في الوقت الذي نجحت فيه المرأة العربية في تحقيق نجاحات عدة في شتى المجالات إلا أنها فشلت حتى الآن في اختراق عالم كرة القدم عالميًا، رغم تميز بعضهن على المستوى الفردي في الدخول إلى عالم الاحتراف في الأندية الأوروبية، فإنه على مستوى المنتخبات لا تزال تعاني من تراجع ملحوظ.
كالعادة.. غابت المنتخبات العربية عن كأس العالم للسيدات الذي تحتضنه فرنسا في الفترة من 7 من يونيو إلى 7 من يوليو 2019 بينما اقتصرت مشاركاتها على المنافسات القارية سواء كأس الأمم الإفريقية من خلال أربعة منتخبات وهي الجزائر وتونس ومصر والمغرب، فيما كان الأردن المنتخب العربي الوحيد الذي مثل العرب في كأس أمم آسيا للسيدات في 2014.
العديد من علامات الاستفهام تطل برأسها في محاولة للبحث عن إجابة بشأن الأسباب الحقيقية وراء الغياب الدائم لكرة القدم النسائية العربية عن المشاركات المونديالية رغم الخطوات الكبيرة التي تخطوها المجتمعات والأنظمة العربية بحق المرأة وتمكينها في مختلف القطاعات.
تزايد الشعبية
منذ انطلاق بطولة كأس العالم للسيدات في نسختها الأولى عام 1991 لم تشهد جماهيرية كالتي وصلت إليها في نسختها الثامنة الحاليّة في فرنسا، حيث شهدت حضورًا مكثفا وتزايدًا كبيرًا في الشعبية، ساعد في ذلك نجاح بعض الأندية الفرنسية على رأسها نادي ليون الحائز على 5 ألقاب قارية.
اللعبة التي كانت محرمة حتى عام 1940 باتت اليوم واحدة من أكثر اللعبات جماهيرية على المستوى العالمي، ويهدف الاتحاد الدولي لكرة القدم “الفيفا” أن تصل نسبة اللواتي يمارسن لعبة كرة القدم إلى نحو 60 مليون ممارسة بحلول عام 2026، كما يعتقد أن كأس العالم للسيدات المقامة حاليًّا في فرنسا سيتابعه قرابة المليار مشاهد في العالم، وهو رقم لم يكن يتخيله أشد المتفائلين للعبة قبل سنوات قليلة.
العديد من المؤشرات والأرقام تذهب إلى أن اللعبة في طريقها نحو الشعبية الجارفة أسوة بنظيرتها للرجال، منها توزيع جائزة الكرة الذهبية لأول مرة في تاريخ الكرة النسوية في 3 من ديسمبر 2018، وقد حصلت على الجائزة اللاعبة النرويجية أدا هاجربرغ التي تنمي إلى نادي ليون الفرنسي.
غياب البطولات القوية، القارية والعربية، بين الفرق المختلفة كان عاملاً أساسيًا في عدم تطوير مستوى المنتخبات
وفي مباراة أتليتكو مدريد وبرشلونة التي أقيمت في 7 من مارس الماضي وانتهت بفوز الأخير بهدفين دون مقابل، حضر ما يزيد على 60 ألف متفرج وهو رقم قياسي جديد يحسب للحضور الجماهيري للمباريات النسائية، كما أعلن الفيفا نهاية الشهر ذاته عن ترشح 9 دول لاستضافة كأس العالم المقبلة عام 2023.
التناول الإعلامي للعبة كان حاضرًا بقوة، عاكسًا حجم ما وصلت إليه من انتشار، فلأول مرة في تاريخ البرازيل تنقل قناة تليفزيونية شهيرة (غلوبو) مباريات كأس العالم 2019 بصورة مجانية، وفي فرنسا تقوم أيضًا “تي إف 1” وهي أكبر قناة تليفزيونية في أوروبا ببث مباريات كأس العالم مجانًا.
يذكر أنه في عام 2015 حين فازت الولايات المتحدة بالبطولة وقتها تابع المباراة النهائية أكثر من 25 مليون مشاهد وهو رقم قياسي بالنسبة لمباراة في كرة القدم بأمريكا، كما نفدت جميع تذاكر معظم مباريات البطولة، الأمر ذاته يتكرر في البطولة الحاليّة، ما يشير إلى اتساع رقعتها الشعبية بصورة مغايرة تمامًا لما كانت عليه في السابق.
منتخب فرنسا لكرة القدم النسائية
غياب عربي كالعادة
أكثر ما يميز المنافسات العالمية لكرة القدم النسائية في نسخها السبعة الأخيرة الغياب العربي عنها بصورة واضحة، فمنذ البطولة الأولى قبل 28 عامًا لم يشارك منتخب عربي واحد، البعض يعتبر هذا الوضع طبيعيًا بصورة كبيرة إذ تم النظر إلى ترتيب الفرق العربية في جدول المنتخبات.
