكان يمكنهم أن يرسلوا إليه الطائفة اليهودية بعيدا عن الولايات المتحدة، ودعنا لا ننسى جو بايدن الذي أطلق على مقرضي المال اسم شايلوك.”
تقول شافيت لونشتاين:”لا تتمحور معاداة السامية حول انتقاد الأشخاص للاحتلال، كما أن العديد من اليهود ينتقدونه أيضًا.” ويقول جيلبرت بيدرسون حيال هذا الشان أن كل من يعرفون إلهان لا يصدقون أنها معادية للسامية. ويضيف رئيس حملتها أن:” كل من يعرفها يفهم أن موقفها يتمحور حول دعم قيمها وحول حقوق الإنسان والكرامة.” وإلى جانب حملة التشهير، هناك من يشعر أن عمر قد ارتكبت أخطاء، وجيلبرت بيدرسون هو واحد منهم.
في شأن ذي صلة، يقول بيدرسون “أنا أتفق مع كارين مروتز بأن قيادات الكونغرس بحاجة إلى التحقق مع دوائرها الانتخابية. يجب عليهم التوصل إلى توافق في الآراء. فعندما تقرر إلهان التحدث عن السياسة الخارجية والإمبريالية الأمريكية وانتقاد بعض هذه الهياكل ستكون في حاجة إلى حلفاء. لن يكون لرأيها صدى دون التحقق من الخلفيات السياسية سلفا. إنها شابة وجديدة في هذا المجال، لذلك فهي بحاجة للتحدث مع القادة اليهود حول هذه القضايا. لكنني أعتقد أيضًا أن على شخص ما أن يتطرق إلى هذه المسائل.”
الإمام أسعد زمان
يمكن تبين بعض المشاركين الآخرين مثل الإمام أسعد زمان، الذي يشغل منصب المدير التنفيذي للجمعية الإسلامية الأمريكية في ولاية مينيسوتا، والذي يندرج ضمن قائمة أولئك الذين يرغبون في أن تتوخى عمر الحذر في تصريحاتها وأن تعتمد استراتيجية واضحة. وقال الإمام حيال هذا الشأن: “لقد قدمت لها النصح، لكن إلهان تريد رسم مسارها الخاص، واتخاذ قراراتها بمفردها.”
يمكن القول إن تواجد النائبة الأمريكية المسلمة إلهان عمر على وسائل التواصل الاجتماعي يعد لغزًا لكثير من مؤيديها ومساعديها. وفي شأن ذي صلة، لكل فرد وجهة نظر حول الجنون الذي شهدته الأشهر القليلة الماضية وكيفية تعامل عمر مع النقد اللاذع الذي تتعرض له.
كيث إليسون
يقول زمان إن تعليقات عمر على فلسطين “تستند إلى مواقف قوامها الوضوح الأخلاقي” وأنه “سعيد لأنها تثير قضايا لجنة الشؤون العامة الأمريكية الإسرائيلية (أيباك) وأخرى متعلقة بفلسطين والفقر والحرب والمجمع الصناعي العسكري. عندما تسعى خلف الدعم الأمريكي الأعمى لإسرائيل فهذا بالتأكيد أمر يصب في مصلحة الولايات المتحدة وليس قضية خاصة بالمسلمين” .
ولا يعتبر الإمام متحمسًا بشأن بالاتجاه الذي يبدو أن إلهان عمر بصدد اتخاذه. وعلى الرغم من إقراره أن كلمات عمر تخضع لمراقبة مجحفة، إلا أنه ينتقد بشكل خاص ميلها لمهاجمة ترامب على تويتر، حيث وصفت نفسها الشهر الماضي بأنها “أكبر عدو” للرئيس الأمريكي. وأورد الإمام “يجمع البالغون على أن تويتر ليس فضاء مناسبا لإجراء نقاش موضوعي حول السياسة الوطنية أو مكان تتخذ فيه قرارات تخص هذه الأمور. “
على الرغم من أن هذا المشهد قد يساهم في تحسين صورة عمر بين الديمقراطيين، إلا أن زمان يشعر أن مثابرة عمر ستزيد من غضب قاعدة الجماهير المساندة لتعصب ترامب للعرق الأبيض وهذا ما يقلقه فعلا. وفي هذا السياق، قال الإمام أن “دونالد ترامب يعتبر بارعا في التفاخر والحديث، لذلك لن يكون من الجيد للديمقراطيين أو البلاد أو الجالية المسلمة أن تكون إلهان السبب الرئيسي لنجاح حملة ترامب.”
