ترجمة وتحرير: نون بوست
في الأيام الأخيرة أقام الفلسطينيون في جنين المحتلة المتاريس ودعوا إلى إضراب عام للتنديد بقمع السلطة الفلسطينية، وكان ذلك ردًا على قيام قوات الأمن التابعة للسلطة الفلسطينية بقتل الطفل محمد عماد العامر والطفل ربحي محمد الشلبي البالغ من العمر 19 عامًا في إطار عملية تهدف إلى القضاء على مجموعات المقاومة في جنين، كما قتلت قوات السلطة الفلسطينية القيادي في حركة الجهاد الإسلامي يزيد جعايصة.
وبعد تحويل أكثر من 20 مليار دولار من الأسلحة لمساعدة إسرائيل في محرقة غزة، تضغط إدارة بايدن على الحكومة الإسرائيلية اليمينية المتطرفة للموافقة على شحن معدات أمريكية إلى قوات الأمن التابعة للسلطة الفلسطينية حتى تتمكن من قمع المقاومة في جنين وأماكن أخرى بشكل أفضل.
وعلى مدى الأشهر الأربعة عشر الماضية من المذبحة في غزة قامت قوات السلطة الفلسطينية مرارًا وتكرارًا بقمع أي معارضة للاحتلال الإسرائيلي، فقد اعتقلوا المئات وقتلوا ما لا يقل عن 13 شخصًا في سعيهم للحفاظ على السلطة وقمع مقاومة إسرائيل، وتريد السلطة الفلسطينية الآن أن تثبت للولايات المتحدة وإسرائيل أنها قادرة على “إدارة” القطاع الذي تسيطر عليه في الضفة الغربية حتى يتسنى لها أن تُمنح حق حكم غزة.
وبينما كان حزب الله في لبنان وأنصار الله في اليمن وبعض الجماعات العراقية يقاومون فظائع إسرائيل في غزة، كانت السلطة الفلسطينية تقمع الاحتجاجات والنشاطات المسلحة في الضفة الغربية، لكن هذا ليس بالأمر الجديد، فعلى مدى العقدين الماضيين، قامت قوات السلطة الفلسطينية، التي تتعاون بشكل وثيق مع المخابرات الإسرائيلية، بقمع المظاهرات في الضفة الغربية بشكل متكرر، بما في ذلك الاحتجاجات ضد وحشية إسرائيل في غزة، وقد منحت سياسة التنسيق الأمني مع إسرائيل السلطة الفلسطينية لقب “مقاول الاحتلال من الباطن“.
وكما أوضحت تمارا نصار مؤخرًا:
”قوات السلطة الفلسطينية هم جنود مشاة لإسرائيل، ومبرر وجود السلطة هو قمع المعارضة والمقاومة الفلسطينية لمساعدة إسرائيل في الحفاظ على احتلالها في الضفة الغربية مع الترويج لوهم الحكم الذاتي والتمثيل الفلسطيني. ففي المناطق التي تسيطر عليها السلطة الفلسطينية شكليًا، يُسمح للقوات الفلسطينية باعتقال الفلسطينيين الآخرين فقط، ولا يمكنهم المساس بالجنود الإسرائيليين أو المستوطنين الذين يهاجمون الفلسطينيين”.
يشارك حاليًا حوالي عشرين جنديًا كنديًا و”ما يصل إلى 12” ضابطًا من شرطة الخيالة الملكية الكندية في عملية بروتيوس التي تدرب قوات الأمن التابعة للسلطة الفلسطينية كجزء من مهمة يقودها مكتب المنسق الأمني الأمريكي، وقد صرح الجنرال الأمريكي كيث دايتون، المسؤول الأول عن تنظيم قوات السلطة الفلسطينية، لوكالة أسوشيتد برس في عام 2009: “نحن لا نقدم أي شيء للفلسطينيين ما لم يتم تنسيق ذلك بدقة مع دولة إسرائيل وتوافق عليه”.
وفي كتابه “المساعدات الأمنية: كندا ونظام تطوير الأمن”، يشرح جيفري موناغان بالتفصيل دور كندا في تحويل قوات الأمن الفلسطينية في الضفة الغربية إلى ذراع فعالة للاحتلال الإسرائيلي، ويصف موناغان مساهمةً كندية بقيمة 1.5 مليون دولار في مراكز العمليات المشتركة التي “تتمثل مهمتها الرئيسية… في دمج عناصر قوات الأمن التابعة للسلطة الفلسطينية في القيادة الإسرائيلية”
ومثل جميع السلطات الاستعمارية على مر التاريخ، تتطلع إسرائيل إلى السكان المحليين الخاضعين لها لتحمل العبء الأمني للاحتلال، لكن ما يميز تدريب قوات الأمن التابعة للسلطة الفلسطينية ودعمها هو دور المدربين الكنديين والبريطانيين والأمريكيين؛ فقد كتب آدم شاتز: “إنه ترتيبٌ استثنائي: يتم التعاقد من الباطن مع قوات الأمن في بلدٍ تحت الاحتلال من قبل أطراف ثالثة من خارج المنطقة لمنع مقاومة السلطة القائمة بالاحتلال، حتى مع استمرار تلك السلطة في الاستيلاء على المزيد من الأراضي”.
