طرح اليوتيوب، بوجوده على الإنترنت وسهولة الوصول إليه في أي وقت، الكثير من الأنماط والأشكال الثقافية المختلفة التي تزداد انتشارًا يومًا بعد يوم ولم يكن يعرفها كل العرب من قبل، فهو بمثابة نافذة تطل على العالم ولا حدود لها، ومع التقدم الزمني والتقني انتشرت الكثير من قنوات اليوتيوب التي تقدم محتويات مختلفة مثل السفر والطهي والتعليم وغيرها، وأصبح اليوتيوب المكان الأسهل للحصول على المعلومات البسيطة عن أي شيء والحصول على قدر من المعرفة والعلم في بعض المجالات.
وسط كل هذا الزخم؛ انتشر في السنوات الأخيرة ما يسمى “البوكتيوب” وهي قنوات اليوتيوب التي تتحدث عن الكتب والشأن الثقافي وما إلى ذلك.
لم تكن فكرة البوكتيوب وليدة العرب، فقد انتشرت العديد من قنوات اليوتيوب الأجنبية التي تتحدث عن الكتب منذ سنوات طويلة، حتى لو كانت مجرد مدونة مرئية شخصية يتحدث بها أصحابها عن الكتب التي أحبوها، وانتشر هذا الأمر في الوطن العربي منذ عام 2009 تقريبًا الذي بدأ التعارف فيه على هذا النوع من التدوين المرئي وإن استغرق وقتًا بعض الشيء ليصل إلينا بشكله الحاليّ.
هل تمثل “البوكتيوب” منصات ثقافية؟
لطالما أثار تدني الوضع الثقافي والفكري في الوطن العربي الجدل، فلا يوجد عدد كبير من القراء الحقيقين أو حتى هاضمين للثقافة بشكل جيد، ولهذا حتى المهتمين بأي شأن ثقافي أو أدبي عددهم قليل ويكاد يكون وجودهم غير ملحوظ، وفي الوقت الماضي اعتدنا أن نسمع عن الكتب وأخبار الفكر في بعض الملحقات الثقافية بالصحف أو حتى على هوامش القنوات التليفزيونية، في تقرير إخباري مدته دقائق معدودة، وكذلك ينتشر الأمر في معارض الكتب التي تُعقد مرة في العام وانتهى الأمر.
لكن بوجود البوكتيوب أصبحت إمكانية معرفة المزيد عن الكتب والثقافة أمر أسهل من السابق، فهنا شباب يتحدثون عن كتابهم المفضلين أو يرشحون قوائم كتب أو يشرحون مراجعة لأحد الكتب أو الروايات التي طرحت، مؤثرين بذلك على مئات الشباب من فئاتهم العمرية وأصغر، وبالطبع توجد مساحة في هذه القنوات لطرح الأسئلة الشائعة للقراء والإجابة عنها، وهذا بالتأكيد أنعش الكثيرين، لأن فكرة التعرف على أحد الأدباء عن طريق فيديو قصير ومعرفة ما إذا كان أدبه مناسبًا أم لا، أمر يوفر الكثير من الوقت ويقدم انطباعات سريعة وينمي شغف القراءة لدى الكثيرين.
ما الذي أضافه البوكتيوب؟
إذا تحدثنا بواقع الأرقام ومتابعات السوشيال ميديا، فقد تصل أعداد متابعي بعض قنوات البوكتيوب إلى عشرات آلاف المشتركين، وتصل الفيديوهات إلى آلاف المشاهدين في بعض القنوات ولا يكون هناك تأثير فعلي على أرض الواقع، إذًا، وجود هذا المحتوى الثقافي على اليوتيوب بشكل بسيط يدفع المتصفح العادي إلى الفضول الذي قد تعتريه الرغبة في تجربة القراءة والتعرف على هذا العالم، بجانب الاعتراف بالقراء ككيان موجود بالفعل يوجد له أصدقاء مشتركون يتشاركون أسئلتهم وترشيحاتهم على مرأى من الجميع، ولا يجب التغاضي أو الإنكار أن هذه المنصات لها دور في الترويج والتسويق لبعض الكتب، وهذا النهج منتشر بكثرة في دور النشر الأجنبية.
