شهدت الجزائر الأربعاء والخميس لحظات تاريخية بعد إيداع أحمد أويحيى وعبد المالك سلال، الوزيرين الأولين السابقين للرئيس المستقيل اضطرارًا عبد العزيز بوتفليقة، السجن بتهم فساد وتبديد أموال عمومية، قبل أسبوع من إطفاء الحراك الشعبي الذي تعرفه البلاد مند 22 فبراير الماضي شهره الثالث، والذي ما زال ينتظر إلى اليوم أن يكون تحقيق مطالبه السياسية في مستوى الاستجابة لمطالبه القضائية التي تشمل أيضًا محاسبة الرئيس السابق.
وبعد أسابيع من تحول محكمة سيدي امحمد بالعاصمة الجزائر إلى محج للتحقيق مع رجالات نظام الرئيس بوتفليقة من مسؤولين ووزراء ورجال أعمال، خطفت المحكمة العليا في اليومين الماضيين الأضواء منها بالتحقيق مع أويحيى وسلال والوزيرين السابقين عمارة بن يونس وعبد الغني زعلان.
سابقة
بعد أن حرص طوال عشرات السنين التي قضاها في دواليب السلطة على الظهور بمظهر خادم النظام الوفي المستعد لتنفيذ المهمة الموكلة له مهمًا كانت انعكاساتها على المواطنين، سواء لما كان موظفًا بسيطًا أو عندما أصبح رئيس حكومة، اضطر أويحيى الذي هدد الجزائريين قبل انطلاق الحراك في 22 فبراير الماضي إن رفضوا استمرار بوتفليقة في الحكم أن تصبح الجزائر مثل سوريا، إلى أن يجر للتحقيق عدة مرات أمام قضاة التحقيق في محكمة سيدي أمحمد، وبعدها بالمحكمة العليا التي أمر قاضيها بإيداعه الحبس المؤقت بسجن الحراش الذي صار الزنزانة المفضلة لحبس رجالات بوتفليقة. واستمع قاضي التحقيق بالمحكمة العليا لأويحيى في قضايا تتعلق بتبديد أموال عمومية وإساءة استغلال الوظيفة ومنح منافع غير مستحقة خارج القانون.
أويحيى الذي كان أول من ضحى به بوتفليقة بعد انطلاق الحراك الشعبي، عُرف بتصريحاته الرأسمالية المستفزة للطبقة الشغيلة والمتوسطة وأصحاب الدخل البسيط، فهو الذي سمى نفسه بـ”صاحب المهمات القذرة”، و”خدام النظام”.
لا تعبر تهم الفساد الموجهة لرجالات بوتفليقة عن كونهم مسؤولين تقلدوا مناصب في الدولة فقط، إنما تكشف أيضا فسادا عمّ الطبقة السياسية
وقال إنه “ليس من الضروري أن يأكل الشعب الزبادي” ردًا على منتقدي انخفاض القدرة الشرائية لحكوماته المتوالية، كما كان يرفع في وجه الشعب شعار “جوّع كلبك ليتبعك”.
وبعد يوم من إيداع أويحيى الحبس، جاء الدور على سلفه عبد المالك سلال الذي أمر قاضي التحقيق للمحكمة ذاتها بإيداعه هو الآخر الحبس المؤقت بسجن الحراش بشبهة تبديد أموال عمومية وإساءة استغلال الوظيفة ومنح منافع غير مستحقة خارج القانون.
وأمر قاضي التحقيق للمحكمة ذاتها بإيداع وزير التجارة الأسبق عمارة بن يونس الحبس المؤقت بالحراش، ووضع وزير النقل السابق عبد الغني زعلان تحت الرقابة القضائية.
وكانت النيابة العامة لدى مجلس قضاء الجزائر قد أحالت نهاية مايو الماضي إلى النائب العام لدى المحكمة العليا، ملف التحقيق الابتدائي المنجز من قبل الضبطية القضائية للدرك الوطني بالجزائر المتعلق بوقائع ذات طابع جزائي منسوبة لأويحيى وسلال وزعلان وبن يونس، إضافة إلى الوزراء السابقين تو عمار، وطلعي بوجمعة، وجودي كريم، وبوعزقي عبد القادر، وغول عمار، وبوشوارب عبد السلام، ووالي العاصمة السابق زوخ عبد القادر، ووالي البيض الحالي خنفار محمد جمال، عملا بأحكام المادة 573 من قانون الإجراءات الجزائية الجزائري.