وبدأ الدور الكندي في تدريب قوات السلطة الفلسطينية وتجهيزها ومساعدتها بشكل جدي بعد فوز حماس في الانتخابات التشريعية عام 2006، وبهدف زرع الانقسام داخل المجتمع الفلسطيني، قطعت أوتاوا المساعدات ورفضت الاعتراف بحكومة الوحدة الفلسطينية، وعندما طُرد مسؤولو حماس من حكومة الوحدة الفلسطينية في يونيو/حزيران 2007، خصصت أوتاوا موارد كبيرة لإنشاء قوة أمنية فلسطينية “لضمان سيطرة السلطة الفلسطينية على الضفة الغربية في مواجهة حماس”، كما نقلت صحيفة الأخبار اليهودية الكندية عن السفير الكندي لدى إسرائيل جون ألين.
وفي عام 2010، قال نائب وزير الخارجية بيتر كنت إن عملية “بروتيوس” تلقت “معظم الأموال” من برنامج “مساعدات” كندي للسلطة الفلسطينية مدته خمس سنوات بقيمة 300 مليون دولار، وتتلقى حاليًا عملية “بروتيوس” 15 مليون دولار سنويًا بشكل مباشر، والمزيد من التمويل بشكل غير مباشر.
لم تحظَ عملية بروتيوس باهتمام كبير منذ انطلاقها قبل ما يقرب من عشرين عامًا (باستثناء بعض القصص في صحف المدن الصغيرة التي تغطي أخبار أفراد الشرطة أو الجنود المغادرين للمهمة)، وقبل شهر، خصصت صحيفة “غلوب آند ميل” بعض الاهتمام للمهمة بعنوان “الجنود الكنديون في الضفة الغربية يواجهون مهمة أكثر غموضًا بينما تخيم حرب غزة على مستقبل حل الدولتين”، لكن هذه النظرة العامة الجيدة إلى حد معقول تجاهلت الأدلة الأكثر وضوحًا وإقناعًا.
أكدت مذكرة خاضعة لرقابة شديدة في عام 2012 كشفتها بوستميديا من خلال طلب الوصول إلى المعلومات أن الهدف من المساعدات الأمنية الكندية للسلطة الفلسطينية كان حماية محمود عباس الفاسد من رد الفعل الشعبي، والذي انتهت ولايته الانتخابية في عام 2009.
وأوضحت رئيسة الوكالة الكندية للتنمية الدولية مارغريت بيغز أن “ظهور احتجاجات شعبية في الشارع الفلسطيني ضد السلطة الفلسطينية أمرٌ مثير للقلق، وأن الإسرائيليين يناشدون مجتمع المانحين الدوليين الاستمرار في دعم السلطة الفلسطينية، وأوضحت بيغز كذلك أن “الإسرائيليين أشاروا إلى أهمية مساهمة كندا في الاستقرار النسبي الذي يتحقق من خلال التعاون الأمني المكثف بين إسرائيل والسلطة الفلسطينية”.
كما ذكرت بالتفصيل في كتابي “نظام الدعاية: كيف تبيع الحكومة والشركات ووسائل الإعلام والأوساط الأكاديمية والحكومة الكندية الحرب والاستغلال“، فإن هذه المعلومات الدامغة قد تم إغفالها بالكامل، فقد نُشر مقال حول هذا الموضوع في بعض إصدارات صحيفة بوستميديا في عام 2013، ولكن لم يكن هناك أي تعليق في صحيفة كبرى أو متابعة لقصص حول مذكرة بيغز الداخلية أو عملية بروتيوس، ومن اللافت للنظر أنه حتى الصحفي الذي أبلغ عن المعلومات في البداية تجاهلها عندما كتب تقريرًاعن عملية بروتيوس لصالح صحيفة “كنديان برس” بعد عقد من الزمن.
قبل اثني عشر عامًا، قال رئيس وكالة المعونة إن “المساعدات“ الكندية للفلسطينيين ساعدت في قمع الاحتجاجات بأمر من الحاكم الاستعماري. لم يتغير شيء.
المصدر: موندويس