يتجه رئيس الحكومة المغربي سعد الدين العثماني بخطى ثابتة نحو إجراء تعديل على حكومته، نتيجة التصدع الحاصل بين مكوناتها والاتهامات الموجهة لها بالفشل في الالتزام بوعودها وتحقيق انتظارات الشعب في العديد من القطاعات، رغم مرور أكثر من سنتين على تشكيلها.
تصدع بين مكوناتها
المتأمل في تركيبة حكومة العثماني وخرجات أعضائها الإعلامية وتصريحاتهم أمام وسائل الإعلام أو في اجتماعاتهم الداخلية، له أن يقف على حجم التصدع الحاصل داخل هذه الحكومة التي خلفت حكومة عبد الإله بن كيران.
التصدع داخل الائتلاف الحاكم في المغرب لم يكن بين حزبين فقط بل شمل كل الأطراف، من ذلك الخلافات بين “العدالة والتنمية” (125 مقعدًا في البرلمان) و”التقدم والاشتراكية” (12 مقعدًا)، وظهرت أزمة الثقة بين الحزبين منذ إعفاء القيادية شرفات أفيلال من مهمة كاتبة الدولة المكلفة بالماء، رسميًا في 20 من أغسطس/آب 2018، حيث وجه التقدم والاشتراكية اتهامات بالخيانة لسعد الدين العثماني، مهددًا بالخروج من الحكومة بسبب عدم استشارته قبل إعفائها.
نجد أيضًا الخلاف بين “العدالة والتنمية” و”حزب التجمع الوطني للأحرار”(37 مقعدًا) الذي يقوده رجل الأعمال المقرب للعاهل المغربي عزيز أخنوش، فهذا الأخير يصر على عرقلة عمل حكومة العثماني بكل الوسائل المتاحة، بدءًا بمقاطعة اجتماعاتها وعدم الالتزام بمقرراتها، فضلاً عن عدم مرافقة وزراء الحزب للعثماني في جولاته الداخلية، إلى جانب عدم الالتزام بالتضامن الحكومي، فالحزب لا يفوت أي فرصة للتقليل من عمل الحكومة والتهجم على “العدالة والتنمية” الذي يقودها.
وتضم الحكومة المغربية الحاليّة التي تشكلت في الـ5 من أبريل/نيسان 2017، بالإضافة إلى حزب العدالة والتنمية، كل من التجمع الوطني للأحرار والحركة الشعبية والاتحاد الدستوري والاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية وحزب التقدم والاشتراكية.
اتباع نهج الحكومة السابقة
استمرار الحكومة الحاليّة على نفس نهج حكومة بن كيران السابقة، ومعالجة الملفات الكبرى بنفس الطريقة، يقول الخبير السياسي المغربي عمر المروكي “قد أزم الوضع الاقتصادي والاجتماعي أكثر في ظل ظرفية جد حساسة توجت باحتقانات اجتماعية واعتقالات وسخط شعبي جراء غياب البدائل وانتشار سياسات البؤس واليأس أمام قطاعات وزارية أثبتت عجزها على تبني سياسات عمومية ترمم أخطاء الحكومة السابقة”.
ويرى المروكي أن شعار “مواصلة الإصلاح” الذي تتبناه حكومة العثماني كتعبير عن الاستمرار في الخط الإصلاحي الذي بدأه سلفًا عبد الإله بن كيران، كان وبالاً على المغاربة بكل ما تحمله الكلمة من معنى، كما كان بن كيران.
أزمات اجتماعية واقتصادية متتالية
هذا التصدع بين أطراف الائتلاف الحاكم واتباع نفس سياسات الحكومة السابقة، تسبب وفق متابعين للشأن العام في المغرب في زيادة تأزم الوضع في البلاد وارتفاع حدة الاحتقان الاجتماعي في مناطق مختلفة من المملكة، فمكونات الائتلاف مهتمة بمشاكلها والصراعات بينها، دون أن تولي أي اهتمام لمشاكل المواطنين.
ويرى العديد من المغاربة أن الحكومة والأحزاب المكونة لها، عاجزون عن معالجة العديد من الإشكاليات المتراكمة بطريقة تضمن زوالها بشكل نهائي، ذلك أن اهتمامهم موجه إلى قضايا أخرى لا علاقة لها بمشاكل البلاد، ما زاد في تفاقمها.
على المستوى الاقتصادي، يقول المروكي: “الحكومة الحاليّة لم تستطع تبني نموذج تنموي جديد يرفع تنافسية الاقتصاد الوطني ويرفع من جاذبية جلب الاستثمارات الخارجية، كما لم تستطع الاهتمام بالمقاولات الصغرى والمتوسطة في الوقت الذي شهدت فيه نسبة إغلاق المقاولات أرقامًا غير مسبوقة”، ويشير محدثنا أيضًا إلى زيادة تكريس اللاعدالة الضريبية، إذ تبين الأرقام المصرح بها أن أغلب الضرائب المحصلة من الضرائب على الدخل وليس على الشركات، وفق قوله.
حراك اجتماعي متواصل في المغرب
عرف المغرب طيلة حكومة العثماني بروز مؤشرات مقلقة تتعلق بتراجع الاستثمار الأجنبي المباشر وارتفاع نسبة البطالة وتفاقم المديونية، وارتفاع عجز الموازنة العامة، ما دفع الحكومة إلى التفويت في بعض الشركات العمومية لزيادة موارد استثنائية لخزينة الدولة لتقليل العجز.