إذ يتصدر المنتخب الأردني المنتخبات النسائية العربية لكرة القدم، وفق الفيفا، محتلاً المرتبة الـ64 عالميًا، يليه منتخب المغرب في المرتبة الـ79 ثم البحرين في المرتبة الـ82 ثم الجزائر في المرتبة الـ84 ثم الإمارات العربية المتحدة في المرتبة الـ98 ثم فلسطين في المرتبة الـ111 وأخيرًا منتخب لبنان في المرتبة 135 من أصل 155 منتخبًا عالميًا.
جل البلدان العربية تهتم بكرة القدم النسوية، فقط لإيهام الرأي العام الخارجي على أنها تولي أهمية خاصة للقطاعات الرياضية النسوية بما فيها كرة القدم
يعد تواضع البطولات التي تنظمها الاتحادات الكروية الداخلية في البلدان العربية على رأس الأسباب التي أدت إلى تراجع مستوى المنتخبات العربية، وفق ما ذهب إليه محمد عبد الرازق رئيس القسم الرياضي بصحيفة “البيان” المصرية الذي أشار إلى أن معظم البطولات النسائية لم تصل بعد لمستوى الاحتراف وتمارس كهواية لا أكثر.
عبدالرازق لـ”نون بوست” أشار إلى أن غياب البطولات القوية، القارية والعربية، بين الفرق المختلفة كان عاملاً أساسيًا في عدم تطوير مستوى المنتخبات، وهو ما انعكس بطبيعة الحال على المستويات العامة للفرق، مضيفًا أن هذا لا يعني عدم وجود كفاءات عربية، لافتًا إلى أن بعض اللاعبات نجحن في إثبات حضورهن أوروبيًا مثل اللاعبة التونسية مريم حويج المحترفة في صفوف نادي أتاشيهير التركي.
وفي السياق ذاته أوضح الناقد الرياضي المصري أن غياب الإمكانات والموارد الشحيحة أحد أهم أسباب الغياب العربي عالميًا، ففي نظرة سريعة على حجم الدعم المقدم للبطولات الرجالية مقارنة بنظيرتها النسوية فليس هناك مقارنة من الأساس، كاشفًا أن المرحلة القادمة في حاجة لإعادة النظر إلى البطولات النسوية والتعامل معها بصورة أكثر احترافية.
يعد المنتخب الجزائري الأقوى عربيًا
من جانب آخر ترى الشعري الفراتي رئيسة جمعية آفاق الرياضية التونسية، إلى أن “جل البلدان العربية تهتم بكرة القدم النسوية، فقط لإيهام الرأي العام الخارجي على أنها تولي أهمية خاصة للقطاعات الرياضية النسوية بما فيها كرة القدم”، محملة غياب الإرادة السياسية مسؤولية تردي مستوى المنتخبات النسوية.
وأضافت الفراتي في حديثها لـ”فرانس 24” إلى أن “البطولات النسائية لم تصل بعد إلى مستوى الاحتراف، وتمارس اليوم كهواية ليس إلا”، معتبرة أن البطولة الجزائرية في كرة القدم النسائية من أهم البطولات في المنطقة المغاربية والعربية، من حيث مستوى أداء الأندية المشاركة فيها.
فيما ذهب سعيد جعفر، أستاذ علم الاجتماع والفلسفة، إلى أن النظرة الذكورية للعبة كرة القدم أحد أبرز المعوقات، لافتًا إلى أن العمل على تجاوز تلك النظرة هي معركة لا تخص المرأة وحدها، فهي “مهمة تاريخية تخص المرأة والرجل” على السواء، مؤكدًا أن وضعية المرأة عمومًا، ومنها المرأة الرياضية والمحبة والمشجعة للرياضية، “مؤطرة بترسبات تاريخية حضارية وثقافية ذهنية ونفسية حتى، ومؤطرة سياسيًا من خلال توظيف السياسيين لهذا الواقع التاريخي والحضاري في الحكم عبر تغذيته وتشجيعه لمواجهة موجات التحديث والتحولات المجتمعية، التي تمس الأجيال الجديدة ومنها الشباب والنساء”.
وفي المجمل.. يبدو أن المجتمع العربي بحاجة إلى إعادة نظر بشأن وضعية المرأة الرياضية، فليس من المنطقي أن تحقق نجاحات على مختلف المستويات، بعضها ربما يكون الأصعب، في الوقت الذي لا تزال تعاني على المستوى الكروي على وجه التحديد، هذا في الوقت الذي تسير فيه اللعبة نحو العالمية بخطوات سريعة تتطلب وضع إستراتيجية جديدة للحاق بها.