العراق من دون الوجود العسكري الأمريكي.. إلى أين؟

يُصر الفاعل السياسي الشيعي والقوى الأقرب إلى إيران ممن هم تحت قبة البرلمان أو الذين يحملون السلاح “الميليشيات” على موقف إعلامي وهو إخراج القوات الأجنبية من العراق (التحالف الدولي) والقوات الأمريكية على وجه التحديد، إما دبلوماسيًا أو عسكريًا إن لم ينسحبوا بشكل طوعي حسب تهديدهم ووعيدهم الدائم ومزايداتهم السياسية في حفظ سيادة العراق، متجاهلين الإجماع الشيعي أولًا والإجماع الوطني العراقي ثانيًا ومشاورة الفاعل السياسي السني والكردي بهذا الخصوص، كما يتجاهلون موقف العراق الرسمي المتمثل بالرئاسات العراقية الثلاثة التي تؤكد جميعها حاجة العراق لتلك القوات في هذه المرحلة الحساسة.
تخاطر هذه القوى والميليشيات بمصلحة العراق بفقدانه الدعم الدولي في مواجهة خطر عودة الإرهاب، حرصًا منهم على إيران وخطر مراقبتها أمريكيًا من الأراضي العراقية كما صرح الرئيس الأمريكي ترامب، فهم ليس لديهم موقفًا جديًا أو عقائديًا أو جهاديًا من الوجود الأجنبي كما يدّعون، فهم لم يُقاتلوا القوات الأمريكية منذ احتلالها للعراق إلا بعض الميليشيات وكنوع من الضغط لاتخاذ موقف سياسي محدد لتحقيق مكاسب إيرانية أو شخصية.
فموقفهم الحاليّ من الوجود الأمريكي مرتبط بالضغوط والعقوبات الاقتصادية الأمريكية على إيران، فهي نوع من الضغط الإيراني المضاد على الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي للتقليل من أثر العقوبات على الاقتصاد الإيراني، وذلك عبر التهديد بتشريع قانون برلماني لإخراجها أو تقنين وجودها من أجل غض الطرف الأمريكي عن علاقة العراق الاقتصادية مع إيران والاستمرار بالتجارة واستيراد الغاز والمنتجات والسلع بعيدًا عن الالتزام بقيود العقوبات.
إن الانسحاب الأمريكي من العراق غير وارد في المرحلة الحاليّة، لوجود مصالح إستراتيجية أمريكية في العراق والمنطقة، لكن ماذا يعني افتراضيًا الانسحاب الأمريكي من العراق؟
الانسحاب الأمريكي سيعني توقف الدعم الدولي والاهتمام الأوروبي والإقليمي بالعراق لأن المصالح الاقتصادية والاستثمارية الأوروبية مرتبطة بالوجود الأجنبي المتمثل بالتحالف الدولي الذي يأمل العراق أن يبقى جزءًا منه
– الانسحاب الأمريكي سيعني مزيدًا من الهيمنة الإيرانية على العراق والذهاب كليًا إلى جانب إيران لفقدان الطرف الموازن للنفوذ الإيراني الذي تقوده الولايات المتحدة ويحميه الوجود العسكري الأمريكي.
– الانسحاب الأمريكي سيعني مزيدًا من الخروقات وتنامي قوة داعش أو “عودة عمل القاعدة” التي ولدت من بقايا داعش كما تشير بعض التحليلات، والعودة إلى العمليات الخاطفة بالتفجيرات والاغتيالات وأسلوب حرب العصابات، وهو ما لا تتحمله المدن السنية المنهكة التي تميل من خلال سياسييها إلى بقاء القوات الأمريكية لإدراكها خطورة ذلك على مناطقها وأبنائها.
كما أن عودة عمل القاعدة سيعني بقاء الميليشيات منتشرة في المدن السنية وعدم انسحابها وتكرار الخروقات والفساد والابتزاز وعدم الاستقرار وإيجاد مبرر لبقائها والاحتفاظ بسلاحها.
– الانسحاب الأمريكي سيعني توقف الدعم الدولي والاهتمام الأوروبي والإقليمي بالعراق لأن المصالح الاقتصادية والاستثمارية الأوروبية مرتبطة بالوجود الأجنبي المتمثل بالتحالف الدولي الذي يأمل العراق أن يبقى جزءًا منه، خاصة أن هناك حراكًا دبلوماسيًا واهتمامًا وانفتاحًا على العراق في المرحلة الحاليّة، وتكمن الخشية من السلوك الشعبوي الاستفزازي الذي تنتهجه الميليشيات الذي جر البلد إلى العزلة مع إيران بتقديم مصالحها على مصلحة العراق.
القوى التي تريد إخراج القوات الأجنبية من العراق بهدف تخفيف الضغط على إيران ليس لديها إجابات مقنعة بخصوص القدرات العسكرية العراقية على مسك الحدود وحفظ الأمن
– العراق جزء من التحالف الدولي الذي تقوده واشنطن ضد الإرهاب، فإخراج القوات الأمريكية سيعني إنهاء الاتفاقية العسكرية والذهاب إلى جانب إيران، أي يتحول من أن يكون عضوًا في تحالف ضد الإرهاب إلى حليف وطرف مصنف على أنه يدعم الإرهاب “إيران”، وهو ما قد يدفع الولايات المتحدة إلى معاقبة العراق مع إيران وهو غير قادر على مواجهة أي أزمة جديدة تعصف به أو بأمنه أو اقتصاده الريعي المُعتمد على النفط.
أخيرًا، فإن القوى التي تريد إخراج القوات الأجنبية من العراق بهدف تخفيف الضغط على إيران ليس لديها إجابات مقنعة بخصوص القدرات العسكرية العراقية على مسك الحدود وحفظ الأمن، كما أنها لا تفقه بالواقعية السياسية شيئًا، لأن هذه القوات والدول لها مصالح في العراق ولن تخرج بفعل تهديد هذه الميليشيات والقوى، بل على العكس قامت القواعد العسكرية الأمريكية بنصب كاميرات حرارية مؤخرًا ونشر مناطيد جوية للمراقبة ونصب لافتات تحذيرية باللغة العربية تحذر من يقترب منها، مما يعني أن هذه القوات باقية ومستعدة للمواجهة حال حصول أي اشتباك.