يمكن القول إن تواجد النائبة الأمريكية المسلمة إلهان عمر على وسائل التواصل الاجتماعي يعد لغزًا لكثير من مؤيديها ومساعديها. وفي شأن ذي صلة، لكل فرد وجهة نظر حول الجنون الذي شهدته الأشهر القليلة الماضية وكيفية تعامل عمر مع النقد اللاذع الذي تتعرض له.
أعرب البعض من مؤيدي النائبة المثيرة للجدل عن تخوفهم من أن سخطها على اللوبي الإسرائيلي والمبرر أخلاقيا يهدد فترة ولايتها الثانية في الكونغرس. في المقابل، يميل آخرون للإعتقاد أنها يجب أن تغيب عن الأنظار وتركز على دفع التشريعات والابتعاد عن ترامب. كما تدور تصورات أخرى حول الأزمات التي لا ينفك طاقمها الوقوع فيها وتحول دون تمكنهم من الاستقرار إلى الآن. يقول إليسون في هذا الصدد:”لقد قدمت لها النصح، لكن إلهان تريد رسم مسارها الخاص واتخاذ قراراتها بمفردها.”
يعتقد حسين، أحد أعضاء مجلس العلاقات الإسلامية الأمريكية، كغيره أن عمر لن تتراجع لأنها لا تنوي أن تجعل مسيرتها المهنية تتمحور حول السياسة. بيد أن الناشطة البيئية شافيت لونشتاين ترى الأمر من منظور مختلف وتقول أن: “المنطقة الخامسة التابعة للكونغرس هي أكثر المناطق ديمقراطية في البلاد. كان بإمكانها أن تكتفي بالبقاء بعيدة عن الانظار وبدورها كناخبة تابعة للحزب الديمقراطي دون الخوض في تحد أساسي. وعلى الرغم من أن الناس ينتقدونها لأنها مهاجرة صومالية ذات بشرة سوداء، فهي لا تزال تخوض معارك مهمة.”
صرحت عمر قائلة:” أنا أدرك أن الكثير من الناس يعيشون حياة مليئة بالتناقضات، فهم يتحدثون عن قيمهم التي يحملونها، ثم يتحدثون بشكل مختلف عندما يتعلق الأمر بالطريقة التي يقودون بها الساحة السياسية
وفقًا لجيلبرت بيدرسون، تلقت عمر الكثير من الدعم بعد محاولة تشويه اسمها، حيث يقول أن أولئك الذين ينتمون للمنطقة الخامسة أنهم يتوقعون أن يتجاوز من يمثلهم الحدود التي ترسمها القواعد، نظرا لتزايد عدد الناس الذين يرغبون في رؤية السياسيين يتحدثون عن آلة الحرب الأمريكية. أولئك الذين يصفونها بالسعي لتعزيز الانقسامات لم يدعموها أبداً.”
“نحن ننزف مثلكم”
تقول إفراح منصور، وهي مغنية صومالية أمريكية ومعلمة في إحدى المدارس في مدينة منيابولس، إنها تتذكر الفترة التي تتراوح بين أواخر التسعينيات وأوائل العقد الأول من القرن العشرين عندما كان المجتمع الصومالي مغمورا. وتضيف منصور البالغة من العمر 33 سنة قائلة:” نحن نعيش اليوم مع إمكانية الظهور للعالم، لكنني أشعر أننا لا نزال مغمورين. إنهم يتلاعبون بهويتنا بشكل مستمر في وسائل الإعلام، ومع ذلك لم يتمكن الناس من فهمنا وإدراك هويتنا. هل سنظلّ نحتجّ لبقية حياتنا حتى يتمكن الناس من إدراك إنسانيتنا؟ لكي نخبرهم بأننا ننزف مثلكم تمامًا”.