ويسجل المغاربة فشل حكومة العثماني أيضًا في التعامل مع حراك الريف وباقي التحركات الاحتجاجية في البلاد، إلى الضريبة على التجار، مرورًا بغياب رؤية موحدة لتدبير ملف أساتذة التعاقد، وصولاً إلى أزمة القانون الإطار للتربية والتكوين والخلاف بشأن لغة تدريس المواد العلمية.
كما فشلت الحكومة في وضع مشروع ميثاق اللامركزية الإدارية، في الوقت الذي تسعى فيه التوجيهات الملكية إلى تمكين المصالح الجهوية والمحلية من جملة من الاختصاصات، مع ضرورة تنشيط المصالح اللامركزية على مستوى العمالات والأقاليم، وتدعيم علاقات الشراكة بين الدولة والجماعات الترابية.
تعديل حكومي وشيك
هذه الأوضاع حتمت على العثماني بحث إجراء تعديل قريب على حكومته، وأشارت مصادر مطلعة لنون بوست، قيام “العدالة والتنمية” الفائز بانتخابات أكتوبر/تشرين الأول 2016 بمشاورات سرية مع العديد من الأحزاب السياسية خاصة المكونة للائتلاف السداسي لبحث مسألة التعديل.
تحرص العديد من الأحزاب في الائتلاف الحاكم على إجراء التعديل في أقرب وقت ممكن، بهدف تجاوز عثرات وهفوات تسببت فيها بعض الأحزاب داخل الأغلبية، وكذا منح جرعة قوية لأداء الحكومة في النصف الثاني من ولايتها.
ويرى الخبير والمحلل السياسي المغربي رشيد لزرق أن الوضع الاجتماعي المتأزم في بلاده، يستوجب انفراجًا سياسيًا، وهو ما يتطلب من رئيس الحكومة إعمال المقاربة التشاركية مع كل الحساسيات الاجتماعية والسياسية، بشكل جدي وليس فقط مشاورات “استعراضية” للاستهلاك الإعلامي أو السياسي.
ذهاب وزير وقدوم آخر لن يفضي إلى حل ما دامت إرادة الإصلاح من الجهات العليا الماسكة بالبلاد غير موجودة
يؤكد لزرق في حديثه مع نون بوست، أن الحكومة المغربية تحتاج لرئيس قوي يعطيها وزنًا ودعمًا سياسيًا ويتسلح بأخلاق رجال الدولة التي تكون غايتهم المصلحة الوطنية وليس الهواجس الانتخابية والمصالح والأجندات الحزبية، لا سيما في مرحلة دقيقة، يطبعها الركود والجمود الذي تعرفه هذه الحكومة إزاء القضايا الاجتماعية الحارقة، وفي ظل مشهد سياسي يعرف الرتابة.
وأوضح الخبير المغربي أن العثماني مدعو لخلق رجة حكومية، بالتقدم بتعديل حكومي، يمكّن من ضخ دماء جديدة تطور الأداء الحكومي، “تعديل حكومي يكون هاجسه الطاقات والكفاءات في اختيار الأعضاء الحكومة وفق معيار الكفاءة والمردودية، بعيدًا عن منطق الترضيات الحزبية”.
مصلحة البلاد فوق كل اعتبار
يريد المغاربة، وفق قول رشيد لزرق لنون بوست “رئيس حكومة فعلي ومسؤولاً سياسيًا على كل فريقه الحكومي، بمنهجية صارمة لا يولي اهتمامًا للعواطف الشخصية أو التكتيكات السياسية التي تعتمد على اللعب على كل الحبال كما كان يفعل مع نبيل بنعبد الله تحت مبرر تقديم المكافآت مقابل دعمه في معركته ضد حلفائه في الأغلبية أو خصومه في الحزب أو المعارضة”.
“منح الحقائب الحكومية يجب أن يظل بعيدًا عن مثل هذه الأساليب التي أدت إلى انتشار جو الإحباط ووجود أسماء أصغر من وزارات المسند لها، يقول رشيد لزرق، ويضيف “العثماني وهو في منتصف عهدته الحكومية لا شك أن لديه تقييمًا موضوعيًا لفريقه الحكومي، بغض النظر عن انتماءاتهم السياسية، لذلك عليه تغليب مصلحة البلاد على كل مصلحة شخصية”.
تصدع أحزاب الائتلاف الحاكم المغربي
يوضح لزرق أن رئيس الحكومة مدعو لاختيار تشكيلته الوزارية وفق الكفاءة والمردودية ووضع الشخص المناسب في القطاع الذي يمكن أن يعطي فيه إضافة، دون أي اعتبارات أخرى كالمحاصصة الحزبية التي تعرفها حكومته الحاليّة من خلال وزراء دون مردود ولا حصيلة.
يترقب المغاربة هذا التعديل الحكومي الجديد عله يضع حدًا للأزمة التي تعرفها مختلف القطاعات في البلاد، رغم يقينهم أن المشكلة أعمق من مجرد تعديل حكومي، فذهاب وزير وقدوم آخر لن يفضي إلى حل ما دامت إرادة الإصلاح من الجهات العليا الماسكة بالبلاد غير موجودة.