ولا تعبر تهم الفساد الموجهة لرجالات بوتفليقة عن كونهم مسؤولين تقلدوا مناصب في الدولة فقط، إنما تكشف أيضًا فسادًا عم الطبقة السياسية في البلاد بالنظر إلى أن أويحيى يتولى الأمانة العامة لحزب التجمع الوطني الديمقراطي، وبن يونس يترأس الحركة الشعبية الجزائرية، وغول الذي ينتظر أن يحقق معه قريبا يرأس حزب تجمع أمل الجزائر.
تغييرات
وقبل التحقيق مع أويحيى وسلال، كانت المحكمة العليا قد عرفت تغييرا في هيكل مسؤوليها، فقد عين رئيس الدولة المؤقت عبد القادر بن صالح الإثنين الفارط عدة إطارات في قطاع العدالة وأنهى مهام اثنين آخرين.
وحسب بيان الرئاسة الجزائرية، فقد ” تم تعيين عبد الرشيد طبي رئيسا أولا للمحكمة العليا وعبد الرحيم مجيد نائبا عاما لدى المحكمة العليا وبيطام عبد المجيد مديرا عاما للموارد البشرية بوزارة العدل وحمدان عبد القادر مفتشا عاما بوزارة العدل و جعرير عبد الحفيظ مديرا عاما للشؤون القضائية والقانونية بوزارة العدل و قاسمي جمال رئيسا لمجلس قضاء الجزائر العاصمة”.
رغم أن هذه التغييرات بدت أنها قرارات لرئيس الدولة المؤقت، إلا أن الجميع يؤكد أنها أتت بناء على دعوات لقائد الأركان أحمد صالح
وأنهى بن صالح مهام فتيحة بوخرصة بصفتها رئيسة لمجلس قضاء تيبازة وملاك عبد الله بصفته محاميًا عامًا لدى المحكمة العليا.
وفي 20 مايو الماضي، تم تنصيب النائب العام المعروف بلقاسم زغماتي نائبًا عامًا لمجلس قضاء العاصمة، وهو الذي تم إبعاده في عهد الرئيس السابق بعد إصداره مذكرة توقيف دولية ضد وزير الطاقة والمناجم الأسبق شكيب خليل في قضية فساد طالت شركة “سوناطراك” النفطية، وهي القضية التي أحيلت من جديد على المحكمة العليا بعد إعادة فتح ملفها.
ورغم أن هذه التغييرات بدت في ظاهرها أنها قرارات لرئيس الدولة المؤقت المرفوض شعبيًا، إلا أن الجميع يؤكد أنها أتت بناء على دعوات لقائد الأركان الفريق أحمد قايد صالح، خاصة وأن هذه التغييرات أكثر من ضرورية لتطهير القضاء من بقايا الموالين للرئيس السابق ووزير عدله الطيب لوح.
الرأس الكبير
جرّ سلال وأويحيى إلى سجن الحراش، وقبلهما السعيد بوتفليقة ورئيس المخابرات السابقين الجنرالين محمد مدين وبشير طرطاق إلى المحكمة العسكرية بالبليدة، تدخل العدالة الجزائرية امتحانًا حقيقيًا يتمثل في مدى إمكانية وصول هذه التحقيقات لتشمل أيضًا الاستماع إلى أقوال الرئيس السابق عبد العزيز بوتفليقة الذي استقال في 2 إبريل الماضي.
يبقى الفرح بالقرارات المتخذة من طرف العدالة منقوصا بما أن الحل المناسب للانسداد السياسي يبقى غامضا
وإن كان ما تحقق إلى اليوم من تحقيق مع كبار المسؤولين في الدولة، والذي لم يكن يتوقعه ربما أكثر المتفائلين بمحاسبة رؤس نظام بوتفليقة، إلى أن محاسبة من حكم البلاد لعشرين سنة وسمح بارتكاب مختلف المهازل والاعتداءات في حق الشعب والدولة يبقى الأولى بالمحاكمة.
لكن جر بوتفليقة إلى العدالة، يبقى مرهونا أيضا بالشكاوى التي رفعت أو سترفع ضده، وكذا بحالته الصحية التي كانت حرجة إلى وقت قريب، وسببًا في إدخال البلاد في متاهات الفساد التي لم يسلم منها أي قطاع في البلاد.
ورغم ما تكتسيه هذه المحاكمات من أهمية للحراك الشعبي الذي شدد في عدة مسيرات على محاسبة المفسدين مهما كانت درجاتهم الوظيفية، يبقى الفرح بالقرارات المتخذة من طرف العدالة منقوصا بما أن الحل المناسب للانسداد السياسي يبقى غامضا حتى الآن رغم بروز بعض المبادرات التي قد تثمر جلسات حوار يحمل الفرج القريب.