تصف إفرح منصور حملات التشويه التي استهدفت ضد عمر أنها نوع من رد الفعل العنيف نتيجة نجاحها.
نظرًا لإجماع العديد على أن عمر أصبحت هدفًا للتشهير على نطاق واسع وبغض النظر عما تقوله أو تفعله، فإن طريقة التعامل معها تثير أسئلة أعمق حول الولايات المتحدة وأسطورة المجتمع المختلف الثقافات والخلفيات. وبعبارة أخرى، إن تحميل عمر مسؤولية الأكاذيب المنهجية والكلام المحرف، الذي صدر عن الحزب الجمهوري هو أمر غير عادل. قبل بضعة أسابيع، وتحديدا في مدينة نيويورك، أخبرتني الناشطة الفلسطينية الأمريكية ليندا صرصور أن الجالية الأمريكية المسلمة كانت تراقب عن كثب أعضاء الحزب الديمقراطي الذي يقفون في صف عمر.
تابعت صرصور القول إن موعد الانتخابات الرئاسية المقرر إجراؤها سنة 2020 أصبح قريبا، ومن المتوقع أن تكون هناك عواقب على أعضاء الحزب الديمقراطي الذين كانوا متعصبين ضد عمر. وأضافت قائلة: “إذا لم تقفوا في صفنا عندما كنا بحاجة إليكم، لا تطلب الحصول على صوتنا في انتخابات 2020، لأنك لن تحصل عليه”. كما أوضحت صرصور أن المرشحين الديمقراطيين سيتخذون قرارات صعبة في الانتخابات التمهيدية من أجل توجيه رسالة إلى الديمقراطيين الحاليين الذين لم يقفوا في صف الشعب.
تمثل عمر جزء من جيل المسلمين الأمريكيين الذين يرفضون فكرة أن أمريكا تفتح أبوابها للمسلمين الأخيار الذين يستوفون الشروط اللازمة، أو المسلمين القادرين على تحمل عبء التشكيك فيهم. ويبرز هذا التوجه جليا لاسيما بعد أحداث 11 سبتمبر/ أيلول، مما يعني أنهم لا يجرؤون على التفكير أبدا في دخول إلى الحدود الأمريكية.
في الواقع، لم يتم التشكيك بعمر بسبب انتقاداتها اللاذعة للمملكة العربية السعودية، كما أنه لم يطلب منها التخفيف من حدة انتقاداتها أو التوقف عن إثارة مجموعة متنوعة من قضايا حقوق الإنسان في الكاميرون أو بروناي أو الصين. وعوضا عن ذلك، لطالما تمحورت انتقاداتها حول إظهار كرهها لليهود، لاسيما أثناء التحدث عن إسرائيل وخيانتها للولايات المتحدة عندما تجرأت على توجيه انتقادات حول التدخل الأمريكي في فنزويلا والصومال.
علاوة على ذلك، تجدر الإشارة إلى أنه في معظم الانتقادات الموجهة ضد إلهان، قليلا جدا ما يُشار إلى أدائها كمشرع سياسي سواء في مجلس النواب أو في الكونغرس. في إحدى المرات سألتها عن أولوياتها في الكونغرس، حيث أخبرتني أنها تسعى إلى إنهاء أزمة ديون الطلاب وتحقيق العدالة الاجتماعية.