بالإضافة إلى كل ذلك يجب أن نتحدث عن طابع الذاتية في البوكتيوب، فحين يتحدث أحدهم من خلال مدونته المرئية فهو يقدم طابع الذاتية التي لها مزايا وعيوب، ولكن مع الشريحة العمرية التي يخاطبها تكون المميزات أكبر، لأن هذه القنوات موجهة في الغالب إلى المراهقين وصغار السن والشباب، فيقدم البوكتيوبر فيديوهات يتحدث فيها عن رحلته القرائية في أثناء الجامعة أو كيف بدأ بالقراءة أو حتى يعرض مكتبته وما تحتويه، مؤثرًا بذلك على الشريحة العمرية التي يخاطبها، وهذا بالتأكيد أبلغ تأثيرًا من قراءة ملحق ثقافي في جريدة.
أشهر البوكتيوبرز العرب
دودة كتب
تعتبر قناة “دودة كتب” لمؤسستها ندى الشبراوي إحدى أولى قنوات اليوتيوب المصرية والعربية، وبها قدمت عددًا متنوعًا ومميزًا من البلوجات، تنوعت قناتها بين الحديث عن كتّاب بعينهم أو تقديم نصائح للقراءة والحديث عن مشكلاتها، بالإضافة إلى السفر لعدد كبير من دول العالم وتقديم سلسلة عن مكتبات العالم والتجول بداخلها، بالإضافة إلى مشاركتها في أغلب الفعاليات الثقافية العربية والعالمية والحديث عنها في قناتها.
بتاع الكتب
هذه القناة إحدى قنوات الكتب التي انتقل صاحبها محمد شادي من البث الحي للفيديوهات على الفيسبوك والحديث عن الكتب إلى إنشاء قناة يوتيوب تجمع كل ما يتحدث عنه بها، ورغم تشابه فكرة القناة السابقة مع هذه القناة، وهذا شيء طبيعي في البوكتيوب لأن محور الحديث هو الكتب في الأساس، نجد أن هذه القناة مميزة وبها اختلاف في المحتوى المقدم، فمثلًا يتحدث محمد عن الأفلام المقتبسة من روايات ويقارن بين الكتب والأفلام ذات القصة الواحدة، ويجيب عن أسئلة المشاهدين باعتباره أحد القراء النهمين مقارنة بأبناء جيله.
نضال ريدز (قراءات نضال)
تعتبر هذه القناة من القنوات المميزة بحق في اليوتيوب، أولًا لأن صاحبتها طالبة في إحدى الكليات الطبية وتوازن بين شغفها بالقراءة ودراستها الصعبة، بجانب أنها تقدم عددًا من الأشياء المتعلقة بالقراءة مثل التدوين ومشاهدة الوثائقيات وهو ما لم يقدمه أحد البوكتيوبرز من قبل، ومشاركة أهدافها مع مشاهديها، مما يضيف طابع الثراء والتميز على القناة، وهذا بالتأكيد يعطي الشباب والمراهقين مثالًا جيدًا لأن يحتذوا به، لأن كثير من الشباب لا يعرفون كيفية الموازنة بين الدراسة والشغف وكيفية تحقيق الأهداف والسعي من أجلها.
يمكن إيجاد عشرات الفيديوهات على الإنترنت تتحدث عن الكتب وترشيحاتها، ولكن هذا لا يعني أن هؤلاء هم بوكتيوبرز، بل البوكتيوبرز هم من يكرثون قنواتهم للحديث عن الكتب وشؤونها فحسب، ومع الوقت نأمل أن تقدم هذه القنوات نقلة ثقافية حقيقية بين المراهقين والشباب العرب.