في هذا السياق، صرحت عمر قائلة:” أنا أدرك أن الكثير من الناس يعيشون حياة مليئة بالتناقضات، فهم يتحدثون عن قيمهم التي يحملونها، ثم يتحدثون بشكل مختلف عندما يتعلق الأمر بالطريقة التي يقودون بها الساحة السياسية. لكن بالنسبة لي، أنا أحاول التأكد من أن أكون على حقيقتي في عالم السياسة بقدر ما أنا على حقيقي في حياتي الشخصية”. من جانبها، تقول عمر إن وجودها في موقع مؤثر يعني أنه ينبغي عليها تحمل مسؤولية القيادة في القضايا المهمة.
“إننا بصدد إهدار فرصة الاضطلاع بالدور الذي من المفترض أن نلعبه من خلال تجنب التعامل مع القضايا المثيرة للجدل”. وعندما أمارس مزيدا من الضغط على إلهان عمر متسائلا عن مصدر عزمها على البقاء صامدة بهذا الشكل وعنادها في مقاومة الصمت، تجيبني بأن النهج الذي تتبعه متجذّر في الحياة التي مُنحت لها.
من هذا المنطلق، تدرك إلهان عمر أنها محظوظة بما يكفي باعتبار أنها واحدة من بين أربعة ملايين لاجئ في جميع أنحاء العالم أُعيد توطينهم في دولة ثالثة بعد أن نزحوا بسبب الحرب منذ سنة 1980. واليوم، لم يعد مخيم أوتانج للاجئين في كينيا قائما إذ تم إغلاقه في 1995. بالتالي، يواصل حوالي 250 ألف لاجئ صومالي العيش في مركب داداب للاجئين في شمال شرق كينيا.
منذ حلولهم بداداب في أوائل التسعينات، لم يغادر العديد من اللاجئين الصوماليين المخيم. علاوة على ذلك، يضمّ العالم في الوقت الحالي أكثر من 65 مليون لاجئ علما وأن الغالبية الكبرى منهم لن تُعاد توطينها. حيال هذا الشأن، تفيد إلهان عمر بأن احترام هذا الامتياز الذي مُنح لها يعد جزءًا لا يتجزّأ من رحلة كفاحها. كما تواصل قائلة: “لقد حظيت بجميع الامتيازات التي كان من المفترض أن يحظى بها الجميع غير أنني خسرتها”، مشيرة إلى حياتها قبل أن تجبر الحرب الأهلية الصومالية أسرتها على اللجوء إلى كينيا”.
تابعت عمر القول:”أشعر الآن أنني مُنحت هذه الفرصة مرة أخرى. تدفع التجربة المرء إلى إدراك حقيقة أنه من المستحيل الحفاظ على امتياز ما مدى الحياة وتحفّزه على ضرورة البقاء مخلصا لشخصيته الحقيقية دون الشعور بالقلق إزاء ظروفه المعيشية أو مدى احترام الآخرين له. ينبغي فقط أن تتأكد من أن تكون منصفا في حق نفسك وفي حق المجتمع حتى يتسنى للآخرين التعايش معك داخل الحيز ذاته. سوف يدرك الأفراد في نهاية المطاف أنه في سبيل السعي لتحقيق العدالة لنفسك، يجب أن تسعى لتحقيق العدالة للجميع”.
الرغبة في أن تقف إلهان في صفك
مرة أخرى مع مرشدة إلهان عمر، هيبون عبدول، وبمجرّد أن تطرّقت إلى مسألة تنوع الآراء بشأن إلهان عمر، تصغي عبدول ووتبتسم وتسخر من مختلف أنواع الاحتقار في حق إلهان إذ ترغب في إقناعي بفكرة معينة قائلة: “انظر، اعتقد بعض الأشخاص أنها ستسير مع التيار، إلا أن العدالة الاجتماعية سمة مترسخة لديها. لقد ساهمت تجربتها في تحديد ملامح شخصيتها الحالية. يرغب الجميع في رؤية إلهان كشخص مهمش، وفي نهاية المطاف، تؤمن إلهان أنها على قدم المساواة معهم، وهي حقيقة لم ولن يتمكّن بعض الأشخاص من تقبّلها”.
المصدر: ميدل إيست آي